التجارب التنموية للدول الصاعدة ودور الاقتصاد السياسي

نوع المستند : مقالات سیاسیة واقتصادیة

المؤلف

الجزائر.کلية العلوم الاقتصادية.جامعة ابن خلدون

المستخلص

الإقلاع الاقتصادي هدف الاقتصاديات التي لم تتمکن بعد من تحقيقه، وتسعى جاهدة لتوفير الشروط اللازمة لإطلاق قوى النمو فيها کمرحلة أولية ضرورية للوصول إلى تحقيق الهدف المرجو. تحقيق هذا الهدف يتطلب جهودا معقدة ومتعددة الجوانب، وتتطلب تغييرات هيکلية على عدة أصعدة. وعلى هذا الأساس، تلعب الدولة دورا هاما خاصة في التجارب التنموية لاقتصاديات الدول الصاعدة.

الإقلاع الاقتصادي هدف الاقتصاديات التي لم تتمکن بعد من تحقيقه، وتسعى جاهدة لتوفير الشروط اللازمة لإطلاق قوى النمو فيها کمرحلة أولية ضرورية للوصول إلى تحقيق الهدف المرجو. تحقيق هذا الهدف يتطلب جهودا معقدة ومتعددة الجوانب، وتتطلب تغييرات هيکلية على عدة أصعدة. وعلى هذا الأساس، تلعب الدولة دورا هاما خاصة في التجارب التنموية لاقتصاديات الدول الصاعدة.


Economic take-off is the goal of economies that have not yet been able to achieve and strives to provide the necessary conditions for launching its growth forces as a necessary preliminary stage to reach the desired goal. Achieving this goal requires complex and multifaceted efforts and requires structural changes at several levels. On this basis, the state plays an important role, especially in the development experiences of emerging economies.

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية


مقدمة

بعد مرور نحو نصف قرن من بدایة ما سمی ب "عصر التنمیة" وحلول الألفیة الثانیة، وجد العالم نفسه مستمراً فی الإنقسام بین مناطق متفاوتة من حیث مستوى التنمیة. واقع لم یخفه تغییر أدبیات التنمیة للمفاهیم والنعوت والتسمیات بالانتقال من ثنائیة "الدول المتقدمة والدول المتخلفة " إلى ثنائیة "دول الشامل ودول الجنوب".

إن الدول التی تبدأ فی التنمیة الإقتصادیة حدیثا، تبدأ من حیث إنتهى الآخرون ، و هی بذلک توفر الوقت والمال والجهد، من خلال الاستفادة من خبرات الدول المتقدمة وإنجازاتها العلمیة والتقنیة وإتباعها الخطوات نفسها التی إتخذتها هذه الدول فی المسار الصحیح.  خلال السنوات الماضیة، شهدت البلدان الصاعدة (الناشئة): دول البریکس (البرازیل، روسیا، الهند، الصین و جنوب إفریقیا) تحولات سیاسیة وإقتصادیة ذات حجم إستثنائی. فی المجال السیاسی، کان التحول الأکثر وضوحا هو عملیة الإنتقال من الاستبداد إلى الدیمقراطیة، حتى لو کان هذا الاتجاه لیس شاملا. أما التغییر الإقتصادی، فقد شهدت العدید من هذه البلدان أزمات إقتصادیة ومالیة حادة فی الثمانینیات والتسعینیات. وکان الرد على هذه الأزمات تغییرا عمیقا فی النموذج الاقتصادی. وقد شهدت جمیع البلدان الصاعدة التحول بین نموذجین، نموذج التنمیة الاقتصادیة الذی تقوده الدولة من أجل التطلع إلى تطور داخلی، و نموذج آخر یرکز على السوق والملکیة الخاصة والانفتاح الکبیر على التجارة الخارجیة و الاستثمار الأجنبی.

        ومع ذلک، فإن دور الدولة لم یختف. وظلت الدولة العامل الرئیسی فی ظهور بعض البلدان الصاعدة. فهی تلعب دور المخطط، المسیر، المطور والحامی، اللیبرالی والتنظیمی فی نفس الوقت. کمالم تؤثر الأزمة الإقتصادیة والمالیة فی الفترة 2007-2008 على موقف الدولة فی السیاسات الإقتصادیة لهذه البلدان الصاعدة.

وبناء على ما تقدم، تتبلور إشکالیة هذه الدراسة فی التساؤل التالی:

ما الدور الذی تلعبه الدولة فی تحقیق التنمیة فی الدول الصاعدة ؟

و تعد تجربة الدول الصاعدة من التجارب التنمویة الجدیرة بالإهتمام والدراسة لما حققته من إنجازات کبیرة یمکن أن تستفید منها الدول النامیة عامة و الدول العربیة خاصة کی تنهض من التخلف والجمود والتبعیة. کما أنها حققت قفزات هائلة فی التنمیة البشریة والإقتصادیة، و تمکنت من تأسیس بنیة تحتیة متطورة فضلا عن تنویع مصادر دخلها القومی من الصناعة والزراعة والمعادن والنفط والسیاحة وحققت تقدما فی میادین معالجة الفقر والبطالة والفساد وتخفیض نسب المدیونیة إلى مستویات کبیرة.

و سیتم تناول هذا الموضوع من خلال محورین. یتطرق المحور الأول إلى عمومیات حول الإقتصاد السیاسی والتجارب التنمویة فی الدول الصاعدة، والمحور الثانی یتطرق إلى دور الدولة فی تحقیق نجاح التجارب التنمویة للدول الصاعدة.

 

المحور الأول: عمومیات حول الإقتصاد السیاسی والتجارب التنمویة فی الدول الصاعدة

موضوع بحثنا هو أحد العلوم التی تنشغل بالنشاط الإنسانی فی المجتمع، ذلک هو علم الإقتصاد السیاسی الذی ینشغل بأحد الأنشطة الإجتماعیة بالنشاط الإقتصادی. حیث أن هذا العلم ساعد العدید من الدول خاصة الصاعدة منها من تحقیق نتائج جیدة من خلال تجاربها التنمویة و التی أصبحت عبرة یقتدى بها من طرف بقیة دول العالم، و هذا ما سنتطرق له من خلال هذا المحور.

1. الإطار العام للإقتصاد السیاسی

1.1. مفهوم الإقتصاد السیاسی

تمثل الإقتصاد السیاسی فی حالته الراهنة نتیجة عملیة تاریخیة تکون فی خلالها موضوع و منهج العلم و مجموعة الأفکار و النظریات المکونة له. حیث یعنی مصطلح الإقتصاد السیاسی على التوالی "منزل"، "إجتماعی"، و"قانون". وقد إستعمل هذا المصطلح لأول مرة فی بدایة القرن السابع عشر فی فرنسا على ید أنطون دی مونکریتان الذی نشر عام 1615 کتابا بعنوان "مطول فی الإقتصاد السیاسی".

فیمکن القول أن موضوع الإقتصاد السیاسی هو المعرفة المتعلقة بمجموع من الظواهر المکونة للنشاط اقتصادی للإنسان فی المجتمع، أی النشاط الخاص بإنتاج وتوزیع الخدمات اللازمة لمعیشة أفراد المجتمع. یظهر هذا النشاط فی شکل علاقة مزدوجة: علاقة بین الإنسان و الطبیعة و علاقة بین الإنسان و الإنسان. فجوهر عملیة الإنتاج هو علاقة بین الإنسان و الطبیعة حیث یقوم الإنسان  من خلال عمله بتحویل قوى الطبیعة لإشباع حاجاته. أما تعاون الأفراد فیما بینهم و تکامل العمل بینهم و تقسیمه یعد علاقة بین الإنسان و الإنسان.1

کما أن علم الاقتصاد السیاسی هو علمٌ یبحث فی ثورة الشعوب والأسباب التی تجعل مرتبة أمَّةٍ فوق مرتبة أمَّةٍ أخرى فی السعادة والرفاهیة، والغرض منه الإرشاد إلى ما ینبغی القیام به، لتقلیل عدد الفقراء والمساکین بقدر الطاقة، وإیقاف کلِّ واحدٍ على الوسائل التی توصله إلى إقتطاف ثمار عمله2. وبصفة عامة یمکن القول أن الثروة هی موضوع علم الإقتصاد السیاسی.

یمتاز علم الإقتصاد السیاسی عن العلوم الأخرى فی أنه یبحث فی الثروة من حیث هی، وطرق التصرف فیها على الوجه الأحسن، وکیفیة الإستفادة من العلوم الأخرى لإکتسابها.

2.1. تقسیم علم الإقتصاد السیاسی

یبحث علم الإقتصاد السیاسی فی أمورٍ أربعة هی:

 أولًا: المادة.

ثانیًا: الإستنفاد أی الإستهلاک.

 ثالثًا: إحداث الثروة وتحصیلها.

 رابعًا: توزیعها.

إن هذه التقسیمات هی عین فروع علم الإقتصاد السیاسی، فالذی ینبغی أن نعلمه أولًا هو معرفة الغایة من الثروة التی هی موضوع هذا العلم، ویأتی بعده تبیین کیفیة إستعمالها والتصرف فیها، وعلى هذا الأساس فإنه لا یصح إطلاق لفظ الثروة على شیءٍ إلا إذا أمکن تطبیق هذا الشیء على مصلحةٍ ما، وأنه قبل الحصول على الثروة یجب الوقوف على طرق إستعمالها والإستفادة منها، وفی الفرع الثالث یعلم الفرد کیفیة تحصیل الثروة وإیجادها، وفی الفرع الرابع کیفیة توزیعها على طبقات الناس الذین کان الغرض من کدِّهم وتعبهم إیجادها والحصول علیها.

والکلام فی هذه الموضوعات کلها یلزمنا ذکر الضرائب والرسوم، فإنه لا بدَّ لکلِّ بلدٍ تخصیص جزءٍ من ثروته لأجل القیام بمصاریف الدفاع عن البلاد وحکومة الأمة، ویمکن ضمُّ الفصل الخاص بالضرائب إلى القسم الرابع من أقسام علم الإقتصاد السیاسی وهو قسم توزیع الثروة.3

2. مفهوم الدول الصاعدة (القوى الناشئة)

   أدرکت شعوب العالم ودوله ومنظماته الدولیة، أنها تواجه تحدیات عالمیة مشترکة، لا یمکن التصدی لها بإستراتیجیات وأجندات تنمویة منفصلة، ومتعارضة أحیاناً، فبادرت دول الشامل المصنعة بإطلاق "أهداف التنمیة للألفیة"، تحدد الأولویات التنمویة للدول، وتضع مؤشرات لمتابعة سیاسات تجسیدها وتقییمها خلال الفترة الممتدة من عام 2000 إلى عام 2015.

   مع مطلع القرن الحادی والعشرین وبدایة بروز قوى صاعدة جدیدة على غرار مجموعة البریکس BRICS، وتکتلات ضخمة کالإتحاد الأوروبی، بدأ التکهن بحدوث نقلة جدیدة لتوزیع القوى فی النظام العالمی، ما یهدد مکانة الولایات المتحدة الأمریکیة کقطب أوحد.

لفهم دور القوى الصاعدة یجب التطرق لأبرز نموذج وهو مجموعة البریکس التی عرفت قفزة نوعیة خاصة فیما یتعلق بالأداء الاقتصادی لهذه الدول، والذی سمح لها بالتقارب.

    رغم الصعوبات الکبیرة التی لا تزال تواجهها دول الجنوب من أجل الخروج من تخلفها وتحقیق تقدم فی مخـتلف أبعاد التنمیة، فقد نجحت بعض الدول فی بلوغ مستویات عالیة وسریعة من النمو الإقتصادی إمتدت عقودا، الأمر الذی جعلها محل إهتمام المؤسسات الدولیة والقوى الاقتصادیة الغربیة القائمة، والتی صنفتها تقاریرها ودراساتها الرصدیة والإستشرافیة ضمن ما أطلق علیه ب " الإقتصادیات/ الأسواق/  الدول الصاعدة ". وأبرز تلک القوى هی الدول التی أطلق علیها " البریکس BRICS 4". وهذه الدول هی: البرازیل، روسیا، الهند، الصین، جنوب إفریقیا، حیث أن بریکس هی الأحرف الأولى باللغة اللاتینیة لدول المجموعة: (Brazil-Russia-India-China-South Africa)، برسیت BRICET (دول البریک + دول شرق أوروبا + ترکیا(،

بریکم BRICM (بریک + المکسیک(، مینت MINT ) المکسیک، اندونسیا، نیجیریا، ترکیا(،    NEXT 11 (بنغلادیش، مصر، اندونیسیا، إیران، المکسیک، نیجیریا، باکستان، الفلبین، کوریا الجنوبیة، ترکیا، وفیتنام(، سیفیتس CIVET )کولومبیا واندونیسیا وفیتنام ومصر وترکیا وجنوب أفریقیا(،و دول فیستا VISTA (الفیتنام، اندونیسیا، جنوب إفریقیا، ترکیا، الأرجنتین(.5

الدول الصاعدة "القوى الصاعدة"  أو "القوى المنبثقة"  أو "القوى الناشئة" أو "الإقتصادیات الصاعدة" باللغة الفرنسیةPays émergents  ، باللغة الإنجلیزیة Rising Powers هناک من یرى أنه لا یوجد تعریف لها، و هناک من یقول أنه لیس لها تعریفا إقتصادیا محددا. هذا التصور ظهر فی ثمانینات القرن العشرین مع التطور فی أسواق البورصة فی الدول النامیة 6، أو دول الجنوب، تزامنا مع بحث بنوک الاستثمار الأمریکیة عن أسواق لتعظیم مکاسبها، وحمایة مکانتها کقوة فی الأسواق المالیة. 7

إستحدث مصطلح الدول الصاعدة من طرف الاقتصادی الهولندی Antoine Van Agtmael فیتجمع المالی الدولی، وکان أول إستعمال للعبارة سنة 1981 ، وکانت هذه الدول تقدم فرصا مناسبة للمستثمرین  .8

الإقتصادیات الناشئة هی تلک الإقتصادیات التی تملک بعض من خصائص الإقتصادیات المتطورة لکن لا یمکن ادراجها فی قائمة الإقتصادیات المتقدمة، کما أنها تلک الإقتصادیات التی لا یتجاوز الناتج المحلی فیها للفرد العتبة التی یحددها البنک الدولی لتمییز هذه الدول عن الدول المرتفعة الدخل. 9

1.2. خصائص الدول الصاعدة:

یمکن القول أن الدول الصاعدة هی تلک الدول الأقل تقدما أو التی لا تصل إلى مستوى الدول المتقدمة، و تتمیز هذه الدول بعدة خصائص نذکر منها:

-       تسجیل نمو سریع.

-       مستوى معیشی للأفراد متجه نحو الدول المتقدمة.

-       الشرکات الجدیدة و البنیة التحتیة.

-       نوعیة حیاة المواطنین.

-       نمو بلیغ فی دخل الفرد و نصیب مرتفع فی الدخل العالمی.

-       أشد نموا و أضعف تدینا و أکثر إستقطابا للإستثمار الأجنبی. 10

-       هذه الدول إندمجت سریعا فی الاقتصاد العالمی على صعیدین:

أ‌.       الصعید التجاری: تنمی قطاع التصدیر

ب‌.   الصعید المالی: تفتح الأسواق المالیة على رأس المال الأجنبی. 11

2.2. الأسباب التی أدت إلى صعود هذه الدول:

- تقسیم العمل: من خلال تطبیق الدول الصاعدة لنموذج التنمیة المنبسط (an extroverted development model ).

- نمو الصادرات: النمو الإقتصادی لهذه الدول معزز فی بدایته بالعرض الداخلی (الوطنی) کبدیل للإستیراد.

- قیمة الإستثمار: تمویل العصرنة مصدره قیمة الإدخار التی ترتفع بإرتفاع السکان. خاصة الإستثمارات المحققة من طرف البنوک الأجنبیة.

3.1. التجارب التنمویة للدول الصاعدة (دول البریکس)

1.3.1. الإنطلاقالإقتصادیفیالصین

إن الإنطلاق الاقتصادی الباهر الذی حققته الصین یتجلى فی مظاهر عدة یمکن الإشارة إلى بعضها کما یلی:

أ. الإنفتاحالإقتصادیالعالمیمعالمحافظةعلىالخصوصیة:للعوامل ذات البعد الخارجی أثرا واضحا سریعا فی تجربة انطلاق الاقتصاد الصینی، حیث أن برنامج التحدیثات استهدفت أول ما استهدف تحقیق انفتاح الصین بعد عزلتها الدولیة فی فترة حکم ماوتسی تونغ، و اندماجها عالمیا بشکل متدرج مخطط له بدقة، یسمح لها بالاستفادة من المزایا لهذا الانفتاح، وفی مقدمتها تدفقات الاستثمار الأجنبی  المباشر ما یتصل بها من نقل التکنولوجیا وتنویع الصادرات والمعرفة التقنیة والتسییریة، ولقد تعمق هذا الانفتاح بانضمام الصین للمنظمة العالمیة للتجارة بکل ما یصاحبه من فرص وتحدیات.

ب. الانفتاحالتجاریوالاندماج:سجل التاریخ للصین حرصها منذ القدم على توطید العلاقات التجاریة مع بلدان عدیدة اذ تسعى جاهدة لإعادة ازدهار طریق الحریر بنکهة رأسمالیة انفتاحیه على العالم الخارجی،الا ان الاهتمام بالانفتاح التجاری تراجع مع انتهاج الرئی الصینی) ماوتسی تونغ) سیاسة الانغلاق على العالم الخارجی، وهو ما أثر بشکل سلی  کبیر على نصیب الصین من التجارة الخارجیة، حیث لم یتجاوز نسبة 1.44% سنة 1955، وتدهور الى 0.4%  سنة 1975.

یرى بعض الباحثین ان اندماج الصین وانفتاحها عالمیا یعتب العامل الأهم فی انطلاقها الاقتصادی، وقد حذت فی ذلک حذو الاقتصادیات الاسیویة السابقة لها، والتی تبنت هی الأخرى انطلاقها على الانفتاح، کالیابان والتنانین (Dragons) فی الستینیات والنمور الأسیویة (Tigers)  فی السبعینیات. 

من الآثار الإیجابیة لانفتاح الصین على الاقتصاد العالمی: 12

  • تضاعف حجم التجارة الدولیة للصین: 247% خلال 1989-1996.
  • إرتفاع احتیاطات الصرف الدولیة للصین وقد بلغت 4698 ملیار دولار مارس 2013.
  • تطور الصادرات والواردات الصینیة فی العقد الأخیر من القرن العشرین، حیث بلغت

       نسبة نموها 541.1% مقابل 215.7%  للولایات المتحدة الأمریکیة و 77.7% للیابان

       و 31.9%  لألمانیا.

  • احتلت الصین عام 2014 المرتبة الثانیة بین القوى المصدرة بمساهمتها بأکثر من 12% من الصادرات العالمیة قبل الولایات المتحدة الأمریکیة 8.53%  و ألمانیا  7.95%.
  • وفی نفس السنة 2014 استقبلت الصین 10.26% من الواردات العالمیة، مما جعلها فی المرتبة الثانیة بین أکبر الأسواق العالمیة، ومنذ عام 2000 تساهم الصین بما یعادل الاتحاد الأوروبی فی رفع الطلب العالمی على الواردات.

 

ت. الصینوالمنظمةالعالمیةللتجارة:

ان الانضمام لمنظمة العالمیة للتجارة یشکل فرصة للصین لاکتساح الأسواق العالمیة فی المجالات التی تمتلک فیها المیزة التنافسیة کالنسیج الذی أصبحت اول مصدر عالمی (20% من إجمالی الناتج العالمی(، ولکن فی المقابل یفرض هذا الانضمام على الصین التزامات عدة أهمها:

  • التحریر وفتح الأسواق لمزید من المنافسة العالمیة.
  • إزالة کل العوالق امام دخول الشرکات الأجنبیة وعملها.
  • التخلی عن تقدیم الدعم للصادرات او المؤسسات المحلیة بشکل تمییزی.
  • منح المؤسسات البنکیة إمکانیة انجاز الصفقات بالعملة الصعبة.
  • ·        الغاء القیود الجمرکیة والکمیة على السلع المصنعة.

ث. دورالاستثمارالأجنبیالمباشرفیانطلاقالاقتصادالصینی

سعت الصین الى جذب الاستثمار الأجنی  المباشر طمعا فی المزایا المرافقة له کنقل التکنولوجیا، المعرفة التسییریة، تسهیل الوصول الى الأسواق الدولیة، وتحسین الإنتاجیة وتنافسیة المؤسسات المحلیة، وهذا بعدما ظلت لفترة طویلة تتخذ موقفا حذرا من کل ما هو أجنی، ولقد تمکنت الصین فعلا من تحقیق مستوى متقدم جدا فی هذا المجال حیث تعتب الدولة الناشئة الأولى الأکثر جذبا للاستثمار الأجنی  المباشر، وعلى الصعید العالمی احتلت الصین المرتبة الثانیة بعد الولایات المتحدة الأمریکیة و إنجلترا فی استقبال الإستثمار الأجنبی المباشر عام 2014، و خلال الفترة (1980-2006) 13 إستثمر أکثر من 514385 شرکة برؤوس أجنبیة ما یتجاوز 600 ملیار دولار أمریکی. وبدأت الصین سیاستها بجذب FDI بانفتاح حذر من خلال المناطق الاقتصادیة الخاصة التی تمنح مزایا ضریبیة مغریة للمستثمرین الأجانب بالإضافة الى موقعها الجغرافی الإستراتیجی. وقد بلغ الإستثمار الأجنبی المباشر فی الصین 192 ملیار دولار14 عام 2017 لتصل الصین إلى ما نسبته 12.71% من الحصة العالمیة للإستثمار الأجنبی.

2.3.1. الإنطلاقالإقتصادیفیالبرازیل

یعد النموذج التنموی البرازیلی من النماذج الرائدة فی العالم، بالرغم من إستمرار الحکم العسکری لأزید من نصف قرن، إلا أن البرازیل إستطاعت بناء نظام دیمقراطی ناجح إقتصادیا وإجتماعیا،

ویمزج بین سیاسات یساریة لمصلحة الفقراء والطبقة المتوسطة، وسیاسات لیبالیة تحمی مصالح الطبقة العلیا، یمثل مصدر أمل لدول الجنوب من أجل التطور والتقدم وتحقیق الإنطلاق الإقتصادی والذی قطعت البرازیل فیه أشواطا لا بأس بها فهی تعد حالیا من بین أقوى الإقتصادیات الناشئة ومن المرجح مستقبلا أن تصبح من الإقتصادیات المتقدمة قامت البرازیل بمجموعة من الإستراتیجیات التی سمحت بالإقلاع الاقتصادی.15

البرازیل من الإقتصادیات الناشئة التی إنتقلت من التخصص بزراعة البن (20% من الصادرات)، إلى الدولة الأکبر فی أمریکا اللاتینیة 37%  من الناتج المحلی، صاحبة الصدارة فی المدیونیة العالمیة سنة 1995 حوالی 151 ملیار دولار الى دولة تستقبل 969 ملیار دولار کإستثمارات أجنبیة 2014، وتتوجه إلى الإستثمار التنموی المباشر، تشارک مع البنک الدولی بقیمة 5.5 ملیار دولار، وبسبب ضعف مصادرها فی الطاقة تتجه إلى الإیثانول، وتسیر سیارة من کل ثلاث سیارات بإستخدام هذه الطاقة، تمتلک البرازیل الیوم سابع أکبر إقتصاد على المستوى العالمی حیث حققت أقوى معدلات نمو فی الفترة (2000-2010) بمعدل بلغ 5% سنویا، وقد حققت البرازیل أعلى درجة تنافسیة فی العالم عام 2009. 16

تعتبر الصناعة مفصلا أساسیا فی تغییر سیاسة البرازیل فطورتها بتصنیع بعض السلع بدلا من إستیرادها، و فی فترة وجیزة حققت معدلات نمو کبیرة فی مجال التصنیع لتحتل به المرتبة الأولى فی أمریکا اللاتینیة، مستوعبة بذلک 24% من السکان النشطین ومساهمة فی 37%  من الناتج المحلی الإجمالی وبثلثی الصادرات. تأتی الصناعة الغذائیة فی المرتبة الأولى تلیها صناعة النسیج، کما عرفت الصناعات المیکانیکیة تطورا سریعا، متمتعة بالتکنولوجیا العالیة، تحتل البرازیل حالیا مرکزا عالمیا للتصنیع مستفیدة من وجود الصلب والید العاملة الرخیصة .17

3.3.1. إنطلاقة الإقتصاد الروسی:

     تراجعت دیون روسیا الخارجیة إلى 52 ملیار سنة 2006 بعد أن ورثت دینا مقداره 100 ملیار من الإتحاد السوفییتی، تصل الآن الإحتیاطات النقدیة إلى مشارف 400 ملیار دولار فی 2004. 18

عرف الإقتصاد الروسی بعد تطبیق الإصلاحات جملة من التحسینات والقفزات فی المؤشرات الإقتصادیة، فبعدما کان النمو سالبا فی بدایة التسعینیات بلغ 10% سنة 2000 وبعد ذلک استقر فیما بین 5%  إلى 7%  فی الفترة (2001-2008) وعرف بعدها إنهیارا متأثرا بالأزمة المالیة العالمیة لکن عاود فی 2010 الصعود، کما زاد خلال تلک الفترة إنتاج النفط حیث بلغ 480 ملیون طن سنة 2006 ووصلت صادراته إلى 349 طن وإزداد أیضا إنتاج الغاز الطبیعی و الإنتاج الزراعی. کما إرتفعت أیضا رواتب العمال إلى 13.3% وإنخفضت البطالة إلى 5%.

4.3.1. إنطلاقة الإقتصادالهندی

 تمثل التجربة التنمویة الهندیة واحدة من أهم التجارب المثیرة للجدل فی العالم المعاصر، ذلک أن هذا البلد، إستطاع فی السنوات الأخیرة أن یحقق تطورا کبیرا فی مقدراته التنمویة، وأن یصبح قوة إقتصادیة ناشئة.

  إستطاعت الهند أن تبنی إقتصادا قویا قائما على المقدرات الذاتیة وعلى الموارد البشریة المؤهلة، إنتقلت الهند من سیاسة الإنکماش والإنعزال الإقتصادیین إلى سیاسیة الإنفتاح على العالم، وعلى الإستثمارات الأجنبیة التی طورت إقتصاد البلاد، بدءا من تسعینیات القرن الماضی.19

  ولاشک أن هناک عوامل ساعدت على تحقیق التنمیة فی الهند، ویمکن القول أن هذه العوامل لم تکن معزولة عن سیاق التحدیث الذی عرفته تجربة الهند للإنتقال من إقتصاد نامی إلى قوة ناشئة، فمن الصعب الفصل بین العامل والنتیجة، ففی بعض الحالات التنمویة نجد أن التعلیم یکون رافعة للإقتصاد، أو العکس الإقتصاد المتطور یتطلب مؤهلات وکوادر یستجیب له النظام التعلیمی، حیث کما إستفادت الهند  بشکل کبیر من إرثها التاریخی. ومن بین العوامل التی کانت مساعدة على نمو الإقتصاد الهندی، قدرة الهند على بلورة مسار تحدیثی أکثر أمانا من الناحیة السیاسیة، لأنها تجمع بین میزة التکامل والإندماج فی الإقتصاد العالمی إلى جانب صغر حجم فجوة الثروة فی إقتصادها، وعلاوة على ذلک فإن الهند تتوفر على أکبر سوق إستهلاکیة بحکم تعداد سکانها فالسوق الهندی الداخلی ضخم للغایة، ومن ثم فهی فی وضع أفضل، ولدیها القدرة بالتالی على ترکیز معظم طاقتها الإقتصادیة لتلبیة حاجة مستهلکیها المحلیین. ومن جهة أخرى فقد بلغ معدل النمو الإقتصادی بالهند نسبة 7.96% من الناتج المحلی الخام.20

5.3.1. إنطلاقة الإقتصاد الجنوب إفریقی

یقوم الإقتصاد الجنوب إفریقی على ثلاث محاور رئیسیة (الصناعة، التعدین، التجارة) ویعد القطاع الصناعی المولد الرئیسی للنمو الإقتصادی فی البلاد، وتشهد جنوب إفریقیا تقدم تکنولوجی ملحوظ فی عدد من القطاعات الصناعیة والخدمیة أهمها الطاقة، الوقود، التعدین، الحدید والصلب، الإتصالات وتکنولوجیا المعلوماتیة بالإضافة الى بنیة أساسیة متطورة وشبکة طرق واتصالات تعتبر الأکبر والأکثر تقدما فی القارة الافریقیة.

تعتبر جنوب إفریقیا أقوى إقتصاد إفریقی، بلغ النمو الإقتصادی فی جنوب إفریقیا معدلات قیاسیة فی تسعینیات القرن الماضی بعد أن کان سالبا فی بدایتها لکن سرعان ما تدارک الأمر سنة 2006 و قدر ب 5.60 %. وعرف الإقتصاد الجنوب إفریقی قفزات فی المؤشرات الإقتصادیة الأخرى على غرار الإستثمارات الأجنبیة، حیث انه من اجمالی 500 شرکة إفریقیة رائدة لجنوب إفریقیة أکثر من 127 شرکة ولهذه الأخیرة رقم أعمال قدر ب 62 % من إجمالی رقم الأعمال للشرکات 500.

المحور الثانی: دور الدولة فی تحقیق نجاح التجارب التنمویة للدول الصاعدة

إن التاریخ الإقتصادی لتطور دور الدولة فی الإقتصاد طویل ومتشعب متنقلا بین طرفین متقابلین: طرف لا یعترف بهذا الدور ویحصر دور الدولة فی وظائف تقلیدیة محددة وهو ما یشیر إلیه دور الدولة الحارسة، وطرف على عکس ذلک یمنح للدولة دورا فعالا فی تحقیق النمو الإقتصادی وهو ما یطرح تحت مفهوم دولة الرفاه.

إن بحث الدور الإقتصادی للدولة فی ظل التجارب التنمویة یستهدف معرفة ما إذا کان هذا الدور یستند إلى منطلقات نظریة فرضتها النماذج النظریة المتبعة، أم إلى إیدیولوجیة سیاسیة، وإنما الظروف هی التی کانت وراء ذلک.

1. بالنسبة للتجربة الصینیة:

بعد وفاة ماوتسی تونج (عام 1976) بعامین وخلال إنعقاد المؤتمر الحادی عشر للحزب الشیوعی الصینی، تم الإتفاق على العمل للقیام بالإصلاحات الإقتصادیة التی من شأنها تقلیل الفجوة بین الأغنیاء والفقراء من خلال إستمرار المساعدات الحکومیة لرفع المستوى المعیشی للفرد الصینی.

لما تولى دنج سیاو بنج الحکم جاءت سیاسة الإصلاح الإقتصادی والإنفتاح على العالم الخارجی عام  1978، فطبق دنج سیاو بنج إقتصادا إشتراکیا للسوق ورفع شعار "الخیار الجدید" بهدف بناء قاعدة إقتصادیة وعلمیة وتکنولوجیة تمکن الصین من خوض تجربة المنافسة فی السوق العالمیة، وقد تبنى سیاسة الإنفتاح على العالم الخارجی خاصة الولایات المتحدة الأمریکیة.21 فی عام 1978 تم عقد مؤتمر حیث تم طرح برنامج التحدیثات الأربعة. ویمکن أن نوجز هذا البرنامج فیما یلی:

1. جعل الاقتصاد الصینی أکثر قدرة على التکیف مع التغیرات الهیکلیة التی یعرفها الاقتصاد العالمی. وقد قسم احد مستشاری الأمین العام السابق للحزب الشیوعی زهاوزیانج الدول إلى أربع مجموعات من حیث القدرة على التعامل مع المتغیرات التی تصیب المجتمع الدولی فی جوانب عدة وهی کالأتی:22 
أ. حکومات جامدة وإقتصاد جامد: أی أن هیکل السلطة من ناحیة وبنیة الإقتصاد من ناحیة ثانیة لیسا مؤهلین للتکیف مع المتغیرات، ومثال ذلک الاتحاد السوفیتی. 
ب. حکومات جامدة واقتصاد مرن: أی إن آلیات التکیف فی القطاع الاقتصادی أوفر منها فی القطاع السیاسی، ومثال ذلک الدول التی تدعی "النمور الآسیویة".
جـ. حکومات مرنة واقتصاد جامد: أی إنه نمط مغایر للنمط السابق، ففی هذا النمط تکون الحکومة أکثر قدرة على التکیف من البنیة الاقتصادیة، کما هی الحال فی الهند. 
د. حکومات مرنة واقتصاد مرن: وهو النمط المتوافر فی الدول المتطورة، حیث یتمتع کل من الحکومة والاقتصاد بوفرة لآلیات التکیف مع التغیرات الدولیة. ویرى المستشار أن الصین یجب أن تعمل على الانضمام إلى هذه المجموعة. 
2. إعادة النظر فی أولویات التنمیة بحیث یتم الترکیز على الزراعة ثم الصناعة فالبحث العلمی وأخیراً الدفاع. 
3. إعادة هیکلة قطاعات الإنتاج، حیث جرى إقرار نظام المسؤولیة العائلیة (أقرها الحزب عام 1980) الذی یقضی بتحویل المزارع الجماعیة إلى حیازات عائلیة، والسماح بمشروعات خاصة. وتحتفظ الدولة بسیطرتها على الصناعات الثقیلة وقطاع الطاقة والتعدین. 
4. الإصلاحات الحضریة ( أقرها الحزب عام 1984) وتقوم على لامرکزیة تسییر المشروعات العامة، وبخاصة فیما یتعلق بسیاسات الأسعار والعمالة، وفتح المجال أمام بناء المشروعات المشترکة مع الاستثمارات الأجنبیة أو السماح لها بإقامة مشروعات خاصة بها بعد الحصول على رخصة بذلک، وأصبح من حق المقاطعات أن یکون لها ممثلون تجاریون فی الخارج، ویکون هؤلاء الموظفون مسؤولین أمام السلطات المحلیة ولیس أمام وزارة العلاقات الاقتصادیة والتجارة الخارجیة. 
5. منح المؤسسات الإداریة درجة من الإستقلالیة عن بیروقراطیة الحزب. 
6. تسهیل قنوات التجارة الخارجیة بتخفیض الرسوم الجمرکیة. 
7. السعی للانضمام إلى الهیئات المالیة والتجاریة الدولیة. 
8. تشجیع المرافق السیاحیة والشروع فی عملیة واسعة لبناء هذا المرافق. 

  إن ما یرمی إلیه هذا الزعیم الصینی هو زیادة الإنتاج والوصول بالمجتمع إلى الرفاهیة الاقتصادیة، وفی سبیل تحقیق ذلک فإن على الصین أن تسیر فی الطریق الذی یوصلها إلى ذلک بغض النظر عما إذا کان إشتراکیاً أم رأسمالیا.ً

   فی المؤتمر الثانی عشر للحزب الشیوعی الصینی 1982، طرح دنج سیاو بنج " نظریته لبناء الإشتراکیة ذات الخصائص الصینیة" التی تناولت کیفیة العمل من أجل تطویر الإشتراکیة، ومراحل التنمیة، والظروف الخارجیة. وعندما شارف العقد الثامن من القرن الماضی على الإنتهاء، کانت الصین قد " أذعنت أخیراً للمنطق الاقتصادی فی التصنیع المتقدم... وقد قبلت الحاجة إلى الأسواق وصناعة القرار الإقتصادی غیر المرکزی" غیر أن السیاسة الخارجیة الصینیة تتمیز على سواها، خصوصاً، الدول الإشتراکیة الأوروبیة والإتحاد السوفیتی، ذلک أنها لم تتعرض إلى تغیرات سیاسیة حادة، والسبب فی ذلک یعود إلى ما یلی:
1. إن الحزب الشیوعی الصینی قد حافظ على السلطة والتصدی لکافة المحاولات لزعزعة النظام. 
2. إن القیادة الصینیة لم تعتمد أسلوب الإنفتاح بصورة مفاجئة کما فعلت دول المعسکر الاشتراکی. 
وقد ساعد ذلک فی التخفیف من شدة الضغط الإقتصادی والخروج من العزلة والإنفتاح على العالم وإمتصاص ردود الفعل المعاکسة وثبتت أرکان حکم النظام بشکل أقوى من قبل. وقد مرت الإصلاحات والإنفتاح التی قامت بها الدولة بثلاثة مراحل: 23

أ. تحقیق مضاعفة مجمل قیمة الإنتاج القومی خلال السنوات العشر من عام 1980 إلى 1990، من أجل حل مشکلة الغذاء والکساء للسکان. 
ب. تحقیق مضاعفة مجمل قیمة الإنتاج القومی مرتین أخریین عند حلول سنة 2000 مع وصول معیشة الشعب إلى مستوى الحیاة المیسورة. 
ج. تتمثل فی تحقیق عصرنة الإقتصاد الصینی فی أواسط القرن الحادی والعشرین، والوصول بالإقتصاد الصینی إلى مصاف القمم الصناعیة العالمیة فی کثیر من حلقات الإنتاج الصناعی، فضلاً عن الوصول إلى مستوى الدول المتطورة فیما یتعلق بمؤشر نصیب الفرد من مجمل الإنتاج الوطنی. 

إستطاع الرئیس الصینی الحصول على موافقة المؤتمر الحادی عشر للحزب الشیوعی الصینی على إجراء الإصلاحات. ثم حصل على موافقة المؤتمر الرابع عشر على الإسراع بعملیة الإصلاح الاقتصادی. وتم إستخدام مصطلح إقتصاد السوق الإشتراکی أو الإشتراکیة ذات الخصائص الصینیة، فمصطلح الخصخصة لم یلقى قبولاً فی الصین على مستوى القیادة. وکانت الإصلاحات المتجسدة فی إقتصاد السوق هی:
- إنخفاض مساهمة الوحدات المملوکة للدولة فی الصناعات التحویلیة من 53% عام 1991 إلى 34% عام 1994، وارتفاع نسبة مساهمة الوحدات الفردیة من 6% إلى 13.5% لنفس الفترة. 
- نجاح جیانج زیمن الرئیس الجدید فی الحصول على موافقة المؤتمر الخامس عشر للحزب الشیوعی المنعقد فی أیلول 1997 لبرنامجه القاضی ببیع النسبة الغالبة من الوحدات الصناعیة المملوکة للدولة. 
- إنضمام الصین إلى مؤسسات صندوق النقد الدولی والبنک الدولی للإنشاء والتعمیر، وهی المؤسسات التی تبدو فیها الهیمنة الأمریکیة واضحة بشکل أو بأخر.
- إن القیادة الصینیة قد درست التجربة السوفیتیة وتجربة دول أوربا الشرقیة، والتی نجم عنها إنتهاءاً سیاسیاً وإقتصادیاً. وبموجب ذلک فقد جاءت عملیات الإصلاح الإقتصادی من داخل وتحت مظلة الحزب الشیوعی الصینی نفسه ولیس إنقلاباً من فئات سیاسیة خارجة عنه کما حصل فی أوروبا الشرقیة. کما لم تتخلى القیادة الصینیة عن أولویة القطاع الزراعی لصالح القطاع الصناعی کما هو شأن التجربة السوفیاتیة والأوروبیة الشرقیة، حیث أسهم ذلک فی تعجیل الفشل الإقتصادی ومن ثم السیاسی والأیدلوجی فی هذه التجارب. 

  فالعمل بأسلوب الإنتقال من مرحلة إلى أخرى بشکل تدریجی هو ما یمیز التجربة الإقتصادیة فی الصین، حیث العمل بنظام إقتصاد السوق ومغادرة نظام التخطیط المرکزی. فقد إقتصرت التجربة فی البدایة على مناطق محدودة والعمل على نقلها إلى کل المناطق فی البلاد فی حال نجاح التجربة. کما أن الأسلوب التدریجی کان واضحاً أیضاً فی أن تقتصر تجربة الإصلاح على قطاع معین ثم تعمیمها على القطاعات الأخرى. فتم إختیار قطاع الزراعة، ثم إنتقلت إلى بقیة القطاعات الأخرى. إن هذا الأسلوب قد ساعد على إستمرار هذه التجربة وعدم فشلها.

   بدأت مسیرة عملیات إقتصاد السوق منذ عام 1993 والتی تهدف إلى إعادة هیکلة الإقتصاد الصینی وقد أصبحت هذه التجربة نموذجاً للدول الأخرى لا سیما دول العالم النامی، بعد أن أحدثت تحولات کبیرة فی شعب یزید تعداده 1.2 ملیار نسمة حیث إستطاعت هذه التجربة توفیر الملبس والمأکل لخمس سکان العالم. ومن المؤشرات التی تدل على أن الصین ماضیة فی هذا الطریق، إنشاء خمس مناطق إقتصادیة تطبق فیها سیاسات إقتصادیة خاصة، والتی یمکن توضیحها بما یلی:
- تعتمد تنمیة اقتصاد المناطق الخاصة بشکل رئیسی على اجتذاب رؤوس الأموال الأجنبیة والإستفادة منها ومن منتجاتها بشکل أساسی نحو التصدیر. إن اقتصاد المناطق الخاصة هو وحدة جامعة مکونة من المؤسسات المشترکة الاستثمار والمؤسسات التعاونیة بین الصین والأجانب والمؤسسات الأجنبیة الإستثمار بشکل أساسی إلى جانب وجود الأشکال الإقتصادیة المتنوعة الأخرى، ویخضع الإقتصاد فی المناطق الخاصة لقیادة الإقتصاد الإشتراکی فی عموم الصین. 
- ضرورة إظهار دور التکییف للسوق ضمن الحرکة الإقتصادیة فی المناطق الخاصة. 
- تقدیم الإمتیازات والتسهیلات الخاصة فی مجالات الضرائب وإجراءات تأشیرات الدخول والخروج للتجار الأجانب القادمین إلیها بقصد الإستثمار. 
- تطبیق نظام إداری مختلف عن نظام المناطق الداخلیة، إذ تتمتع المؤسسات فیها بحریة أکبر. 

 

 

2. بالنسبة للإقتصاد البرازیلی:

قامت الدولة فی البرازیل فی بدایة التسعینیات من القرن المنصرم بتبنی سیاسات إصلاحیة وهذا لتعدیل مسار إقتصاد البلاد، فإتجهت نحو إقتصاد السوق عن طریق القضاء على الحواجز الجمرکیة  وإطلاق برنامج الخوصصة خاصة فی قطاعی التجارة والمال من خلال بیع أسهم الشرکات العامة کما أنها قامت بتحریر الأنشطة التجاریة، وزیادة الدعم المالی الموجه للبحوث العلمیة.

عرف الإقتصاد البرازیلی بعد الإصلاحات نموا إقتصادیا لکن بعد الأزمة التی شهدتها إقتصادیات

أمریکا اللاتینیة والتی ألقت بظلالها على الإقتصاد وبالتالی تبنی سیاسات إقتصادیة تنمویة واعدة سرعان ما أثبتت فاعلیتها حیث وصل النمو الإقتصادی إلى أعلى مستویاته سنة 2010 بمعدل 7.5%، وأصبحت البرازیل بفضله من بین أقوى الإقتصادیات على المستوى العالمی لتنضم بذلک إلى دول مجموعة البریک فی قیادة الإقتصادیات الناشئة فی العالم. 24

3. بالنسبة لإقتصاد روسیا:

بعد إنهیار الإتحاد السوفیتی تحولت روسیا من إقتصاد شمولی یعتمد على التخطیط المرکزی إلى إقتصاد السوق الحر، قامت روسیا بإجراء بعض الإصلاحات وأصبحت بفضل هذه الإصلاحات تسابق للعودة إلى مصاف الدول العظمى إقتصادیا. حیث یشیر رئیس دائرة التنبؤات الإقتصادیة فی وزارة التنمیة الروسیة إلى أن حجم الناتج المحلی الروسی سیبلغ عام 2020 ما یقارب 5 تریلیونات دولار أی أنه سیتضاعف خمس مرات عن عام 2006 ، و ستحتل روسیا بذلک الموقع الخامس عالمیا، و سیقل الإعتماد فی هذا النمو على قطاع النفط والغاز ، رغم أهمیة زیادة إستخراجهما إقتصادیا، فالأمل الروسی معقود على الإستفادة القصوى من الموارد الأخرى المتاحة، و زیادة القدرة التنافسیة، و تحدیث القطاع الصناعی الضخم، لا سیما القطاع التحویلی، روسیا الیوم هی الأقل أوروبیا على صعید ضریبة الدخل 13%  فقط، کما تم تخفیض ضریبة القیمة المضافة و ألغیت ضریبة المبیعات.

4. بالنسبة للإقتصاد الهندی:

مرت الهند بأزمة حادة أدت إلى إنهیار الموارد المالیة الحکومیة وإنخفاض مستویات المعیشة تحت خط الفقر، وقد دفعت شدة الأزمة التی مرت بها الهند إلى تسلیم حمولة طائرة بأکملها من إحتیاطی الذهب مقابل ضمان قروض قصیرة الأجل من لندن.

شکلت هذه المحطة الاقتصادیة المتأزمة التی مرت منها الهند، مرحلة فارقة بین توجهین: الاول ذوطابع إشتراکی إجتماعی، والثانی ذو توجه لیبالی رأسمالی براغماتی یقوده خریج جامعة أکسفورد حیث عمل الاقتصادی الهندی (مانهومان سینغ) على تخفیض العملة الوطنیة)الروبیة) وتقلیص الاعانات التجاریة، وخفض التعریفات الجمرکیة، والحواجز غیر الجمرکیة، کما تم اسقاط تلک المراسیم البالیة والقوانین التی لم تؤد سوى إلى نتائج عکسیة ووقفت عائقا لفترة طویلة، دون تمکن مدیری الأعمال من تنمیة أعمالهم، وقد وضعت هذه التغییرات البلاد على طریق لم تحد عنه کافة الحکومات الهندیة اللاحقة. 25

هذه الإجراءات التاریخیة عملت على إخراج البلاد من الکساد التی کانت تعانی منه، والأکثر من

ذلک عملت على إحداث ثورة فی التوجه الاقتصادی والسیاسی للبلاد، من دولة إشتراکیة تقوم على المرکزیة المفرطة، إلى دولة لیبرالیة تقوم على الانفتاح الاقتصادی، وقد عکست هذه التوجهات الجدیدة دینامیکیة فی أداء حکومة (سینغ) حیث إستطاعت إتخاذ تدابیر إقتصادیة عاجلة وناجعة على مدى سنتین، کخفض قیمة العملة، وتحریر قطاع الصادرات الإقتصادیة، فتح المجال للمستثمرین فی قطاعات الصناعة الطیران والنفط التی کانت مملوکة للدولة، إلغاء أحکام التراخیص فی وجه الشرکات الأجنبیة، وبالتالی التقلیل من البیروقراطیة والفساد، وخفض الضرائب، ولم یکن لهذه الاجراءات الجدیدة والجریئة فقط آثارا إقتصادیة محضة بل حتى إجتماعیة ونفسیة، إذ عززت ثقة المواطنین فی حکومتهم وبدأ المستثمرون یثقون بمؤهلات السوق الهندیة، وبدأت الشرکات فی تشغیل العاطلین وإنخفض حجم التضخم من أکثر من عشرة إلى ما دون العشرة، وإنخفض الدین، کما تم إسترداد إحتیاطی الصرف الأجنبی النفیس، وتجنبت الهند الأزمة.26

فی 1980 کانت إقتصادیات البریک خارج قائمة أقوى عشر إقتصادیات فی العالم، وفی 2000 بدأت الإقتصادیات الناشئة تتقدم فی المراکز العالمیة فإحتلت الصین المرکز السادس عالمیا و تقدمت البرازیل بست مراکزمتفوقة على إسبانیا وأسترالیا، کما بدأت فی نفس السنة العدید من الإقتصادیات الناشئة على غرار کوریا الجنوبیة وترکیا وأندونیسیا تجد لنفسها مکانا بین الإقتصادیات الکبرى العالمیة. وبعد بدایة أزمة 2009 وتضرر الإقتصادیات الکبرى بها بدأت نفقد هذه الأخیرة مراکزها الأولى لصالح الإقتصادیات الناشئة، فأصبحت الصین ثانی أقوى إقتصاد والبرازیل سابع أقوى إقتصاد، وعلیه إذا إستمرت معدلات النمو الإقتصادی کما هی من المتوقع وفی سنة 2050 أن تصبح دول البریک الأولى عالمیا کما هو مبین فی الجدول الموالی:

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الجدول (1): التحرکات التصاعدیة لاقتصادیات دول البریکس حسب حجم GDP

 

2050

2010

2000

1980

المرکز

الصین

الو.م.أ

الو.م.أ

الو.م.أ

1

الو.م.أ

الصین

الیابان

الیابان

2

الهند

الیابان

ألمانیا

ألمانیا

3

البرازیل

ألمانیا

المملکة المتحدة

فرنسا

4

روسیا

فرنسا

فرنسا

المملکة المتحدة

5

الیابان

المملکة المتحدة

الصین

إیطالیا

6

المکسیک

البرازیل

إیطالیا

کندا

7

أندونیسیا

إیطالیا

کندا

المکسیک

8

المملکة المتحدة

کندا

المکسیک

إسبانیا

9

فرنسا

الهند

البرازیل

الأرجنتین

10

ألمانیا

روسیا

إسبانیا

الصین

11

نیجیریا

إسبانیا

کوریا الجنوبیة

الهند

12

ترکیا

أسترالیا

الهند

هولندا

13

مصر

المکسیک

أسترالیا

أسترالیا

14

کندا

کوریا الجنوبیة

هولندا

المملکة العربیة السعودیة

15

إیطالیا

هولندا

الأرجنتین

البرازیل

16

باکستان

ترکیا

ترکیا

السوید

17

إیران

أندونیسیا

روسیا

بلجیکا

18

الفلبین

سویسرا

سویسرا

سویسرا

19

إسبانیا

السوید

السوید

أندونیسیا

20

Source: GS Global ECS Research

 

خاتمة

لقد إتجهت الأنظار منذ مدة إلى الصعود الإقتصادی الذی تحققه الدول الناشئة کواحدة من القوى الإقتصادیة العالمیة الجدیدة فضلا عن الإقتصاد الأوربی، وهما یمثلان معا التحدی الحقیقی للإقتصاد الأمریکی فی المستقبل المنظور.

أصبح الصعود المتواصل للدول الناشئة للحاق برکب القوى الإقتصادیة الکبرى یشکل خطوة مهمة بإتجاه إستشراف ظهور نظام إقتصادی عالمی جدید یساهم فی ظل الشراکة الإستراتیجیة بغیة تدعیم التعاون الإقتصادی والتجاری. وقد تمکنت هذه الدول من إکتساب مکانتها نتیجة الإصلاحات الإقتصادیة التی قامت بها وقدرتها على تنویع إقتصادیاتها لمواکبة التطورات الحدیثة الحاصلة و هذا إنعکس إیجابیا على مؤشراتها الإقتصادیة من نمو مرتفع، بطالة منخفضة و تحقیق إکتفاء غذائی ذاتی و غیرها من المؤشرات.

المراجع:
1.محمد دویدار: مبادئ الإقتصاد السیاسی، الجزء الأول، منشورات الحلی الحقوقیة، بیروت، لبنان، 2001.
2. ویلیام ستانلی جیفونس: الإقتصاد السیاسی، ترجمة علی أبو الفتوح و آخرون، هنداوی للتعلیم و الثقافة، القاهرة، مصر، 2012.
3. منیر مبارکیة: القوى الصاعدة والعافَ الذی نرید: رؤیة فی ضوء التحضیرات لأجندة التنمیة ما  بعد 2015، رؤى استراتیجیة، الجزائر، جامعة عنابة، جانفی 2015.
4. فرانسواز لوموان:الاقتصاد الصینی، ترجمة صباح ممدوح کعدان، الهیئة العامة السوریة للکتاب، 2010.
5. صدفة محمد محمود: التجربة النهضویة فی البرازیل، مرکز نماء للدراسات والبحوث، الریاض، السعودیة، 2011.
6. أنطونیو دا روتشا وآخرون: البرازیل القوة الصاعدة من أمریکا اللاتینیة، مرکز الجزیرة للدراسات، الدوحة، قطر، 2010.
7. عبد الله رزق: إقتصادیات ناشئة فی العالم، دار الفارابی للنشر و التوزیع، 2009.
8. جان جوزیف بوالو: الاقتصاد الهندی، الهیئة العامة السوریة للکتاب، دمشق، سوریا، 2011.
9. کمال بایزید، ناجم زینب: الصعود الاقتصادی الصینی والهندی کمرحلة لاستشراف نظام اقتصادی جدید، مجلة نور للدراسات الإقتصادیة، العدد 02، 2016.
10. ل. الن ونتر وشهید یوسف: الرقص مع العمالقة (الصین والهند والاقتصاد العالمی(، الهیئة العامة السوریة للکتاب، دمشق، سوریة، 2012.
11. روبین میردیث: الفیل والتنین (صعود الهند والصین ودلالة ذلک لنا جمیعا(،دار نماء، الکویت، 2009.
12. أحمد عبد الأمیر الأنباری: التجربة الإقتصادیة الصینیة، مقال مأخوذ من الموقع: http://www.chinaasia-rc.org/index.php?d=32&id=414.
13. Sandra Poncet : Les investissements directs en Chine (Moteurs de croissance), Note de synthèse du SESP, n° Spécial Juillet 2008.
14. Mbaloula Marcel : La problématique de l’emergence économique des pays en voie de dévelopement , Revue Congolaise de Gestion, 1122 Numéro 24,http//www.cairn.info .
14. Dalila Nicet-Chenaf : Les Pays émergents : Performance ou Développement ? http://www.laviedesidees.fr/Les-pays-emergents-performance-ou.html.
16. Pays Emergent, définition du site : https://www.glossaire international.com/pages/tous-les-termes/pays-emergent.html
19. معطیات إحصائیة متحصل علیها من الموقع: http://perspective.usherbrooke.ca/bilan/servlet/BMTendanceStatPays?langue=fr&codePays=CHN&codeTheme=7&codeStat=BX.KLT.DINV.CD.WD
 
20. فرانسواز لوموان، مرجع سبق ذکره، ص 22.
21. صدفة محمد محمود، مرجع سبق ذکره، ص 105.
22. أحمد عبد الأمیر الأنباری، مرجع سبق ذکره، ص 75.
23. فرانسواز لوموان، مرجع سبق ذکره، ص 110.
24. روبین میردیث، مرجع سبق ذکره، ص 66.
25. منیر مبارکیة، مرجع سبق ذکره، ص 50.