ميليشيات الدفاع الذاتي في إقليم الساحل الأفريقي: رؤية تحليلية من منظور "نظرية الوکالة"

تعد ظاهرة انتشار الفاعلين المسلحين من دون الدولة ظاهرة واسعة الانتشار في مناطق الصراعات في القارة الأفريقية. ولا يعد إقليم الساحل الأفريقي استثناء في هذا الخصوص. فإزاء الصراعات الممتدة والمستعصية التي عصفت بدول الساحل الافريقي، والتي قوضت الوضع الأمني الهش أصلاً، ظهرت الميليشيات المسلحة کأحد صور الفاعلين المسلحين من دون الدولة. وقد ظهرت هذه الميليشيات ابتداء مدفوعة برغبتها في ملء الفجوة الأمنية التي ترکتها الدول من خلال توفير الحماية للمجتمعات المحلية. غير أنه سرعان ما تعددت أنماط هذه الميليشيات من حيث علاقتها بالمجتمعات المحلية من جانب وعلاقتها بالدولة من جانب آخر. فضلا عن ذلک فقد ارتبطت هذه الميليشيات ارتباطاً وثيقاً بالجماعات الاثنية.
وتسعى هذه الورقة إلى تقديم رؤية تحليلية لميليشيات الدفاع الذاتي في إقليم الساحل الإفريقي من خلال نظرية الوکالة Agency theory التي تعد مدخلاً نظرياً ملائماً لتفسير ظهور هذه الميليشيات وتحليل أنماطها وسماتها الأساسية فضلاً عن قدرة النظرية في تفسير ما تفرزه هذه الميليشيات من إشکاليات سياسية وأمنية واقتصادية. تنقسم الورقة إلى أربعة محاور أساسية. يركز أولها على نظرية الوكالة من حيث مقولاتها الأساسية وإمكانية تطبيق هذه المقولات على حالة ميليشيات الدفاع الذاتي كأحد أنماط الوكلاء في الدول المأزومة بالصراعات. أما المحور الثاني فيتناول أسباب ظهور ميليشيات الدفاع الذاتي في الإقليم، فيما ينصرف المحور الثالث إلى أنماط ميليشيات الدفاع الذاتي وسماتها الأساسية وذلك بالنظر إلى علاقتها مع الأطراف التي تلعب دور الراعي وتحديداً الدولة من جهة والمجتمعات المحلية المضيفة لها من جهة أخرى. ويتناول المحور الرابع والأخير المعضلات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي يفرزها نشاط هذه الميليشيات في إقليم الساحل الأفريقي.