الديون الخارجية وتأثيرها على النمو الاقتصادى فى أفريقيا جنوب الصحراء : دراسة قياسية منذ عام 2006

نوع المستند : مقالات سیاسیة واقتصادیة

المؤلف

کلية الدراسات الافريقية العليا- جامعة القاهرة

المستخلص

تبحث هذه الورقة البحثية بشکل خاص في تحليل وقياس العلاقة بين الدين الخارجي والنمو الاقتصادي في دول أفريقيا جنوب الصحراء ، حيث تتعرض الى واقع تطور الديون الخارجية للدول الأفريقية ، وهيکل الدول المقرضة ، کذلک انعکاسات وباء کورونا على حجم تلک الديون . بالاضافة الى تحليل أسباب مشکلة تفاقم الديون الخارجية الأفريقية وانعکاساتها على اقتصادات دول المنطقة .
وقد توصلت الدراسة الى عدة نتائج رئيسية أهمها : الاتجاه المتزايد للديون الأفريقية خاصة مع اندلاع الأزمات الاقتصادية مثل جائحة کورونا ، بما يثقل کاهل الموازنات العامة ، ويستنزف موارد الدول فى سداد الأقساط وخدمة الديون . وتعدد الأسباب وراء تزايد لجوء الدول الأفريقية نحو الاقتراض الخارجى ، ومن أهمها : ارتفاع حجم العجز بالموزانات العامة ، کذلک تقلبات أسعار السلع والمواد الخام ومصادر الطاقة ، فضلاً عن کثافة فوائد خدمة الدين وأقساطه مما مثل عقبة أمام سداده . يضاف الى ذلک الفساد المالى والاقتصادى الأکثر انتشارا فى أفريقيا جنوب الصحراء .
وقد خلصت نتائج النموذج القياسى المستخدم الى وجود علاقة معنوية عکسية بين الديون الخارجية وبين النمو الاقتصادى لدول أفريقيا جنوب الصحراء ، وهى النتيجة التى أکدتها العديد من الدراسات التطبيقية السابقة ، بما يؤکد أن اللجوء الى الدين الخارجى لم يکن المخرج المناسب لدفع عملية النمو الاقتصادى الى الأمام فى دول أفريقيا جنوب الصحراء .

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية


مقدمة :

     تعتبر الديون الخارجية أحد أهم المشكلات الاقتصادية التى تواجه الدولة النامية عموماً ، ودول القارة الأفريقية على وجه الخصوص ، حيث تؤثر بشكل كبير على الأداء الاقتصادى للدول وتستنزف مواردها المالية . فالقارة الأفريقية وخاصة دول أفريقيا جنوب الصحراء ، من الدول التى عانت من تراكم ديونها الخارجية وتزايد أعباءها ، حتى تلك المحاولات التى بذلت من أجل اعادة جدولة ديون تلك الدول مع المؤسسات الدولية مثل البنك وصندوق النقد الدوليين لم تؤتى نتائجها المرغوبة ، ولم تساعد دول أفريقيا فى الخروج ولو بشكل نسبى من عواقب مشكلة الدين الخارجى . وتكررت مشكلة الديون بشكل كبير مع تكرار الأزمات الاقتصادية والتنموية فى أفريقيا ، لتجدد مرة أخرى بعد ظهور الأزمة المالية العالمية عام 2008 ، وانتشار وباء كورونا فى مطلع عام 2020 ، حيث اتجهت العديد من الدول الأفريقية إلى التوسع في الاقتراض لتعويض عجز الموزانات العامة ، وضعف السيولة المحلية، فى الوقت الذى لا يحقق فيه الاعتماد على الاقتراض معدلات نمو اقتصادى جيدة ، وقد يتسبب ذلك في مشكلات اقتصادية خاصة حال عدم القدرة على سداد الأعباء الخاصة بها .

   و ما أثار القلق هو أنه خلال جائحة كورونا ، شهدت الدول الأفريقية الفقيرة المثقلة بالديون رغم غناها بالموارد الطبيعية ، أعلى زيادة في الديون بنسبة 5.9 % مقارنة بتوقعات صندوق النقد الدولي (5.4% ) ، فيما يسمى ب"الديون الوبائية" . ولا يزال الوباء نفسه يشكل تهديدا مستمرا للقدرة على تحمل الديون للعديد من الدول في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى خاصة فى ظل أنها تلجأ إلى زيادة الاقتراض لمواجهة تداعيات الوباء مما يشكل ضغوطًا كبيرة على اقتصاداتها .

  - اشكالية الدراسة : تعتبر القارة الأفريقية وخاصة دول أفريقيا جنوب الصحراء الأكثر فقراً ، من أكثر دول العالم النامى التى عانت منذ الاستقلال من أزمة الديون الخارجية ، فعلى الرغم من اتباعها لبرامج الاصلاح والتحرير الاقتصادى الذى تم الاتفاق عليه مع المؤسسات الدولية مثل البنك وصندوق النقد الدوليين ، الا أن تلك البرامج لم تسهم بشكل مقبول فى دعم معدلات النمو الاقتصادى بأفريقيا ، ومعالجة الاختلالات الهيكلية التى يعانى منها اقتصادات القارة مثل : عجز موازين المدفوعات ، وارتفاع العجز الكلى بالموازنات العامة الحكومية . وعلى ضوء التغيرات الأخيرة التى يشهدها الاقتصاد الأفريقى فى ظل جائحة كورونا ، تزايدت حاجة القارة الى مزيد من الديون لسد احتياجاتها التنموية التى ازدادت ضعفا فى ظل الجائحة ، وهكذا تدور القارة الأفريقية فى حلقة ديون مفرغة تؤثر بشكل كبير على قدراتها الاقتصادية وتستنزف جزء كبير من موازناتها ، وكل ذلك يصب فى غير صالح معدلات النمو الاقتصادى بها .

- أهمية الدراسة : ركزت الدراسات التطبيقية المعنية بالعلاقة بين الدين الخارجي والنمو الاقتصادي تركيزاً كبيراً على الآثار السلبية الناجمة عن فرط الديون في أفريقيا جنوب الصحراء ، منها أن ارتفاع حجم الدين يؤدى إلى خفض النمو الاقتصادى، كذلك التأثير على معدلات الفائدة ، وظهور الضرائب التشويهية المرتفعة في المستقبل ، وارتفاع التضخم ، وزيادة عدم اليقين من قبل المستثمرين بشأن الإجراءات التي قد تتخذها الحكومة للوفاء بالتزامات خدمة ديونها . وان كان من الضرورى دراسة الدور الذى تلعبه الديون الخارجية فى عملية النمو الاقتصادى بأفريقيا جنوب الصحراء ، خاصة فى ظل تضخم حجم تلك الديون وتصاعدها جراء انتشار انعكاسات وباء كورونا على اقتصادات تلك الدول .

    ومن هنا تأتى أهمية الدراسة من كون أزمة المديونية الخارجية عامل مؤثر بشكل كبير على الأوضاع الاقتصادية وكذلك السياسية فى أفريقيا ، كما أنها أصبحت العبء الذى يثقل كاهل الموازنات العامة الأفريقية ويستنزف الجزء الأعظم من ايراداتها ، كما أن قضية الديون تمثل قضية خلافية تتعلق بأوجه استخداماتها فى أفريقيا ومساهمتها فى النمو الاقتصادى من عدمه ، خاصة مع وقوع العديد من الدول الأفريقية فى ضائقة الديون ، وانعكاسات ذلك على عملية التنمية . هذا فى ظل ضرورة ايجاد الية لادارة تلك الديون بما يسهم فى تعزيز النمو الاقتصادى لمواجهة أعباء الديون وتكلفتها ، وليس بما يزيد من خطورة الأوضاع الاقتصادية بدول القارة ، خاصة فى ظل تعدد الأزمات الاقتصادية العاليمة فى العصر الراهن.

- أهداف الدراسة : تهدف الدراسة الى تحليل أثر الدين الخارجى على النمو الاقتصادى بدول أفريقيا جنوب الصحراء ، وينبثق من هذا الهدف الرئيسى عدة أهداف فرعية تتمثل فيما يلى :

- تسليط الضوء على واقع الديون الخارجية فى افريقيا جنوب الصحراء ، وتوزيعها من حيث طبيعة الدول والمؤسسات المقرضة .

- توضيح الاثار السلبية لانعكاسات وباء كورونا على الديون الخارجية الأفريقية .

- التركيز على أسباب تفاقم مشكلة الديون الخارجية فى أفريقيا جنوب الصحراء .

- قياس مدى تأثير الديون الخارجية على معدل النمو الاقتصادى فى دول أفريقيا جنوب الصحراء .

- الحلول المقترحة للتوظيف الصحيح للديون الخارجية بما يسهم فى تعزيز النمو الاقتصادى .

- منهجية الدراسة : اتخذت الدراسة المنهج الاستنباطى التحليلى من خلال استعراض الفکر الاقتصادي ونتائج الدراسات السابقة فيما يتعلق بعلاقة الدين الخارجي بالنمو الاقتصادي ، والتطبيق على حالة دول أفريقيا جنوب الصحراء ، من خلال عرض وتحليل مؤشرات الدين الخارجى لدول أفريقيا جنوب الصحراء (49 دولة ) ، من حيث تطور القيمة ، وخدمة الديون ، كذلك توزيع تلك الديون ما بين الجهات الدائنة ، كما تم استخدام الاسلوب القياسى باعتبار المتغير التابع هو معدل النمو الاقتصادى ، بينما المتغير المستقل هو قيمة الديون الخارجية ، بالاضافة الى عدة متغيرات أخرى ، وذلك من خلال استخدام نموذج الانحدار المتعدد بطريقة المربعات الصغرى .

- فرضيات الدراسة : تنطلق الدراسة من فرضيتين رئيسيتين مفاداهما الاتى :

1) لم تؤدى عملية التحرير الاقتصادى فى دول أفريقيا جنوب الصحراء الى الحد من الديون الخارجية ، بل تزايت مع مرور الزمن خاصة أوقات الأزمات السياسية والاقتصادية .

2) وجود علاقة معنوية بين الدين الخارجى وبين النمو الاقتصادى فى دول أفريقيا جنوب الصحراء.

- الاطار الزمنى والمكانى للدراسة : تقتصر الدراسة على تحليل الديون الخارجية لدول أفريقيا جنوب الصحراء باعتبارها الدول الأكثر مديونية للعالم الخارجى . وتبدأ منذ عام 2006 أى قبل اندلاع الأزمة المالية العالمية ، وحتى انعكاسات وباء كورونا على المديونية الخارجية لدول جنوب الصحراء فى عام 2020 .

أولاً - واقع الديون الخارجية فى افريقيا جنوب الصحراء:-

     لقد بدأت أزمة المديونية لدول إفريقيا منذ اللحظة التي لم تعد فيها الدول قادرةً على الدفع، أي منذ الثمانينات من القرن العشرين تقريباً. حيث كانت تحديات التنمية التي مثَلَت أمام الحكومات الإفريقية تُحتِّم عليها وجود رؤوس أموالٍ كبيرةٍ ، ولم تجد مخرجاً من ذلك غير الاستدانة من الدول ذات الفائض في رأس المال، باعتبار أنّ الاستدانة ستساعدها في تحقيق نموٍّ اقتصاديٍّ سريع، الى أن يتمّ الدفع في المستقبل في شكل أقساطٍ وفوائد ، وقد أدّى الارتفاع الكبير في تكاليف خدمة المديونية خلال حقبة الثمانينيات إلى وقوع كثيرٍ من تلك الدول في فخِّ المديونية. حيث تدخّل عاملان أساسيان في عملية الاستدانة، أولهما: ازدياد أسعار الفوائد، وثانيهما: انخفاض أسعار المواد الخام للدول النامية، حيث كانت تلك المواد هي العماد الأساسي لسداد الديون الخارجية، بالإضافة إلى أسبابٍ أخرى أدت إلى تراكم الديون في الدول الإفريقية منها سوء استخدامات حصيلة الديون ، أو اشتراط الدول الدائنة استخدام تلك الأموال فى مجالات لا تصب فى صالح التنمية الاقتصادية بأفريقيا.

   وقد بلغت الديون الخارجية لدول إفريقيا جنوب الصحراء 77 مليار دولار أمريكى في عام 1982 ، وارتفعت إلى 164 مليار دولار ، بزيادة قدرها 113 % فى عام 1990. كان منها 28 مليار دولار فقط (17 % ) مستحقًا للبنوك الخاصة الأوروبية. ، بينما نحو 83 % من إجمالي الديون الخارجية لأفريقيا جنوب الصحراء مستحقة لمصادر عامة مثل : حكومات دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والمؤسسات الدولية متعددة الأطراف مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي

 .

    وفى الفترة من (2010 الى 2019) ، ووفقًا للبنك الدولي ، كانت معظم الدول الأفريقية في مأزق ، حيث تكافح لسداد ديون متراكمة بقيمة 665 مليار دولار أمريكى ، وكانت الديون أكبر حجما لدولة جنوب إفريقيا ، اذ بلغ الدين الخارجى ما يقرب من 188 مليار دولار أمريكي في عام 2019 ، وهو ما يعادل أعلى رصيد من الديون الخارجية في أفريقيا جنوب الصحراء. تليها نيجيريا وأنجولا ، حيث بلغت قيمة الدين فى كل منهما 54.8 و 52 مليار دولار أمريكي على التوالى كما هو موضح بالشكل رقم (1) . كما تزايد الدين الخارجي في أفريقيا جنوب الصحراء في عام 2020 نتيجة انعكاسات وباء كورونا التى ظهرت وبسرعة على الاقتصادات الأفريقية ، اذ بلغت قيمة الديون الخارجية 702 مليار دولار أمريكي للعام ذاته مقارنة ب 613 لعام 2018 و665 لعام 2019 كما هو موضح بالجدول رقم (1) .

جدول رقم (1) مؤشرات الدين الخارجى لدول أفريقيا جنوب الصحراء خلال الفترة (2006-2020)

المؤشر \ السنوات إجمالي رصيد الدين الخارجي مليار دولار أمريكى نصيب الديون قصيرة الاجل الى اجمالى رصيد الدين الخارجى نسبة الدين الخارجى الى الصادرات نسبة الدين الخارجى الى الناتج القومى الاجمالى مدفوعات الفوائد (طويلة الاجل) نسبة خدمة الدين الى اجمالى الصادرات

2006 322 20% 56% 20 2.2 9%

2007 3.311 3.20% 4.58% 22 5.2 8.9%

2008 6.357 22% 3.63% 4.21 7.2 4.9%

2009 9.384 3.21% 2.85% 5.23 3 .11%

2010 305 27.5 5.80 22.6 4 5.9

2011 325.9 6.29 4.76 4.22 5.6 3.8

2012 374.3 3.29 81 3.23 7 6.8

2013 410 2.31 89 9.24 7.7 3.9

2014 432 2.31 1.93 5.25 6.9 4.10

2015 438.6 1.26 9.97 25 11 12

2016 492 9.24 7.106 26 13 2.14

2017 578 7.11 7.149 1.37 13 9.11

2018 613 8.11 4.142 7.37 16 5.15

2019 665 11.3 6.155 6.39 16 1.16

2020 702 2.10 1.205 7.43 18 2.21

Source : The World Bank , International Debt Statistics 2022 , ( Washington . D.C: The World Bank , International Debt Statistics , 2022) , P.39.

-The World Bank , International Debt Statistics 2021 , ( Washington . D.C: The World Bank , International Debt Statistics , 2021) , P.42-46.

 - Charles O.Manasseh , et.al , " External debt and economic growth in SubSaharan Africa: Does governance matter?, March .2022 , a, P.4 , vailable at :

https://journals.plos.org/plosone/article?id=10.1371/journal.pone.0264082

شكل رقم (1) إجمالي رصيد الدين الخارجي في بعض دول أفريقيا جنوب الصحراء فى عام 2019

مليون دولار أمريكى

Source : Statista , Total external debt stock in Sub-Saharan Africa as of 2020, by country , available at :

https://www.statista.com/statistics/1224137/external-debt-stock-in-sub-saharan-africa-by-country

     كما تواجه الدول الأفريقية تحديات تتعلق بارتفاع فوائد الديون أو ما يسمى ب (خدمة الدين ) ، التى ارتفعت من 2.2 مليار دولار عام 2006 الى 20 مليار دولار عام 2019 ، ونحو 18 مليار دولار لعام 2020، كما ارتفعت نسبتها من الناتج المحلى الاجمالى لدول افريقيا جنوب الصحراء من 31٪ منذ عام 2013 ، الى ما نسبته 128٪ لعام 2020. كما تضاعفت تكلفة الفائدة على تلك الديون كحصة من الإيرادات الحكومية من 5 % في 2012 إلى 10٪ في 2017 ، وهو أعلى مستوى له منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ، حيث ارتفعت تكلفة خدمة الدين بمقدار 10 % في 17 دول أفريقية الأكثر مديونية . وكانت الزيادة كبيرة بشكل خاص في أنجولا ونيجيريا وغانا وبوروندي ، حيث ارتفعت بنحو 20%.

    وتجدر الإشارة بشكل خاص إلى ارتفاع تكلفة خدمة الديون المستحقة للقطاع الخاص ، حيث أنها الأكثر عبئا على الدول الأفريقية ، فمع ارتفاع أسعار الفائدة المفروضة بسبب التصنيفات الائتمانية المبالغ في تقييمها في كثير من الأحيان ، يتم دفع 55٪ من اجمالى مدفوعات الفوائد إلى الدائنين من القطاع الخاص ، بينما 17٪ فقط الى الدائنين متعددي الأطراف من المؤسسات ( البنك وصندق النقد الدوليين)، ومثلهم يذهب إلى الصين. وحتى الدول الأفريقية التى حققت معدلات نمو اقتصادى مرتفعة نسبياً مثل السنغال على سبيل المثال ( حققت معدل نمو 6% خلال العشر سنوات الماضية) ولا تزال لديها تصنيف ائتماني غير مرغوب فيه. وهذا يتناقض مع الطبيعة الميسرة للقروض التى تعلنها المؤسسات المتعددة الأطراف . وقبل جائحة كورونا ، أنفقت 30 دولة أفريقية على سداد خدمة الدين العام أكثر من انفاقها على الرعاية الصحية والتعليم. فدولة مثل غامبيا تنفق ما يصل إلى تسعة أضعاف قيمة ميزانيتها الصحية على خدمة الديون ، بينما تنفق أنجولا والكونغو ست مرات ما تنفقه على القطاع الصحى . وعن الاجال الزمنية لتلك الديون ، فقد كانت معظم الديون في دول إفريقيا جنوب الصحراء قبل جائحة كورونا تبتعد عن التمويل قصير الأجل ، وتتجه بشكل أكبر نحو آجال الاستحقاق طويلة الأجل . وقد أدى ذلك إلى ارتفاع متوسط تكاليف خدمة الديون في أفريقيا بشكل حاد .

ثانياً - توزيع الديون الأفريقية وفقا للجهات المقرضة :

معظم الديون الخارجية الأفريقية تم الحصول عليها من مؤسسات دولية ، وحكومات الدول الكبرى ، ومقرضين من القطاع الخاص . حيث يظهر الشكل رقم (2) أن ما يقترب من نصف ديون أفريقيا مستحقة للمؤسسات الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين ، بينما الربع تقريبا مستحق للصين والنسبة الأقل مستحقة لمقرضين من القطاع الخاص .

شكل رقم (2) الديون الخارجية الافريقية موزعة وفقا لطبيعة الجهة الدائنة لعام 2019

Source : Ben Chandler,COVID-19 & AFRICAN DEBT: FURTHER DISTRESS OR THE BEGINNING OF A NEW PARADIGM?, Mo Ebrahim Foundation , 2020 , Available at:

 https://mo.ibrahim.foundation/sites/default/files/2020-06/debt-distress-covid19.pdf

      أما عن أهم الدائنين من الدول لأفريقيا ، جاءت الصين فى المركز الأول ، يليها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا ، كذلك المملكة العربية السعودية ، والمملكة المتحدة وألمانيا . وهو ما يعكس استمرار سيطرة الصين على جزء كبير من الاقراض المقدم لأفريقيا .

    وتمثل الديون المستحقة للصين مصدر للتساؤل حول أسباب تزايده فى السنوات الأخيرة ، حيث لجأت اليها الدول الأفريقية باعتبار أن شروطها أخف وأقل بكثير عن شروط الاقتراض من غيرها من الدول والمؤسسات الدولية . حيث بلغ إجمالي القروض من الصين إلى أفريقيا ما يزيد عن 148 مليار دولار أمريكي في الفترة من 2000 إلى 2018 ، لتصل إلى ذروتها وتبلغ 5.15 مليار دولار أمريكى لعام 2016 فقط ، بينما تراجعت الى 14 مليار دولار أمريكى عام 2018 ثم الى 5.13 مليار دولار أمريكى لعام 2019. وفى عام 2019 ، كان نحو 24٪ من اجمالى الديون الأفريقية مستحقة للصين ، كما هو موضح فى الشكل رقم (2) . ويفترض أنه بحلول عام 2025 ، ستوفر الصين لإفريقيا نحو واحد تريليون دولار أمريكي من التمويل ، بما في ذلك الاستثمار المباشر والقروض الميسرة والقروض التجارية خاصة فى ظل انتشار التداعيات الاقتصادية السلبية لجائحة كورونا .

   وتتعدد المجالات الاقتصادية التى تمولها القروض الصينية ، ما بين مشروعات السكك الحديدية العابرة للحدود ، كذلك الموانىء ووسائل النقل فى اطار مبادرة الحزام والطريق ، ومشروعات البنية التحتية والتكنولوجية بالقارة . كما ظهر وبوضوح الاستثمارات الصينية فى مجال انشاء المناطق الاقتصادية الصناعية. وتعتبر أنجولا من أكثر الدول الأفريقية فى الحصول على القروض الصينية ( 2.19 مليار دولار ) كقروض متراكمة خلال الفترة من 2000 إلى 2018. تليها إثيوبيا (13 مليار دولار) ، وكينيا (9.6 مليار دولار أمريكي) .

شكل رقم (3) متوسط الديون الصينية لأكثر الدول الأفريقية المقترضة منها للفترة (2000-2019)

مليار دولار أمريكى

Source : Charles O. Manasseh , et.al , External debt and economic growth in SubSaharan Africa: Does governance matter? , RESEARCH ARTICLE , March 4, 2022 , p.9. at:

https://journals.plos.org/plosone/article?id=10.1371/journal.pone.0264082

       وعلى مدى السنوات العشر الأخيرة ومنذ عام 2010 تقريبا ، كانت الصين لاعباً رئيسياً في أفريقيا من حيث الإقراض ، فنحو 47 دولة أفريقية تلقت قروضًا من الصين ، والتزمت الصين بتقديم أكثر من 150 مليار دولار أمريكي لإفريقيا بين عام 2000 حتى 2018 ، وهذا المبلغ أعلى بكثير من المبلغ الذي التزم به أي مانح أو مقرض آخر خلال نفس الفترة . وهو الأمر الذى أثار المقرضين الأوروبين ، حيث أشاروا الى ان هذا التمويل مرتبط بالاستحواذ على الموارد الطبيعية فى افريقيا ، والاعتقاد بأن الصين تعمد إلى مديونية بعض البلدان الأفريقية كاستراتيجية يجب اتخاذها للسيطرة على الأصول الرئيسية ، فعندما تتخلف هذه البلدان الفقيرة والمدينة عن سداد ديونها وتكون غير قادرة على الوفاء بالتزامات تلك الديون ، فيمكن الاستيلاء على الأصول مما يهدد التقدم الاقتصادي للدولة .

   ومن أكثر الأمثلة على ذلك هو الاستيلاء على السكك الحديدية الإثيوبية (من أديس من أبابا إلى جيبوتي ) في عام 2018. حيث تعتبر أثيوبيا ثانى أكبر مدين أفريقى للصين ، ولها شراكات مع الصين فى مشروعات هامة في تمويل البنية التحتية . كذلك ما يسمى ب ( نموذج أنجولا ) وفقا لوصف البنك الدولي له ، والذى يتم من خلاله قيام أنجولا بمدفوعات الديون الصينية من خلال تسهيل حصول الأخيرة على النفط .

ثالثاً– وباء كورونا وتأثيراته السلبية على الديون الخارجية الافريقية:

     تععدت الاثار السلبية التى خلفتها جائحة كورونا على اقتصادات الدول الأفريقية ، وكان أهمها تزايد عبء سداد الديون المستحقة لصالح المؤسسات الدولية وحكومات الدول الكبرى ، حيث تضخم حجم الدين الخارجى لدول أفريقيا جنوب الصحراء من نحو 665 مليار دولار فى عام 2019 الى ما يزيد عن 702 مليار دولار بنهاية عام 2020 ، أى بمعدل زيادة فى عام واحد فقط من ظهور الوباء يقترب من 10% . هذا بالاضافة الى تزايد نصيب تلك الديون الخارجية من الناتج المحلى الاجمالى لدول أفريقيا جنوب الصحراء بما يصل الى نحو 4.50% لعام 2020 ، و6.56% لعام 2021 مقارنة بنسبة تصل الى 5.48% لعام 2019 ، هذا الى تزايد التوقعات الاقتصادية بتضخم تلك النسبة بحلول عامى 2022 و2023 . وتزداد هذه المخاوف فى ظل سيطرة الديون الخارجية لحوالى 24 دولة من دول أفريقيا جنوب الصحراء على ما يزيد عن نصف الناتج المحلى الاجمالى .

    كما تسببت الجائحة فى زيادة احتياجات التمويل العام للحكومات الأفريقية من أجل التخفيف من العواقب الاجتماعية والاقتصادية وزيادة الإنفاق الصحي ، وتوفير الانفاق المخصص لخطط التحفيز المالي للفئات المتضررة ، والإعفاءات الضريبية واسعة النطاق . حيث احتاجت الحكومات الأفريقية تمويلًا إجماليًا إضافيًا يبلغ ما بين حوالي 125 – 154 مليار دولار في عام 2020 للاستجابة للأزمة على المدى القصير. وتختلف احتياجات التمويل الإجمالية كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي باختلاف المستوى الاقتصادى للدول الأفريقية ، اذ يصل مستوى الدين الى 15% من الناتج فى عدد كبير من الدول الأفريقية ، ويتجاوز ذلك الى مستويات أعلى 30 % من الناتج المحلي الإجمالي في الصومال والسودان وموريشيوس وتونس . وتوقعت المؤسسات الدولية أن أكثر الدول الأفريقية التى سوف تسجل زيادة فى متوسط مستويات الديون الإجمالية ، هي تلك التي لديها اقتصادات غير نفطية كثيفة الاستخدام للموارد ، هذا فى الوقت الذى شهدت فيه موزانات الدول الأفريقية عبئا مالياً كبيراً مع تزايد الانفاق الحكومى الجاري لاحتواء انتشار وباء كورونا ، وتراجع قيمة الإيرادات الحكومية نتيجة التباطؤ الاقتصادي العام ؛ مما شكل ضغوطًا كبيرة على الموزانات المالية الحكومية وزيادة العجز المالى بها .

   ويضاف الى تلك الأعباء الكثيرة التى خلفتها أزمة جائحة كورونا على الاقتصادات الأفريقية ، الحاجة الى مزيد من الحزم المالية اللازمة لمواجهة انعكاسات الأزمة ، فازدادت الحاجة الى خطط الانقاذ الاقتصادى ، والاهتمام بحماية الفئات الاجتماعية الأكثر تأثرا بالأزمة ، فضلاً عن توجيه النظر نحو تعزيز دور الخدمات الصحية فى مواجهة الوباء . وكان لتلك التكاليف الاقتصادية تأثيرها المباشر على قدرة الدول الأفريقية فى الوفاء بأقساط وفوائد الديون ، حيث تزايد عدد الدول التى دخلت فى ضائقة العجز عن السداد الى 16 دولة حتى نهاية عام 2020 فقط. كذلك ارتفع عدد الدول التى تضخمت لديها الديون الى 11 دولة مقارنة ب9 دول ما بين عامى 2019 و2020 . ولم تستطع سوى دولتين فقط من دول أفريقيا جنوب الصحراء البقاء فى فئة الدول منخفضة المخاطر من حيث الديون الخارجية كما فى الشكل رقم (4) .

شكل رقم (4) عدد الدول الأفريقية المعرضة لمخاطر ضائقة الديون ما بين عامى 2019 ، و2020

  Source : Common Market for Eastern and Southern Africa (COMESA) , Implication of COVID-19 Pandemic on Debt for Sub- Saharan African Countrie , ( Lusaka : COMESA , December 2020 ), P.7.

  وتجدر الاشارة فى هذا الصدد ، الى توقعات عديدة للمؤسسات الدولية منها تقديرات صندوق النقد الدولى ، بتزايد عدد الدول الأفريقية المعرضة لمخاطر الديون الخارجية والضائقة المالية فى سدادها خاصة تلك الدول التى تعمد على النفط فى اقتصاداتها ، والذى تعرض لانخفاض ملحوظ فى أسعاره مع تفشى الجائحة . لتشمل نيجيريا وغانا كذلك أنجولا وأثيوبيا والكاميرون وأفريقيا الوسطى .

   ولم تكن التوقعات الدولية بشأن احتمال انتشار حالة عجز الدول الافريقية عن سداد الديون الخارجية من فراغ ، بل ظهرت لها مؤشرات أولية ، حيث سرعان ما أعلنت زامبيا عن عجزها فى سداد سندات دولية بقيمة تصل الى 42.5 مليون دولار فى نوفمبر 2020 فى ظل بلوغ نسبة الديون الخارجية من ناتجها الاجمالى لنحو 48% للعام ذاته ، هذا فى ظل تداعيات سلبية عديدة شهدها الاقتصاد الزامبى منها ارتفاع معدلات التضخم الى مستويات عالية تتجاوز 17% ، كذلك انخفاض قيمة العملة الوطنية ( الكواتشا) مقابل العملات الدولية بنسب تقترب من 35% ..كذلك الحال بالنسبة الى دولة موزمبيق ، حيث ارتفع نصيب الدين الخارجى من الناتج ليصل الى نحو 130% فى نهاية عام 2020 مقارنة بنحو 100% من الناتج المحلى للعام 2018 ، هذا فى ظل ضعف القدرات الاقتصادية للدولة على سداد الديون أو حتى توفير الحد الأدنى من الحزم المالية اللازمة لمواجهة الوباء .

رابعاً- الأسباب الاقتصادية لارتفاع مشكلة الديون الخارجية فى أفريقيا جنوب الصحراء:

   تتعدد أسباب لجوء الدول الأفريقية الى الديون الخارجية ، وان كان أهمها يتمثل فيما يلى :-

- تعتبر الظروف الاقتصادية التى تمر بها معظم دول أفريقيا جنوب الصحراء هى السبب الرئيسى وراء ارتفاع حجم ديونها الخارجية ، اذ تاعانى الدول الأفريقية من تراجع حجم ايراداتها العامة وارتفاع وتضخم قيمة نتفقاتها العامة التى تضيغ معظمها كتكلفة للاستيراد من الخارج ( عجز الموزانات العامة الأفريقية ) وعلى الرغم من أن هذا العجز الهيكلى فى الموازنات العامة الأفريقية امتد لفترات طويلة ولم تفلح برامج الاصلاح الاقتصادى فى معالجته ، الا أن هذا العجز يتفاقم بشكل كبير مع اندلاع الصدمات والأزمات الاقتصادية الداخلية والخارجية الدولية . فعلى سبيل المثال أدت جائحة كورونا الى خسارة ما يقرب من 30 % من الايرادات العامة للموازنات الأفريقية وذلك مع تراجع أسعار النفط والغاز والمعادن ، وحالة الكساد الاقتصادى التى أثرت على حصيلتها من الضرائب ، هذا فى ظل احتياج شديد لمزيد من الانفاق الحكومى لانقاذ الاقتصاد من تبعات الجائحة ، الأمر الذى زاد معه الحاجة الى ديون جديدة ، وضعف قدرات الدول على سداد التزامات الديون القائمة بالفعل .

- تعتبر خدمة الدين أحد أهم الأعباء الاضافية التى تعانى منها الدول الأفريقية ، فمع تأخر الدول عن السداد ، تزداد تدريجيا تلك الفوائد وفى بعض الأحيان تتضاعف مما يزيد من ضعف قدرة الدول عن السداد ، ففى الوقت الذى تصل فيه الفائدة على الديون الخارجية لأفريقيا ما بين 15- الى 16% ، فان المعدلات قد تقل عن ذلك بكثير فى دول مل أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية . الأمر الذى ساهم فى أن تلتهم خدمة الدين معظم ايرادات الدول الأفريقية . اذ يوضح الشكل رقم (5) ارتفاع نسبة فوائد الديون الخارجية الى اجمالى الايرادات الحكومية لتصل الى 18% عام 2019 مقارنة بنحو 8% عام 2010 .

    كما أن ارتفاع حجم الدين الخارجي بالعملات الأجنبية ، حيث يمثل حوالي 60 % من إجمالي الدين ؛ وبالتالى فان تعرض الدول المقترضة لتقلبات في ظروف السوق العالمية مع تقلب أسعار الصرف وتراجع قيمة عملاتها المحلية أمام الدولار وغيره من العملات الدولية ، يزداد عبء الديون ، فعلى سبيل المثال ، فقدت عملة بتسوانا وجنوب أفريقيا حوالي 8٪ من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي واليورو منذ تفشي وباء كورونا ، الأمر الذى يؤثر على تكاليف الديون والفوائد المرتبطة بها . كذلك مع التوقعات الأقل مواءمة للسياسة النقدية في الاقتصادات المتقدمة مع تعرضها للأزمات هى الأخرى، يمكن أن ترتفع أسعار الفائدة العالمية بسرعة وترتفع معها تكاليف خدمة الديون في جميع أنحاء أفريقيا .

شكل رقم (5) تطور نسبة فوائد الديون الخارجية الى اجمالى الايرادات الحكومية خلال الفترة (2010-2019)

Source : Africa Development Bank , DEBT DYNAMICS AND CONSEQUENCES, 2020 , P.59 , available at : www.afdb.org/sites/default/files/2021/03/09/aeo_2021_-_chap2_-_en.pdf

- الفساد المالى ، ففي عدد من الدول الافريقية ، ساهم سوء الإدارة والفساد الى زيادة الديون. على سبيل المثال ، في موزمبيق ، واحدة من الدول الأفريقية جنوب الصحراء التي تعاني من ضائقة ديون ، وهى من أكثر الدول التى تعانى من الفساد المالى والادارى ، حيث تم الكشف عن قروض خفية صادرة للشركات ومضمونة من قبل الحكومة أدت إلى تدهور القدرة على تحمل الديون ، ومثلها فى ذلك دول أفريقية أخرى كما فى حالة دولة نيجيريا . وكل ذلك يهدر موارد الدول ويضعف من قدراتها على سداد الديون .

- التقلب الملحوظ فى الأسعار العالمية ، حيث أن انخفاض أسعار المواد الأولیة المصدرة إلى الأسواق العالمیة (كالبترول والمواد الخام الأخرى) فضلا عن تدهور شروط التبادل التجاریة للبلدان المصدرة لهذه المواد، يؤدى إلى تفاقم عجز میزان المدفوعات الذي یزید من المیل إلى الاستدانة الخارجیة , حيث تعتمد الدول الأفريقية على تصدير المواد الأولية ومصادر الطاقة ، والتى عادة ما تتراجع فى وقت الركود الاقتصادى ، فعلى سبيل المثال أدت جائحة كورونا الى تراجع الأسعار العالمية والطلب على النفط والمعادن التى تعتمد عليها اقتصادات العديد من الدول الأفريقية ، حيث كانت الدول الغنية بالموارد الطبيعية تأمل في سداد القروض عن طريق بيع النفط والمعادن بأسعار مرتفعة ، ومع ظهور العديد من الأزمات الاقتصادية الداخلية والعالمية مثل الازمة المالية العالمية عام 2008 ، وأخيراً وباء كورونا ، أثر ذلك سلباً على حصيلة ايرادات تلك الدول مثل : أنجولا ، الجابون ، نيجيريا ، وجمهورية الكونغو الديمقراطية ... وغيرها من الدول . فعلى سبيل المثال ، توقع وزير المالية الغابوني أن ينمو اقتصاد البلاد بنسبة تصل إلى 5٪ ، بسعر نفط يبلغ 57 دولارًا للبرميل في الميزانية المقررة لعام 2019\2020 . وتغيرت التوقعات بشكل كامل مع تراجع معدل النمو الاقتصادى عام 2020 - مع سعر تقديري للنفط يبلغ 26 دولارًا للبرميل فقط نتيجة تداعيات الجائحة .

- انعكاسات الصدمات الاقتصادية العالمية ، حيث كان لانفتاح الدول الأفريقية على دول العالم اثار سلبية أهمها خطر العدوى الاقتصادية ، حيث سرعان ما ينتقل تأثير الأزمة بين دول العالم ، ونظرا للظروف الاقتصادية التى تتسم بها القارة ، فتكون هى الأضعف حالا فى مواجهة تلك الصدمات . فعلى سبيل المثال أدت الأزمة المالية العالمية عام 2008 الى مزيد من الضغوط المالية على دول القارة تزايد معها الديون الى 385 مليار دولار فى عام 2009 مقارنة بنحو 6.357 مليار دولار لعام 2008 . كما كان لجائحة كورونا ضغوط اضافية على الاقتصاد الأفريقى ، فى ظل احتياج ما لايقل عن 100 مليار دولار لمواجهة الاثار الاجتماعية للجائحة ، واطلاق خطط التحفيز الاقتصادى .

     والأخطر من تلك الأسباب ، هى النتائج الاقتصادية المترتبة على تضخم تلك الديون الخارجية لأفريقيا ، حيث تضعف قدرات الدول التفاوضية مع المول والمؤسسات الكبرى ، وتستمر معها حالة التبعية الاقتصادية والسياسية للخارج ، هذا بالاضافة الى خلق أعباء مستمرة وممتدة على الميزانيات العامة الأفريقية ، واستنزاف معظم ايرادات الدول فى دفع فوائد وأقساط الديون ، الأمر الذى يؤثر سلباً على خطط التنمية الاقتصادية لدول القارة ، ويزيد من هشاشة وعدم استقرار اقتصادات معظم تلك الدول .

.

خامساً- العلاقة بين الديون الخارجية والنمو الاقتصادى فى دول أفريقيا جنوب الصحراء :

أ‌- الدراسات السابقة :

     لقد كان الدين الخارجي مصدراً هاماً من مصادر التمويل لمعظم الدول الأفريقية ، حيث يتم اللجوء اليه كوسيلة لتكملة نقص مصادر الدخل المحلية لأغراض التنمية ، خاصة فى ظل تراجع مستوى الادخار المحلى ونقص الايرادات الضريبية مما يجعل الاقتراض ضرورة . وإذا لم يتم استخدام هذه الديون لتعزيز العمليات الانتاجية ودفع النمو الاقتصادى، قد ينتهي الأمر بتلك الدول إلى عواقب وخيمة على مؤشرات الاقتصاد الكلي كافة ، حيث تمثل الديون المفرطة عقبة أمام النمو الاقتصادي المستدام وجهود الحد من الفقر.

       وتناولت العديد من الدراسات الاقتصادية تأثير الدين الخارجي على النمو الاقتصادي خاصة فى الدول النامية ، وتوصلت معظمها الى نتائج مختلفة . فالبعض أكد على أن استخدام الدين الخارجي بشكل صحيح ، فإنه يعزز العملية الإنتاجية والدخل ، بحيث تساعد الفوائد المترتبة على ذلك في تعويض المستحقات المتراكمة من فوائد الديون ، مما يؤدى إلى تأثير إيجابي على الاقتصاد المتلقي. على العكس من ذلك ، يرى البعض الاخر أن يكون الدين الخارجي عامل مؤخر للنمو الاقتصادي إذا لم يتم توجيه الأموال نحو الأنشطة الإنتاجية الصحيحة ، وضياع حصيلة القروض فى مجالات ليست ذات عوائد اقتصادية .

     وقد وضعت عدة فرضيات تمت دراستها بالتطبيق على العديد من الدول النامية حول الاثار المحتملة للديون الخارجية على عملية النمو الاقتصادى في البلدان النامية ، وتتمثل أهمها فيما يلى :

- فرضية عبء الديون المتراكمة Dept Overhang Hypothesis: وتعنى الحالة التى يكون فيها الدولة لديها ديون زائدة تمنعها من التوسع فى مجالات انفاق تنموية هامة ؛ نظراً لأن جزء كبير من ايرادتها يذهب الى الدائنين. ويزداد الأمر سوءا عندما تتراكم الديون بما يفوق قدرة الدولة المالية على السداد لقيمة الأقساط والفوائد مما قد يعرضها لخطر الافلاس ، وبما يؤثر على النمو الاقتصادى وعلى حجم الاستثمارات المحلية والأجنبية المتدفقة اليها ؛ لأن معدل العائد المتوقع من تلك المشروعات الاستثمارية المنتجة ستكون منخفضة توافقاً مع حالة التردى الاقتصادى التى تعانى منها الدولة . وتستمر مشكلة الديون الخارجية فى حلقة مفرغة بما يحمل الأجيال القادمة لأعباء لم يصنعوها .

- فرضية التبعية Independency Hypothesis : وهي الفرضية التى تركز بشكل أكبر على الاعتماد على رأس المال الأجنبي بكافة صوره منها الديون الخارجية ، حيث تستخدم الدول المتقدمة رأس المال الأجنبي كأداة لفرض ترتيب لا يتماشى مع المتطلبات المحلية للبلدان النامية ، مما يسهم فى حالة جديدة من العبودية والتبعية الاقتصادية لدول العالم المتقدم ، ويحرم الدول النامية من التنمية الاقتصادية المنشودة ، حيث أن نتيجة الاعتماد على تراكم الديون الخارجية يصبح آلية التي من خلالها تمارس الدول الصناعية سيطرتها على غير المصنّعة الدول من خلال تحديد نوع المشروعات ، ومستوى الخبرة ، والمعدات التي سيتم توفيرها ، كذلك عدد الوافدين والعاملين المحليين ، فضلاً عن جميع قرارات التسعير . بالإضافة إلى ذلك ، تؤكد الفرضية أن الاعتماد على الأموال الخارجية يؤدي إلى زيادة الكثير من الأموال الخارجة التي يشار إليها باسم ( خدمة الديون) التي تقضي على موارد البلدان الفقيرة الهزيلة وتعرقل نموها الاقتصادي.

- فرضية الازاحة للديون الخارجيةCrowding-Out Effect Hypothesis : ويعنى التأثير السلبى للديون الخارجية وعبء فوائدها على الانفاق العام للدولة ، بما فى ذلك الانفاق الاجتماعى على التعليم والصحة ، وانخفاض الاستثمار العام مما ، ويؤثر ذلك على الاستثمارات الخاصة الأجنبية والمحلية مما ينعكس سلباً على النمو الاقتصادى .

- فرضية قيد السيولة The Liquidity Constraint Hypothesis : وهى تشير الى تأثير الدين الخارجى على موازين المدفوعات ، فالدول التى لديها عبء كبير من الديون تحتاج الى المزيد من احتياطى النقد الأجنبى لسد أعباء الديون . وفى حالة الدول النامية التى تعانى اقتصاديا ، فقد تواجه مستوى منخفض من الصادرات وتدفقات رأس المال اليها ، مما ينعكس على حصيلتها من النقد الأجنبى ويقيد من عملية النمو الاقتصادى.

    وفيما يلى أهم الدراسات السابقة التى تعرضت لأثر الديون الخارجية على النمو الاقتصادى لدول أفريقيا جنوب الصحراء .

1- Cordelia Onyinyechi OMODERO , & Ogechi Eberechi ALPHEAUS ," The Effect of Foreign Debt on the Economic Growth of Nigeria" , Management Dynamics in the Knowledge Economy , Vol.7 (2019) No.3.

    تبحث هذه الدراسة في تأثير الديون الخارجية على النمو الاقتصادي لدولة نيجيريا. مستخدمة فى ذلك المنهج القياسى باعتبار أن الناتج المحلي الاجمالى متغير تابع ، بينما المتغيرات المفسرة هى : رصيد الدين الخارجي ، وخدمة الدين الخارجي ، ومعدل التضخم . ويغطي نطاق الدراسة الفترة من 1997 حتى عام 2017 ، وتم تحليل البيانات باستخدام اسلوب انحدار المربعات الصغرى العادية.

     وتشير نتائج الانحدار إلى أن الدين الخارجي له تأثير سلبي كبير على النمو الاقتصادي أن معظم الديون الخارجية يتم تكبدها لأسباب سياسية و ليست مشروعات مربحة. ، كذلك خدمة الدين الخارجي ، بينما العوامل الأخرى غير ذات أهمية في تفسير النمو الاقتصادي . وتوصي الدراسة بنمط اقتراض هادف يسمح بتعزيز الأنشطة الانتاجية فى نيجيريا واستغلال ما لديها من ثروات ونفط ومعادن هامة حتى يمكن مواجهة مشكلة الديون بها والحد من الاقتراض الأجنبي ، وخلق فرص العمل و التخفيف من حدة الفقر في البلاد. كما توصي الدراسة بضرورة تطوير الصناعات الوليدة لتقليل الاقتراض الأجنبي الصناعات مثل الصناعات الزراعية والصناعات التحويلية للموارد المعدنية غير المستغلة .

2- Adewale Hassan , & Daniel Meyer , Exploring the Channels of Transmission between External Debt and Economic Growth: Evidence from Sub-Saharan African Countries , January 2021, available at :

https://ideas.repec.org/a/gam/jecomi/v9y2021i2p50-d530678.html

    تهدف هذه الدراسة إلى تحديد القنوات التي من خلالها ينتقل أثر الدين الخارجي الى النمو الاقتصادي في دول إفريقيا جنوب الصحراء. حيث تم استخدام بيانات نحو 30 دولة من دول جنوب الصحراء الكبرى للفترة 1985-2019 ، باستخدام طريقة انحدار النظام المعمم ، وحددت الدراسة الاستثمار العام والاستثمار الخاص والإنتاجية الإجمالية كقنوات تنقل التأثير غير الخطي من الدين الخارجي إلى النمو الاقتصادي. علاوة على ذلك ، تم تأكيد سعر الفائدة أيضًا كقناة ولكن ذات اتجاه مباشر للتأثير.

   وقد توصلت الدراسة الى عدة نتائج أهمها أن الدين الخارجي ينقل تأثيرا غير خطي على الاقتصاد النمو في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء من خلال قنوات الاستثمار الخاص والاستثمار العام والإنتاجية الإجمالية. وبالعكس أظهرت التقديرات أن المدخرات لا تعمل كقناة انتقال بين المتغيرين . كما أشارت الدراسة الى حاجة بلدان أفريقيا جنوب الصحراء إلى القيام بمتابعة استراتيجيات تخفيض الديون الخارجية للحد من التأثير السلبي على القنوات المحددة ، ومحاولة الحد من تأثير المزاحمة لتراكم الديون الخارجية على الاستثمار ، كما يجب على أفريقيا جنوب الصحراء أن تسعى لاستكشاف مصادر أخرى قابلة لتمويل عمليات التنمية بها مثل إعادة ضبط وتعميق الإيرادات المتولدة محليًا ، وجذب المساعدات والمنح الخارجية. وتنفيذ استراتيجيات اقتصادية كلية بديلة غير متعلقة بالديون .

3-Hammed Oluwaseyi Musibau , et.al , " Does External Debt Cause Economic Growth? An Experience from ECOWAS Member Countries" , Human Resource Management Academic Research Society International Journal of Academic Research in Business and Social Sciences , Vol. 8 , No. 11, Nov, 2018.

   تتناول تلك الدراسة أثر الديون الخارجية على النمو الاقتصادى فى دول الجماعة الاقتصادية لغرب افريقيا (ايكواس ) وهم 15 دولة عضو . تلك الدول التى سبق تصنيفها دولياً على أنها من بين أفقر المناطق الفرعية في العالم بسبب رأس المال غير الكافي لسد الفجوة بين المدخرات والاستثمارات. واستخدمت هذه الدراسة بيانات الفترة من 1980 إلى 2015 للتحقيق في التأثير السببي بين الدين الخارجي والنمو الاقتصادي بين دول تكتل الايكواس باستخدام نظرية عبء الديون.

    وتظهر النتائج وجود علاقة سببية طويلة وقصيرة المدى بين الدين الخارجي والنمو الاقتصادي للدول الأعضاء. وتوصى الدراسة بضرورة الاستخدام الكفء لأموال الديون الخارجية وتوظيفها فى المجالات التنموية التى تخدم اقتصادات غرب أفريقيا. بالإضافة إلى الحاجة لخلق بيئة سياسية مستقرة لتحفيز ثقة المستثمرين المحلى والأجنبى ودعم اقتصادات دول التكتل.

ب‌- مواصفات وبيانات النموذج : استخدمت هذه الدراسة بيانات السلاسل الزمنية السنوية التي امتدت من عام 2006 إلى 2020 ، وذلك لبيانات دول أفريقيا جنوب الصحراء. وتم استخدام ثلاث متغيرات رئيسية وهم : معدل نمو الناتج المحلى الاجمالى كمتغير تابع ، بجانب المتغيرات المستقلة التالية : الدين الخارجى ، الصادرات كمتغير خارجى باعتبار ان فجوته تسبب الدين الخارجى ، كذلك المتغيرات الأخرى المؤثرة على النمو الاقتصادى مثل القوى العاملة ، والاستثمار . ويأخذ النموذج شكل المعادلة التالية :

حيث :

 ( GDP ) معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي ؛

Dep) ) نسبة الديون الخارجية الى الناتج المحلى الاجمالى

(EXP) الصادرات كمتغير خارجى

 تمثل حد الخطأ

a الثابت

B1, B2 معلمات النموذج الواجب تقديرها .

كما يمكن اعادة صياغة دالة النموذج بشكل مفصل فيما يلى :-

حيث أن :-

T الزمن

B0 الثابت

B1, to B11 مقدرات معالم النموذج.

Y معدل نمو الناتج المحلى الاجمالى .

lnl القوى العاملة المُعبر عنها في اللوغاريتم الطبيعي.

K الاستثمار (% من الناتج المحلى الاجمالى ).

X معدل نمو الصادرات .

D الدين الخارجى كنسبة من الناتج المحلى الاجمالى.

- مربع الدين الخارجي (٪ من الناتج المحلي الإجمالي).

Middle منغير وهمى ( 1 للدول ذات الدخل المتوسط، وصفر للدول ذات الدخل المنخفض).

Μ معامل الخطأ العشوائى.

   وتم استخدام طريقتين مختلفتين في تقدير هذه النماذج ، حيث استخدمت طريقة المربعات الصغرى (OLS) في الخطوة الأولى ، وتعتبر هذه الطریقة من أشهر الطرق التي تستخدم في تقدیر معاملات نماذج الانحدار التي تدرس علاقة متغیر أو أكثر من المتغیرات ، كما أنها تمتاز بدقة تقدیر المعلمات بعد تحقق افتراضاتها لكي یتم الحكم على جودة النموذج المقدر. في حين استدعيت طريقة العزوم المعممة (GMM )في الخطوة الثانية لمتانتها وتصحيحها لبعض عيوب القياس التي تعاني منها الطريقة الأولى ، وتستخدم طريقة العزوم المعممة متغيرات أخرى لهذا الغرض وتسمى المتغيرات المساعدة variables Instrumental ، بحيث تكون قدر الامكان مستقلة عن الخطأ العشوائي في المعادلات قبل إدخالها في التقدير ومرتبطة بفدر ما أمكن بالمتغيرات المستقلة. وعلى الرغم من أن النموذج المعمم ينتج تقديرات كفء مقارنة بطريقة المربعات الصغرى ، الا أن نموذج العزوم المعمم الديناميكى المقيد (SGMM) يستخدم لعلاج أى مشكلات بالنموذج الأول ، حيث يناسب عندما يكون عدد المشاهدات( (N أكبر من عدد السلاسل الزمنية (T) ، كما أنه يحل مشكلة التحيز الداخلي ، والسببية ، وتجنب مشكلة العلاقة الخطية المتعددة واشتقاق معاملات متحيزة . ويتجنب مشكلة اختلاف التباين homoscedasticity ؛ لأن عدم تحقق تجانس التباين يمكن أن يؤدي إلى انتهاك دلالة الاختبارات الإحصائية التي تفترض تحقق الاستقلالية والتوزيع الطبيعي.

ج‌- الوصف الإحصائي لمتغیرات النموذج القیاسي: یعتبر التحلیل الوصفي من الأسالیب الهامة في عرض البیانات الاقتصادیة، وإعطاء مؤشرات أولیة عن طبیعة المتغیرات الاقتصادیة عبر الزمن، ويتضح من خلال التحلیل الوصفي لمتغیر الناتج المحلي الإجمالي ، أن المتوسط الحسابي للناتج المحلي بلغ 4.3 بانحراف معیاري 5.6 ، كما أن الديون الخارجية كنسبة من الناتج المحلى الاجمالى سجلت رقمًا متوسطًا بلغ 59.55 ، ويعتبر ارتفاع الرقم المتوسط للديون الخارجية مؤشرًا واضحًا على أن الكثير من الدول تعتمد على الديون لتمويل أنشطتها. وتظهر بيانات الجدول رقم (2) ارتفاع قيمة معامل التحديد R2 لتصل الى أعلى قيمة لها فيما يتعلق بتأثير رأس المال أو الاستثمار على النمو الاقتصادى ، يليه مباشرة تأثير الديون الخارجية ، اذ تصل الى 1.81% بمعنى أن 1.81% من التغير فى معدلات النمو الاقتصادى فى دول أفريقيا جنوب الصحراء يمكن أن تفسر من خلال الديون الخارجية ، والنسبة المتبقية 18.9 % ترجع إلى عوامل أخرى مؤثرة .

جدول رقم (2) أهم المقاييس الاحصائية لمتغيرات النموذج

R Sqaure Standard Deviation Mean Variables

0.902

 5.6 4.32 GDP growth rate

 8.23 17.66 Capital as % of GDP

0.771 8.54 5.43 Labour Force (million)

0.791 21.33 .667 GDP Growth Rate (%)

0.811 52.87 59.55 External Debt % of GDP

- نتائج مخرجات النموذج باستخدام برنامج SPSS .

د‌- نتائج النموذج : تشير النتائج الواردة فى الجدول رقم (3) إلى أن الدين الخارجي يؤثر بشكل مباشر على النمو الاقتصادي في أفريقيا جنوب الصحراء سواء كانت تلك الدول منخفضة أو متوسطة الدخل . حيث أن المستويات المرتفعة التصاعدية للدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي تؤدي إلى تقليص عامل الإنتاجية للنمو الاقتصادي ، وتحفز المستثمرين نحو الاستثمار قصير الأجل مما يؤدي إلى انخفاض في مستوى النمو الاقتصادي. كما كان المعامل المقدر لإجمالي الدين الخارجي (٪ من الناتج المحلي الإجمالي) سلبيا عند مستوى معنوية 5% . وأظهرت نتيجة تقدير نظام GMM أنه عندما يرتفع مستوى الدين الخارجي بنسبة 1٪ ينخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.0533 % مما يعنى وجود علاقة سببية عكسية بين الدين الخارجي و النمو الاقتصادي . ومن الجدول أيضا نرى أن 1 % من الدين الخارجي المكتسب سابقًا قد يحفز النمو الاقتصادي بنسبة 0.0237% . ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أن التأثير الإيجابي للديون المكتسبة سابقًا أقل مقارنة بالتأثير السلبي لها على النمو الاقتصادى . كما أن كل زيادة بنسبة 1% ففى الدين الخارجى بالبلدان المتوسطة الدخل يؤدى إلى ضرر على النمو الاقتصادي بنسبة 0.0177 % . ويمكن تفسير هذا الوضع بحقيقة أن الاقتصادات ذات الدخل المتوسط تلجأ إلى المزيد من الاقتراض من المؤسسات الدولية بهدف الحفاظ على معدل النمو ، والاستثمار في مشروعات البنية التحتية.

ومن الجدول رقم (5) يتضح كما أن للدين الخارجي تأثير سلبى على معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.0334 % ، أي أن 1٪ من الديون المكتسبة ينقص معدل النمو الاقتصادي بنسبة 0.0334٪. ومن الجدير بالذكر أن البلدان منخفضة الدخل تتمتع عادة بامتياز الحصول على قروض خارجية من السوق الدولية بأسعار فائدة ميسرة. ومع ذلك ، يتم استخدام هذه القروض بشكل رئيسي لتعويض الدخل القومي المنخفض ، إلى جانب اقتراض البلدان ذات الدخل المتوسط بمعدل أعلى . كما تعتبر الصادرات أحد أهم عوامل النمو الاقتصادى ، كما يكمن الأثر السلبى للدين الخارجى وخاصة خدمة الدين على الصادرات ، لأنه يمثل اقتصاع من حصيلة الصادرات ليرتد الى الدائنين ؛ وبالتالى للديون الخارجية اثار سلبية على المدخرات وحصيلة الصادرات واسعار الصرف واحتياطات النقد الأجنبية .

    وخلاصة ما سبق ، تظل المديونية أكبر عائق أمام النمو الاقتصادي والتنمية ، حث تشير النتائج إلى أن زيادة رصيد الدين الخارجي لا يؤدي إلى تحفيز النمو الاقتصادي ، بل يؤدي إلى تفاقم مشكلة فجوة التمويل ؛ وبالتالي انخفاض النمو. فضلاً عن أن رصيد ديون العام السابق كما يتضح من التأخر الأول والتأخر الثاني الخارجي . ويعد استمرار الديون الخارجية في منطقة جنوب الصحراء يعزى بشكل مباشر إلى سياسات الاقتراض غير الحكيمة ، والمشروعات المقترنة بسياسة إدارة الديون غير المنظمة.

جدول رقم (4) نتائج تقدير نظام GMM للنموذج الديناميكي

Z value Std.Err. Coef GDP

2.66

0.0278

0786.0. Gdp

L1

1.88

3.46 0.0318

0.0248 0.0734

0.08122 L2

Capital Investment (% GDP)

9.13

2.16 0.00567 0.0562

0675.0 Export Growth Rate

Ln Labour Force

-4.90

2. 40 0.00786

0.0177 -0.0533

0.0237 Dept as % of Gdp

L1

2.28

-1.47 0.0065

0.0053 0.0219

-0.0133 L2

Dept Squared % Gdp

-1.89

-0.07 0.0067

0. 765 0.0167

0.0654- Dept middle

Middle Income countries

-1.74 6.241 -12.312 cons-

 Wald chi squared (Prob> chi squared)

0.2853 Arellano- bond AR (2 , Prob>2)

0.418 Sargan test (Prob> chi squared)

920 No.of observations

- نتائج مخرجات النموذج باستخدام برنامج SPSS .

- استخدام مستوى معنوية 5%

جدول رقم (5) نتائج تقدير GMM للنظام على النموذج الديناميكي المقيد

Z value Std.Err. Coef GDP

3.53

0.0311

0.1252 Gdp

L1

2.06

2.12 0.0365

0.0266 0.0567

0.0456 L2

Capital Investment (% GDP)

10.50

1.58 0.00654

0.298 0.0654

0.0455 Export Growth Rate

Ln Labour Force

-3.05

-1.12 0.00388

0.0755 -0.0334

-0. 7547 Dept as % of Gdp

Middle Income countries

-1.74 5.96 -6.687 cons-

0.000 Wald chi squared (Prob> chi squared)

0.413 Arellano- bond AR (2 , Prob>2)

0.452 Sargan test (Prob> chi squared)

920 No.of observations

- نتائج مخرجات النموذج باستخدام برنامج SPSS .

- استخدام مستوى معنوية 5%

- نتائج وتوصيات الدراسة :

   على الرغم من أن معظم البلدان النامية في العالم قد استخدمت المديونية الخارجية لتمويل عمليات التنمية بها ، ولكن تظل المديونية أكبر عائق أمام النمو الاقتصادي فى أفريقيا جنوب الصحراء ، حيث لا يزال رصيد الديون المرتفع يمثل تهديدًا لاقتصاداتها . وقد توصلت الدراسة فى هذا الصدد الى عدة نتائج رئيسية مفاداها الاتى :

- ان مشكلة الديون الخارجية ظهرت منذ ثمانينات القرن العشرين ، ولم تحقق دورها التنموى المنشود حتى مع تطبيق برامج الاصلاح الاقتصادى فى دول أفريقيا جنوب الصحراء ، بل تزايدت بشكل ملحوظ حتى أصبحت أعباء الديون وفوائدها التحدى الأكبر الذى يثقل كاهل الموازنات العامة الأفريقية ، كذلك الدول الأفريقية ذات الاقتصادات الأفضل حال مثل : جنوب أفريقيا ونيجيريا أصبحت من أكثر الدول مديونية للعالم الخارجى.

- تتركز الجهات المقرضة للدول الأفريقية فى المؤسسات الدولية مثل (البنك وصندوق النقد الدوليين ) ، وهى المؤسسات التى أوهمت الدول الأفريقية سابقاً بأن الانفتاح الاقتصادى والقروض هى السبيل الأمثل نحو النمو الاقتصادى ، وهو ما لم يتحقق فى الجانب العملى . كما كثفت الصين تواجدها فى أفريقيا من خلال منح القروض مقابل الحصول على المواردكما فى حالة نموذج أنجولا ، وهو ما يشبه بالسيطرة على الموارد الطبيعية مقابل منح القروض ، بما أضعف نسبياً قدرة بعض الدول الأفريقية على استغلال تلك الموارد بشكل كفء.

- أدت الأزمات الاقتصادية العالمية مثل تلك التى سببتها الأزمة المالية العالمية عام 2008 ، وجائحة كورونا الى العديد من التداعيات الاقتصادية السلبية على دول أفريقيا جنوب الصحراء، أهما تزايد حجم الدين الخارجى بنسبة الى 7.1% ما بين عامى 2008 و2009 ، ونحو 4.9% ما بين عامى 2019 و2020 فقط ، وتزايد عدد الدول المعرضة لضائقة الديون ، وذلك مع ضرورة استمرار حاجة تلك الدول نحو الاقتراض لمواجهة تداعيات الوباء والسير فى خطط الانقاذ الاقتصادية .

- تعددت الأسباب وراء تزايد لجوء الدول الأفريقية نحو الاقتراض الخارجى ، ومن أهم تلك الأسباب ، ارتفاع حجم العجز بالموزانات العامة خاصة فى ظل الأزمات السياسية والاقتصادية واخرها موجة الانقلابات العسكرية بالقارة وانعكاسات وباء كورونا. كذلك تقلبات أسعار السلع والمواد الخام ومصادر الطاقة التى تنتجها أفريقيا مما قد يعرضها لخسائر مالية ، فضلاً عن كثافة فوائد خدمة الدين وأقساطه مما مثل عقبة أمام سداده . يضاف الى ذلك الفساد المالى والاقتصادى الأكثر انتشارا فى أفريقيا جنوب الصحراء .

- كانت النتائج التجريبية للدراسة متوافقة مع الاستقراء النظري للتأثير المباشر للديون الخارجية على النمو الاقتصادى ، اذ تشير النتائج إلى أن زيادة رصيد الدين الخارجي لا يؤدي إلى تحفيز النمو الاقتصادي فى دول أفريقيا جنوب الصحراء ، بل يؤدي إلى تفاقم نقصه وذلك خلال فترة القياس (2006-2020) .

    ومن خلال هذه النتائج يتضح صحة الفرضية الأولى للدراسة وهى أنه لم تؤدى عملية التحرير الاقتصادى فى دول أفريقيا جنوب الصحراء الى الحد من الديون الخارجية ، بل تزايت مع مرور الزمن خاصة أوقات الأزمات السياسية والاقتصادية ، حيث تزايد حجم الدين الخارجى لدول المنطقة من 322 مليار دولار أمريكى عام 2006 الى 702 عام 2022. كما تم اثبات صحة الفرضية الثانية للدراسة ، مع وجود علاقة معنوية سلبية بين الدين الخارجى والنمو الاقتصادى لدول أفريقيا جنوب الصحراء خلال الفترة (2006-2020) ، حيث أن اى زيادة فى الدين الخارجى بنسبة 1% تؤدى الى تراجع النمو الاقتصادى لدول المنطقة بنسبة 0.0334٪.

وتوصى الدراسة بضرورة أن تقوم الحكومات الأفريقية بما يلى :-

- محاربة الفساد بكافة أشكاله ، حيث يعتبر من أسباب تفاقم أزمة المديونية الخارجية فى أفريقيا.

- يجب على دول القارة الأخذ في الاعتبار أن تحقيق التنمية الاقتصادية الحقيقية لابد وأن يراعى حقوق الأجيال القادمة ، فلا يجب تحميلهم بأعباء الديون الخارجية بشكل مبالغ فيه ، وهو الأمر الذى يتطلب ضرورة الاستمرار فى تنفيذ الخطط التنموية التى شملتها خطة القارة نحو تحقيق التنمية المستدامة 2063 ، من أجل بناء اقتصادات أقوى قادرة على خلق مصادر مالية جديدة تدعم الايرادات العامة للدول ، وتمول خططها التنموية المختلفة ، ويعزز من قدراتها التنافسية على مستوى العالم ؛ وبالتالى تتراجع الحاجة نحو المزيد من الديون .

- لابد من تعزيز الروابط بين الديون وكيفية استخداماتها فى تعزيز النمو الاقتصادى ، وضمان كفاءة الاستثمارات الممولة بالديون بمعنى أن الدين يستخدم في تمويل المشروعات الأكثر إنتاجية التي تولد نموًا كافيًا وتضمن سداد تلك الديون في المستقبل.

- لابد من المضى فى تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية لما لها من مزايا تصب فى صالح معدلات النمو الاقتصادى بالقارة وتحسين موازين المدفوعات ؛ وبالتالى الحد من الديون الخارجية .

- ان تعمل الحكومات الأفريقية على أن تكون تلك القروض انتاجية ، تساعد على تحقيق النمو الاقتصادى ودعم التصدير من خلال الاستناد الى معايير اقتصادية فى اختيار المشروعات الممولة بدلا من الاقتراض لغاية دعم الموازنات الحكومية .

قائمة المراجع