الجغرافيا السياسية واستمرارية النظام السياسى الإماراتى (2004-2021)

نوع المستند : مقالات سیاسیة واقتصادیة

المؤلف

کلية السياسة والاقتصاد بجامعة السويس

المستخلص

استهدفت هذه الدراسة تفسير استمرار النظام السياسى من منظور الجغرافيا السياسية، وسعت لبحث تأثير مقدرات المکون الأرضى (الإقليم البرى) من مساحة وموارد وملامح طبوغرافية وموقع وجوار جغرافيين على استمرار النظام السياسى وقدرته على مواجهة الأزمات والتحولات بمجموعة من السياسات بعد أن يکون قد وضع أهدافه، وذلک بالتطبيق على دراسة العلاقة بين الأرض والسياسة فى دولة الإمارات العربية المتحدة، والتعرف على کيفية الاستجابة لهذه المعطيات وتفاعل النظام السياسى معها فى إطار السياسات والجهود الرامية إلى تحقيق التنمية ودعم الأمن والاستقرار خلال الفترة من 2004 وحتى 2021.
وتوصلت الدراسة إلى أن النظام السياسى وقيادته السياسية فى تفاعلها مع المکون الأرضى فى دولة الإمارات العربية المتحدة استطاعت أن تحقق عدة أهداف للحفاظ على الدولة واستمرارية النظام السياسى، ومن بين هذه الأهداف: مجابهة التحديات والتهديدات الخارجية، وکبح جماح خطر الجماعات المتأسلمة داخليا، وخاصة "جماعة الإخوان المسلمين"، وحسن توظيف وإدارة الوفرة الاقتصادية وتقوية النظام السياسى، وتطوير فاعلية الأداء الحکومي والسياسات العامة.
الکلمات المفتاحية: الجغرافيا السياسية، الإقليم البرى، النظام السياسى، الاستمرارية السياسية

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية


 

المقدمة:

تتکون الدولة من شعب وإقليم وسلطة سياسية، وکل ذلک يعد من عناصر قوة الدولة الشاملة وتقوية النظام السياسى فى ظل السياسات التى توازن بين الإمکانات والأهداف الوطنية. وينقسم الإقليم بدوره إلى إقليم بحرى، إقليم جوى، وإقليم برى، ويکون لکل مجتمع رقعة جغرافية محددة وواضحة، تميز المجتمعات عن بعضها البعض، وتعين حدود التجمع البشري لتکوينات المجتمع، وتحدد الموارد الطبيعية والأنشطة الاقتصادية، وتعد هذه الرقعة الجغرافية اليابسة أحدى مکونات الدولة. وکنتيجة مباشرة لتنامى العولمة بات تحقيق أهداف التنمية المستدامة وبناء الإنسان يرتکز على علاقة التفاعل والتأثير المتبادل بين قدرة الدولة والمعطيات الجغرافية التى تتمتع بها. لذا يتأتى الاهتمام بدراسة تأثير مکون الإقليم البرى على قدرات النظام السياسى ومدى جودة السياسات العامة والاستجابة للتحولات الإقليمية والداخلية.

تشير الاستمرارية السياسية إلي استدامة فعالية ممارسات واستجابات النظام السياسى لضغوط وظروف البيئة المحيطة، وتوظيف موارد وقدرات الدولة للوفاء بمتطلبات وتوقعات المواطنين، لتحقيق أهداف صمود الدولة وبقاءها وحفظ استقرار المجتمع.

تنطلق الدراسة الحالية من التفسير الجغرافى لاستمرار النظام السياسى، أو تأثير المکون الأرضى على استمرار النظام السياسى، ويقتصر البحث فقط على مسألة الإقليم البرى أو عنصر الأرض أو اليابسة وأعماق البر التي تقوم عليها سلطة الدولة وتمضي فيها سيادتها دون تناول المياه الإقليمية وأعماقها والمجال الجوي الذي يعلوها. وتسعى لبحث تأثير مقدرات المکون الأرضى (الإقليم البرى) من مساحة وموارد وملامح طبوغرافية وموقع وجوار جغرافيين على استمرار النظام السياسى وقدرته على مواجهة الأزمات والتحولات بمجموعة من السياسات بعد أن يکون قد وضع أهدافه، وتطبيق ذلک على دراسة العلاقة بين الأرض والسياسة فى دولة الإمارات العربية المتحدة، والتعرف على کيفية الاستجابة لهذه المعطيات وتفاعل النظام السياسى معها فى إطار السياسات والجهود الرامية إلى تحقيق التنمية ودعم الأمن والاستقرار.

ويتحدد النطاق الزمنى للدراسة منذ العام 2004 بعد وفاة الشيخ زايد آل نهيان (الأب المؤسس وناظم عقد اتحاد دولة الإمارات) وتولى الشيخ حليفة بن زايد حکم البلاد، وتنتهى الدراسة فى العام 2021 ويبرر اختيار ذلک هو أن هذا هو العام الذى شهد اکتمال خمسين عام على نشأة الدولة الإماراتية.

تعتمد الدراسة على استخدام الاقتراب الجيوتاريخى للاهتمام بدراسة نشأة الدولة الإماراتية على ضوء الظروف الطبيعية والحضارية فى منطقة الخليج العربى وخاصة ما يرتبط بعلاقة الأرض بشکل الدولة وتماسک کل وحداتها السياسية. کما توظف اقتراب تحليل القوة بالترکيز على عنصر الأرض وتأثيراتها فى النظام السياسى وأهدافه وتفاعلاته.

وتنقسم إلى المحاور التالية:

المحور الأول: الدولة والعلاقة التبادلية بين الأرض والنظام السياسى.

المحور الثانى: الجغرافيا السياسية والإقليم الأرضى لدولة الإمارات العربية المتحدة.

المحور الثالث: الأرض واستمرار النظام السياسى الإماراتى: آفاق وتحديات.

المحور الأول

الدولة والعلاقة التبادلية بين الأرض والنظام السياسى

يهتم علم الجغرافيا السياسية بدراسة العلاقة بين الدول ونظمها وظروف البيئة الجغرافية، واستخدامات المساحات الجغرافية على الوجه الأکمل وحسن إدارة الموارد الطبيعية، وانتشار العمران فى الدولة حتى تصبح وحدة سياسية متماسکة في الداخل وقوة لها اعتبارها في الخارج. ويرکز المحور الحالى من الدراسة على استجلاء العلاقة بين الأرض والسياسة فى الدولة.

أولا: الدولة ومکوناتها:

إن الدولة بالنسبة للجغرافيا السياسية تتکون من عنصرين أساسيين هما الإقليم والشعب ينتج عن التفاعل بينهما عنصر ثالث هو الحکومة( ). وتعتبر جماعة من الناس يعيشون بصورة دائمة فوق إقليم جغرافي محدد ويخضعون لسلطة سياسية معينة وتتمتع بالسيادة الوطنية والاعتراف الدولي حتى تستکمل الدولة وجودها الفعلي وحتى تتمکن من مباشرة سيادتها وإقامة علاقات مع المجتمع الدولى( )، وهذا يعنى أن الدولة هي الشخصية المعنوية التي تفرض سيادتها على إقليمها فلا تقوم الدولة بدون عناصر تکوينها( )، وأن کان لا اشتراط لمساحة الدولة أو عدد سکانها، إلا أن العوامل الجغرافية والبشرية ذات أهمية ضمن عناصر (أو موارد) قوة أى دولة على نحو ينعکس على قدرات (أدوات) قوة الدولة من خلال النظام السياسى الذى من خلاله يمکن تحويل الموارد إلى قدرات، أو إهدار الموارد المادية والبشرية وتبديدها( ). وتباشر السلطة عملية توزيع القيم فيها باعتبارها الإطار السياسي المعني بإدارة شؤون الدولة والمجتمع ومنوط بها توفير سبل العيش المشترک والاستقرار والأمان للأفراد( ).

وأقسام الإقليم هى الإقليم البرى والإقليم البحرى والإقليم الجوى، ويأتي عنصر الأرض أو الإقليم البرى من ضمن مقومات الدولة وعناصر تکوينها، ذلک أن لا دولة دون أرضٍ أبدًا، إذ على رقعته اليابسة توجد وتستقر الجماعة الوطنية بصورة دائمة داخل الحدود الإقليمية وتنتظم السلطة السياسية في إطاره، ويشتمل على المعالم الطبيعية ومجارى المياه التى تقع بأکملها فى الإقليم، وکل ما يحويه باطن الأرض من مياه جوفية وثروات وموارد طبيعية کالبترول( ).

وعنصر الأرض يستبطن معنيين متلازمين لوجود الدولة وإدارة شئونها يشکّلان معاً أهمية لصنع وتنفيذ السياسات العامة التنموية، هما: الاستخلاف والتمکين المطلق من خلال العمران أو عمارة الأرض التى تعنى تحويل الأرض إلىٰ حال تصلح بها أن ينتفع من فوائدها المترقّبة منها، وهذا لا يکون إلَّا بالعمل والسعي المتواصل، والسيطرة علىٰ مصادر الخيرات فيها حتى تتحقق الحياة الکريمة والرفاهية( ). وعليه فإنَّ جائزة الأرض للأجيال الحالية والمقبلة فى الدولة حقّ عامّ يحصل عليه من يوفّي بشروطه، خاصة إحلال السلام والرخاء والتنمية، وبما يعنى وجود دول رائدة لديها القابلية والاستعداد للعب دور محورى وتحمل أعباء ذلک الدور بما لديها من إمکانات علمية وعملية للقيام بمهامها( ).

تجدر الإشارة إلى أن امکانات الدول من القوة تدعم أهداف سياساتها العامة، حيث أن الامکانات والمقدرات بإمکاناتها الطبيعية والتى من بينها الموقع الجغرافى للدولة والموارد المادية والطبيعية التى تحوزها الدولة تعد جزءا من القوة الشاملة للدولة بشرط التخطيط ووضع السياسات العامة الواقعية أو الرشيدة فبذلک تصبح قوة دائمة ومساندة للسياسة العامة للدولة ولقدرتها على تحقيق أهدافها وبلوغ الرفاهية والسعادة الوطنية، أو قد تکون عبئا ثقيلا أو مصدر تهديد وخطر دائم لها مما يؤثر على الخيارات والبدائل التى يمکن أن تأخذ بها الدولة لنفسها( ).

إن قدرة الدولة على البقاء يکون محصلة التفاعل بين السکان والأرض بما تتضمن من موقع وتضاريس وموارد، والقبول العام بحدودها الجغرافية، وغلبة مشاعر الانتماء الوطنى لشعبها والتوافق حول مکونات ووحدة الهوية الوطنية( ).

هذا ويتسم الإقليم البرى بجملة صفات من أبرزها ما يلي( ):

 عنصر لازم لتکوين الشخصية الاعتبارية للدولة.

 يحدد سيادة الدولة وقدرتها على ممارسة وظائفها.

 الموضع والحدود المکانية الذي يقوم فيه النظام السياسى.

ثانيا: النظام السياسى: الوظائف والاستمرارية

إن النظام السياسى مفهوما تحليليا يستخدم لفهم الظاهرة السياسية، ويعتمد على أنماط مستمرة من التفاعلات بين وحداته أو أعضائه، تعبر عن علاقات القوة السياسية بوجهيها السلطة والنفوذ، وکل نظام يسعى للحفاظ على ذاته أو البقاء عبر الزمن( ). وذلک من خلال تحقيق سعادة ورفاهية المجتمع، والتکامل الوطنى، وزيادة مشارکة المواطنين، وقدرة النظام السياسي على توزيع المنافع والخدمات بين المواطنين بشکل عادل وعلى کل المستويات وسائر القطاعات( ).

يتکون النظام السياسى من عدة أبنية تؤدى وظائف متعددة ضرورية لاستمراره واستقراره فالنظام السياسى هو التنظيم الذى من خلاله يحدد المجتمع أهدافه العامة ويسعى إلى تحقيقها، هذه الأنشطة تؤدى عن طريق مؤسسات أو أبنية النظام، وتتأثر هذه الأبنية بالإطار أو المحيط الذى يوجد النظام فيه( ).

وتتمثل مستويات وظيفية النظم السياسية فيما يلى:

1. قدرات النظام (الاستخراجية، التنظيمية، التوزيعية، الرمزية، الاستجابية)،

2. وظائف التحويل،

3. وظائف استمرار وتکيف النظام،

4. الاهتمام بأداء النظام أو سلوکه ککل فى علاقته بالبيئة، إضافة إلى النتائج التى ترتبها القرارات والسياسات( ).

کما أن النظام السياسية بمثابة الجهاز الذي يعبر عن سيادة الدولة وسلطتها في إقليم معين وعلى جماعة معينة من البشر، ومن ثم فأي تحول يطرأ على الدولة الوطنية من شأنه أن يؤثر تأثيرا واضحاً على النظام السياسى( ). فالنظام السياسى لا يقوم ولا يعمل فى فراغ بل فى بيئة تفرض قيودا وتهئ فرصا للاختيارات السياسية کما تشير الديناميات السياسية وواقع النظام السياسى وتفاعله مع البيئة المحيطة أخذاً وعطاءاً، هذا يعنى خصيصة الاعتماد المتبادل بين النظام والبيئة، وهکذا إن فهم تشکيل وأداء مؤسسات النظام السياسى لا يمکن أن يتم بمعزل عن فهم ومعرفة الأساس البيئ بعناصره ومنها الطبيعة أو الواقع الجغرافى، بما يشير إلى العلاقة بين النظام السياسى والبيئة المحيطة أو انعکاسات المعطيات الجغرافية على النظام السياسى، وأن مجالات الأنشطة المختلفة هى حصيلة التفاعل بين الإطار الجغرافى والإنسان( ).

يستدعي ذلک وجود قيادة حکيمة قادرة على الوصول إلى أبعد نقطة في إقليم الدولة وتقديم ما يمکن تقديمه من منافع وخدمات تسهم تدعيم الثقة بين المواطن والحکومة. ويتأکد وجود درجة کبيرة من الاتفاق بين طبيعة القيادة السياسية والعملية الإنمائية، ويمکن التمييز بين ثلاثة أنماط للقيادات (النخب) السياسية بحسب موقفها من العملية الإنمائية، هى: القيادات والنخب التقليدية العاجزة عن التکليف مع متطلبات التنمية، والقيادات والنخب التقليدية القادرة على التکيف مع هذه المتطلبات، والقيادات والنخب الحديثية الإنمائية العصرية( ). وتتسم القيادة الحديثية والإنمائية بطبيعتها الديناميکية في التعامل مع المواقف المتجددة التي يواجهها المجتمع، بما يتطلبه ذلک من ضرورة تطويع وتکييف أساليب القيادة في التعامل بما يتفق مع خصائص المواقف وسمات وقدرات المجتمع( ).

تتمثل استمرارية النظام السياسى في عدة مؤشرات نذکر منها على وجه التحديد ما يلى:

1. ما تقدمه الدولة أو قدرتها من خلال نظامها السياسى على تلبية الاحتياجات الأساسية لمواطنيها، مثل التعليم، الصحة، والخدمات،

2. وقدرتها في الوظائف الأمنية والسيادة کحفظ النظام العام وحماية الدولة من الاعتداءات أو التدخلات الخارجية،

3. وقدراتها الاقتصادية وعلاقة الدولة بعملية الإنتاج وتوزيع الموارد العادل في المجتمع( ).

ثالثا: انعکاسات مقومات عنصر الأرض على استمرار النظام السياسى

يتناول هذا الجزء من الدراسة بيئة (محيط) النظام السياسي وتحليل الديناميات السياسية أى واقع النظام السياسى وتفاعله مع عنصر الأرض أخذا وعطاء من الزوايا الآتية:

1. المساحة الجغرافية: إن للإقليم دوراً هاماً في وحدة الأمة وقوتها إذ تنعکس آثار الإقليم على الدولة والمواطنين فبالنسبة للدولة الإقليم هو أحد العناصر الرئيسة التي تکون شخصية الدولة وتعطيها وجودها وهو الإطار الجغرافي الذي تمارس الدولة في داخله کامل سيادتها واختصاصاتها وهو أيضا الامتداد الجغرافي للدولة هو الذي يميزها عن باقي المجتمعات( ). ويتوجب على المقيمين على أرض الدولة من مواطنين ورعايا الخضوع لسلطة الدولة وفي المقابل واجب الدولة بحماية واحترام حقوق الدول الأخرى ورعاياها کما عليها واجب حماية مواطنيها واحترام حقوق المواطنون الذين يعيشون في الإقليم المحدد للدولة( ).

2. الموقع الجغرافى: العنصر الأرضي ملازم للمجتمع السياسي ولا يخفى أن الإقليم هو البوتقة التي تصهر حياة الجماعات وتمزجها مزجاً ليکسبها شخصية خاصة تميزها عن غيرها من الجماعات المجاورة فالإقليم عامل أساسي في توحيد الجماعات التي تقطن في أرض الدولة، فالإقامة المستمرة والدائمة لهذه الجماعات على الأرض وتفاعلها معها تبعث فيها روح التضامن وتوطيد الميول الوطنية ورغبة العيش المشترک وحب الوطن والدفاع عن أرضه وحدوده وبنائه وتقدمه وإنمائه غير أن مهمة الدفاع تقع على عاتق الدولة لکونها متبلورة وتتولى تنظيمه وإدارته( ). ومن حيث علاقة الأرض بالشعب فأينما کانت أرض يابسة يعيش فوقها إنسان لا بد أن يصل إليها السلطة لتصبح جزءاً من الأرض التي تدين به( ).

3. الحدود ودول الجوار الجغرافى: تشکل الأرض القاعدة التي تتحد عليها الجماعات البشرية فهي بالنتيجة تحدد البعد الجغرافي وحدود السلطة العامة للدولة وبذلک تبرز فکرة حدود الدولة التي تعين عن طريق المعاهدات والاتفاقات مع الدول المجاورة اعتراف الدول المتبادل الضمني أو العلني بالحدود الجغرافية لکل دولة من شأنه أن يثير مسألة سيادة الدولة على أرضها واحترام هذه السيادة ضمن هذه الحدود تتمتع الدولة بکامل الصلاحيات( ). ومن خلال الخرائط الجغرافية يمکن تعيين حدود الدولة وتقسيمها الإدارى، ولا يشترط فيه مساحة معينة ولا يشترط أن يکون متصلا فالحدود الفاصلة بين الأقاليم الأرضية للدول قد تکون حدود طبيعية أو اصطناعية أو قد تکون حدا وهميا کخطوط الطول والعرض( ).

4. الملامح الطبوغرافية: يقصد بذلک الامتداد الأرضى والأنهار والطبيعة الجزرية والمرتفعات والصحارى والريف والحضر ومناطق القلب وانعکاسها على نمو الدولة. ومن حيث تأثير الملامح الطبوغرافية على النظام السياسى مما ينعکس على قوة السلطة المرکزية أو ضعفها يتمثل فى تحديد نمط الإنتاج فى الدولة، والمساحة وشکل السطح وتحديد الرقعة المعمورة فى الدولة ونمط إقامة المواطنين وکذلک شکل الدولة السياسى أن کان فيدراليا أو موحدا وتحديد عاصمتها( )، وتأثير مساحة الرقعة المعمورة، وشکل السطح من حيث الوعورة أو عدمها وانبساطه، مساحة الدولة وشکلها فيدرالية أو موحدة، نمط الإقامة والسکن من حيث السکنى المبعثرة والميل نحو الانعزالية والتقليدية والمحافظة والأعراف المستقرة ونماذج السلوک السائدة وتأثير العصبيات أو السکنى المجمعة والتفاعل وانتقال أسرع للأفکار الجديدة وکذلک التحضر أو نمو المدن ووفقا لأدبيات التحديث يعد التحضر أحد مؤشرات التقدم الاقتصادى والاجتماعى( )، والطبيعة الجزرية لها آثارها السياسية قد تغذى الإحساس بالهوية الجمعية لدى الشعب فى مواجهة الأجانب. وتفرض قدرا من اللامرکزية السياسية ويفسر کذلک استمرار شکل نظام الحکم خاصة الملکى أو الإمبراطوري حيث يتوزع الشعب على کم من الجزر بحاجة إلى رمز للوحدة الوطنية يتمسکون به ويتوجهون بولائهم له. وتشير أدبيات الاندماج الوطنى أن معظم الدول بدأت نموها واتساعها من منطقة قلب Core Area أو منطقة مرکزية شهدت بدايات التفکير والحکم. وتتميز بخصائص طبيعية وموقع جغرافى وتجانس ثقافى، وقد يکون هناک منطقة قلب أو أکثر، والمعتاد أن تقع العاصمة فى منطقة قلب حيث تمثل وتجسد تقاليد الدولة وقيمها التاريخية والعاصمة هى المقر الرسمى للحکم والسلطات، وتدعم أواصر الوحدة الوطنية، ويتجسد هذا الرمز فى النظام الملکى( ). کما أن الشکل المتناثر والشکل المجمع من حيث نمط إقامة السکان، وکذلک شکل الدولة فيدرالية أو موحدة حيث أن الوحدات المبعثرة تکون محافظة بينما المجمعة تميل إلى تقبل التغيير والتجديد، وقد يکون هذا الشکل أو ذاک مؤشرا للتقدم والقدرة على تحقيق الإزدهار( ).

5. الموارد الطبيعية: ويقصد بها الموارد التى توفرها الطبيعة وتکون لازمة للوجود المادى للإنسان (موارد حيوانية، ونباتية، ومعدنية). ووفرة الموارد يمکن أن تکون مصدرا للقوة والتخفيف من التناقضات الاجتماعية والاقتصادية والرخاء الاقتصادى والتطور الاجتماعى والسياسى ويتوقف ذلک بحسب الوفرة/ الندرة الاقتصادية. وتأثيرها يکون فى المجالات التالية: الاستقرار السياسى (مثل الدول البترولية العربية)، التقدم الاقتصادى والعدالة فى التوزيع والرفاهية الاجتماعية ووفرة عوامل الانتاج (وفى مقدمتها مثلا الدول الزراعية يوجد عنصر الأرض باتساعها وخصوبتها وسهولة ريها)، التنافس الدولى وتأثير توافر الموارد الخام على سياسات الدول الأخرى وقدراتها الاستخراجية من البيئة الدولية. وهذا يفسر صور التفاعل الدولى کالحروب والتحالفات، کما تتأثر الأوضاع الداخلية فى الدول التى تمتلک المواد الخام بالضغوط التى تمارس من قبل الدول الکبرى من خلال تأييد النظام السياسى القائم أو مناصرة نظم بعينها أو ضغوط الاستخلاف السياسى. بمعنى أن وجود الوفرة الاقتصادية يؤثر على التخفيف من حدة التناقضات الاجتماعية ويعزز الديمقراطية( ).

إن الإستفادة من هذه المقومات يعتمد على قدرات النظام السياسى على الاستفادة من مصادرها ومواردها المتاحة من امکانيات القوة الشاملة ومن بينها عنصر الأرض( ).

ينبغى الإشارة إلى دليل التنافسية العالمى کمؤشر للمقارنة بين السياسات العامة وتقييم أداء النظام السياسى وقدرته على تهيئة الازدهار للمواطنين، وتقوم منهجية التقييم على تصنيف التقرير (63) دولة حول العالم على أربعة محاور رئيسة هم: الأداء الاقتصادى، والکفاءة الحکومية، وکفاءة الأعمال، والبنية التحتية، والتى يندرج تحتها (20) محوراً فرعياً تغطى (338) مؤشراً تنافسياً فى مختلف المجالات الاقتصادية والمالية والتشريعية والإدارية والاجتماعية، وقد أضيفت فى نسخة العام 2020 بعض المؤشرات الجديدة( ).

يتصل بما سبق وجود مقياس لاستدامة قدرات النظام السياسى وخاصة مؤشر السعادة العالمي، وترجع أهمية هذا إلى أن تقرير السعادة العالمى والذى يصدر سنويا عن الأمم المتحدة يوضح خريطة السعادة الدُّولية ويهدف إلى قياس حالة من السعادة والرفاهية في جميع أنحاء العالم ويؤخذ کمعيار لقياس سعادة الشعوب واستخدام هذا للمساعدة في توجيه السياسة العامة وتحقيق السخاء الاجتماعى، وتشير جغرافيا تقرير السعادة إلى وجود أقاليم للسعادة( ).

المحور الثانى

الجغرافيا السياسية والإقليم الأرضى لدولة الإمارات العربية المتحدة

إن دولة الإمارات العربية المتحدة هي دولة اتحادية مستقلة، ذات دستور وسيادة کاملة، وللاتحاد عاصمته، وعلمه، وشعاره، ونشيده الوطني. تأسست في 2 ديسمبر 1971، وتضم سبع إمارات هي: أبوظبي، ودبي، والشارقة، ورأس الخيمة (التى انضمت إلى الاتحاد في فبراير 1972)، وعجمان، وأم القيوين، والفجيرة، وعاصمتها أبوظبي. يخضع نظامها السياسي إلى أحکام الدستور الإماراتي، وشعب کافة إمارات الدولة السبع واحد، ولمواطنيه جنسية واحدة( ). يستعرض هذا المحور من الدراسة مقومات المکون الأرضى وشکل النظام السياسى فى دولة الإمارات العربية المتحدة.

أولا: مقومات عنصر الأرض فى دولة الإمارات العربية المتحدة

إن سياسة الدول تتأثر بأوضاعها الجغرافية، أذ يعد المحيط الجغرافى أحد المتغيرات البيئية التى تؤثر فى النظام السياسى، وخاصة عنصر الأرض محور هذه الدراسة، ويمکن استعراض ذلک من خلال الأبعاد التالية:

- المساحة.

- الموقع الجغرافى.

- الحدود والجوار الجغرافى.

- التضاريس والملامح الطبوغرافية.

- الموارد الطبيعية.

بادئ ذى بدء ينبغى عرض خريطة دولة الإمارات العربية المتحدة.

1. المساحة:

تغطي أرض الإمارات مع جزرها مساحة قدرها 83600 کم2 أما مساحتها من دون الجزر فنحو 77700کم2 ويزيد عدد الجزر على 200 جزيرة، ويقترب شکل الدولة من شبه منحرف قائم الزاوية قريب من المثلث مع امتداد مثلثي شمالي شرقي. ويبين الجدول التالى مساحة کل إمارة من السبع إمارات فى الدولة( ).

جدول (1): مساحات إمارات الدولة

الإمارة المساحة النسبة من مساحة الدولة الکلية %

إمارة أبوظبي 76340 کم2 86.67

إمارة دبي 3885 کم2 5

إمارة الشارقة 2590 کم2 3.33

إمارة رأس الخيمة 1684 کم2 2.2

إمارة الفجيرة 1165 کم2 1.5

إمارة أم القيوين 777 کم2 1

إمارة عجمان 259 کم2 0.33

المصدر: البوابة الرسمية للحکومة الإماراتية

2. الموقع الجغرافي

تقع دولة الإمارات فى الجزء الجنوبى الغربى للقارة الآسيوية، وتشغل المساحة الواقعة في الجزء الشرقي من شبه الجزيرة العربية المنطقة. ووفقا للإحداثيات الجغرافية تقع الدولة بحسب خطوط الطول والعرض بين 57.10 – 51.35 درجة شرقا، و26.25-22.35 درجة شمالا. أى أنها تقع دولة الإمارات العربية المتحدة في المنطقة المدارية الجافة التي تمتد عبر آسيا وشمال أفريقيا وتخضع في الوقت نفسه لتأثيرات المحيط لوقوعها على ساحلي الخليج العربي وخليج عمان الذي يتصل بالبحر الأحمر عن طريق باب المندب مما جعلها فى منطقة تتميز بالمناخ الصحراوى الدافئ والمشمس شتاء وحار رطب صيفا، ويکون المناخ أکثر اعتدالا وأقل رطوبة فى الجبال الشرقية( ).

3. الحدود

تتمتع دولة الإمارات بموقع حدودى فريد واستراتيجي مع خليج عُمان وتطلّ على القسم الجنوبي من مضيق هرمز-نقطة الترانزيت الحيوية في عالم النفط- وتطل سواحلها على الخليج العربى وتملک الحدود البحرية المشترکة مع مجموعة من الدول أهمها السعودية وقطر وسلطنة عمان، ويحدها من جهة الجنوب ومن جهة الغرب المملکة العربية السعودية ومن جهة الجنوب الشرقى يحدها سلطنة عمان ومن جهة الشمال يحدها الخليج العربى. ويقدر طول حدود الدولة بنحو 1740 کم منها 730کم حدود بحرية (90کم ساحلها على خليج عمان، و640 کم ساحلها على الخليج العربي)( ).

تجدر الإشارة إلى الخلاف المزمن بين الإمارات العربية المتحدة وإيران حول ثلاث جزر واقعة في الخليج العربى، هما: جزر أبو موسى وطنب الکبرى وطنب الصغرى، حيث قامت إيران باحتلالها عسکريا منذ العام 1971. وتسعى الإمارات لحل هذه القضية عن طريق التفاوض والطرق السلمية، لکن إيران ترفض ذلک( ).

4. التضاريس الطبيعية والملامح الطوبوغرافية

تعدّ دولة الإمارات العربية المتحدة من الناحية الجغرافيا ذات تنوع کبير في تضاريسها وعلى هذا يمکن تقسيم التضاريس في دولة الإمارات العربية المتحدة إلى اقسام القطاع الساحلي هو الذي يشکل حدود الدولة مع الخليج العربي وفي هذا القطاع يعيش غالبية السکان، و يتکون هذا السهل من تربة ملحية تشکلت في الأزمنة الجيولوجيا الحديثة أثر جفاف المياه الضحلة التي کانت موجودة بين الجزر، وفي مواجهة هذا الشريط الساحلي يوجد عدد کبير من الجزر.

وتتکون أراضي الدولة في معظمها من الصحاري ولاسيما في المناطق الغربية وتتخللها عدة واحات مشهورة مثل العين وليوا إضافة إلى المراعي الخصبة الموجودة في مناطق الظفرة التي تتوفر فيها المياه الجوفية وتقع إلى الجنوب من هذه المناطق الکثبان الرملية التي تشکل حدود الربع الخالي. ويعتبر جبل حفيت حدا جنوبيا لواحة البريمي حيث تقع مدينة العين ويبلغ ارتفاعه نحو 1220 م، إضافة إلى سلسلة جبال حجر التي تشطر شبه جزيرة مسندم وتمتد على مسافة 80 کم شمالا وجنوبا بعرض يصل إلى نحو 32 کم فتخترق سلطنة عمان لتصل إلى الطرف الشرقي من شبه الجزيرة العربية، وفي سفوح المناطق الشمالية من هذه السلسلة التي تصل في اعلى ارتفاعها إلى نحو 2438 م تقع مدينة رأس الخيمة وتتميز سلسلة السفوح الغربية للسلسلة بوجود الوديان الکبيرة والأخاديد التي يستغل بعضها للزراعة، ومعظم سواحل الدولة رملية باستثناء المنطقة الشمالية في رأس الخيمة التي تشکل رأس سلسلة جبال حجر.

وفي الإمارات عدد من الواحات في الصحراء جنوب غرب وجنوب شرق أبوظبي، وتوفر مصادر مناسبة للمياه الجوفية للاستيطان والأنشطة الزراعية المحدودة. وأکبر هذه الواحات هي واحة ليوا الواقعة على أطراف الربع الخالي قرب الحدود مع المملکة العربية السعودية.

وتتألف بنية الإمارات العربية المتحدة من صخور رسوبية من الحجر الرملي والکلسي وغيرهما، ومن صخور متحولة مثل الکوارتزيت والشيست والمرمر، ومن صخور خضراء باطنية ـ اندفاعية مثل الغابرو والسرنبتينيت، وتنتشر الصخور المتحولة والخضراء وقسم من الصخور الرسوبية في الأنحاء الجبلية، في حين تتألف بقية الأنحاء من الصخور الرسوبية. وعلى هذا الأساس يتألف سطح أراضي دولة الإمارات من إقليمين جيولوجيين وتضريسيين کبيرين هما إقليم الجبال وإقليم السهول( ).

5. النظم البيئية والموارد الطبيعية

تتنوع النظم البيئية في دولة الإمارات، وتتسم البيئة الطبيعية لدولة الإمارات العربية المتحدة بالتنوع، ويوجد بها أربعة أنواع رئيسية من الأنظمة البيئية: النظام البيئي الصحراوي، والنظام البيئي الجبلي، والنظام البيئي الساحلي والبحري، والنظام البيئي للأراضي الرطبة. ويغلب عليها النظام البيئي الصحراوي الغني بالکثبان الرملية. کما تتميز بساحلها الغني المطل على الخليج العربي والغني بأشجار القرم. تبرز أيضاً جبال الحجر، على طول الحدود الشرقية بارتفاع يصل إلى 2000 م( ).

تعکس نباتات الإمارات الأوضاع الصحراوية، فالأشجار والشجيرات فيها قليلة مبعثرة أبرزها الطرفاء والسِّدر والأرطي والغاف، ومن الشجيرات السبط والکري والخضرم وغيرها. وأشجار النخيل، وکذلک أشجار الأکاسيا وکافور (نبات) الأوکالبتوس، التي تنمو بشکل شائع في واحات المنطقة. کذلک تقل فيها الأعشاب وأنواعها هي النصي والقرنة واليعاضيد والثمام وغيرها من أنواع نباتية صحراوية، وتنمو على بعض أجزاء السواحل شجيرات القرم (المنغروف) على هيئة أجمات أمام خور أم القيوين وحول جزيرة أبو الأبيض والسينية وسواحل رأس الخيمة وکلباء. وتحظى الأشجار والغطاء النباتي في الإمارات عامة بعناية بالغة، وتبذل جهود من أجل زيادة مساحة البقاع الخضراء، کما قامت بإنشاء الکثير من المحميات والحدائق الطبيعية في أنحاء البلاد.

کذلک تمتلک الإمارات ثروة مهمة من السمک والربيان (القريدس)، وتتکون الأسماک الساحلية في المنطقة بشکل أساسي من الماکريل ، وسمک الفرخ والتونة ، وکذلک أسماک القرش والحيتان. ويعمل مرکز الأبحاث البحرية في أم القيوين على تطوير وسائل تربيتها وتکاثرها.

وتتميز مدن الإمارات العربية المتحدة بالخيران (جمع خور)، وهي ثغور بحرية عميقة تجري من البحر إلى المدن. کانت الخيران في مدن الإمارات الساحلية قاعدة لصناعة صيد الأسماک واللؤلؤ التي حدّدت معالم الاقتصاد المحلي حتى العصور الحديثة. کان الخور يستخدم کممر مائي وميناء آمن للتجارة وصيد الأسماک واللؤلؤ والقرصنة، مما ساعد على نمو دبي وتحوّلها إلى مرکز رئيسي للتجارة والنقل البحري. وکانت الأعمال والانشاءات البحرية حاسمة لتحويل دبي إلى مرکز تجاري وميناء رئيسي حديث. وخور دبي هو أشهر الخيران الإماراتية، وکان يمتدّ في العصور القديمة حتى مدينة العين، وکان الإغريق يسمّونه نهر زارا. يقسم الخور دبي إلى شقّين: ديرة وبر دبي. ولا يزال الخور يلعب دوراً اقتصادياً هاماً من خلال التجارة والسياحة، بينما تتم معظم أنشطة الشحن عبر موانئ أضخم، مثل ميناء راشد وميناء جبل علي.

بينما تقع الموائل الصحراوية في المنطقة المدارية القاحلة وتساعد على ظهور أنواع قليلة من النباتات الموسمية، وهي تقل في الجنوب الذي يتکون من الطرف الشمالي الغربي للربع الخالي. تخضع البيئة الصحراوية لتغيّرات کبيرة نتيجة مشاريع التشجير الضخمة التي أطلقتها الدولة وانتشار المزارع الصحراوية. وتشکل الموائل البحرية جزءً من منطقتي الخليج وبحر العرب، ولکيلهما أنظمة بيئية هامة، بما فيها الجزر والشعب المرجانية والأعشاب البحرية ومناطق المد البحري والمستنقعات الملحية والخيران والمنغروف. وتندر مصادر المياه العذبة الدائمة، وتتوفّر على الأغلب في الوديان الضيقة في الجبال والسبخات (المياه المالحة الراکدة) والبحيرات الاصطناعية، والتي تشکل أنظمة بيئة رطبة.

کما تلتقط جبال الحجر، الواقعة شرق الإمارات العربية المتحدة، الأمطار، وتغذي الهطولات المياه الجوفية وموائل المياه العذبة في البحيرات والوديان والينابيع حيث تکثر الحياة البرية، مثل اليعسوب والعلجوم (ضفدع الطين) والأسماک. کما تستقطب الجبال الحيوانات البرية المهدّدة بالانقراض، مثل الفهد العربي والطهر العربي (من فصيلة الماعز).

بالنسبة للنفط والغاز الطبيعي فيمثلا الموارد الطبيعية الرئيسية في الإمارات العربية المتحدة. وتختزن إمارة أبوظبي أکثر من 90% من هذه الموارد. أوشک النفط أن ينضب في الإمارات، باستثناء إمارة أبوظبي. بينما لم تتمکن إمارات عجمان والفجيرة وأم القيوين من العثور على النفط في أراضيها حتى الآن. أما المياه الطبيعية العذبة فمحدودة وتتعرّض لاستغلال مفرط. انخفض منسوب أحواض المياه الجوفية 10 أمتار بين 1977 و1984، ما أدّى إلى ارتفاع مستويات الملوحة وتسرّب مياه البحر إلى المياه الجوفية. تؤمن البلاد أغلبية احتياجاتها من المياه عن طريق محطات التحلية (ولذلک يمکن اعتبار مياه البحر مورداً طبيعياً في البلاد). کما يتم توليد کميات متزايدة من الطاقة الشمسية في مدينة "مصدر" الحديثة وصديقة البيئة في أبوظبي.

إلى جانب البترول، تقوم دولة الإمارات العربية المتحدة باستخراج الصخور والرمل لاستخدامها في عمليات البناء على الأغلب. ويتم استخدام الحجر الجيري والرمل والطين الجيري (المرل) والجبس في .صناعة الإسمنت، کما يستخرج الکروميت على نطاق صغير في الفجيرة.

ونظراً إلى مناخ البلاد الصحراوي، تقدّر نسبة الأراضي القابلة للزراعة بـ 0,8%، منها 27% مروية، وتبلغ المنطقة المستخدمة للمحاصيل الدائمة 2,27%، معظمها مروية اصطناعياً، وتعمل الإمارات العربية المتحدة على تطوير إمکاناتها الزراعية، بأبحاث في تقنيات الري والتسميد الحديثة.

ثانيا: النظام السياسي الإماراتى: التطور والاستمرارية

تأسست الإمارات العربية المتحدة في الثاني من ديسمبر 1971 کدولة اتحادية تتکون من اتحاد سبع إمارات وهي أبوظبي، دبي، الشارقة، عجمان، أم القيوين، رأس الخيمة، والفجيرة. وحدد دستور الإمارات العربية المتحدة أهداف ومقومات الاتحاد، حيث بين أن الاتحاد يمارس السيادة على جميع الأراضي والمياه الإقليمية الواقعة داخل الحدود الدولية للإمارات الأعضاء، وتمارس الإمارات الأعضاء السيادة على أراضيها ومياهها الإقليمية في جميع الشؤون التي لا يختص بها الاتحاد بمقتضى الدستور، ويعتبر شعب الاتحاد شعب واحد( ). ويتناول هذا الجزء من الدراسة التفسير المؤسسى وملامح التطور والاستمرارية فى النظام السياسى الإماراتى.

1. الدستور الإماراتى الاتحادى

نص الدستور الإماراتى على تقسيم الصلاحيات بين السلطات الاتحادية والسلطات المحلية حيث حصرت المادة (120) من الدستور اختصاصات السلطات الاتحادية في التشريع والتنفيذ، وحددت المادة (121) من الدستور الاختصاصات التي تنفرد بها السلطات الاتحادية ناحية التشريع، أما ماعدا هذه الاختصاصات فتتولاه الإمارات الأعضاء( ).

يخضع نظام الحکم في دولة الإمارات إلى أحکام الدستور الإماراتي المُعدل، الذي يستعرض القواعد الأساسية للتنظيم السياسي والدستوري للدولة، والغاية الأساسية من قيام الاتحاد، ومقوماته وأهدافه على الصعيدين المحلي والدولي، کما يبين الدعامات الاجتماعية والاقتصادية الأساسية للاتحاد، ويؤکد على الحريات، والحقوق، والواجبات العامة( ).

کما يضمن الدستور لکافة مواطني دولة الإمارات حقوقاً وفرصاً متساوية، بالإضافة إلى توفير الأمن والسلامة، والأمان، والعدالة الاجتماعية. ويتضمن الدستور الإماراتي 152 مادةً، توضح مُقومات الاتحاد، وحقوق المواطنين( ).

فى خطوة مؤسسية نحو تطور النظام السياسي وافق المجلس الأعلى للاتحاد في العام 2008 على تعديلات دستورية تضمنت منح صلاحيات أوسع للمجلس الوطني الاتحادي، وزيادة تأثيره السياسي بالتنسيق مع مجلس الوزراء، بالإضافة إلى دعم دور المرأة الإماراتية في الحياة العامة، وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني في الدولة( ).

2. المؤسسات الدستورية للنظام السياسى

تتکون السلطات الاتحادية من خمسة سلطات على النحو التالى( ):

2-1 المجلس الأعلى للاتحاد: يمثل السلطة العليا في الدولة، ويشکل من حکام جميع الإمارات المکونة للاتحاد، أو من يقوم مقامهم في إماراتهم، في حال غيابهم. ولکل إمارة صوت واحد في مداولات المجلس. ويقوم المجلس الأعلى للاتحاد برسم السياسة العامة في جميع المسائل الموکولة للاتحاد والنظر في کل ما من شأنه أن يحقق أهداف الاتحاد والمصالح المشترکة للإمارات الأعضاء.

2-2 رئيس الاتحاد ونائبه: ينتخب المجلس الأعلى للاتحاد، من بين أعضائه، رئيساً للاتحاد ونائباً للرئيس، ويمارس رئيس الاتحاد بموجب الدستور عددا من الاختصاصات أهمها: رئاسة المجلس الأعلى للاتحاد وإدارة مناقشاته، توقيع القوانين والمراسيم والقرارات الاتحادية التي يصادق عليها المجلس الأعلى ويصدرها، تعيين رئيس مجلس وزراء الإتحاد ونائب رئيس مجلس وزراء الاتحاد والوزراء ويقبل استقالاتهم ويعفيهم من مناصبهم بناءً على اقتراح رئيس مجلس وزراء الاتحاد ويمارس نائب رئيس الاتحاد جميع اختصاصات الرئيس عند غيابه لأي سبب من الأسباب.

2-3 مجلس وزراء الاتحاد: يتکون مجلس وزراء الاتحاد من رئيس مجلس الوزراء ونائبه وعدد من الوزراء، ويتولى مجلس الوزراء بوصفه الهيئة التنفيذية للاتحاد وتحت الرقابة العليا لرئيس الاتحاد وللمجلس الأعلى، تصريف جميع الشئون الداخلية والخارجية التي يختص بها الاتحاد بموجب الدستور والقوانين الاتحادية، حيث يمارس بوجه خاص عدداً من الاختصاصات ومن أهمها، متابعة تنفيذ السياسة العامة لحکومة الاتحاد في الداخل والخارج، اقتراح مشاريع القوانين الاتحادية وإحالتها إلى المجلس الوطني الاتحادي، إعداد مشروع الميزانية الاتحادية والإشراف على تنفيذ القوانين والقرارات الاتحادية والمعاهدات والاتفاقيات الدولية المنضمة لها الدولة.

2-4 المجلس الوطني الاتحادي: يتشکل من 40 عضوا من الإمارات الأعضاء موزعة کما يلي: أبوظبي 8 مقاعد دبي 8 مقاعد الشارقة 6 مقاعد رأس الخيمة 6 مقاعد عجمان 4 مقاعد أم القيوين 4 مقاعد الفجيرة 4 مقاعد. وتعرض مشاريع القوانين الاتحادية بما في ذلک مشاريع القوانين المالية على المجلس الوطني الاتحادي قبل رفعها إلى رئيس الاتحاد لعرضها على المجلس الأعلى للتصديق عليها، کما تتولى الحکومة إبلاغ المجلس الوطني بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي توقعها مع الدول الأخرى والمنظمات الدولية المختلفة، مشفوعة بما يناسب من بيان. وللمجلس الوطني الاتحادي أن يناقش أي موضوع من الموضوعات العامة المتعلقة بشئون الاتحاد وأن يعبر عن توصياته.

2-5 القضاء الاتحادي: نصت المادة 94 من الدستور أن "العدل أساس الملک وأکدت استقلال السلطة القضائية فلا سلطان على القضاة إلا للقانون وضمائرهم" في تأدية وظائفهم. ويتکون النظام القضائي الاتحادي من محاکم اتحادية ابتدائية ومحاکم اتحادية استئنافية تتنوع اختصاصاتها في القضايا المدنية والتجارية، القضايا الجنائية ، القضايا الإدارية، القضايا الشرعية. بالإضافة إلى محکمة اتحادية عليا تتشکل من رئيس وعدد من القضاة يعينون بمرسوم يصدره رئيس الاتحاد بعد مصادقة المجلس الأعلى عليه، وتختص بعدد من الاختصاصات التي أسندها إليها الدستور في المادة 99 منها بحث دستورية القوانين الاتحادية وتفسير أحکام الدستور والنظر في الجرائم التي لها مساس مباشر بمصالح الاتحاد.

بالإضافة إلى القضاء الاتحادي يوجد في الإمارات العربية المتحدة قضاء محلي، حيث نصت المادة 104 من الدستور على انه :"تتولى الهيئات القضائية المحلية في کل إمارة جميع المسائل القضائية التي لم يعهد بها للقضاء الاتحادي بمقتضى أحکام الدستور" ويطبق القضاء المحلي أحکام الدستور والقوانين الاتحادية والقوانين المحلية التي لا تتعارض مع أحکام الدستور والقوانين الاتحادية ، والقضاء المحلي على 3 درجات، ابتدائي واستئناف وتمييز وذلک دون الإخلال باختصاصات المحکمة الاتحادية العليا بموجب الدستور. کما نص الدستور على أن يکون للاتحاد نائب عام يرأس النيابة العامة الاتحادية التي تتولى الادعاء في الجرائم المرتکبة بموجب قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية الاتحاديين.

جدير بالذکر أنه قد تم تشکيل مجلس التنسيق القضائي بموجب قرار مجلس الوزراء رقم(77 /3 ) لسنة 2007 برئاسة معالي وزير العدل وعضوية رؤساء ومدراء الأجهزة القضائية الاتحادية والمحلية بالإضافة إلى مدراء المعاهد القضائية في الدولة، ويختص المجلس بتفعيل التعاون والتنسيق وتبادل الخبرات بين القضائين الاتحادي والمحلي ودراسة المشکلات والتحديات المشترکة في القضائين واقتراح الحلول المناسبة لها والعمل على توحيد المبادئ القانونية والأحکام التي تصدر في القضايا المماثلة المنظورة أمام القضائين( ).

المحور الثالث

الأرض واستمرار النظام السياسى الإماراتى: آفاق وتحديات

يتبنى قادة دولة الإمارات خطوات عديدة لتطوير وتعزيز النظام السياسي في دولة الإمارات، ونظرًا لطبيعة الإمارات الجغرافية والديموغرافية ومواردها الطبيعية، تعيّن عليها أن تتعامل مع تحديات أمنية معقدة للغاية. ومنذ أن تشکّلت الإمارات في عام 1971 أدرکت قيادتها الوطنية أن التحدي الأکبر الذي تواجهه الإمارات يکمن في کيفية تخطي مشکلة عدد سکانها القليل نسبيًا. فسعت إلى القيام بذلک عن طريق التخطيط الطويل الأمد، بما في ذلک التنمية الاقتصادية والعسکرية المنهجية والاستثمار في الرأس المال البشري في الدولة وشمل النساء على نحو متزايد في القطاعات کافة وتطوير حلول وابتکارات تکنولوجية واستقدام العمالة الأجنبية.

أولا: انعکاسات مقومات عنصر الأرض على أداء النظام السياسى الإماراتى

سعت الإمارات منذ أيامها الأولى إلى استخدام مواردها المالية والقوة الناعمة عن طريق الإعانات والتنمية من أجل إقامة علاقات صداقة دولية وتعزيز وجهات نظرها والدفاع عن مصالحها وتحسين سمعتها ولا سيما في البلدان العربية والإسلامية( ).

1. مجابهة التحديات والتهديدات الخارجية

عند النظر إلى تأثيرات التهديد الخارجي ممثلا بالأساس في التهديد الإسرائيلي؛ فرغم أن هذا العامل قد يساهم في إيجاد مبررات إضافية للشرعية السياسية المستندة إلى عامل تهديدات الأمن القومي، إلا أن هذا العامل بمفرده يعجز عن تفسير استمرار النظام السياسى الإماراتى، بغض النظر عن قربه وانخراطه فعليا في دائرة الصراع أم لا. أذ أن التهديد الأمنى يتمثل فى الاحتلال الإيرانى لجزر إماراتية، ومن ثم تصبح هناک حاجة للبحث استمرار الدعم الدولي في منطقة الخليج ووجود حالات تکون فيها "الأنظمة الخليجية" مستقرة کما هي الحال بالنسبة لأي نظام ديموقراطي، يتمتع ببعض أو بکل مساندة المجتمع، خاصة إذا کانت المنافع منتشرة بشکل کاف، والعلاقات الاقليمية بين نظم متباينة (الممالک والجمهوريات) فى فترات التغيير السياسى والمراحل الانتقالية مما ينعکس على تحديد أهداف السياسة الخارجية للإمارات کفاعل إقليمى، من هنا يمکن تفسير أن معاهدة السلام الإمارتية الإسرائيلية شکلت لحظة تاريخية استراتيجية وانفتاحا مستحدثا وجديدا في العلاقات العربية الإسرائيلية وهذا ما فرض البحث عن مسارات مختلفة تحقق التوازن والاستقرار في المحيط الذي تعيش فيه دول العالم( ).

2. الوفرة الاقتصادية وتقوية النظام السياسى

يمکن القول بأن الدول ذات الوفرة الاقتصادية تمتلک المقومات والعناصر التي تجعلها قادرة علي الحفاظ علي استقرارها السياسي مقارنة بغيرها من الدول التي تفتقر إلي مثل تلک المقومات، والقدرة علي السيطرة علي المجتمع بالشکل الذي يحقق لها الاستقرار( ).

أحدث النفط العديد من التأثيرات العميقة علي دول الخليج وساهم بشکل أساسي في الاستمرارية السياسية التي تشهدها دول الخليج حتي الوقت الحاضر( ).

 کما سعت دولة الإمارات إلى تکوين طبقة وسطي تتوسط الفئة العليا والدنيا، فتوفير الدولة للوظائف العامة وتشجيع المواطنين علي الالتحاق بها قد ساهم في إيجاد طبقة عريضة تحد بشکل أساسي من الصراع الاجتماعي بين الفئة الدنيا والفئة العليا ذات الامتيازات الواسعة. أن جزء کبير من شرعية النظام الحاکم في الامارات يعود بصفة مباشرة إلي ارتفاع مستوي الخدمات المقدمة للمواطنين لکون هذه الخدمات تمس حياة المواطنين بصفة مباشرة وتنعکس بشکل مباشر علي توجهاتهم تجاه النظام الحاکم، حيث تبذل دولة الإمارات جهوداً متواصلة لدعم رکائز التنمية السياسية والديمقراطية في البلاد، وتمکين الإماراتيين من المشارکة في صنع القرار من أجل بناء دولة متطورة قادرة على مواکبة التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتکيف مع التحديات المحلية، والإقليمية، والعالمية، ومن أبرز هذه التطورات برنامج التمکين السياسي، وتعزيز مشارکة المواطنين في العمل الوطني من خلال إجراء أول انتخابات جزئية عام 2006 لاختيار 20 عضواً من أعضاء المجلس الوطني الاتحادي المکون من أربعين عضواً( ).

 هکذا استطاعت الإمارات العربية المتحدة وبفضل السياسية التنموية التي انتهجتها من تحقيق معدلات نمو مرتفعة في کافة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي فإنه يمکن القول بأن عائدات النفط قد مثلت عامل من عوامل الإبقاء علي الأوضاع القائمة وتحقيق الاستقرار السياسي الذي يضمن استمرارية النخب الحاکمة في الحکم دون تغيرها.

3. الأداء الحکومي والسياسات العامة:

إن الاستقرار السياسي ينطوي على عدد من الخصائص المميزة للأداء الحکومي فى الإمارات، وهي: استمرارية الأبنية الحکومية لفترة طويلة من الزمـن، أي عدم تغير المؤسسات الحکومية في فتــــرات قصيـرة، وعدم تعرضها للتغير المفاجئ، وقدرة الحکومة على إصدار قوانين أو تعهدات ايجابية، وقدرتها على تنفيذها، وقدرة الحکومة على اتخاذ القرارات التي تتناسب مع المطالب المقدمة إلى النظام السياسي، وامتلاکها للأدوات التي تمکنها من تنفيذ هذه القرارات والتعليمات، وهو ما يوفر لها عنصري المصداقية والتأييـد الشعبي واکتساب رضاء المواطنين أو بعبارة أدق، قدرتها على الاستجابة لمطالب الجماهير المتعلقة بالبرامج التنموية والـقرارات المناسبـة الصادرة عن النظام السياسي، وقدرة الحکومة على تنفيذ قراراتها وتعليماتها ونجاحها في توصيل المطالب الشعبية إلى القيادة السياسية( ).

إن نجاح السياسات العامة يعتبر من الدعامات الرئيسية لشرعية النظام السياسي، وتأکيد الولاء الشعبي کما أن الرضا عن الوضع القائم وشرعية وقوة النظام السياسي ومقدرته على حماية المجتمع وسيادة الدولة عناصر أساسية لا غنى عنها في تحقيق الاستقرار السياسي، فإن ذلک لا يجب أن يقلل من أهمية القدرات الإشباعية للنظام.

 يضاف إلى ما سبق قدرة الحکومة على ضبط المجتمع ومواجهة تيارات الإسلام السياسى المتطرفة، لأنه من حقها استخدام وسائل القهر کرادع لسلوک المواطنين، وبالتالي توقيع العقوبات على الجماعات التى تهدد الدولة ووحدة أواصرها( ).

4. دور القيادة السياسية

يعتبر متغير القيادة السياسية وبقاؤها في منصبها لفترة طويلة من الزمن دليل على تمتعها بالتأييد الشعبي وبقبوله لها، وهو ما يمکن اعتباره مؤشراً لظاهرة الاستقرار السياسي داخل النظام وداخل الدولة الإماراتية. ويرتبط هذا المؤشر بالعديد من المحددات کشکل النظام السياسي والقدرات الشخصية للقيادة السياسية واستمرارية المؤسسات الحکومية والأجهزة الاتحادية داخل النظــام واستقرار شؤون الحکم والإدارة بالدولة.

إن للنظام الإماراتى خصائصه وتفاعلاته وآليات عمله کي يستمر ويستقر، من خلال عدة أوجه، تتمثل أبرزها فى الدور الذى تلعبه القيادة السياسية، حيث أن تحقق القيادة السياسية لنطاق وإجماع واسع من التأييد عندما تتخذ قرارات وسياسات صعبة، کما تنجح الحکومة والمجلس الاتحادى في توصيل المطالب إلى القيادة السياسية فى ظل وجود الرضاء الشعبى والتأييد العام من المواطنين للقيادة السياسية والحکومة الإماراتية، وقبول الآخر واحترام الاختلاف والتنوع حتى تحولت الدولة إلى نموذج حضارى وملتقى للثقافات والمجتمعات من الشرق والغرب، وتحقيق التطور والتحديث مما ساهم فى استقرار المجتمع واستمرار النظام السياسى( ).

يمکن القول إن دولة الإمارات فى ظل قيادتها الحکيمة وإدراکاً منها لاختلاف نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي عن الدول الأخرى، کما أنها تعلم أن کل دولة تحظى بميزات نسبية توظفها في تحديد قدرات إدارة الأزمات وکيفياتها( ).

ويوظف النموذج الإماراتي المزايا النسبية التي تتمتع بها دولة الإمارات، ومن أهمها: هنا يمکن الإشارة بالتحديد إلى دور صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مکتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاکم دبي، وکذلک دور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة؛ وکان لدورهما أثر في طمأنة الناس من تداعيات الأزمة مما ينعکس على دينامية الإدارة الحکومية وفاعليتها مع ضمان التنفيذ السريع. أيضاً لقيادات الدولة العليا للإجراءات المتخذة، والظهور المتکرر لها على وسائل الإعلام المختلفة، وتأکيداتهم على تحمل الدولة مسؤوليتها في حماية حياة الإنسان الموجود على أرض الدولة، مواطناً ومقيماً وزائراً( ).

وعلى سبيل المثال ظهر ذلک فى إدارة أزمة جائحة کورونا وکان لقادة الدولة وللقدرات المالية الکبيرة للدولة التي يمکنها معها اتخاذ القرارات المثلى في إدارة الأزمة، واتخاذ الإجراءات الاحترازية والوقائية دون اعتبار للکلفة المالية، فضلا عن استعداد الدولة المسبق لحالات الطوارئ والأزمات، وتطوُّر البنية التحتية في الدولة، وشبکة الاتصالات والإنترنت، وتوظيف الحلول الذکية والمبتکرة في مواجهة الوباء وإدارة الأزمات.

ويمکن القول أن النظام الاتحادي للدولة الذي سهّل وضع "الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والکوارث" استراتيجية إدارة الأزمة مرکزياً، وتنفيذ کل إمارة لهذه الاستراتيجية والتوجيهات الصادرة من الهيئة وباقي الجهاد الاتحادية، مع ترک هامش لکل إمارة لتتخذ الإجراءات الإضافية التي تراها مناسبة.

ثانيا: العلاقة المکانية بين الأرض والنظام السياسى

تبنت القيادة السياسية خطوات عديدة لتطوير وتعزيز النظام السياسي في دولة الإمارات، أبرزها:

1. استراتيجية الحکومة الاتحادية 2007

 صُممت هذه الاستراتيجية لتعزيز التعاون والتنسيق فيما بين الحکومة الاتحادية، والحکومات المحلية للإمارات الأعضاء، فضلاً عن تنشيط الأدوار التنظيمية، وآليات صناعة القرار للوزارات، وزيادة فعالية الجهات الحکومية، وتطوير الخدمات بما يتفق مع احتياجات الأفراد والأعمال، ومراجعة وتطوير الأنظمة والتشريعات القانونية القائمة. وقد شمل الإصلاح السياسي عدة تعديلات طرأت على الدستور الإماراتي، مثل تعديل المادة 62 الذي حصل في أواخر عام 2008. حيث ينص القانون المُعدل على عدم جواز قيام رئيس الوزراء، أو نوابه، أو لأي وزير اتحادي، اثناء توليه منصب، أن يزاول أي عمل مهني أو تجاري، أو مالي، أو أن يدخل في معاملة تجارية مع حکومة الاتحاد، أو حکومات الإمارات المحلية، أو أن يجمع إلى منصبه أکثر من منصب رسمي واحد في آن واحد.

بالإضافة إلى ذلک، اعتمد المجلس الأعلى للاتحاد عام 2008 بعض التعديلات الدستورية التي طرأت على المواد 72، و78، و91 والتي تزيد من صلاحيات المجلس الوطني للاتحاد، ونطاق تأثيره في العملية السياسية( ).

2. رؤية الإمارات 2021

تم إطلاق "رؤية الإمارات 2021" من قبل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مکتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاکم دبي، في اجتماع مجلس الوزراء في عام 2010، وتعمل الرؤية کميثاق وطني يهدف إلى جعل دولة الإمارات من أفضل دول العالم بحلول اليوبيل الذهبي للاتحاد، وذلک من خلال توحيد الجهود على المستويين الاتحادي والمحلي( ). وترکز رؤية الإمارات على أربعة أهداف رئيسية تهتم ببناء الإنسان ورأس المال البشرى الإماراتى، هي:

1. التأکيد على تربية أجيال إماراتية تتحلى بالطموح والمسؤولية، وقادرة على رسم معالم المستقبل بثقة، وتشارک بفاعلية في بيئة اجتماعية واقتصادية دائمة التطور في ظل مجتمع حيوي مترابط، وأسرة مستقرة، وتلاحم اجتماعي وقيم إسلامية معتدلة، وتراث وطني أصيل،

2. بناء اتحاد قوي يجمعه المصير المشترک، مع التمسک برؤية الآباء المؤسسين لضمان تنمية متوازنة في أرجاء الإمارات جميعها، عبر التنسيق الفعال بين الجهات الاتحادية والمحلية، وتکامل التخطيط والتنفيذ على المستوى الوطني في المجالات کافة،

3. بناء اقتصاد معرفي متنوع مرن، تقوده کفاءات إماراتية ماهرة، وتعززه أفضل الخبرات بما يضمن الازدهار بعيد المدى للإمارات. تعظيم مشارکة الإماراتيين، وتشجيع الريادة، وبناء القيادات في القطاعين الحکومي والخاص، وجذب أفضل الکفاءات والحفاظ عليها،

4. الحرص على توفير جودة حياة عالية في بيئة معطاءة ومستدامة، توفر للمواطن رغد العيش، وصحة موفورة بالإضافة إلى نظام تعليمي من الطراز الأول، ونمط حياة متکامل، تعززه خدمات حکومية متميزة، وأنشطة اجتماعية وثقافية متنوعة في محيط سليم، وبيئة طبيعية غنية( ).

کما يوجد هناک عدد من الاستراتيجيات والرؤى الوطنية على المستوى المحلى تعتزم دولة الإمارات بحلول عام 2021 تحقيق رؤية الإمارات 2021، والتي تهدف لأن تکون دولة الإمارات ضمن أفضل دول العالم من حيث التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بحلول اليوبيل الذهبي للاتحاد في عام 2021م. کما ستحقق الدولة الاستراتيجية الوطنية للإبداع، وخطة دبي 2021، خطة دبي الذکية 2021، واستراتيجية الصحة في دبي 2021، ورؤية الشارقة السياحية 2021، ورؤية عجمان 2021( ).

فضلا عن مسبار الأمل والذى أطلقته دولة الإمارات ليصل إلى کوکب المريخ في العام 2021، تزامناً مع الذکرى الخمسين لقيام الدولة. وبدأت رحلة المسبار في عام 2020 وتستغرق 9 أشهر يقطع خلالها أکثر من 60 مليون کيلومتر.

3. مئوية الإمارات 2071

أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مکتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاکم دبي، خلال ترؤسه اجتماعاً لمجلس الوزراء «مئوية الإمارات 2071»، التي تشکّل برنامج عمل حکومياً طويل الأمد، مستمداً من المحاضرة التاريخية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لأجيال المستقبل، إذ رسم فيها سموه الخطوط العريضة لبناء إمارات المستقبل، وتجهيز دولة الإمارات للأجيال المقبلة( ).

وتشکّل "مئوية الإمارات 2071" برنامج عمل حکومياً شاملاً وموسعاً، يتضمن وضع استراتيجية وطنية لتعزيز سمعة الدولة وقوتها الناعمة، وضمان وجود مصادر متنوعة للإيرادات الحکومية، بعيداً عن النفط، إضافة إلى الاستثمار في التعليم الذي يرکز على التکنولوجيا المتقدمة، وبناء منظومة قيم أخلاقية إماراتية في أجيال المستقبل، ورفع مستوى الإنتاجية في الاقتصاد الوطني وتعزيز التماسک المجتمعي( ).

وقد جاء إطلاق "مئوية الإمارات 2071" في اجتماع مجلس الوزراء، بحضور کل من الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، وسمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة. وکان قد صرح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مکتوم: "لدينا خطط حتى عام 2021، ومع مئوية الإمارات ستکون لدينا رؤية للأجيال تمتد لخمسة عقود، وتشکل خريطة واضحة للعمل الحکومي طويل المدى". وأشار سموه إلى أن "أجيال المستقبل ستحتاج ممکّنات نضعها من اليوم، وأسساً نرفعها من الآن، وبيئة للنمو لابد من التفکير فيها من هذه اللحظة". ولفت سموه إلى أنه "لا مجال للتأجيل أو الإبطاء في اتخاذ الخطوات"، مضيفاً أن "تسارع التغيرات من حولنا يتطلب أن نجهّز أجيالنا بأدوات جديدة ومعارف مختلفة ومهارات يستطيعون من خلالها النجاح في عالم سيکون مختلفاً تماماً عن العالم اليوم". وأکد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مکتوم، أن "العمل على رؤية ممتدة للأجيال، وهو أمانة لضمان استمرارية التنمية واستدامة السعادة لعقود طويلة في دولتنا"( ).

وتسعى المئوية، من خلال رؤيتها وأهدافها، إلى الاستثمار بالدرجة الأولى في شباب الإمارات، والعمل کي تکون دولة الإمارات أفضل دولة في العالم، وأکثرها تقدماً، وذلک ضمن استراتيجية شاملة، بحيث يتم تحقيق النتائج والمستهدفات بحلول الذکرى المئوية لقيام دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 2017.

وتقوم رؤية "مئوية الإمارات 2071" على العمل لتجهيز جيل يحمل راية المستقبل في دولة الإمارات، ويتمتع بأعلى المستويات العلمية والقيم الأخلاقية والإيجابية، لضمان الاستمرارية وتأمين مستقبل سعيد وحياة أفضل للأجيال المقبلة، ورفع مکانة الدولة لمنافسة أفضل دول العالم.

وتستند المئوية إلى أربعة محاور رئيسة: يرکز الأول على تطوير حکومة مرنة بقيادة واعية ذات رؤية واضحة، تسعى إلى إسعاد شعبها وتقدم رسائل إيجابية للعالم. ويتمثل المحور الثاني في الاستثمار في التعليم، بحيث يرکّز على العلوم والتکنولوجيا المتقدمة، ويرسّخ القيم الأخلاقية والاحترافية والمهنية في المؤسسات التعليمية، ويخرّج عقولاً منفتحة على تجارب الدول المتقدمة( ). ويستهدف المحور الثالث الوصول إلى اقتصاد متنوع قائم على المعرفة، ينافس أفضل اقتصادات العالم. أما المحور الرابع فيتعلق بترسيخ قيم التسامح والتماسک والاحترام في المجتمع، کل ذلک ضمن محصلة تنموية وتطويرية شاملة کي تکون الإمارات أفضل دولة في العالم بحلول عام 2071. وتقوم الاستراتيجية طويلة المدى على المحاور التالية( ):

3-1 حکومة تستشرف المستقبل

يسعى محور الحکومة في "مئوية الإمارات 2071" إلى تحقيق مستهدفات عدة، من بينها: أن تکون حکومة دولة الإمارات أفضل حکومة في العالم، وتمتلک رؤية بعيدة المدى وقيادة ملهمة، وأن تستبق المستقبل وتستشرفه، وتهدف إلى تحقيق سعادة المجتمع، وترسل رسائل إيجابية للعالم، وتتبنى أفضل التجارب والممارسات، إلى جانب وضع استراتيجية وطنية لتعزيز سمعة الدولة وقوتها الناعمة، وضمان وجود مصادر جديدة ومتنوعة للإيرادات الحکومية المستدامة بعيداً عن النفط، بحيث تسهم في تعزيز القدرات المالية والاستثمارية للدولة، وتطوير آلية لرصد المتغيرات بعيدة المدى في القطاعات المختلفة، وتأثيرها في أجيال المستقبل، وإنشاء مجالس استشارية لأجيال المستقبل في کل القطاعات الحکومية، لأخذ آرائها وإشراکها في تطوير السياسات والمبادرات، وضمان وجود آلية حکومية فعالة مستدامة للإشراف على متابعة تنفيذ مئوية الإمارات 2071.

3-2 منظومة تعليمية نوعية

على صعيد محور التعليم، تحدد المئوية أهم خصائص التعليم المستهدف الذي يجب توفيره لضمان تجهيز أجيال المستقبل وتأهيلها لخدمة مجتمعها، حيث يشمل تحقيق مستهدفات عدة، من بينها: الترکيز على العلوم والتکنولوجيا المتقدمة والفضاء والهندسة والابتکار والعلوم الطبية والصحية، والعمل على تدعيم وتثبيت القيم الأخلاقية والوطنية وتعزيز الإيجابية، وتعليم الطلاب مبادئ استشراف المستقبل، وغرس ثقافة الانفتاح لدى الطلبة عبر تعليمهم تاريخ وثقافات وحضارات الدول الأخرى، وتدريسهم لغات جديدة کاليابانية والصينية والکورية، ووضع آليات لاستکشاف المواهب الفردية للطلبة منذ المراحل الدراسية الأولى، والترکيز على تحويل المدارس إلى بيئة حاضنة للطلبة في مجال ريادة الأعمال والابتکار، وتحويل المؤسسات التعليمية في الدولة إلى مراکز بحثية عالمية، وتعزيز منظومة التعلّم المستمر، وضمان وجود جامعات إماراتية ضمن قوائم أفضل الجامعات عالمياً، تکون جاذبة للطلبة والأکاديميين والباحثين من مختلف أنحاء العالم.

3-3 اقتصاد متنوع

في ما يتعلق بمحور الاقتصاد، تسعى "مئوية الإمارات 2071" إلى بناء اقتصاد معرفي متنوع من خلال آليات عدة، من بينها: رفع مستوى الإنتاجية في الاقتصاد الوطني، ودعم الشرکات الوطنية للوصول إلى العالمية، والاستثمار في البحث والتطوير في القطاعات الواعدة، والترکيز على القطاعات التي تعتمد على الابتکار والريادة والصناعات المتقدمة، وتطوير استراتيجية اقتصادية وصناعية وطنية تستشرف قطاعات المستقبل، وتضع الإمارات ضمن الاقتصادات الکبرى في العالم، وتنمية جيل من المخترعين والعلماء الإماراتيين، ودعم إسهامهم في تطور العلوم والتکنولوجيا، وتعزيز الاحترافية والمهنية لدى الإماراتيين، وتعزيز التکامل مع الدول المتقدمة في مجال العلوم والتکنولوجيا، وتشجيع تصدير المنتجات والخدمات الوطنية المتقدمة لمختلف أنحاء العالم عن طريق برامج متخصصة ومکثفة، ودعم وتشجيع زيادة نماذج الشرکات الإماراتية الرائدة عالمياً.

3-4 مجتمع سعيد ومتماسک

إلى ذلک، يشکل محور المجتمع دعامة حيوية في "مئوية الإمارات 2071"، إذ يقوم هذا المحور على مستهدفات عدة، من أبرزها: إرساء مجتمع ينعم بالأمان ويقوم على التسامح والتماسک والقيم الأخلاقية، ويتبنى السعادة والإيجابية کأسلوب حياة، ويوفر جودة حياة عالية (صحية ورياضية)، ويستثمر جميع الطاقات البشرية من رجال ونساء، ويتکون من أسر واعية لمتطلبات المرحلة المقبلة، ويعمل على ترسيخ قيم التواضع وخدمة الوطن من خلال تطوير برامج تدريبية لطلبة المدارس والجامعات. ويرکز هذا المحور أيضاً على تطوير برامج لإعداد أجيال المستقبل لتکون سفيرة وقدوة حسنة لدولة الإمارات في الخارج، بالإضافة إلى تعزيز مشارکة المرأة في کل القطاعات، وجعل مدن الإمارات الأفضل للعيش في العالم.

هکذا يتضح أن الحکومة الاتحادية تبذل جهوداً متواصلة لدعم رکائز التنمية السياسية والديمقراطية في البلاد، وتمکين الإماراتيين من المشارکة في صنع القرار وبناء دولة متطورة قادرة على مواکبة التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتکيف مع التحديات المحلية، والإقليمية، والعالمية التى فرضتها العولمة( ).

کما يتلاحظ تنامى دور دولة الإمارات فى منطقة الشرق الأوسط، وزيادة نفوذها ومکانتها في المشهد الاستراتيجي في هذه المنطقة غير المستقرة ولکن الجوهرية فى العالم( ).

ووفقاً للتقرير العالمي لمؤشر القوّة الناعمة 2020 الذي تعده مؤسسة "براند فايننس"، تعد دولة الإمارات الأولى عربياً في مؤشر القوة الناعمة وضمن المراکز الأولى عالمياً في التأثير العالمي والعلاقات الدولية( ).

في سبتمبر 2017، أطلق مجلس القوة الناعمة "استراتيجية القوة الناعمة لدولة الإمارات" وذلک ضمن أعمال الاجتماعات السنوية لحکومة دولة الإمارات وأشار سمو الشيخ محمد بن زايد إلى أن "تشکيل مجلس القوة الناعمة رؤية عميقة لاستثمار رصيد منجزاتنا"( ).

ثالثا: المراکز الريادية لدولة الإمارات العربية المتحدة فى التقارير الدولية

تصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة للعام الرابع على التوالى بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى تقرير الکتاب السنوى للتنافسية العالمية 2020 الصادر عن مرکز التنافسية العالمى التابع للمعهد الدولى للتنمية الإدارية، والذى يقيس التنافسية لعدد (63) دولة عبر العالم( ).

وذلک ما يظهره الجدول التالى:

جدول (2): تصنيف دولة الإمارات العربية المتحدة فى تقرير التنافسية العالمية 2020 مقارنة بتقرير عام 2019

2020 الدولة 2019 معدل تغير الترتيب

1 سنغافورة 1 0 -

2 الدنمارک 8 6

3 سويسرا 4 1

4 هولندا 6 2

5 هونج کونج 2 -3

6 السويد 9 3

7 النرويج 11 4

8 کندا 13 5

9 الإمارات 5 -4

10 الولايات المتحدة 3 -7

11 تايوان 16 5

12 إيرلندا 7 -5

13 فنلندا 15 2

14 قطر 10 -4

15 لکسمبورج 12 -3

16 النمسا 19 3

17 ألمانيا 17 0 -

18 أستراليا 18 0 -

19 المملکة المتحدة 23 4

20 الصين 14 -6

المصدر:

IMD World Competitiveness ranking 2020: One Year Change, IMD World Competitiveness Center, 2021.

بينما تفوقت دولة الإمارات العربية على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وذلک على النحو التالى:

جدول (3): تصنيف دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عالميا فى تقرير التنافسية العالمى 2020 بالمقارنة مع تقرير عام 2019

2020 الدولة 2019 معدل تغير الترتيب

9 الإمارات 5 -4

14 قطر 10 -4

24 السعودية 26 2

26 إسرائيل 24 -2

46 ترکيا 51 5

58 الأردن 57 -1

المصدر: بيانات تجميعية للباحث عن:

  IMD World Competitiveness ranking 2020: One Year Change

يتضح من الجدولين السابقين أن تصنيف دولة الإمارات العربية فى المرتبة التاسعة عالمياً بين الدول الأکثر تنافسية فى العالم، وقد حافظت على انضمامها لقائمة العشر الأوائل فى العالم منذ العام 2017، مع تحقيق تحسنا ملحوظا فى عدة محاور ومؤشرات، وسجلت تقدماً فى محورين من المحاور الرئيسية الأربعة وهما محور الأداء الاقتصادى والذى حققت فيه دولة الإمارات المرکز الرابع عالمياً، ومحور البنية التحتية الذى تقدمت فيه خمسة مراکز ووصلت للمرتبة (28) عالمياً، بينما حلت المرتبة الثالثة عالمياً فى محور الکفاءة الحکومية، والمرتبة السادسة فى محور کفاءة الأعمال. کما جاءت ضمن أفضل خمس دول فى (95) مؤشر، وأفضل عشرة دول فى (106) مؤشر آخر( ).

إذن من خلال تحليل أداء دولة الإمارات العربية المتحدة فى المؤشرات الأربعة الرئيسية للتنافسية العالمية يتضح أن الدولة قد حافظت على مرکزها بالمرتبة الأولى عربياً للعام السادس على التوالى فى تقرير السعادة العالمى لعام 2020 وواصلت تقدمها عالمياً متفوقة على العديد من الدول والاقتصادات المتطورة فى التقرير العالمى، کما حلت مدينتا أبو ظبى ودبى فى المرتبة الأولى عالمياً کأکثر المدن سعادة( ).

جدول (4): تطور تصنيف دولة الإمارات العربية المتحدة فى تقرير السعادة العالمى

السنة الترتيب العالمى

2016 28

2017 21

2018 20

2019 21

2020 21

المصدر: بيانات تجميعية للباحث من تقارير السعادة العالمى عن سنوات مختلفة، 2016، 2017، 2018، 2019، 2020.

يتضح من الجدول السابق أن دولة الإمارات العربية المتحدة تحقق تقدما ملحوظا فى مؤشر السعادة العالمى، کما تحافظ على تقدمها وتصدرها المرکز الأول عربيا فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا کأسعد شعوب العالم، وأن کانت قد حصلت على المرکز (28) فى تقرير 2016، إلا أنها قد تقدمت تقدما نوعيا فى التقرير 2017 إلى المرتبة (21) عالمياً أى تقدمت بسبعة مراکز مرة واحدة، کما حلت فى المرکز (20) فى تقرير 2018 وقد حصلت على (6.596) نقطة، بينما جاءت فى المرکز (21) من أصل (149) دولة فى 2019، وحافظت على نفس المرکز فى العام 2020 أذ حصلت على الترتيب (21) بمجموع نقاط (6.791) من بين أصل (156) دولة. وقد تقدمت على دول خليجية أخرى وهى السعودية والبحرين والکويت والتى جاءت فى المراکز (27) و(40) و(48) على التوالى( ). کما حققت مدينتا دبى وأبوظبى ترتيبا متقمدا عالميا فى مؤشر مدن السعادة.

وتجدر الإشارة إلى أن عن الفترة من 2005 إلى 2017 قد حلت دولة الإمارات بالنسبة لسعادة المواطنين فى المرتبة (11) عالميا، وسعادة الوافدين فى المرتبة (19) عالميا وذلک من بين (117) دولة على مستوى العالم، وهذا يفسر تقدم الإمارات فى مؤشر سعادة الأفراد المواطنين والمقيمين على أرضها من دول أخرى، وأن المقيمين من دول أخرى يشعروا برضا ملحوظ، والشعب الإماراتى من أسعد شعوب العالم. کما أن دولة الإمارات من الدول القليلة حتى الآن التى عينت وزراء للسعادة( ).

يتضح مما سبق أن دولة الإمارات قد حافظت على مرکزها الريادى فى العالم العربى منذ إطلاق التقرير فى الأربع سنوات الماضية محققة بذلک إنجازات جوهرية فى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية والسياحية والبيئية، ولعل الإدارة الرشيدة والحکيمة لأزمة جائحة کورونا تبين التقدم المحرز إماراتيا فى الکفاءة الحکومية والبنية التحتية والأداء الاقتصادى الفعال وکفاءة الأعمال.

الخاتمة: استنخلاصات وتوصيات

رکزت الدراسة الحالية على بحث وتحليل مقومات الجغرافية الطبيعية وأثرها في بناء قوة الدولة وخاصة الموقع الجغرافي والمساحة والشکل والسطح والموارد الطبيعية، وتعنى هذه المعطيات أو المقومات بالبيـئة السياسية وتنعکس على السياسات العامة وتحليلها. کما قامت بدراسة الحقائق الجغرافية التى تسهم فى تکوين سياسة الدولة وسيادتها، کما تهتم بتحليل بيئة الدولة موضوعيا وتهتم بدراسة الدولة کما هى کائنة وفحص ودراسة ظروف المجال الأراضى والمکانى للدول والأقاليم وأثر ودور المکون الأرضى بکل معطياته ومقوماته على السلوک السياسى للدولة والتفاعل الإنسانى مع هذه المعطيات. وذلک بالتطبيق على دولة الإمارات العربية المتحدة.

استخلاصات:

اتضح أن المقدرات/ المعطيات الجغرافية تمثل عنصر من رکن الإقليم ضمن مکونات الدولة وتعين حدود التجمع البشرى، وتحدد الموارد الطبيعية والأنشطة الاقتصادية مما يؤثر على قدرات النظام السياسى خاصة النظم الملکية، وسيکون الاهتمام بدراسة الواقع الجغرافى فى ضوء مقولة: " تأثر سياسة الدول بأوضاعها الجغرافية"، ودراسة عنصر الاقليم کأحدى أرکان الدولة (المتغير الجغرافى/ مقدرات: الموارد الطبيعية – الملامح الطبوغرافية – الحجم – الموقع – الجوار الجغرافى) وانعکاسه على أهداف النظام السياسى وهل يساهم فى أن تختار الدول سياسات معينة وتتجاهل سياسات أخرى وأهداف السياسة الخارجية للإمارات المتحدة کفاعل اقليمى.

کما يعتبر متغير القيادة السياسية وبقاؤها في منصبها لفترة طويلة من الزمن دليل على تمتعها بالتأييد الشعبي وبقبوله لها، وهو ما يمکن اعتباره مؤشراً لظاهرة الاستقرار السياسي داخل النظام وداخل الدولة الإماراتية. ويرتبط هذا المؤشر بالعديد من المحددات کشکل النظام السياسي والقدرات الشخصية للقيادة السياسية واستمرارية المؤسسات الحکومية والأجهزة الاتحادية داخل النظــام واستقرار شؤون الحکم والإدارة بالدولة.

ويتبنى قادة دولة الإمارات خطوات عديدة لتطوير وتعزيز النظام السياسي في دولة الإمارات، ونظرًا لطبيعة الإمارات الجغرافية والديموغرافية ومواردها الطبيعية، تعيّن عليها أن تتعامل مع تحديات أمنية معقدة للغاية. ومنذ أن تشکّلت الإمارات في عام 1971 أدرکت قيادتها الوطنية أن التحدي الأکبر الذي تواجهه الإمارات يکمن في کيفية تخطي مشکلة عدد سکانها القليل نسبيًا. فسعت إلى القيام بذلک عن طريق التخطيط الطويل الأمد، بما في ذلک التنمية الاقتصادية والعسکرية المنهجية والاستثمار في الرأس المال البشري في الدولة وشمل النساء على نحو متزايد في القطاعات کافة وتطوير حلول وابتکارات تکنولوجية واستقدام العمالة الأجنبية. وقد استطاعت القيادة السياسية فى تفاعلها مع المکون الأرضى أن تحقق ما يلى:

1. مجابهة التحديات والتهديدات الخارجية، وکبح جماح خطر الجماعات المتأسلمة داخليا، وخاصة "جماعة الإخوان المسلمين".

2. حسن توظيف وإدارة الوفرة الاقتصادية وتقوية النظام السياسى.

3. فعالية الأداء الحکومي والسياسات العامة.

التوصيات:

- استمرار الحفاظ على نموذج النظام السياسى الإماراتى الفريد من خلال ما تقدمه الدولة أو قدرتها من خلال نظامها السياسى على تلبية الاحتياجات الأساسية لمواطنيها، مثل التعليم، الصحة، والخدمات، وقدرتها في الوظائف الأمنية والسيادة کحفظ النظام العام وحماية الدولة من الاعتداءات أو التدخلات الخارجية، وقدراتها الاقتصادية وعلاقة الدولة بعملية الإنتاج وتوزيع الموارد العادل في المجتمع.

- الاستفادة من المقومات التى يوفرها عنصر الأرض أو الإقليم البرى وهى بحسب ما رکزت عليه الدراسة الحالية: (المساحة، الموقع الجغرافى، الحدود والجوار الجغرافى، التضاريس والملامح الطبوغرافية، والموارد الطبيعية للدولة) يعتمد على قدرات النظام السياسى على الاستفادة من مصادرها ومواردها المتاحة من امکانيات القوة الشاملة ومن بينها عنصر الأرض فى ظل رؤى استراتيجية تنطلق من الحاضر وتنظر للماضى وتسبر المستقبل.

- استمرار تحقيق القيادة السياسية والحکومة للمراکز الريادية فى دليل التنافسية العالمى کمؤشر للمقارنة بين السياسات العامة وتقييم أداء النظام السياسى وقدرته على تهيئة الازدهار للمواطنين، وتقوم منهجية التقييم على تصنيف التقرير (63) دولة حول العالم على أربعة محاور رئيسة هم: الأداء الاقتصادى، والکفاءة الحکومية، وکفاءة الأعمال، والبنية التحتية، والتى يندرج تحتها (20) محوراً فرعياً تغطى (338) مؤشراً تنافسياً فى مختلف المجالات الاقتصادية والمالية والتشريعية والإدارية والاجتماعية، وقد أضيفت فى نسخة العام 2020 بعض المؤشرات الجديدة. ويتصل بما سبق وجود مقياس لاستدامة قدرات النظام السياسى وخاصة مؤشر السعادة العالمي، وترجع أهمية هذا إلى أن تقرير السعادة العالمى.

- الحفاظ وبقاء تمتع الدولة الإماراتية باستقرارها السياسى والاقتصادى والاجتماعى، وصمود الدولة ونظامها فى ظل عالم متغير. أذ تعتبر دولة الإمارات من المراکز التجارية العالمية، ومن أکثر الدول فى سوق العمل والتوظيف عالمياً، کما أنها تعد من الوجهات السياحية الأفضل فى العالم. وتتمتع أرضها بکونها مرکزا حضاريا لقيم التسامح والتعددية الثقافية والسلم والأمان حيث تقيم على أراضيها أبناء أکثر من (200) جنسية حول العالم وفدوا للدولة للعمل والعيش أو للتعليم وينعموا بالحياة الکريمة والاحترام والعدل والمساواة وحرية ممارسة الشعائر الدينية، وقد کفلت القوانين الاتحادية للجميع الحقوق المدنية.

وختام القول: إن مقومات المکون الأرضى ومعطياته بمثابة جائزة الجغرافيا لدولة الإمارات العربية المتحدة، کما أن حکمة القادة الإماراتيون مکنت من حسن استغلال هذه المقدرات ووظفتها فى سعادة السکان الأصليين والمقيمين وجعل الدولة الإماراتية صامدة وناجزة ورائدة وفاعلة فى عالم متغير يموج بالعديد من التحديات والتحولات على کافة الأصعدة.

-هوامش البحث-