العوامل المؤثرة على الصراعات الحدودية ما بين السودان واثيوبيا

نوع المستند : مقالات سیاسیة واقتصادیة

المؤلف

کلية التجارة جامعة اسيوط قسم العلوم السياسية

المستخلص

منذ سنوات عديدة تنفجر وتُخمدّ الصراعات الحدودية ما بين السودان واثيوبيا وذلک بناء على مدى التوافق ما بين الانظمة الحاکمة في الدولتين وعملية الدفع على کلا من الدولتين لتفجير مثل هذه القضايا من عناصر دولية أو محلية داخل الدولتين، فمشکلة الحدود السودانية الاثيوبية مشکلة قديمة وحديثة في آن واحد، حيث لعبت فيها العديد من العوامل دوراً في خلق وتأجيج مثل هذه المشکلات ما بين البلدين، وتداخل هذه القضية مع قضايا أخرى مما زاد من تعقيد الازمة وتشعبها مع فاعلين دوليين أخرين، ولذا تتناول الدراسة طبيعة الأزمة الحدودية ما بين البلدين والعوامل المؤثره على هذه الازمة والأطر القانونية الحاکمة لها وکذلک الأليات الواردة لحل هذه الازمة سلمياً ومدى توافق الأطراف الدوليين حول هذه الأليات الواردة لحل الازمة، وذلک في ضوء سعي کلا من الدولتين إلى تحقيق الاهداف التي يسعوا إليها في هذه الازمة مما يزيد من تعقيد الازمة وتداخلها مع قضايا أخري ما بين الدولتين ودول أخري فاعلة في المنطقة، مما سيکون له تأثير کبير على استقرار هذه المنطقة.

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية


 

المقدمة:

     في ظل الاوضاع غير المستقرة في دولتي السودان واثيوبيا وفي ظل الکثير من الملفات الساخنة ما بين الدولتين وفي أيضا ظل العلاقات التي تشهد العديد من الصعوبات في التعبير عنها ما بين الصداقة إلى أن تصل إلى العداء في أوقات مختلفة، وخاصة في ظل التداخل في العديد من القضايا ما بين البلدين سواء قضايا سياسية وعسکرية واقتصادية واجتماعية في ظل الفترات الاخيرة ما بعد تولى ابي احمد في 2018 في اثيوبيا وإنهيار نظام البشير في السودان 2019 وتزايد العلاقات ما بين الدولتين التي تم وصفها إلى حد الصداقة ما بين ابي احمد والنظام المدني الجديد أو المکون المدني الناشئ عن التغيير السياسي في السودان ما بعد 2019 فضلا عن المکون العسکري الذي اتسم بعلاقته المحدودة مع ابي أحمد في کثير من العلاقات القائمة ما بين البلدين، وعودة الجمود في العلاقات بعد الصعود العسکري الأخير في السودان وتزامن ذلک مع التوترات الداخلية في اثيوبيا واشتداد حدة النزاع على الحدود ولکن انشغال کل الاطراف بالاوضاع الداخلية في کلا من البلدين ساهم في تراخي الازمة ومنع التصعيد في ذلک الوقت، ولکن مع عدم توافق ما بين الطرفين حول الخلاف بشأن الحدود مما ينذر بتأجيج الصراعات مرة أخرى من حين لأخر بفعل دوافع داخلية وخارجية.

     وفي ظل هذه العلاقات المتأرجحة والمتداخلة ما بين البلدين تظهر قضية يمکن وصفها بإنها قضية قديمة وحديثة في آن واحد وهي قضية النزاع الحدودي ما بين اثيوبيا والسودان حيث شهد البلدين الکثير من المناوشات بسبب التعديات التي کانت من الجانب الاثيوبي على حساب الجانب السوداني منذ ما يقارب 30 عاما منذ صعود الحرکة الشعبية لتحرير تيجراي للحکم في اثيوبيا بعد القضاء على حکم الامبراطور " منغستو هيلامريام" 1991 وکانت جبهة تحرير شعب تيجراي أحد الفاعلين البارزين في الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية الاثيوبية.

      فهذه القضية قضية قديمة وحديثة في آن واحد، قديمة لان النزاع على الحدود يرجع إلى أکثر من مائة عام، وحديثة لان الاشتباکات أو المناوشات ما بين البلدين تتکرر من حين لاخر رغم أن هناک نص قانوني وإعتراف اثيوبي باحقية السودان في الجزء المتنازع عليه، ولکن هناک تداخل في المصالح الاقتصادية والاجتماعية في هذه المنظقة الحدودية مما جعل اثيوبيا تتزرع بأن هناک اضرار اقتصادية واجتماعية ناتجة عن الانسحاب الاثيوبي من هذه المنطقة، وظهر ذلک في الکثير من الاجتماعات في اللجنة المشترکة لرسم الحدود السودانية الاثيوبية، مما شعر الجانب السوداني بمماطلة اثيوبيا وعدم رغبتها في رسم الحدود ما بين البلدين وإنها مستفيدة من الوضع القائم.

    لذا هناک العديد من العوامل التي تؤثر على الصراعات الحدودية ما بين السودان واثيوبيا مما تدفع کلا من الطرفين تصعيد الازمة إلى حد القوة العسکرية کما حدث في التصعيد الاخير بشأن الحدود، ففي هذا الوضع خاصة بعد فشل المباحثات والمفاوضات الاخيرة للجنة المشترکة ما بين السودان واثيوبيا ، فلم يکن لدى الدولة السودانية إلا أن ارسلت تعزيزات عسکرية إلى الاراضي السودانية الحدودية للسيطرة على کامل الاراضي السودانية والوصول إلى أخر نقطة للحدود السودانية وفقا للاتفاقيات الدولية وما ينص على القانون الدولي، هذا من شأنه أدى إلى قلق وذعر داخل الدولة الاثيوبية إلى الحد الذي يشير إلى أندلاع صراع مسلح ما بين البلدين.

أهمية الدراسة:

    وتأتي أهمية هذه الدراسة من الناحية العلمية إنها مُرشداً ودليلاً حول تحديد العوامل التي تساعد على خلق وتجديد الصراعات الحدودية ما بين السودان واثيوبيا وکذلک تقديم اسهاماً علمياً للتعرف على طبيعة الصراع ما بين الدولتين والأطر القانونية المُلزمة ومدى التزام هذه الاطراف بها، أما من الناحية العملية تُقدم هذه الدراسة المقترحات العملية لتجاوز هذه المشکلة الحدودية ما بين الدولتين وذلک في اطار القواعد القانونية المُنظمة لهذه الحدود ما بين الدولتين في إطار تجاوز کل العقبات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تحول دون التوصل إلى إتفاق بشأن هذه القضية.

أهداف الدراسة:

  تسعى هذه الدراسة لتحقيق مجموعة من الاهداف هي:

- استکشاف العوامل المختلفة التي تؤثر علي تجديد وتصعيد هذه الصراعات الممتدة في السودان مع جارتها أثيوبيا بخصوص الحدود فيما بينهم .

- التعرف على العوامل الداخلية والخارجية التي تؤجج مثل هذه الصراعات ما بين الدولتين.

- التعرف على طبيعة الصراع الحدود ما بين الدولتين وما هي الاطر القانونية التي تحکم هذه المشکلة ومدى الالتزام بها من قبل الاطراف الدولية المعنية بهذه المشکلة.

المشکلة البحثية:

تأتي هذه الدراسة للأجابة على سؤال بحثي رئيسي وهو :

      ما هي طبيعة العوامل التي تساعد على تأجيج الصراع الحدودي ما بين السودان واثيوبيا؟ وما هي السبُل للتوصل إلى حل عادل ومنصف لمِثل هذه المشکلة وفقاً لمبادئ القانون الدولي؟

ويتفرع من هذه المشکلة البحثية الرئيسية عدد من التساؤلات البحثية وهي:

- ما هي طبيعة المشکلة الحدودية ما بين السودان واثيوبيا؟

- ما هي الحدود القانونية التي تحکم هذه المشکلة ومدى الالتزام بها من قبل الاطراف؟

- ما هي العوامل التي تساعد تجديد وتصعيد هذه المشکلة الحدودية ما بين الدولتين؟

- ما هي السبُل المُمکِنة لحل هذه المشکلة الحدودية ما بين السودان واثيوبيا؟

الأجراءات المنهجية:

     ويعتمد الباحث على مدخلاً منهجياً لتحليل المشکلة الحدودية في ضوء الأهداف والمشکلة البحثية والتساؤلات الفرعية في الدراسة اعتماداً على مدخل المصلحة الوطنية التي ينطلق منها سلوکيات ودوافع کلا من الدولتين في التعامل مع المشکلة الحدودية وکذلک الاعتماد على نظرية الدور التي تُرکز على دور کلا من الدولتين في التعامل مع هذة المشکلة، ويعتمد الباحث في جمع البيانات والعلومات على البيانات المُتوافرة في الکتب والمجلات العلمية والمواقع الالکترونية الموَّثقة وتحليل الفيديوهات والاحداث التاريخية المرتبطة بهذه المشکلة الحدودية ما بين الدولتين.

تقسيم الدراسة:

     يتناول الباحث عدد من النقاط الرئيسية في هذه الدراسة لاستيفاء الاهداف والاجابة على التساؤلات البحثية وهي:

- أولا: طبيعة المشکلة الحدودية ما بين السودان واثيوبيا: التاريخ والعوامل القانونية.

- ثانيا: العوامل التي تساعد على تصعيد المشکلة الحدودية ما بين الدولتين.

- ثالثا: الاليات الواردة لکلا من الدولتين لحل مشکلة الحدود.

أولا: طبيعة المشکلة الحدودية ما بين السودان واثيوبيا:

 التاريخ والعوامل القانونية.

    طالما اتسمت العلاقات السودانية الإثيوبية بموجات من المدّ والجزر؛ تُحرّکها ملفات داخلية وخارجية متعلقة بالأنظمة الحاکمة في البلدين ، وفي هذا الإطار يدخل المأزق المزمن حول الحدود، ولا سيما منطقة الفشقة.

    بدأ ترسيم الحدود بين البلدين عام 1902م، بـ"اتفاقية أديس أبابا" بين بريطانيا والإمبراطور الإثيوبي منليک الثاني؛ حيث عاودت إثيوبيا الاعتراف بها عام 1972م في عهد الإمبراطور هيلا سيلاسي والرئيس السوداني السابق جعفر نميري، کما تم الترسيم بالفعل بين البلدين عام 2013م، وتشکلت لجنة مشترکة بين البلدين عام 2018م لحماية الحدود من عمليات الميليشيات، والتي کان يُفترض أن تعقد اجتماعها الثاني قبيل الهجوم الإثيوبي الأخير على الأراضي السودانية .

    تُعد الحدود المتداخلة المشترکة بين البلدين من أطول الحدود في القارة الإفريقية؛ حيث تُقدر بـ727 کم، وتتمتع المنطقة بمزايا عديدة تجعلها دائمًا محل أطماع خارجية، لا سيما في ظل غياب أمني حدودي لسنوات تعادل ربع قرن؛ حيث تتميز بالخصوبة وترويها أنهار عذبة، وتتساقط عليها الأمطار في الخريف، وتشتهر بإنتاج الصمغ العربي والقطن والذرة والسمسم، إلى جانب الخضروات والفواکه .

   ومنطقة "الفشقة" هي منطقة الصراع بين السودان وإثيوبيا، التي تقع أقصى شرق السودان، وهي إحدى المحليات الخمس لولاية القضارف السودانية التي تضم مليونًا و250 ألف فدان، وتُقسم الفشقة إلى ثلاث مناطق: هي الفشقة الکبرى، التي تضم 750 ألف فدان من منطقة سيتيت ويزرعها السودانيون والإثيوبيون مناصفةً تقريبًا. والفشقة الصغرى، التي تضم نصف مليون فدان لا تتجاوز حصة السودانيين فيها 63 ألف فدان، بينما يستثمر الإثيوبيون 410 آلاف فدان. والمنطقة الجنوبية التي تشمل مدن القلابات وتايا حتى جبل دقلاش .

   والوجود الإثيوبي في منطقة الفشقة ممتد منذ عام 1960م، وذلک باستيلاء مزارعين إثيوبيين على بعض المزارع، ثم ارتفعت الوتيرة عام 1983م من دون أن يکون هناک حَصْر دقيق لما جرت السيطرة عليه، وفي عام 1995م، استولى الإثيوبيون على 48 ألف فدان تقريبًا، ثم تمددوا على مساحات غير محصورة في منطقة صعيد القضارف، وفي الآونة الأخيرة، يتجدد النزاع، وتشهد المنطقة أحداث عنف بين المزارعين من الجانبين، کما أن عصابات "الشفتة" الإثيوبية تنشط في المنطقة، وتستولي على أراضي المزارعين السودانيين بعد طرد السکان منها بقوة السلاح .

1- تاريخ العلاقات السودانية الاثيوبية:

    تعد إثيوبيا دولة متعددة القوميات حيث يوجد فيها ما يقارب 85 جماعة اثنية ولغوية وتأتي الأمهرية في مقدمة هذه اللغات. فهي اللغة الرسمية لدولة إثيوبيا، وتستخدم في إدارة الدولة والمصالح الحکومية والمدارس الحکومية في مراحلها الأولى، وتصدر بها الصحف في إثيوبيا فهي تعد اللغة الاساسية لقطاع عريض من الإثيوبيين . وتشترک مع السودان في صفة التعددية الاثنية فضلا عن التداخل السکاني الکبير بين البلدين، وبالسودان جالية إثيوبية کبيرة ونجد أن آلاف من بين أفرادها استوعبهم سوق العمل السوداني في مختلف الولايات . فإثيوبيا أکبر دول الجوار السوداني من حيت الکثافة السکانية حيث يبلغ عدد سکانها حوالي 77 مليون نسمة مما يجعلها منطقة جذب تجاري وسوق واعدة، للسودان ولإثيوبيا حدود متداخلة مشترکة تمتد إلى حوالي 1500 کيلو متر، وهي أطول حدود في أفريقيا، وهذه المناطق الحدودية تقطنها قبائل حامية مشترکة (الانوک، الباريا، القمز، البرتا، البرون، الوطاويط وغيرها) .

    ولذا التعدد والتنوع والتباين العرقي هو سمة أهل السودان وإثيوبيا، نتيجة التداخل ما بين الاثنيات على الحدود ما بين الدولتين منذ أقدم العصور نشات تجارة الحدود کضرورة اقتصادية واجتماعية تفرضها الحالة الاقتصادية بين البلدين المتجاورين تتم عبر المقايضات في شکل تبادل السلع التي تکمل احتياجات الأطراف المتبادلة. ومن خلال هذه الآلية الاقتصادية نشطت تجارة الحدود إلا أنها لم تکن بهذه الصورة المنظمة حاليا نسبة لعدم استتباب الأمن في السابق، ولوعورة الطرق، وکان النقل والترحال- ولا يزال إلى حد ما- يتم بواسطة الدواب، حيث کان يتم التعامل مع سلع صادرة من السودان مقابل سلع واردة من إثيوبيا .

     وعلى الصعيد التاثير لکلا من الدولتين على الاخرى فنتجية التقارب والتداخل في الکثير من المصالح ما بين الدولتين کان وما زال هناک العديد من الحالات التي تدل على قدرة تأثير کلا طرف على الاخر ، على سبيل المثال ثورة أکتوبر 1964م التي أطاحت بالحکم العسکري وجاءت إلى سدة الحکم في السودان بقوة سياسية عملت على مناصرة الثورة الإريترية ضد الحکم الاثيوبي، تسبب في توتر العلاقات مع إثيوبيا، وقامت اثيوبيا بدعم الحرکات الجنوبية المعارضة للحکم في السودان وأستمر توتر العلاقات ما بين السودان واثيوبيا إلى أن تم عقد اتفاق ما بين السودان والمعارضة السودانية الجنوبية في أديس بابا عام 1972 لينهي التمرد بين حرکات المعارضة في جنوب السودان والحکومة السودانية ولذا توقف دعم اثيوبيا لمعارضة جنوب السودان، وتوقف دعم السودان لمليشيات اريترية ضد اثيوبيا .

      وعاد توتر العلاقات السودانية الإثيوبية من جديد إلى الواقع في عام 1974م إثر انقلاب عسکري قام به المارکسيون الذين سيطروا على السلطة في إثيوبيا، وهذا النظام الجديد فتح هجماته العسکرية ضد الإرتريين لمواجهة حرکات - المعارضة المسلمة في إقليم إريتريا وتجراي، وفي الوقت الذي اتهم الرئيس السوداني نميري نظام منجستو بأن لعب دورا في محاولة الانقلاب التي دبرت ضده عام 1976م، بمساعدته للقوى المعارضة في السودان، ومن هنا زاد نميري دعمه للحرکات الإرترية ضد إثيوبيا .

    في يونيو 1989م تمکنت الجبهة الإسلامية القومية من الوصول إلى الحکم إثر انقلاب عسکري قاده العميد عمر حسن أحمد البشير وبعد عامين تحديدا في شهر يوليو 1991م نجحت الجبهة الديمقراطية الثورية الشعوب إثيوبيا في الإطاحة بنظام الرق( الدرج) بعد نضال استمر لستة عشر عاما، وتزامنت هذه الأحداث المهمة في التاريخ السياسي للقرن الأفريقي مع نهاية الحرب الباردة في النظام العالمي .

    تعتبر الفترة ما بين عام (1989-1991م) فترة اشتداد الحرکات المقاومة ضد نظام منجستو في إثيوبيا، لذلک سعي الرئيس منجستو للتعاون والتفاهم مع السودان کوسيلة للتغلب على تلک التحرکات المعارضة لنظامه وتقليل الدعم السوداني لهذه الحرکات المناهضة لحکمه، فبعث برسالتين للرئيس عمر البشير، ولکن حکومة السودان لم يکن لديها الرغبة في مد جسور التفاهم مع نظام منجستو لأن أغلب الدلائل تشير إلى احتمال سقوط نظامه أکثر من بقائه ، لذلک قام السودان بتدريب مقاتلي الإدومو وغامبيلا وبني شقول، وخلق تعاونا بين الجبهة الشعبية التحرير إريتريا والجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب إثيوبيا مما عجل بسقوطه .

    وبعد ما حدث التغيير السياسي داخل إثيوبيا زار الرئيس عمر حسن أحمد البشير إثيوبيا في أکتوبر 1991م، کأول رئيس يصلها بعد الوضع السياسي الجديد، ونتج عن ذلک توقيع اتفاقية صداقة وتعاون بين البلدين کما رد رئيس الوزراء الاثيوبي زيناوي بزيارة للسودان تم خلالها تکوين آلية التعاون بين البلدين تمثلت في اللجنة الوزارية المشترکة التي عقدت أول اجتماعاتها بالخرطوم في ديسمبر 1991م برئاسة اللواء الزبير محمد صالح النائب الأول لرئيس الجمهورية عن الجانب السوداني، ومع أنتهاء الحرب الباردة وسقوط الاشتراکية وظهور العداء للاسلام والعالم الاسلامي ودعم الغرب للقوى المسيحة في اثيوبيا ومحاصرة الدول الاسلامية خاصة الدول التي تدعم الحرکات الاسلامية المتشدة عادت إثيوبيا تتهم النظام الإسلامي في السودان بدعم الحرکات الإسلامية فيها، وکذلک بإيواء المعارضين العسکريين والسياسيين وإعانة هذه الجماعات في الانطلاق من داخل الأراضي السودانية ضد إثيوبيا .

    لذا فالعلاقة ما بين دول القرن الافريقي- خاصة القوتين الکبيرتين السودان واثيوبيا- من الطبيعي فيها أن يصبح العدو صديق والصديق عدو ناتج عن التحالفات المختلفة ما بين القوى الحاکمة في هذه الدول ودعم القوى السياسية والاثنية المناهضة للقوى الحاکمة في هذه الدول ولهذه العلاقة الشائکة لا تدوم علاقات الصداقة وعلاقات العداء ما بين القوى السياسية الحاکمة في هذه المنطقة وذلک ناتج عن الحسابات الکلية التي ينطلق منها هذه القوى وهي في مجملها دعم دولة قوى مناهضة للحکم في دولة أخري سيعود عليها بنفس الخطر بدعم قوى مناهضة للحکم فيها وهذا المبدأ الذي عانت منه دول القرن الافريقي في الحروب والصراعات المختلفة ما بين هذه الدول سوا کان هذه الصرعات حدودية أو اقتصادية أو اجتماعية.

2- الوضع القانوني للازمة الحدودية ما بين السودان واثيوبيا:

    بدأ الوضع القانوني لتقنين الحدود السودانية الاثيوبية عام 1902 بتوقيع اتفاقية اديس بابا لترسيم الحدود ما بين السودان تحت الاحتلال الانجليزي والامبراطور ملينک الثاني ملک اثيوبيا انذاک ، وفي 1963 صادقت منظمة الوحدة الافريقية انذاک على الاتفاقيات الخاصة بالحدود -ما بين الدول الافريقية- الموروثه عن الاستعمار، وفي عام 1972 يتم تسوية ملف الحدود ما بين الدولتين على اساس اتفاقيتي 1902و 1907، وفي نهاية 2020 نشب خلاف ما بين المزارعين في الفشقة السودانية حيث يسيطر عليها اثيوبيون وتم استهداف مدنيين وعسکريين من قبل مليشيات غير محدودة الهوية بالنسبة للسودان. اثيوبيا تدعي ان اتفاقية 1902 فرضت على اثيوبيا بسبب وجود الدول الاوربية في المنطقة ايطاليا في اثيوبيا، وبريطانيا في السودان، وفرنسا في جيبوتي وجزء من الصومال، ولذا اثيوبيا تنظر إلى اتفاقية 1902 مفقودة الارادة الاثيوبية .

     بدأت الازمة 19 ديسمبر ارسلت السودان تعزيزات عسکرية إلى الحدود مع اثيوبيا لاستعادة ما وصفه " الاراضي المغتصبة من مليشيات اثيوبية في الفشقة" بعد أعتداءات متکررة من قبل المليشيات الاثيوبية کما عبر عنها الجانب السوداني إنها مليشيات مسلحة ولم يتهم الحکومة الاثيوبية بالتورط في هذه الاعتداءات التي اسفر عنها ضحايا سودانيين من المدنيين والعسکريين، فتتعدد الاراء حول طبيعة الجماعات المسلحة المعتدية على الاراضي السودانية وعلى المدنيين والعسکريين السودانيين ، وأي ما کانت طبيعة هذه الجماعات المسلحة لا تخرج عن واحدة من ثلاث وهم :

- مسلحي اقليم تيجراي: ان بسبب الاحداث داخل تيجراي والتوترات ما بين الحکومة المرکزية ومسلحي الاقليم واشتداد حدة النزاع بينهم في اواخر عام 2020 مما أجبر مسلحي الاقليم الاستيلاء على موارد من داخل الاراضي السودانية إما بالنهب والسلب من المواطنين العاديين أو بالتعدي على وحدات عسکرية للأستيلاء على ذخيرة تدعمهم في الحرب الدائرة ما بين جبهة تحرير شعب تيجراي والحکومة المرکزية، وکذلک فتح جبهة أخرى للحکومة الفيدرالية مع طرف متکافئ القوة مع الدولة الاثيوبية مما يشتت الدولة الاثيوبية وتحقق جبهة تحرير تجراي اهدافها.

- مليشيات غير نظامية: بسبب تعدد القوميات في الدولة الاثيوبية، فلکل قومية اثيوبية لها مليشيات مسلحة داخل الاقليم بعيدا عن القوات النظامية، فهذه المليشيات أحيانا تحدث تعديات على الاراضي السودانية على فترات زمينة مختلفة خاصة مع بداية موسم الامطار للسيطرة على الاراضي الخصبة داخل الحدود السودانية.

- الحکومة الاثيوبية: صحيح أن هناک العديد من الملشيات غير النظامية وغير التابعة للحکومة الاثيوبية ولکن قد يکون هناک دعم من قبل الحکومة الاثيوبية ، لان القوات التي تحاربها الجيوش السودانية قوات على مستوى عالِ من القوة العسکرية والتدريب العسکري والادوات العسکرية خاصة أن الحکومة الاثيوبية تعتقد أن ما يحدث في إقليم تيجراي فيه تدخلات سودانية لدعم مسلحى الاقليم.

    أي ما کانت العناصر المُتعدية على الحدود السودانية أدى ذلک في مجملة إلى زيادة حدة التوترات في الحدود الشرقية للسودان، فدبلوماسيا يستخدم السودان لمفهوم المليشيات لعدم توريط الحکومة الاثيوبية والجيش الاثيوبي في هذه الاضطرابات، ولکن لا يمنع ذلک تفهم السودان أن هناک اصابع للجيش الاثيوبي وراء هذه الاحداث خاصة بعد اتهام ثيوبيا للسودان بان لها يد فيما حدث في إقليم تيجراي.

    اشتدت الخلافات الحدودية ما بين اثوبيا والسودان مع نزوح العديد من الاثوبيين الى السودان بعد ازمة اقليم تيجراي فضلا عن الاثيوبيين القائمين على الاراضي السودانية فأکشفت السوادن الأطماع الاثيوبية في الاراضي السوادنية الخصبة على الحدود مع اثيوبيا خاصة مع تجدد الاشتباکات التي راح ضحيتها عناصر مدنية واخرى عسکرية من الجانب السوداني .

       تستغل اثيوبيا الصراعات الحدودية خاصة مع السودان وذلک لتحقيق نظرية التماسک الداخلي في ظل التوترات الداخلية الاثيوبية وفي ظل الصراع في اقليم تيجراي لتوحيد الصف الداخلي ضد السودان وليقضي على الحرب الداخلية في اثيوبيا .

    فالاختلال الامني في المنطقة الحدودية ما بين السودان واثيوبيا وانتشار القضايا التي تهدد الامن داخل السودان مثل الاتجار غير المشروع بالسلاح والمخدرات والبشر والهجرة غير الشرعية مما دفع السودان للسيطرة على هذه المنطقة لتحقيق الاستقرار والامن الداخلي في السودان .

     لذا بدأ القصف المتبادل المدفعي ما بين السودان واثيوبيا في 25 يناير 2021 حيث بدأت اثيوبيا بضرب مدفعي يستهدف منطقة ابوطيور السودانية ووعد البرهان رئيس المجلس السيادة السوداني برد فعل ولذا بدأت القوات السودانية تقصف مدفعيا اراضي اثيوبية في الداخل الاثيوبي مما ينذر بتحول الوضع إلى حرب مباشرة ما بين الدولتين باستخدام القوة النظامية لهما .

     وتتصاعد الازمة عندما أعلن المتحدث بأسم وزارة الخارجية الاثيوبية السفير دينا مفتي ، أن ارض الفشقة المتنازع عليها ما بين السودان واثيوبيا هي ارض اثيوبية متنازع عليها مع السودان وانها ليست سودانية ولحل الازمة سلميا لابد من الرجوع عسکريا لما قبل الانتهاکات العسکرية في نوفمبر 2020 للجلوس على طاولة المفاوضات .

   وفي إطار الحلول السلمية للأزمة الحدودية ما بين السودان واثيوبيا أعلن السودان أن لا شأن للوساطة في سبيل أن هذه الحدود متنازع عليها وإنما إذا کان الوساطة للسعي لتقريب وجهات النظر لوضع العلامات الحدودية المتفق عليها من قبل الاتفاقيات الدولية خاصة 1902 سوف يلقى تبريکات من قبل الجانب السوداني للوساطة وانما وساطة لإعادة الاتفاق حول الحدود يعد أمر غير مقبول بالنسبة للسودان ، ولذا تتعقد الازمة من الناحية القانونية بسبب عدم الاعتراف الاثيوبي بالاتفاقيات الدولية المنظمة لترسيم الحدود الدولية ما بين الدولتين وهذا هو سبيل الدولة الاثيوبية لعدم التزامها بکل الاتفاقيات الدولية التي تنظم قضاياها الخارجية مثل الحدود وقضية نهر النيل ( السدود التي تقيمها اثيوبيا على نهر النيل مثل سد النهضة) خاصة أن الاتفاقيات الدولية لهاتين القضيتين مرتبطة ببعضها البعض.

ثانيا: العوامل التي تساعد على تصعيد المشکلة الحدودية ما بين الدولتين:

     الاستعمار وإن رحل عن عالمنا العربي والقارتين الإفريقية والآسيوية إلا أن آثاره السلبية لا تزال موجودة خاصة على صعيد الحدود وهو ما يحدث بين الجارتين السودان وأثيوبيا وهو الأمر الذي يفتح ملفا معقدا على صعيد الحدود الجغرافية في القارة الإفريقية فالحروب التي اشتعلت بين الصومال وأثيوبيا وبين إرتيريا وأثيوبيا وغيرها، من الصراعات الحدودية کان سببها الاستعمار الذي جعل موضوع الحدود بمثابة قنابل موقوتة قابلة للانفجار خاصة وأن النموذج السوداني الإثيوبي هو مجرد مثال ظاهر على السطح لکن هناک عشرات النزاعات الحدودية موجودة على صعيد الجغرافيا الإفريقية منها النزاع على أقليم الأوجادين بين الصومال وإثيوبيا وهناک الخلافات بين دول القرن الإفريقي وإن کانت حدتها قد خفت في الآونة الأخيرة.

    ترجع مشکلات الحدود في القارة الافريقية عامة إلى عقود بل ومئات السنين، حُددت الحدود ما بين الدول الافريقية وفقا لقاعدة " التراضي" ما بين الدول الاوربية المستعمرة للقارة الافريقية في مؤتمر برلين 1884-1885، حيث قُسمت القارة الافريقية على حساب شعوبها دون مراعاة لحقوقهم وعاداتهم وتقاليدهم مما نتج عن الحدود المصطنعة العديد من المشکلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعرقية والسياسية في القارة الافريقية. هذا التقسيم للحدود في القارة الافريقية لا تتماشى مع الفواصل البشرية أو الجغرافية للقارة وانما عکس مصالح الدول الاستعمارية مما کان له کبير الاثر على مشکلات الحدود ما بين دول القارة الافريقية.

    فلم تعرف إثيوبيا قط الاستعمار کباقي الدول الإفريقية إلا لسنوات قليلة امتدت من عام (1936-1941م)، حيث تعرضت للغزو الإيطالي، فقد استعاد الإمبراطور هيلاسلاسي عرشه بمساعدة بريطانيا عام 1941م، واستقل السودان في يناير 1956م، بعد زوال قوات الاحتلال وأصبح بذلک ثاني دولة أفريقية بعد مصر تحصل على استقلالها ، وبالتالي اثيوبيا أبان الاتفاقيات المنظمة لمسألة الحدود کانت کاملة الارادة لانها الدولة الوحيدة التي کانت تمتلک الارادة السياسية والاستقلال السياسي الکامل في تلک الفترة، وفي حين إدراک أثيوبيا خطورة الوضع على سد النهضة، بالاعتراف بمثل هذه الاتفاقيات الدولية لان مثل هذه الاتفاقيات الحدوية هي نفسها التي تنظم قضايا اخري أکثر تعقيدا مثل قضايا نهر النيل، ففي حالة عدم الانصياع الى المطالب السودانية بترسيم الحدود وفق لهذه الاتفاقية المبرمة بين البلدين 1902 وخلط القضايا الحدودية بقضايا سد النهضة وتدخل طرف لا يستهان به في المعادلة السياسية في المنطقة وهي مصر بالنسبة للسودان واثيوبيا وخاصة مع علم اثيوبيا ان منطقة بني شنقول المقام عليها سد النهضة تاريخيا تتبع السودان وانضمت إلى اثيوبيا وفق لهذه الاتفاقيات المنظمة لتقسيم الحدود المبرمة ما بين السودان واثيوبيا .

    ولذا اثيوبيا تدراک خطورة الوضع وتتريث في التصرف واتخاذ القرارات وان کانت تفضل الحل السلمي لضمان الموقف السوداني من سد النهضة ، هذا ما يجعل اثيوبيا تتخذ مواقف وإن کانت فاضحة في سلوکها لانها عادة الدولة الاثيوبية تاريخيا في حالة فترات العداء بين الدولتين، خاصة أن هناک ما يلزم الدولة الاثيوبية بحدود قانونية معترف بها مثل اتفاقيات 1902 وکذلک قرارات منظمة الوحدة الافريقية بعد استقلال الدول الافريقية عن الاستعمار يلزم الدول الافريقية باحترام الحدود الموروثة عن الاستعمار ولکن عدم انصياع اثيوبيا لمثل هذه الاتفاقيات والقرارات الدولية الملزمة ينتج عنها العديد من المشکلات في القارة الافريقية منها ما يلمس الدولة السودانية والدولة الاثيوبية ومنها ما يعود اثرة السلبي على القارة الافريقية ککل کالتالي:

عند قدوم أثيوبيا بعدم الاعتراف بهذه الاتفاقيات الدولية والقرارات الدولية ينتج عنها:

- توتر اخر في النزاع الحدودي ما بين السودان واثيوبيا لان بموجب اتفاقية 1902 تم استقطاع جزء من الدولة السودانية وضمه الى الدولة الاثيوبية وهو اقليم بين شنقول واستمرت بموجب هذه لاتفاقية منطقة الفشقة تحت السيادة السودانية،ولذا قدوم اثيوبيا بعدم الاعتراف بهذه الاتفاقية يحق للسودان المطالبة باقليم بني شنقول.

- قدوم اثيوبيا بعدم الاعتراف بالاتفاقيات الدولية والقرارات الدولية تکسر قاعدة الاحترام الکامل للحدود الموروثة عن الاستعمار مما يشکل خطورة کبيرة على الامن في القارة الافريقية فبعيدا عن احترام هذا المبدأ يصير هناک فوضى حدودية ما بين الدول الافريقية بسبب النشأة المصطنعة لهذه الحدود.

ثالثا: الاليات الواردة لکلا من الدولتين لحل مشکلة الحدود.

هناک عدد من الاليات التي تطرحها الدولتين في تعاملها مع المشکلة الحدودية بينهم من هذه الاليات هي :

1- التفاوض السلمي :

        مع إعلان کلا من السودان واثيوبيا بأهمية الحل السلمي والجلوس معا للتفاوض حول الازمة الحدودية والعمل على منع التصعيد للوصول إلى الحرب ولکن مع التفاوض المشروط التي اعلنت عنه کلا من الدولتين:

- السودان يفضل التفاوض والحل السلمي للازمة الحدودية ما بين البلدين ولکن يشترط التفاوض وقبول الوساطة الدولية من أي طرف ثالث في سبيل الاتفاق حول وضع العلامات الحدودية وتنفيد الاتفاقيات الدولية المبرمة ما بين الدولتين تاريخيا وان الوساطة والتفاوض حول أن هذه الحدود حدود متنازع عليها والتفاوض حول رسم الحدود من جديد هذا يعد أمر غير مقبول بالنسبة للسودان .

- اثيوبيا تفضل التفاوض والحل السلمي للأزمة الحدودية وترى ان السودان الذي افتعل الازمة علية الرضوخ والرجوع إلى الخطوط الاولى من قبل الاعتداء على الاراضي المتنازع عليها في نهاية 2020 ويبدأ التفاوض على هذه الحدود .

       رغم هذا التعقيد في عملية التفاوض المشروط من قبل الدولتين إلا أن کلا من الدولتين يؤمنون ايمانا کاملا بأهمية التفاوض خاصة في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها کلا من الدولتين، فالسودان في هذه المرحلة الانتقالية شديدة الحساسية وفضلا عن العلاقة التدخلية تاريخيا ما بين الدولتين بخبرة کل طرف في تأجيج النزعات داخل الدولة الاخري مما يضغط على السودان لحل الازمة سلميا وهذا ما ترغبه السودان وانها تعلم تکلفة الحرب والنزاع مع جارة قوية مثل اثيوبيا ولکن هذا الضغط لا يجعلها أن تفرط شبرا من أراضي الوطن کما أعلنت الکثير من القوى الرسمية المدنية والعسکرية في السودان.

    وتزداد السودان قوة وعزيمة لاستراجاع الاراضي السودانية من المليشيات الاثيوية خاصة عندما وصف رئيس مفوضية الحدود في السودان معاذ تنقو إثيوبيا، بأنها «تراوغ وتماطل» في تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين البلدين، والخاصة بوضع العلامات الحدودية بين البلدين، إن إثيوبيا ظلت طوال السنوات الماضية، مستمرة في التعدي على الأراضي السودانية وبناء المستوطنات وطرد المزارعين السودانيين، في خرق واضح لکل الاتفاقيات المبرمة بهذا الشأن . وحذر من أن تدفع المطالبة بإعادة النظر في قضية الحدود بين البلدين، وتجاوز اتفاقية عام 1902 في صالح السودان لاسترداد أراض کبيرة، کانت ضمن حدودها، منحت لإثيوبيا وفقاً لتلک الاتفاقية، وذلک في إشارة لمنطقة «بني شنقول» التي ضمت لإثيوبيا إبان فترة الاستعمار البريطاني للسودان، وقال: "عدم اعتراف إثيوبيا بالاتفاقيات، سيدخلها في مشاکل کثيرة " . وأکد رئيس مفوضية الحدود السودانية أن " کل الاتفاقيات المبرمة بين السودان وإثيوبيا لا يوجد بها حديث عن نزاع حدودي»، وقال: «لم يصلنا خطاب رسمي من إثيوبيا بعدم اعترافها بترسيم الحدود في اتفاقية 1903، لکن رغم ذلک تواصل التوغل والاعتداء على الأراضي السودانية والمزارعين" .

    أما بالنسبة لاثيوبيا وهي تدعي أن الاتفاقيات الدولية مفقودة الارادة الاثيوبية وإنها مفروضه على اثيوبيا وان هذه الاراضي متنازع عليها مع السودان وترغب في التفاوض لحل الازمة سلميا دون التصعيد والدخول في حرب مباشرة مع جارة قوية بحجم السودان خاصة في ظل الظروف التي تعيشها اثيوبيا في الفترات الاخيرة من صراعات داخلية وحروب أهلية تهدد الاستقرار الاثيوبي داخليا وکذلک القضايا الدولية الاخرى الشائکة مع أطراف دوليين ومرواغة اثيوبيا في التفاوض حول هذه القضايا خاصة قضية سد النهضة، ولکن " التفاوض المشروط" ، هذا ما لا يقبله السودان بسبب ايمانه الکامل بسودانية الاراضي الحدودية المتنازع عليها خاصة مع الهجوم المتکرر عليها من جانب المليشيات الاثيوبية والسودان تدرک تماما أن الحکومة الاثيوبية لها ذرائع في هذه التعديات وما تکبدته السودان من خسائر مادية وبشرية فضلا عن زعزعة السيادة السودانية والاستقرار الامني لها في هذه المناطق الحدودية .

     والمتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، دينا مفتي، وضح بأن التوتر على الحدود بين البلدين، تغذيه " قوى خارجية "، وأن تسوية النزاع ستتم عبر تسوية دبلوماسية بين البلدين، وهذا الخيار الذي تفضله کلا من البلدين ولکن عدم الاعتراف من قبل الجانب الاثيوبي أن الانتشار العسکري للسودان داخل اراضيها لا يهدد أمن وسلامة الدولة الاثيوبية ويثبت مطامع اثيوبيا في هذه المنطقة الخصبة وإن کان هناک مصالح اقتصادية واجتماعية متضررة من قبل اثيوبيا فهي جديرة بالحل السلمي لان هذه المصالح ليست مصالح استراتيجية بالنسبة للدولة الاثيوبية على عکس المصالح السودانية في هذه المنطقة مصالح استراتيجية تمس أمن وسلامة واستقرار واستقلال وسيادة الدولة السودانية، ولذا ياتي تشدد الدولة الاثيوبية في سبيل مطامع اثيوبيا في هذه المنطقة الحدودية.

2- تصعيد الدولتين لمشکلة الحدود:

    هناک ما ينذر بخطورة الوضع والتصعيد إلى حد القوة العسکرية المباشرة ما بين السودان واثيوبيا وخاصة مع تمسک کلا من الدولتين بحقوقها التاريخية، وعدم التزام اديس بابا بالالتزامات القانونية والتنصل من اتفاقية ترسيم الحدود 1902 وخاصة ان هذه الاتفاقية من ضمن الاتفاقيات التي تنظم مجرى مائي مهم بالنسبة للسودان ودول أخرى مثل مصر ولذا سعي اديس بابا بالتنصل من هذه الاتفاقيات الدولية يجر المنطقة إلى الکثير من القضايا الشائکة التي تعدد فيها الفاعلين الدوليين، وخاصة أن مثل هذه القضايا التي تنظمها هذه الاتفاقيات تمثل قضايا أمن قومي بالنسبة للدول الاخرى التي تمس مصالحها هذه الاتفاقية .

    فمنذ التوقيع على الاتفاقية الحدودية سنه 1902 بين الحکومة السودانية الاستعمارية أنذاک وملک الحبشة " منليک الثاني" وهي في کامل سيادتها لم تکن مستعمرة مثل السودان وفي نصوص واضحة نصت المادة الاولى على ترسيم الحدود ما بين السودان واثيوبيا وعينت الحدود في تقاطع مثلث أم بريقع إلى تقاطع خط 6 شمالا مع خط عرض 35 شرقا وعرف بالخط الاحمر المزدوج، وکذلک في نص المادة الثانية على ضرورة وضع العلامات الارضية ما بين الدولتين، وفي سبيل وضع العلامات الحدودية تم تشکيل لجنة فنية مشترکة ما بين الدولتين لاقرار وضع العلامات منذ 2001 ولکن مع الاجتماعات الدورية شعرت السودان أن لا جدوى لهذه الاجتماعات مع مرواغة الجانب الاثيوبي من وضع العلامات الارضية کما جاءت في المادة الثانية من الاتفاقية، وخاصة في الاجتماع الاخير أواخر 2020 حيث شعر الجانب السوداني رغبة اثيوبيا في إعادة ترسيم الحدود التنثصل من الاتفاقيات الدولية المنظمة لهذه القضية وهذا ما جعل السودان يتقدم عسکريا إلى أخر نقطة من الحدود السودانية الاثيوبية وهذا ما اعتبرته اثيوبيا انتهاک لسيادة الدولة الاثيوبية .

      وفي حين أن تنصل اثيوبيا من هذه الاتفاقية سيفتح عليها الکثير من القضايا الحدودية الاخرى وليس فقط منطقة الفشقة، فبنص المادة الثالثه من الاتفاقية على تقسيم الحدود على أن تکون الفشقة للسودان مقابل بني شنقول لاثيوبيا، وهي أراضي سودانية تخضع للاستعمار البريطاني وترد إلى اثيوبيا فور الخروج البريطاني منها، ولذا نجد من هذه الاتفاقية هناک نصوص واضحة وملزمة لاثيوبيا بوضع العلامات الارضية وهذا ما لا ترغبة اثيوبيا وتتهرب منه في کثير من الاجتماعات وتعتبر أن التقدم العسکري السوداني انتهاک لسيادة واستقلال الدولة الاثيوبية مما جعلها تتقدم عسکريا ، والدولتين إلى الآن على أهبة الاستعداد للمواجهات العسکرية.

     وما يدفع الامور إلى التعقيد والتصعيد وفي إطار خلط القضايا الشائکة ببعضها البعض ما بين السودان واثيوبيا وفي ظل عدم اعتراف اثيوبيا بالحدود المتفق عليها في الاتفاقيات الدولية خاصة 1902 بدأ خلط قضية الحدود بقضية سد النهضة المقيم على أراضي أقليم بني شنقول وهو تاريخيا تابع للسودان انضم لأثيوبيا بموجب هذه الاتفاقيات الدولية هنا بدأ الموقف السوداني يتغير بشان سد النهضة ، حيث أکد وزير الموارد المائية والري السوداني الدکتور ياسر عباس أن هناک تهديدا مباشرا لسد النهضة الاثيوبي على خزان الروصيرص السوداني الذي يبلغ سعته التخزينية أقل من 10% من سعة سد النهضة وشدد عباس على إنه لايمکن الاستمرار في هذه الدورة المفرغة من المفاوضات إلى ما لانهاية ، مشيرا إلى أن فشل أخر جلسة من المفاوضات بين الدول الثلاث في التوصل إلى صيغة مقبولة لمواصلة التفاوض وأکد أن الحرب ليس خيارا وأکد على السعي دبلوماسيا لوضع المجتمع الدولي امام مسؤليته من الوعيد الاثيوبي وتهديها لحياة أکثر من نصف سکان السودان على النيل الازرق، ومشددا على أن السودان لن يسمح بملء وتشغيل سد النهضة دون اتفاق قانوني ملزم يؤمن سلامة منشأته وحياة السودانيين .

     فمن خلال هذه التطورات الشائکة والمعقدة ما بين الدولتين وظهور قضايا أخرى أکثر ارتباطا بهذه الاتفاقيات الدولية المبرمة والمنظمة لقضايا حيوية واستراتيجية مثل قضية الحدود ما بين السودان واثيوبيا وقضية سد النهضة ما بين السودان واثيوبيا ومصر، هذا ما يدفع الامور إلى التعقيد وربما في ظل التعنت الاثيوبي في القضيتين يدفع الامر إلى المواجهة العسکرية عندما تستنفذ کل الدول الاطراف في هذا القضايا کل الطرق والوسائل الدبلوماسية لحل هذه الازمة .

3- بقاء الوضع على ما هو عليه:

      تاريخيا تفضل أثيوبيا عدم الوقوع في التزامات قانونية خاصة بقضايا تراها اديس بابا حيوية بالنسبة لمصالحها، فتاريخيا التوغل الاثيوبي عبر الحدود السودانية يأتي بأستفادة قصوى على اديس بابا وذلک بسيطرتها على ما يزيد عن مليون فدان مما يوفر فرض عمل واستثمارات واحتياجات اساسية بالنسبة لاثيوبيا وهذا ما لا تريد تغييره اديس بابا على ارض الواقع، وفضلا عن التزام اديس بابا بالاتفاقيات الدولية المبرمة حول الحدود خاصة اتفاقية 1902 يفتح الباب عليها بالالتزام بقضايا أخرى جاءت في نفس الاتفاقية هي قضية سد النهضة وتأتي استراتيجية اديس بابا لابقاء الوضع على ما وعلية من خلال:

- لحفظ ما الوجه للسوداني بعد التوغل العسکري الاخير إلى نقطة الحدود النهائية مع اثيوبيا والاستعداد العسکري السوداني لاسترجاع الاراضي السودانية ، تترک أثيوبيا هذه القضية فترة من الزمن إلى أن يهدأ الجانب السوداني ويقلل من تکثيف الوجود العسکري في هذه المناطق الحدودية، تبدأ اثيوبيا تسعيد الانشطة غير القانونية وغير الرسمية بالزج بجماعات أکثر قربا من القبائل الحدودية في السودان لتبدأ انشطة الزراعة واستاجار الاراضي الزراعية وتبدأ بعدها أعمال المليشيات المدفوعة من قبل الحکومة الاثيوبية لاسترجاع الاراضي السودانية إلى المزارعين الاثيوبيين ولتبدأ بعدها سلسلة أخرى من المفاوضات وهذا ما أعتادت عليه اديس بابا مع السودان تاريخيا.

- تاريخيا من خلال العلاقات القائمة ما بين الدولتين وهي حقيقة الامر علاقات متقلبة ما بين العداء إلى الصداقة والصداقة إلى عداء، فکل دولة عندها ما يکفيها من الخبرة للتدخل لزعزة الامن والاستقرار في الدولة الاخرى وذلک لا يستبعد في تلک الفترة الانتقالية شديدة الحساسية في السودان عدم التدخل الاثيوبي بدعم حرکات مناهضة لعملية التحول الديمقراطي في السودان أو في هذه المرحلة الانتقالية ولأديس بابا الخبرة ما تکفيها لفعل من هذه التدخلات لکي يجعل السودان أکثر انشغالا بالوضع الداخلى وفي نفس الوقت لا تبدأ بالاعمال العسکرية ولکن تسعى للتوغل عبر الحدود بالجماعات الاکثر قربا للقبائل الحدودية وبعدها بالملشيات المدفوعة من قبل الحکومة الاثيوبية، ويجعل السودان ليس لدية القدرة على فتح قضية الحدود مرة أخرى مثل ما فعلت أثيوبيا في الکثير من المراحل التاريخية المختلفة في السودان.

    وفي حقيق الامر مثل هذا الوضع لا يمکن استبعاده من قبل اديس بابا خاصة في ظل الاوضاع الداخلية في اثيوبيا وعد القدرة فتح جبهة خارجية مع جارة قوية مثل السودان وخاصة مع ايمان اديس بابا الکامل ان هناک قوى خارجية تزج السودان إلى القوة العسکرية لحل قضايا أخرى شائکة کما تراها اثيوبيا وفي ذلک إشارة إلى مصر، ولذا کل هذا يجعل اثيوبيا تفضل هذا السيناريو والعمل الحثيث على انشغال السودان بالوضع الداخلى في تلک الفترة الانتقالية بزعزعة الامن والاستقرار فيها وعدم اعطاء الفرصة للطرف الاخر الذي يدعم السودان من تحقيق اهدافة التي يسعى اليها.

الخاتمة:

    تعد أزمة الحدود السودانية الاثيوبية أزمة قديمة وحديثة في آن واحد، حيث اعتاد الانظمة السابقة في کلا من الدولتين على التعامل مع هذه الازمة بنمطية معينة، فهناک تعديات متکررة من قبل الجانب الاثيوبي على الاراضي السودانية وتعلن اثيوبيا إنها اعتداءات خارجة عن القانون ومن مليشيات غير قانونية، ولکن مع التغيرات السياسية في الدولة السودانية، بادت الدولة السودانية لا تتقبل مثل هذه التعديات خاصة جاءت التعديات الاخيرة في فترة تفاوض على الحدود ووضع العلامات ما بين الدولتين ويأتي الهجوم الاخير على مدنيين وعسکريين سوانيين مما جعل هناک انتشار عسکري على مناطق الحدود السوادنية وفق ما نصت علية اتفاقية 1902، وهذا ما اعتبرته اثيوبيا انتهاک لسيادتها واعلانها أن هذه الحدود متنازع عليها وظهرت نوايا أديس بابا في إعادة ترسيم الحدود م بين الدولتين وهذا ما لا يتقبله السودان، وبدأت مناوشات عسکرية ما بين الجانبين دون الحاق ضرر لکل منهم، وذلک لايمان کلا من الطرفين بالحل السلمي دون التصعيد ولکن مع عدم تقريب وجهات النظر ما بين الدولتين توشک على احتمالية الصراع المسلح.

    ولکن الواضح ان اثيوبيا لا تقدم على الحرب ولکن لها وسائل أخرى تجعل السودان ينشغل بالوضع الداخلى، خاصة ايمان أديس بابا أن السوادن إنتهز الوضع الداخلي المضطرب لاثيوبيا واعلنت استرداد الحدود بالقوة، فضلا اتهام اديس بابا للخرطوم بان لها اصابع فيما يحدث في تيجراي، هذا ما يجعل اثيوبيا تستخدم وسائلها التاريخية لزعزعة الامن والاستقرار في السودان وهذا ليس بجديد على سياسة اثيوبيا وخاصة الامهرا في اثيوبيا وان کان هذا السيناريو الاقرب في الحدوث حيث بدأت العديد من المطالبات باسقاط الحکومة السودانية والاضطرابات والمظاهرات وهذا لا يستبعد فيه الايادي الاثيوبية.