نوع المستند : مقالات سیاسیة واقتصادیة
المؤلف
کلية التجارة بالاسماعيلية
المستخلص
الكلمات الرئيسية
الموضوعات الرئيسية
المقدمـة :
لقد اندلعت الإحتجاجات الشرعية في ليبيا في 17 فبراير 2011 ، وذلک للمطالبة بالديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان ، وبدلاً من أن يستجيب نظام معمر القذافي لهذه المطالب ، واجه تلک الإحتجاجات بالاستخدام المفرط للقوة والعنف ، وأدي ذلک إلي وقوع إنتهاکات جسيمة وخطيرة لحقوق الإنسان ، مما استدعي تدخل دولي تحت مسمي تدخل دولي إنساني .
وفي 1 مارس 2011 کانت جامعة الدول العربية ترفض التدخل الدولي في ليبيا حيث اکتفت بدعوة المجتمع الدولي إلي الإسراع في تقديم المساعدات الإنسانية ، إلا أنه في 12 مارس دعا وزراء الخارجية العرب مجلس الأمن للتدخل العسکري في ليبيا ، وإلي جانب جامعة الدول العربية کان للکوادر الدبلوماسية المنشقة عن نظام معمر القذافي دوراً مهماً في تحريک الجهود نحو صدور القرار 1973 وبذلک أصبح العامل الدولي له دوراً أثناء العملية الثورية خلال معرکة الثوار مع نظام القذافي ، وکذلک في مرحلة ما بعد إسقاط النظام ، فقرار جامعة الدول العربية کان بمثابة إشارة البدء لتحرکات دولية للتدخل في ليبيا .
المشکلة البحثية
علي الرغم من مرور حوالي عشر سنوات علي الإنتفاضة الشعبية ضد نظام معمر القذافي والتدخل العسکري لحلف الناتو ،حيث کان هدف التدخل الدولى فى ليبيا هو حماية المدنيين ، إلا أن التدخل الدولى آثار جدلاً حول فاعليته ومداه فى تأثيره على ظاهرة الإرهاب.
تساؤلات الدراسة
التساؤل الرئيسي
- إلي أي مدي آثر التدخل الدولي علي الإرهاب في ليبيا ؟
ويتفرع من هذا التساؤل عدة تساؤلات فرعية :
1- ما هي ضوابط التدخل الدولي ؟
2- إلي أي مدي يعد التدخل الدولي الذي تقوم به الدول والمنظمات الدولية مشروعاً ؟
3- ما هي الخصائص التي ينبغي أن يتصف بها التدخل الدولي لکي يکون مشروعاً ؟
4- ما هي الآثار المتوقعة من جراء التدخل الدولي في ليبيا ؟
5- هل کان البعد الإنساني هو الدافع الحقيقي للتدخل الدولي في ليبيا ؟
أهداف البحث :
يمکن تحديد الأهداف التى يسعى البحثإلى تحقيقها على النحو التالى :
- معرفة ضوابط التدخل الدولى.
- دراسة دوافع الدول للتدخل الدولى فى ليبيا.
- رصد مدى تأثير التدخل الدولى على ظاهرة الإرهاب.
- الوصول إلى الطرق التى يتم إتباعها لمکافحة الإرهاب فى ليبيا.
أهمية الدراسة :
أ– الأهمية العلمية :
يعتبر موضوع التدخل الدولي والإرهاب من الموضوعات المطروحة علي الساحة ، حيث أنه يعتبر موضوع هام فى هذه المرحلة وخاصة مع إنتشار ظاهرة الإرهاب ، وأنه لم يعد قاصراً على الدولة المتواجد بها الإرهاب ، وإنما تعدى حدود الدولة مما أدى إلى تهديد أمن واستقرار الدول.
ب – الأهمية العملية :
يهتم البحث بالتدخل الدولى ومدى تأثيره على ظاهرة الإرهاب ، حيث أن التدخل الدولى له تأثير على الدولة وعلى اقتصادها وبنيتها التحتية.
المنهج المستخدم :
يعتمد البحث على المنهج الاستقرائى ، ويستخدم کمنهج رئيسى وذلک للوقوف على أهم المعلومات والدلالات المتعلقة بالموضوع ، وإلى جانب المنهج الاستقرائى يمکن الإستعانة بمدخل دراسة الحالة ، حيث يهدف هذا المدخل إلى التدقيق المعرفى والذى يمکننا من دراسة التدخل الدولى وتأثيره على ظاهرة الإرهاب من خلال دراسة النموذج الليبى.
تقسيم البحث
يتم تقسيم البحث الى ثلاثة محاور :-
المحور الأول : التدخل الدولي
المحور الثاني : ظاهرة الإرهاب في ليبيا
المحور الثالث : التدخل الدولي وعلاقته بظاهرة الإرهاب في ليبيا
المحور الأول
التدخل الدولي
لقد أخذ لتدخل الدولي بعداً جديداً خصوصاً بعد انتهاء الحرب الباردة ، حيث کانت أغلب التدخلات عسکرية ، وذلک بهدف تحقيق مصالح خاصة للدولة المتدخلة ، الأمر الذي أوجب علي القانون الدولي أن يتدخل ويجد آليات معينة لمحاولة القضاء علي کافة أشکال التدخل .
وعلي الرغم من قدم هذا المفهوم ، إلا أنه لا يوجد اتفاق حول تحديد المقصود من التدخل ، مما يؤدي إلي الاستخدام الغامض للمفهوم عند وصف التفاعلات المختلفة وخصوصاً أن کلمة التدخل وصفية ومعيارية في وقت واحد ، فهي لا تصف ما يحدث فقط ولکن تعطي أحکاماً قيمية کذلک، وفى هذا الإطار يتم تناول هذا المحور من خلال :
أولاً : تعريف التدخل الدولي
ثانياً : نطاق التدخل الدولي
ثالثاً : أشکال التدخل الدولي
رابعاً : أسباب التدخل الدولي
خامساً : أساليب التدخل الدولي
أولاً : تعريف التدخل الدولي
1- تعريف التدخل لغوياً
التدخل لغوياً : مشتق من الکلمة اللاتينية Intervenire والتي تعني التموضع بين شيئين ، ويستعمل التدخل بمعنيين ، معني سلبي ويعني الاعتداء والتعرض إلي شئون الغير والمعني الإيجابي هوالتوسط في الخصومات[1] .
والتدخل في اللغة الإنجليزية ( Intervention ) بمعني التدخل لتسوية نزاع أو التدخل بالقوة في الشئون الداخلية لدولة أخري[2] .
2- تعريف التدخل الدولى اصطلاحياً
لا يوجد تعريف محدد لمفهوم التدخل الدولي ، وإنما اختلف الفقهاء حول تعريف هذا المفهوم ، فجانب من الفقهاء يحصر تعريف التدخل الدولي علي أنه استخدام للقوة ، وجانب آخر من الفقهاء يوسع في التعريف ليشمل وسائل أخري غير اللجوء إلي القوة کاستخدام وسائل الضغط الاقتصادي أو السياسي أو الدبلوماسي ، ومن بين هذه التعريفات ما يلي :
- عرف فرانک التدخل الدولي علي أنه : استخدام القوة المسلحة أو التهديدات باستخدامها من خلال دولة ما أو بمعرفة منظمة دولية ضد دولة أخري[3] .
ويري هانث مورجاثان التدخل الدولي بأنه عملية عنيفة غير مباشرة تتمثل في العقوبات والضغوط التي تمارسها دولة ما عندما تتدخل في شئون دولة أخري بهدف تحقيق مصالحها وأهدافها[4] .
ويعرف جوزيف ناي التدخل الدولي علي أنه : تلک الممارسات التي تؤثر في الشئون الداخلية للدول الأخري ذات السيادة[5] .
ويرى شارل روسو أنه : عبارة عن قيام دولة بتصرف بمقتضاه أن تتدخل هذه الدولة في شئون دولة أخري بغرض إجبارها علي التنفيذ وتحاول فرض إرادتها ، وذلک بممارسة کافة أشکال الضغط کالضغط العسکري والسياسي[6] .
وقام ريتشارد ليتل ببلورة هذا المفهوم من خلال نظرية الدفع أو الإستجابة والتي قامت بتفسير التدخل علي أنه إستجابة دولة ما بدافع التدخل في شئون دولة مفککة تعاني من فوضي النظام[7] .
لذا فالتدخل الدولي يعني قيام دولة باقحام نفسها وعلي نحو استبدادي في الشئون الداخلية أو الخارجية لدولة أخري ، وقد تجد تلک الدولة استناد کحق تبرره أو قد لا يکون کذلک أي بدون حق يصوغه تصرف الدولة المتدخلة ، وذلک بهدف الإبقاء علي الأوضاع الحالية في الدولة المتدخل في شئونها أو تغييرها أو إجبارها علي القيام بعمل معين أو الامتناع عنه مستغلة في ذلک نفوذها وما لديها من وسائل ضغط[8] .
3- تعريف التدخل الدولي إجرائياً
من خلال هذه التعريفات السابقة نستخلص مجموعة من المؤشرات وهي :
- الطرق المستهدفة من عملية التدخل الدولي في الشئون يکون قاصراً علي الدول فقط ، حيث لا يتصور التدخل الدولي إلا عندما يحدث السلوک في مواجهة دولة .
- لابد وأن يتم ممارسة التدخل الدولي بين أشخاص القانون الدولي .
- الهدف من التدخل الدولي هو إحداث أثراً معيناً ، حيث أنه يکون مبني علي عدة أهداف تسعي الدولة المتدخلة إلي تحقيقها جراء تدخلها في شئون غيرها من الدول الأخرى .
- الأساس الذي ينطلق منه التدخل الدولي قد يکون مشروعاً يستند إلي مبررات مشروعة، وقد يکون غير مشروع وبلا أى سند قانوني[9] .
- السلوک الصادر من الدولة المتدخلة لابد وأن يکون من شأنه المساس بسيادة الدولة .
- تتغير صور التدخل علي حسب غرض الطرف الفاعل من التدخل .
- مظاهر الاستقلال والسيادة التي تتمتع بها الدولة تعد محل التدخل[10] .
ثانياً : نطاق التدخل الدولي
تم انقسام فقهاء القانون الدولي بشأن نطاق التدخل الدولي إلي اتجاهين رئيسيين :
الاتجاه الأول : يرکز علي أن التدخل الدولي ينحصر في حالات التدخل باستخدام القوة العسکرية وأن الوسائل الأخرى غير العسکرية لا تؤتي ثمارها ، کالضغط الاقتصادي أو الدبلوماسي أو العسکري ، خصوصاً في حالات التطهير العرقي والإبادة الجماعية[11].
الاتجاه الثاني : وهو الاتجاه الموسع للتدخل ، وهذا الاتجاه يضيف إلي استخدام القوة العسکرية أو التهديد باستخدامها اللجوء إلي الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية، فکلما کان الهدف من استخدام أي من هذه الوسائل إجبار إحدي الدول علي الکف عن انتهاک حقوق الإنسان ، کلما أمکن اعتبارها تدخل دولي إنساني[12] .
ولقد وجد الاتجاه الثاني قبولاً لدي غالبية الفقهاء ، کما وجد هذا الاتجاه تطبيقاً له في الممارسات الدولية ، حيث أن المادة 2/7 من ميثاق الأمم المتحدة لم تقصر التدخل علي اللجوء لاستخدام القوة العسکرية ، وأيضاً إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة 1956 المتعلق بعدم التدخل في شئون الدول ، وکذلک القرارات والإعلانات التي تليه .
وفي الوقت الراهن يکون السبب المبرر للتدخل الدولي هو انتهاکات حقوق الإنسان مع أنه لم يتم توضيح مدي هذه الحقوق أو طبيعتها ، ولذا فالمفهوم الضيق للتدخل الدولي اقتصر علي استعمال القوة العسکرية[13] .
ثالثاً : أشکال التدخل الدولي
لقد قام فقهاء القانون الدولي ينقسم التدخل الدولي إلي عدة أشکال ومنها :
رابعاً : أسباب التدخل الدولي
ولقد انتقلت الصورة من الإطار العام في الميثاق إلي تدويل حقوق الإنسان في شکل اتفاقيات ومواثيق رسمية[17] .
ولذا أصبح المفهوم السائد الآن هو التدخل الإنساني والذي يسمح باستخدام القوة والتدخل في شئون الدولة باسم الإنسانية[19] .
خامساً : أساليب التدخل الدولي
تتنوع وتختلف أساليب التدخل الدولي ويکون ذلک تبعاً لکل حالة تدخله ، وطبقاً للأغراض المستهدفة من جراء تدخل الدولة أو غيرها من أشخاص القانون الدولي في شئون غيرها من الدول ، ومن أهم أساليب التدخل الدولي ما يلي :
يعد التدخل العسکري أوضح صور التدخل الدولي ويحدث ذلک عن طريق إرسال قوات نظامية تابعة لدولة ما للتدخل في شئون دولة أخري أو عن طريق إرسال قوات نظامية تقدم الدعم العسکري لإحدي الفصائل المتطرفة داخل الدولة المتدخل في شئونها في حرب أهلية ، ويعد التدخل العسکري محرم من وجهة النظر القانونية وبنص غالبية قواعد القانون الدولي ومواثيق المنظمات الدولية[21].
ويتخذ العمل العسکري من قبل دولة أو تحالف من الدول بموجب عقوبات دولية رسمية صادرة عن هيئة الأمم المتحدة .
وهو يعد من أحدث صور التدخل الدولي وأکثرها شيوعاً في الوقت الحالي ، وهذا النوع من التدخل الدولي يتمثل في وقف وقطع الصلات والعلاقات بين الدولة المتدخلة والدولة المتدخل في شئونها، ومن صور التدخل الاقتصادي أيضاً الخطر الاقتصادي أو المقاطعة والتي تتعلق بالواردات فقط ، إلي جانب الامتناع عن منح القروض أو منحها بشروط قاسية ، ومنع مرور البضائع وتجميد الأموال ، إلي جانب أن المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة منحت لمجلس الأمن صلاحية فرض عقوبات اقتصادية[22] .
ويمکن أن يتم التدخل الاقتصادي بطريقة غير مباشرة وذلک عن طريق تقديم القروض والمساعدات الاقتصادية المشروطة ، ومن خلال ذلک تستطيع الدولة المانحة للقرض أو المساعدة الاقتصادية أن تبسط نفوذها علي تلک الدولة .
والتدخل الاقتصادي يجد ما يبرره إذا تم تطبيقه وفقاً للفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة والذي جاز لمجلس الأمن اتخاذ ما يراه مناسباً من تدابير اقتصادية لا تتضمن استخدام القوة العسکرية کقطع الصلات والعلاقات الاقتصادية للدولة التى تنتهک نص الميثاق .
ويتم ممارسة هذا النوع من التدخل من قبل الدول أو المنظمات الدولية وذلک من أجل إجبار الدولة المتدخل في شئونها علي الإيتان أو الامتناع عن عمل معين .
في الوقت الحالي يعد التدخل الإعلامي ذا تأثير بالغ في العلاقات الدولية ، وذلک لأنه بسبب انخفاض تکلفته المادية أصبح يمارس علي نطاق واسع في العلاقة بين الدولة المتدخلة والدولة المتدخل في شئونها ، وتلجأ إليه الدولة وذلک لأن تأثيره المعنوي يفوق ما قد تحققه من نتائج ، ويتم ممارسة التدخل الإعلامي عن طريق وسائل الإعلام المختلفة المرئية والمسموعة والمقروءة وذلک للتأثير علي رعايا إحدي الدول بما يتناسب وأهدافها من هذا التدخل ، والتي قد يکون من ضمنها التمرد ضد الحکومة الشرعية .
يقوم هذا التدخل علي قيام الدولة المتدخلة علي فرض ثقافتها وأيديولوجيتها علي غيرها من الدول ، وفي هذه الحالة نجد أن ذلک يعد أمر ضروري لعولمة هذه الثقافة إلي الحد الذي تصبح معه الثقافة المهيمنة علي العالم[23] .
والشکل رقم (1) يوضح مسار تصنيفي لظاهرة التدخل الدولي
المحور الثاني
ظاهرة الإرهاب في ليبيا
علي الرغم من الجهود الدولية والإقليمية والوطنية التي تم بذلها لمکافحة الإرهاب والحد من آثاره ، إلا أن هذه الجهود لم تتوصل إلا بلورة تعريف دولي يحدد بدقة الأعمال الإرهابية ، وترجع تلک الصعوبة إلي مجموعة من الأسباب منها :
- تشعب الإرهاب وتعود أشکاله وأهدافه .
- تعدد الباحثين الذين يدرسون هذا المفهوم مع إختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم وتخصصاتهم .
- الطبيعة التي يتصف بها العمل الإرهابي .
- اختلاط الأعمال الإرهابية وتشابکها مع صور العنف السياسي .
- العشوائية والابتعاد عن الموضوعية[24] ، ويتم تناول هذا المحور من خلال :
أولاً : تعريف الإرهاب
ثانياً : تحول الظاهرة الإرهابية من النمط التقليدى إلي الشکل الجديد
ثالثاً : الجماعات الإرهابية في ليبيا
رابعاً : أشکال الإرهاب الجديد في ليبيا
أولاً : تعريف الإرهاب
1- التعريف اللغوى للإرهاب
الإرهاب کلمة مشتقة من الفعل رهب وتعني نشر الخوف والرعب وإخافة الغير [25] .
وفى اللغة الإنجليزية Terror والتى ترجع فى أصلها إلى الفعل اللاتينى Ters ويقصد به الترويع أو الهول .
2- التعريف الإصطلاحي
تتعدد التعريفات التي تهتم بتعريف الإرهاب من بين هذه التعريفات ما يلي :
- هو الأعمال الإجرامية التي يکون هدفها الأساسي نشر الخوف والرعب کعنصر معنوي ، وذلک من خلال استخدام وسائل هدفها خلق حالة الخطر کعنصر مادي[26] .
أما التعريف الفقهى للإرهاب فيشيرإلى أنه مصطلح يستخدم للإشارة إلى الإستخدام المنظم للعنف ، وذلک من أجل تحقيق هدف سياسى وخاصة جميع أعمال العنف التى تقوم بها منظمة سياسية وتمارسها على المواطنين.
3- التعريف الإجرائى للإرهاب
من خلال التعريفات السابقة يمکن أن نستخلص مؤشرات لمفهوم الإرهاب:
هو أى استخدام أو تهديد باستخدام عنف غير قانونى ويکون هذا العنف ضد الممتلکات أو الأشخاص الطبيعية أو المعنوية ، وذلک بهدف خلق حالة من الرعب والخوف من أجل تحقيق هدف معين.
والإرهاب کظاهرة سياسية يتضمن ثلاثة عناصر :
العنصر الأول : التخويف والرعب والفزع
حيث يقوم باستخدام التخويف والرعب وهو سلاح نفسي ، والسلاح النفسي يعتبر جزءاً لا يتجزأ من الظاهرة الإرهابية ، وبدونه يصبح الإرهاب مجرد عملية قتال مسلح عادي فمن خلال التخويف والترهيب النفسي يحقق الإرهاب هدفاً مزدوجاً ، فهو يقدر علي أن يفرض علي العدو حالة مستمرة من عدم الاستقرار الأمني ، وذلک بالإضافة إلي إثارة حالة من الفزع[27] .
العنصر الثاني : العنـف
فالإرهاب يستعمل العنف أو يهدد باستعماله ، وفي کلا الحالتين يبدو العنف محوراً رئيسياً لفعل الإرهاب .
العنصرالثالث : يتضمن الإرهاب أعلي عناصر إستراتيجية الصراع السياسي وفي ذلک قد يتبع الإرهاب طريقتين :
الطريقة الأولي :الهجوم ، حيث يقوم بفتح معارک جانبية بسيطة أو کبيرة ضد العدو ، فيجبره علي الدفاع ، کما أنه يرغمه أيضاً علي الدخول في حرب استنزاف جانبية علي جبهات غير محددة ، حيث يجعله يضطر إلي تعبئة قواه البشرية والمادية وتوظيفها في أعمال وقائية مختلفة ، مما يؤدي ذلک إلي تبديد قواه وانخفاض معنوياته في الداخل والخارج .
الطريقة الثانية : الدفاع ، حيث يتمکن الإرهاب من أن يزيد من کثافة عملياته حتي يقدر علي أن يحافظ علي المکاسب السياسية التي حققها .
ثانياً : تحول الظاهرة الإرهابية من النمط التقليدى إلي الشکل الجديد
لقد استفادت الظهرة الإرهابية من العولمة واستغلت التقدم التکنولوجي لتنمو وتتحول بدورها بشکل سريع ، ويمکن عرض أهم أشکال تحولها وفقاً لما يلي :
حيث أنه يرکز علي إيقاع أکبر قدر من الخسائر مادياً وإنسانياً وليس مجرد لفت انتباه إلي المطالب السياسية والعقائدية .
لقد أصبح العالم اليوم قرية کونية صغيرة ، لذا فالوسائل الإلکترونية تشکل بالنسبة للإرهابيين أهم الوسائل التي يستخدمونها ، ويمکن استخلاص أهم أدوار الوسائل الإلکترونية التي ساعدت في بروز وتطور التنظيمات الإرهابية وهي :
- الانترنت حيث أنه يعد أحد أدوات القوي الناعمة ، وهناک نوعان من التهديدات التي يصنعها الإرهاب عبر الانترنت :
* استخدام الانترنت کوسيط للاتصال .
* إرهاب الانترنت : وذلک من خلال إلحاق الضرر بالأفراد والممتلکات عبر نشر الفيروسات والتلاعب بالمعلومات عبر الانترنت[28] .
ثالثاً : الجماعات الإرهابية في ليبيا
لقد صارت ليبيا مع مرور الوقت مرکزاً للإرهابيين في شمال أفريقيا ، والذي ساعد علي انتشار هذه الظاهرة هو أن هناک بعض الدول ساهمت بطريقة أو بأخرى في دعم وانتشار الجماعات المتطرفة ، وذلک من أجل تحقيق مصالحها في ليبيا إلي جانب أن مساحة الأراضي الليبية التي تتعدي مليون ونصف المليون کم، أهم عوامل انتشار التنظيمات الإرهابية خصوصاً وأن 90% من السکان في ليبيا يرتکزون في المدن الساحلية في الشمال أما في الجنوب فالطبيعة الصحراوية تغلب عليها والحدود مفتوحة ، ومن بين التنظيمات الإرهابية في ليبيا ما يلي :
1- جماعة أنصار الشريعة
هذه المجموعة تعتبر إمتداداً لفکر تنظيم القاعدة ، وتتمرکز في شرق ليبيا في بنغازي ودخلت هذه المجموعة في مواجهات دموية مع قوات الجيش الوطني في بنغازي ، إلي أن تمکن الجيش الوطني من القضاء علي وجودها في بنغازي ، کما أن لهذه المجموعة تواجد في مدن درنة وصبراته ، ولقد أعلنت الجماعة عن حل نفسها في مايو 2017 وجاء بعد ذلک جماعة نصرة الإسلام والمسلمين .
ولقد تم تشکيل هذه الجماعة في مارس 2017 ، وتبني التنظيم نهج القاعدة وأعلنوا مبايعتهم لأيمن الظواهري ، وعلي الرغم من ارتباط نشاط التنظيم بالعمليات الإرهابية في مالي ، إلا أن خلاياه تنتشر في جنوب غرب ليبيا مستغلة حالة الفراغ الأمني في المنطقة وتقوم بتوظيفها کقاعدة انطلاق في هجماتها علي دول الجوار في إطار الترابط بين الجماعات الإرهابية في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء في أفريقيا[29] .
2- تنظيم داعش ( تنظيم الدولة الإسلامية )
لقد اعتمد هذا التنظيم في تأسيس نفسه بليبيا علي الفوز بالولاء من الجماعات المحلية مثل مجلس شوري الشباب الإسلامي ، واعتمد هذا التنظيم علي المجندين الليبيين الذين عادوا إلي بلادهم بعد القتال في سوريا والعراق ، وکانت داعش تدير معسکرات التدريب في الجبال خارج درنة ، وظهر هذا التنظيم في عام 2015 وتمدد التنظيم وتواجد في منطقة برقة والمناطق القريبة منها علي ساحل البحر الأبيض المتوسط بشمال ليبيا[30] .
ولقد تبني تنظيم داعش بعض العمليات الإرهابية داخل الأراضي الليبية ، کما نجح التنظيم في استقطاب العناصر الإرهابية من الجماعات الأخرى کعناصر أنصار الشريعة الإسلامية وجماعة الشباب الصومالية ، وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ، لذا ينظر إلي التنظيم علي أنه وارداً من الخارج ، أما علي صعيد التمدد الاستراتيجي فقد اعتمد تنظيم داعش علي عقد تحالفات مع غيره من الجماعات الإرهابية حيث تحالف مع عناصره منشقة عن جماعة أنصار الشريعة[31] .
وقد أدت حالة التفکک والأزمات البنيوية والمواجهات بين الجماعات والتنظيمات المسلحة إلي خلق بيئة مناسبة لتمدد تنظيم داعش داخل البلاد وتمکنه من السيطرة علي مدينة سرت ، ولقد استخدم تنظيم داعش شبکات التواصل الاجتماعي في ممارسة الحرب النفسية ضد السکان ، وذلک بهدف إرهابهم وضمان خضوعهم له ، وقام بنشر رسائل قوية عبر شبکات التواصل الاجتماعي لکي تعبر عن قوة وقسوة التنظيم[32] .
إلى جانب ذلک حاول تنظيم داعش الاقتراب من مناطق النفط الليبي خلال عام 2015 ولذا تأسست في ليبيا ولايات لداعش ، وعلي الرغم من نجاح قوات الجيش الليبي وميليشيات أخري في تفکيکها ، إلا أن عناصر داعش لا تزال نشطة في الداخل الليبي[33]. وذلک رغم انحسار السيطرة الميدانية منذ عام 2016 ، وکان ذلک من خلال طرد عناصر تنظيم داعش من جانب تنظيمات القاعدة في مدينة درنه ، إلا أن خلايا التنظيم والعناصر الموالية لا تزال نشطة في مختلف أنحاء ليبيا ، وتقوم بتنفيذ عمليات هي الأعنف والأکثر ترکيزاً.
وترکيز الجماعات التابعة لداعش يکون في مناطق تمرکز المدنيين وقوات الأمن الليبية والمرافق النفطية[34] .
وبسبب ما لحق بالدول من أضرار نتيجة تنظيم داعش مما دفع الولايات المتحدة الأمريکية إلي شن غارات جوية بواسطة طائرات بدون طيار في سبتمبر 2017 علي معسکر للتنظيم في وسط ليبيا علي بعد نحو 240 کجم جنوب شرق مدينة سرت ، وذلک بهدف منع تمرکزه وتمدده في مناطق ليبية جديدة[35] .
ولقد شهدت نشاط تنظيم داعش تراجع خلال عام 2017 ، ولکنه استفاد من اتساع مساحة الدولة الليبية وعدم خضوعها للمراقبة مما مکنه من إنشاء معسکرات تدريب وتعزيز بنيته التحتية وتشکيل خلايا تابعة له ، إلي جانب تشکيله لکيان جديد اتخذ اسم " سرايا الصحراء " وفي الوقت الحالي يعاني التنظيم من نقص حاد في مصادر التمويل ، مما دفعه للبحث عن مصادر جديدة ، وبدأ في المشارکة في أعمال التهريب ، کتهريب المشتقات النفطية السلع والبضائع ، المخدرات .
3- مجلس شوري الشباب الإسلامي
کانت هي أول مجموعة تعلن ولاءها لتنظيم داعش في درنة ، وقامت بجمع مقاتلين متطرفين من سوريا ومالي والجزائر ، بالإضافة إلي عدد من الليبيين وأعلن عن تأسيسها في 2014 ، وقامت بالسيطرة علي عدة مدن ليبية مثل سرت ومدينة صرمان وصيرتاه ، وحاول هذا التنظيم بسط هيمنة علي حقول النفط الليبية ،وکانت درنة هي أول إمارة للإرهابيين .
4- فجر ليبيا
هي جماعة إسلامية تسيطر علي أجزاء واسعة من طرابلس ، وهذه الجماعة المتطرفة تمتلک أسلحة ثقيلة بما فيها طائرات ، وإلي جانب فجر ليبيا ، يوجد درع ليبيا، وهي عبارة عن تجمع لمجموعات مسلحة متحالفة تحت هذا الإسم ،وهي تعمل في عدة مناطق في ليبيا .
رابعاً : أشکال الإرهاب الجديد في ليبيا
معاناة ليبيا من حالة الإنهيار في مؤسساتها المدنية والأمنية إلي جانب عامل الحدود البرية الواسعة ، أدي ذلک إلي تنامي دور الإرهاب:
- مظاهر الإرهاب الاقتصادي والبيئي في ليبيا
لقد وصف الوضع الاقتصادي الذي تمر به ليبيا بالکارثى منذ 2011 وکان ذلک نتيجة سيطرة المجرمين علي الدولة ويمکن تلخيص المسببات الرئيسية إلي تأزم الوضع فيما يلي :
- الانقسام في ليبيا وظهور الإرهاب السياسي :
بسبب الأوضاع الأمنية في ليبيا والانفلات الأمني وانتشار السلاح وتعدد الکتائب المسلحة التي تعمل وفق أجندات متباينة ،کل ذلک أدى إلى زيادة العنف والتطرف ، وکذلک زيادة الإرهاب .
- الإرهاب الناعم وتمدد الظاهرة في ليبيا :
لقد استفاد الإرهابيين وذلک من خلال الاستيلاء علي النظم التقنية من خلال اقتحام مقرات المخابرات العامة والاستخبارات العسکرية ، وانتقلت التقنيات الفنية إلي يد المتطرفين والإرهابيين بعد عام 2011 ، ولقد تمکن تنظيم داعش من بلورة دعاية جهادية الکترونية مهمة من حيث الإعداد والتنسيق والتنفيذ[36] .
المحور الثالث
التدخل الدولي وعلاقته بظاهرة الإرهاب في ليبيا
في عام 2011 بدأت المظاهرات في ليبيا وکانت تطالب برحيل نظام معمر القذافي إلا أن هذه المظاهرات قوبلت برد فعل عسکري مسلح من قبل النظام الليبي ، لذا طالبت دول مجلس التعاون الخليجي إلي عقد اجتماع لمجلس جامعة الدول العربية في 12 مارس 2011 وذلک للبحث عن الطريقة التي يتم من خلالها وضع حد للنزاع الحاصل في ليبيا ، ولقد أصدر المجلس قراراً تضمن عدد من الإجراءات والتدابير منها دعوة مجلس الأمن إلي تحمل المسئولية إزاء تدهور الأوضاع في ليبيا ، وبناءاً علي هذه الدعوة قام مجلس الأمن بإصدار قراره رقم 1970 الصادر في فبراير 2011 وتم التوافق علي هذا القرار مع فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريکية وتضمن هذا القرار ما يلي :
- إدانة انتهاکات حقوق الإنسان وأعمال العنف والقمع التي تحدث في ليبيا .
- حظر توريد الأسلحة .
- إحالة الوضع للمحکمة الجنائية الدولية .
ومع محدودية تطبيق هذا القرار ، تم اتخاذ القرار رقم 1973 الصادر في 17 مارس 2011 ، وأکد القرار علي التدخل الدولي في ليبيا وفق الممارسات التي يقوم بها مجلس الأمن واقر القرار بقيام منطقة حظر جوي والتي تستوجب التدخل العسکري وهذا ما حدث من طرف فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريکية وبعدها انضم الحلف الأطلسي للعمليات[37] . ويتم تناول هذا المحور من خلال ما يلي :
أولاً : التکييف القانوني للتدخل الدولي في ليبيا
ثانياً : دوافع التدخل الدولي في ليبيا
ثالثاً : التدخل الدولي وتداعياته علي ظاهرة الإرهاب
أولاً : التکييف القانوني للتدخل الدولي في ليبيا
الأحداث التي رافقت النزاع الداخلي في 2011 ، دفعت المجتمع الدولي إلي التحرک من أجل وقف الانتهاکات الجسيمة لحقوق الإنسان تحت مظلة الأمم المتحدة ، إنما من الناحية القانونية فإن التکييف القانوني لهذا النزاع فهو نزاع مسلح غير دولي ، والقاعدة العامة التي تحکم هذا النزاع تقول أن القانون الداخلي في ليبيا هو الذي يختص بتسوية هذا النزاع دون غيره لأن هذا النزاع داخلياً ، ولکن سرعان ما تم تدويل النزاع المسلح غير الدولي ، وذلک نتيجة للانتهاکات الجسيمة لحقوق الإنسان في حق المدنيين ، مما أدى ذلک إلي حالات من النزوح الجماعي وجرائم ضد الإنسانية .
حيث واجه النظام الليبي الاحتجاجات التي اندلعت في ليبيا بالإستخدام المفرط للقوة لذا نظر المجتمع الدولي لهذه الأحداث علي أنها تشکل انتهاکاً لحقوق الإنسان ، وکان ذلک مبرراً للتدخل الدولي بعد صدور القرار 1973 الذي يؤسس لشرعية التدخل في 17 مارس 2011 [38] ، ولقد قامت الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي بالتدخل العسکري في ليبيا مارس 2011 ، متعللة بذلک إلي الترخيص الممنوح لها من مجلس الأمن بموجب القرار 1973 ، علي الرغم من أن هذا القرار لم يتضمن أي إشارة إلي تفويض حلف الناتو بالتدخل العسکري في ليبيا .
ثانياً : دوافع التدخل الدولي في ليبيا
التدخل لم يکن قاصراً علي الدافع الإنساني ولکن مصالح الدول الغربية کانت هي السبب الحقيقي ومن بين دوافع التدخل ما يلي :
1- دوافع التدخل الدولي
أ - الدوافع الاقتصادية
ليبيا تمتلک احتياطاً مهماً من النفط ، حيث أفادت التقديرات المنشورة في 2010 أن الاحتياطات المؤکدة من النفط الخام تقدر بحوالي 64.4 مليار برميل ، واحتياطيات الغاز بلغت 177 تريليون قدم مکعب ، إلي جانب امتلاک ليبيا موقعاً استراتيجياً يربط بين أجزاء هامة من إفريقيا شمال الصحراء وجنوبها ، لذا فهي محط اهتمام القوي الغربية ، وعندما قامت الثورة الليبية رأت الدول الغربية أنها فرصة مواتية للتخلص من نظام معمر القذافي ، والتي کانت تعتقد بأنه سبباً رئيسياً لحرمانها من المزايا الإستثمارية والاقتصادية المهمة في ليبيا ، لذا فإن المصالح الاقتصادية کان لها تأثير کبير في سرعة التدخل وفاعليته تحت مسمي التدخل الإنساني[39]، وذلک لأن النفط والغاز يشکلان ما يتراوح بين 65% إلي 70% من کل الطاقة التي تستهلکها أکبر إقتصاديات في العالم الولايات المتحدة الأمريکية والاتحاد الأوروبي وتعتبر الولايات المتحدة من أکبر مستهلک للنفط في العالم ، لذا فإن أي انتعاش اقتصادي في العالم سيهدد في حالة شح إيرادات النفط أو إنتاجه ، والدليل علي ذلک لقد دقت أزمة الخطر النفطي في عام 1973 ناقوساً للدول الغربية الصناعية لخطورة اعتمادها عليه ، وهو ما تأکد أثناء الثورة الإيرانية وکان ينذر بأزمة ثانية في عام 1979[40] .
ب - الدوافع السياسية :
انتهاج معمر القذافي سياسات عدائية تجاه الدول الغربية کان محفزاً لتدخلها في ليبيا وانتهاز فرصة التدخل الإنساني للتخلص من نظامه ، إلي جانب محاولة الدول الغربية صياغة النظام السياسي الجديد في ليبيا ، وذلک من أجل الحفاظ علي مکاسبها الاقتصادية والسياسية ويکون ذلک من خلال التحکم في قنوات اتخاذ القرار ، لکي يکون أکثر تأثيراً ونفوذاً لخدمة مصالحها .
ج - الدوافع الأمنية
توجد العديد من المخلفات الخاصة بالأمن کالهجرة غير الشرعية وانتشار العنف وفوضي السلاح ، کل هذه الملفات کانت حاضرة في أجندة التدخل ،وذلک لمحاولة عدم تفاقمها بشکل يهدد المنظومة الأمنية والتنموية للبلاد الأوروبية ، إلي جانب أن انهيار الوضع في ليبيا يعظم المخاطر وهذا يقلق صانع القرار الأوروبي ، لذا لم يکن أمام صانع القرار الأوروبي إلا أن يتخذ قرار التدخل منفرداً وسريعاً إلي جانب إيجاد حل لبعض الأزمات التي تعاني منها بعض دول القارة الأوروبية[41] .
2- دوافع تدخل دول حلف الناتو في ليبيا
لقد تطورت سياسات حلف الناتو عقيدة الردع إلي عقيدة الدفاع لصالح المجتمع الدولي المشترک في حلف الناتو وخصوصاً في حالة اندلاع أزمات تهدد مصالح أعضاءه .
ولقد بدأ تدخل حلف الناتو بعد ما يقرب من شهر من اندلاع الأزمة الليبية وأعقب ذلک شن هجمات جوية من أعضاء حلف الناتو علي الکتائب الليبية ومواقع مدنية ومقرات حکومية وذلک تحت ذريعة حماية المدنيين[42] .
ومن بين دول حلف الناتو :
أ - موقف الولايات المتحدة الأمريکية
قام أوباما في فبراير 2011 بفرض العقوبات الأمريکية علي ليبيا وفرض مجلس الأمن حظراً علي توريد الأسلحة إلي ليبيا ، ولقد تدخلت الولايات المتحدة الأمريکية في ليبيا عن طريق حلف الناتو وبدأت العمليات العسکرية بعد صدور قرار مجلس الأمن والذي سمح بالتدخل العسکري في ليبيا ، ولقد استخدمت الولايات المتحدة الأمريکية الأساليب الدعائية للترويج للحرب وإقناع الرأي العام العالمي بوحشية النظام الليبي واستبداده في حق الشعب الليبي[43] .
وتدخلت الولايات المتحدة الأمريکية في الشأن الليبي بهدف نشر الديمقراطية والحرية في ليبيا ، ولکن من خلال تدخلها نجد أن تدخلها يرتبط أکثر بالمصالح الإستراتيجية والاقتصادية ، وذلک لأنه علي الرغم من حظر تصدير السلاح إلي ليبيا من الأمم المتحدة ، إلا أن الولايات المتحدة الأمريکية تعيد بناء منظومة دفاع جوي متکاملة لحساب کتائب مصراته وذلک بالإضافة إلي تدريب طيارين وفنيين وتوريد طائرات حربية ، وکان ذلک بالتزامن مع إعادة تأهيل منظومة الدفاع الجوي الروسية ، کما عملت الولايات المتحدة الأمريکية علي تزويد قوي المعارضة بالسلاح مما أدي إلي انتشاره بکثرة في ليبيا ووصوله إلي القوي المتطرفة وتزايد الإرهاب في ليبيا ، إلي جانب أنه من مصلحتها تقسيم ليبيا إلي دويلات صغيرة واعتمدت علي إستراتيجية متدرجة أساسها الفوضي الخلاقة ، مما ساعد ذلک في تزايد الظاهرة الإرهابية وزيادة الحروب الأهلية في ليبيا، وقامت الولايات المتحدة الأمريکية بعملية ( فجر الأوديسة ) .
ب - موقف إيطاليا:
إيطاليا تعتبر ليبيا منطقة نفوذ لکونها کانت أهم المستعمرات الإيطالية في أفريقيا ، إلي جانب عمل عدة شرکات إيطالية في قطاع النفط الليبي وتستحوذ علي حصة کبيرة منه وتسعي إيطاليا إلي تأمين مصالحها النفطية في ليبيا بشکل کبير ، حيث أنها تستورد 12% من احتياجاتها من الغاز و 25% من احتياجاتها النفطية من ليبيا ، ولحفظ مصالحها لجأت إلي دعم " فايز السراج " رئيس حکومة الوفاق في غرب ليبيا والميليشيات الموجودة في طرابلس وکذلک تسعي إيطاليا للتدخل في ليبيا للحد من النفوذ الاقتصادي لروسيا إلي جانب السعي للضغط علي نظام حفتر وتقسيم ليبيا إلي دويلات ، قامت إيطاليا بنشر عناصر عسکرية وطبية في مصراته غربي ليبيا في عام 2016 لدعم حکومة الوفاق وقت معرکة تحرير سرت من داعش ، وفي فبراير 2017 قامت إيطاليا بعقد مذکرة تفاهم مع حکومة الوفاق لتعزيز مکافحة الهجرة ، وفي أغسطس 2017 قامت بإرسال سفينتين عسکريتين إلي السواحل الليبية بعد موافقة البرلمان وذلک للحد من تدفقات الهجرة غير الشرعية[44] .
ج - موقف الاتحاد الأوروبي :
بسبب إحتواء ليبيا علي احتياطيات من الغاز الطبيعي والنفط ، أصبحت مصدر هام لأوروبا ، وذلک لأنه في ظل التدخلات الدولية في ليبيا ، أصبحت الساحة الأوروبية تحت التهديد بسبب تحرکات روسيا في شرق ليبيا .
د - الموقف البريطاني:
کانت بريطانيا تسعي دائماً لتطبيق سياسة فرق تسد وهو الفصل بين إقليمي برقة وطرابلس ، إلي جانب العمل علي زرع الخصومات والفرقة بين الشعب الليبي وقامت بعملية ايليمي .
هـ - موقف فرنسا:
لقد بدأت القوات الفرنسية بالتدخل العسکري في ليبيا ، حيث أعلن الرئيس الفرنسي السابق سارکوزي قيام بلاده بأول عملية قصف علي ليبيا ، واستهدفت آلية تابعة للقذافي وفرنسا تعتبر أول دولة تعترف بالمجلس الانتقالي الليبي واعتبرته سلطة شرعية ممثلة للشعب الليبي ، وأکدت علي أن هذا الاعتراف سياسي وليس قانوني[45]، وبدأت قوات عسکرية من فرنسا ( بعملية هارماتان ) ، ولقد أصبحت فرنسا منذ عام 2011 لاعباً رئيسياً في ليبيا وذلک من خلال الأدوات التالية :
- الجهود الدبلوماسية : وکانت هذه الجهود من خلال زيارة المسئولين الفرنسيين إلي ليبيا،أو استقبال ليبيين بباريس ومحاولة تقريب وجهات النظر،وکانت أهم المبادرات السياسية الفرنسية اتفاق باريس في يوليو 2017 بين المشير حفتر وفائز سراج رئيس حکومة الوفاق الوطني .
- التحرکات الاقتصادية : وتمثلت التحرکات الاقتصادية في حصول شرکة توتال الفرنسية علي حصة تقدر بـ 16.33% من امتيازات شرکة"الواحة" الليبية من خلال شرکة "ماراثوت أوبل " الأمريکية وذلک لاستغلال موارد نفطية[46] .
وکان تدخل فرنسا في ليبيا لرغبتها في العودة إلي منطقة غرب أفريقيا من خلال البوابة الليبية وتکريس نفوذها السياسي والعسکري ، لذا شرعت فرنسا في عام 2014 لبناء قاعدة "ماداما" في أقصي شمال النيجر قرب الحدود مع جنوب ليبيا ، وتم تزويدها بمطار حربي لکي تکون نقطة انطلاق نحو الأراضي الليبية .
من خلال ذلک نجد أن السبب الأساسي لتدخل فرنسا في ليبيا هي مصالحها، وبسبب الفوضي التي کادت أن تؤثر سلباً علي مصالحها ، فقامت في 20/7/2017 بعقد بقاء بين وزراء داخلية کل من فرنسا وإيطاليا وألمانيا والمفوض الأوروبي لشئون الهجرة والشئون الداخلية وذلک للنظر في التحديات التي يفرضها تدفق المهاجرين في وسط البحر المتوسط .
وقامت فرنسا بإعلان مبادرة 25/7/2017 وجاءت هذه المبادرة لتعکس التفاعل بين التغيرات في فرنسا والعوامل والتحرکات الإقليمية والعوامل الداخلية في ليبيا ، ومن خلال تقديم فرنسا لهذه المبادرة استطاعت استعادة دورها في الملف الليبي[47] .
وإلى جانب تدخل دول حلف الناتو فى ليبيا تدخلت أيضاً ترکيا ، ويمکن توضيح ذلک من خلال:
و - التدخل الترکي في ليبيا
يعد من أهم دوافع اهتمام ترکيا بليبيا هو أمن الطاقة الترکي ، حيث أن ترکيا تستورد أکثر من 95% من احتياجاتها من الطاقة ، کذا قام الرئيس الترکي في أکتوبر 2016 بتعيين مبعوث ترکي خاص لليبيا إلي جانب تعزيز التواجد العسکري الترکي في ليبيا وذلک من خلال الدعم العسکري لحکومة الوفاق ، وتري ترکيا أن مذکرة التفاهم الموقعة بينها وبين حکومة الوفاق في 27 نوفمبر 2019 تمنح ترکيا الحق في استخدام المجال الليبي والمياه الليبية بالإضافة إلي بناء قواعد عسکرية علي الأراضي الليبية ، ولقد قامت ترکيا بإمداد حکومة الوفاق بمعدات للدفاع الجوي ، ونظام تشويش يستهدف الطائرات المسيرة ، إلي جانب المزيد من المستشارين وطائرات من دون طيار أکثر تطوراً ، کما أقامت قواعد عسکرية لتلک الطائرات، ولقد قامت ترکيا بتزويد الميليشيات الموالية لسراج بمختلف الأسلحة وذلک من تحدي صارخ للقرارين 1970 و 1973 لسنه 2011 بحظر تصدير السلاح إلي ليبيا[48] .
لذا نجد أنه منذ توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين ترکيا وحکومة الوفاق واتفاقية التعاون الأمني والعسکري في نوفمبر 2019 وليبيا تشهد تزايد في أعداد الجماعات الإرهابية والمرتزقة الذين تم تصديرهم من مناطق الصراع في سوريا والعراق[49] إلي جانب إرسال المعدات والدعم المالي لهذه الجماعات المتطرفة وذلک لمساندة حکومة الوفاق الحليف الأقرب لترکيا في التأثير علي الأوضاع الداخلية الليبية ، وزاد الأمر علي ذلک حين قامت ترکيا بتدعيم جماعات ارهابية تابعة لتنظيم القاعدة وساعدتها في إرسال قواتها إلي ليبيا .
ومن خلال التدخل الدولي في ليبيا ، نجد أن هذا التدخل له تأثيراً سلبياًعلي ليبيا من خلال :
- قيام قوات حلف الناتو بقصف مواقع مدنية ومقرات حکومية لا تتسم بأهمية عسکرية واضحة ، مما أدي إلي سقوط ضحايا من المدنيين ، وهذا يتنافي مع مقتضيات القرار رقم 1973 الذي يقضي بحماية المدنيين ، بالإضافة إلي تقديم الدعم للثوار بکل أنواع الأسلحة ولقد أدي التدخل العسکري مدعوماً بالمال والسلاح إلي زيادة الاعتبارات والاختلافات القبلية وتوظيفها بشکل سلبي .
- مساعدة التدخل العسکري لانتشار جماعات العنف والسلاح التي ساعدت في تلغيم الساحة الأمنية الليبية ، حيث وجدت التنظيمات المتطرفة بيئة مناسبة لممارسة أنشطتها الإرهابية إلي جانب إطالة مدة الصراع وتضاعف عدد الضحايا وتعرض عدد من المدنيين للتعذيب والقتل من قبل مليشيات مسلحة وکانت بمساعدة غربية ، کل ذلک قاد إلي تکريس انتهاک حقوق الإنسان .
- تشجيع المزيد من توريد الأسلحة التي وصلت حسب تقديرات الأمم المتحدة إلي ما بين 22 ، 28 مليون قطعة سلاح ووجود أکثر من عشرة ألاف تاجر سلاح في ليبيا[50] ، وهذه التجارة غير الشرعية للسلاح أدت إلي تأثيرات قبلية واجتماعية کبيرة ، وأدت إلي زيادة حدة الصراعات بين القيادات العسکرية .
- ساهم التدخل الدولى في نشر الفوضى خصوصاً علي الحدود ، حيث أن تأمين الحدود أصبح من ضمن التحديات التي تواجهها ليبيا[51] .
وإلي جانب هذا الآثار السلبية وجدت أيضاً أثار سلبية اقتصادية ومالية ، حيث أن الاقتصاد الليبي تراجعت معدلاته بصورة ضخمة حيث سجلت الواردات انخفاضاً بنحو 35% .
ثالثاً : التدخل الدولي وتداعياته علي ظاهرة الإرهاب
يعد السبب الحقيقي لما وصلت إليه الأوضاع في ليبيا من تفکک وظهور ميليشيات عسکرية وظهور تنظيم داعش علي الأراضي الليبية ، هو حلف الناتو والتحالف الدولي الذي قام بقصف جميع المدن الليبية وقت حکم معمر القذافي، وإغراق البلاد بالأسلحة المتطورة المختلفة التي أصبحت في يد الميلشيات والتنظيمات الإرهابية الآخرى التي أصبحت تتقاتل فيما بينها وذلک من أجل بسط النفوذ والسيطرة علي الأماکن الإستراتيجية في ليبيا .
ويعد المجتمع الدولي والأمم المتحدة هما السبب الرئيسي في ظهور الجماعات الإرهابية وتضخمها في ليبيا ، وذلک بعد اتخاذ قرار بحظر تصدير السلاح في ليبيا ، الأمر الذي وقف عائقاً حقيقياً أمام الجيش الليبي بقيادة اللواء حفتر الذي يسعي إلي تطهير بلاده من الجماعات الإرهابية التي ظهرت ، وعلي الجانب الآخر يتم تهريب السلاح إلي الجماعات المسلحة الآخري علي اختلاف توجهاتها مما يخلق الفرصة للجماعات الإرهابية أن تحقق تفوقاً نوعياً في استخدام السلاح والمعدات ضد الجيش الوطني .
لذا نجد ما يلي :
- تصاعد وتيرة نشاط التنظيمات الإرهابية في الفترة الأخيرة حيث قام انتحاريون بتفجير مقر المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا في مايو 2018 ، وکان ذلک ضمن عملية إرهابية قامت بها خلية تتبني الفکر الداعشي في ليبيا ، ومن أهم أنماط الهجمات الإرهابية ما يلي :
- استهداف المرافق العامة :
لقد تصاعدت هجمات التنظيمات الإرهابية علي المرافق النفطية وخطوط توزيع المياه حيث قامت خلية إرهابية في يوليو 2018 بمهاجمة حقل الهروج للعمليات النفطية في إقليم خزان ، کما تم إطلاق النار من قبل الإرهابيين علي محطة تازربو لتوزيع المياه في منطقة کافورا في إقليم برقة في 7 يوليو 2018 .
- انتشار نقاط التفتيش الوهمية
تزايد اعتماد عناصر التنظيمات الإرهابية علي تأسيس نقاط تفتيش وحواجز أمنية وهمية في بعض الطرق الرئيسية والقيام بتفتيش السيارات المارة بالطرق وتصفية بعض العناصر الأمنية أو المواطنين من القبائل المعادية لها .
- ازدياد العمليات الانتحارية
لقد شهدت العمليات الانتحارية تزايداً ملحوظاً عقب بدء عملية تحرير درنة التي قامت بها فصائل الجيش الوطني الليبي لإنهاء وجود التنظيمات الإرهابية ، وفي 12 يونيو 2018 قام انتحاريون بمهاجمة منطقة شيحا في درنة وأسفر عن ذلک سقوط عدد کبير من القتلي والجرحي .
وتم تکرار هذه النوعية من العمليات في مناطق متفرقة من ليبيا وهذا يدل علي أن هذا النمط من الهجمات الإرهابية أصبح ضمن التکتيکات الأکثر انتشاراً في ليبيا .
- تصاعد استهداف المساجد
حيث اعتمدت التنظيمات الإرهابية علي عمليات تفخيخ واستهداف المساجد ، وذلک لإيقاع أکبر عدد من المدنيين وقد تم تکرار هذا الفعل ، ففي 23 يناير 2018 قامت خلية إرهابية بتفجير مزدوج لسيارتين مفخختين أمام مسجد بيعه الرضوان بمنطقة السلماني الشرقي في مدينة بنغازي ، مما أدي إلي سقوط 37 قتيلاً بالإضافة إلي أکثر من ثمانين جريحاً[52] .
وفي 9 فبراير 2018 استهدف تفجير إرهابي المصلين في مسجد (سعد بن عبادة) في منطقة ( البرکة ) بمدينة بنغازي ، وذلک بعد زرع عبوتين ناسفتين داخله ، وانفجرت العبوتين عند خروج المصلين من أداء صلاة الجمعة .
- مهاجمة النقاط والحواجز الأمنية :
لقد تزايدت عمليات استهداف نقاط الشرطة وقوات الأمن ، حيث قامت خلايا داعش بالهجوم علي نقطة تفتيش عسکرية في مدينة الجفرة بوسط ليبيا في أغسطس 2018 ، إلي جانب قيام عناصر من تنظيم داعش بشن عدة هجمات علي نقاط تفتيش تابعة للجيش الوطني الليبي ، وکان أبرزها انفجار سيارة مفخخة استهدفت البوابة 6 في مدينة (اجدابيا) في 9 مارس 2018 ، إلي جانب الهجوم الانتحاري علي بوابة الکنشيلو جنوب ودان في 21 فبراير 2018 ولقد سبقه هجوم علي نقطة تفتيش أمنية بمنطقة زلة جنوب الهلال النفطي في 10 فبراير 2018 ، وفى مايو2019 تعرضت البوابة الأمنية فى "ودان" لهجوم إرهابى ،وقام بتنفيذ هذا الهجوم 23 عنصراً إرهابياً وقتلوا وقتها 4 جنود من الجيش، وذلک إلى جانب إعلان تنظيم داعش مسئوليته عن الهجوم الذى وقع على مقر الکتيبة 160 التابعة للقيادة العامة للجيش الليبى فى يوم 4- 5- 2019 فى مدينة سبها ، وکانت نتيجة هذا الهجوم مقتل 9 أفراد بالإضافة إلى تحرير مجموعة من الأسرى التابعين للتنظيم والإستيلاء على بعض المعدات والذخائر.
وفى 7 يونيو 2021 قام هجوم إرهابى بإستهداف نقطة تفتيش تابعة لمدرية أمن مدينة سبها الليبية مما أدى إلى مقتل ضابطين وإصابة أربعة آخرين وتدمير عدة آليات عسکرية،وذلک فى هجوم بسيارة مفخخة يقودها إنتحارى استهدف بوابة أمنية ، ولقد أعلن تنظيم داعش عن مسئوليته عن الهجوم ، وکان الهدف من الهجوم إستهداف نقطة تفتيش تابعة للمشير حفتر،والهجوم الإرهابى بمدينة سبها لا يمثل إلا إعلاناً رسمياً عن عودة تنظيم داعش فى ليبيا ، وبتبنى تنظيم داعش العملية الإرهابية فى سبها وقبل ذلک محاولاته لتنفيذ عمليات مشابهة فى منطقة الهلال النفطى ، يجعل ذلک من ليبيا أحد المسارات التى يضعها التنظيم أمامه فى عام 2021، وما زاد الأوضاع خطورة هو نقل تنظيم داعش لقياداته ومناطق تمرکزه في ليبيا،وذلک بعد تعرض قياداته ومناطق تمرکزه لضربات قوية في العراق وسوريا[53].
ولقد کشف المتحدث باسم الجيش الليبى اللواء أحمد المسمارى حصيلة الإرهاب فى ليبيا منذ عام 2011 ووضح أن إجمالى ضحايا التفجيرات الإرهابية والقتل والتعذيب من عام 2011 وحتى 2019 وصل 2352 ضحية ، وعدد ضحايا الإغتيالات فى ليبيا التى أعدتها القوات المسلحة بالأسماء فى تلک الفترة وصل حوالى 1421 شخصاً.
والشکل رقم (2) يوضح عدد ضحايا الإغتيالات فى الجيش الليبى من عام 2011- 2019
ويتضح من خلال هذا الشکل أن عدد الإغتيالات فى قوات الجيش کانت الأکثر فى عام 2014 حيث کان عدد الإغتيالات 410 يليه عام 2013 حيث کان عدد 211 ثم عام 2017 حيث کان العدد 203 .
وبسبب العمليات الإرهابية فقد تکبدت ليبيا خسائر تقدر بنحو 492 مليون دولار سنوياً وکشف مؤشر الإرهاب عن فقدان الخزينة الحکومية فى ليبيا ما يقرب من 4,9 مليار دولار خلال 12 سنة مضت ، وذلک بسبب الأنشطة الإرهابية إلى جانب إحصاء 1923 هجوماً بالإضافة إلى الخسائر المادية فى البنية التحتية ، ولقد احتلت ليبيا المرکز السادس عربياً والسادس عشر فى قائمة الدول ذات النشاط الإرهابى لعام 2020 ، حيث جاءت ليبيا فى مرتبة بعد العراق ونيجريا وأفغانستان وسوريا من حيث المعاناة من أضرار الإرهاب الذى أدى إلى تراجع الناتج المحلى الليبى بين العاميين 2007 و2015 بنحو 4,5 %.
ولقد سجلت ليبيا أسوأ تصنيف لها فى معيارى الأمن والاستقرار ، حيث حصلت على المرکز 161 عالمياً ، کما حصلت على المرکز 147 عالمياً لتصنيف مؤشر الإزدهار العالمى والذى يعتمد على مجموعة من المعايير ذات الصلة بالإستقرار السياسى والحريات الفردية والرخاء الاقتصادى[54] .
نتائج الدراسـة :
- بعض الدول تتبني سياسة ازدواجية المعايير حيث أنه في الوقت الذي تتحدث فيه الدول الغربية عن انتهاکات حقوق الإنسان من ليبيا في عهد نظام معمر القذافي ، إلا أن هذه الدول هي التي قدمت الدعم والسلاح للمتطرفين في ليبيا وذلک لتحقيق أهدافاً خاصة بهم .
- لقد مثل الصراع الدائر في ليبيا إلي جانب انهيار المؤسسات الليبية ، وتدعيم قوي دولية للعناصر الإرهابية فرصاُ للتنظيم الإرهابى حتي يعزز نشاطه ، ويستغل کل هذه العوامل للبحث عن مساحات جديدة للتمدد داخل الأراضي الليبية ، فالتنظيمات الإرهابية لا تعمل بمعزل عن الفراغ الأمني والمؤسسي والسياسي .
- عملية تدخل خلف الناتو في ليبيا قد انحرفت عن مقتضيات القرار 1973 الهادف إلي حماية المدنيين .
- تم تحطيم البنية التحتية في ليبيا بسبب الأعمال العسکرية الخارجية التي کانت تمارس أهداف عشوائية لم تحترم من خلالها اتفاقيات جنيف ، وأدي ذلک إلي زيادة تدهور الأوضاع في ليبيا
- أدى التدخل الدولي في ليبيا إلي حالة من عدم الاستقرار الداخلي وانتشار للسلاح والميليشيات العسکرية والمرتزقة ، إلي جانب إيجاد الجماعات المتطرفة بيئة مناسبة لممارسة أنشطتها الإرهابية .
- لم يکن لدي الدول المشارکة في التدخل الدولي في ليبيا أي رؤية لمرحلة ما بعد القذافي،أو إستراتيجية للخروج من ليبيا بعد تحقيق الأهداف العسکرية للعملية ، مما أدي إلي أن يکون التدخل الدولي له دور کبير في زيادة الصراع السياسي والتصعيد العسکري .
- حدوث فوضي في جنوب ليبيا ليست فقط ملاذاً آمناً للإرهابيين ولکنه أيضاً للتدريب والتسليح ، وأنه منذ وقوع مدينة مرزق التي تعتبر شرياناً رئيسياً للجنوب تحت وطأة الجماعات والتنظيمات الإرهابية في 2019 ، وقعت موجات کبيرة من النزوح والتطهير لأهلها ، مما أدي إلي فراغ کبير لصالح الجماعات الإرهابية .
- بسبب تدخل القوي الدولية في ليبيا وتعارض مصالحهم، حيث تسعى کل دولة لحماية مصالحها فقط ، لذا فکل دولة تحاول الوقوف خلف حليفها في الداخل لتعزيز مرکزه.
إذن توجد علاقة طردية بين التدخل الدولي وظاهرة الإرهاب ، حيث أن وجود التدخل الدولي أدي إلي زيادة الإرهاب في ليبيا .
التوصيـات
- فرض حظر علي الأسلحة وإصدار عقوبات علي الأطراف الرئيسية الفاعلة التي تنتهک القانون الدولي .
- تقليص الحرب بالوکالة في ليبيا وسحب القوات الأجنبية من الأراضي الليبية .
- وضع آلية واضحة ومحددة للتدخل الدولي لأغراض إنسانية .
- التعاون وتنسيق الجهود مع دول الجوار وخاصة مصر والجزائر وتونس ، وذلک فيما يتعلق بحماية الحدود ومنع تسلل الجماعات المتطرفة بالإضافة إلي مساهمة هذه الدول في بناء مؤسسات الدولة الليبية الجديدة .
- توفير حد أدني من الاستقرار الأمني ، إلي جانب تجريد المليشيات من أسلحتها وتشجيع المبادرة بإنطلاقه سياسية جدية لإرساء دعائم الحکم الراشد .
[1] - زردومي علاء الدين ، التدخل الأجنبي ودوره في إسقاط نظام القذافي ، رسالة ماجستير ، جامعة محمد خيضر بسکرة ، کلية الحقوق والعلوم السياسية ، 2013 ، ص 10 .
[2] - عاطف علي الصالح ، مشروعية التدخل الدولي وفقاً لقواعد القانون الدولي العام ، القاهرة ، دار النهضة المصرية ، 2009 ، ص 3
[3] Frank T.m, The Law of human anitarian intervention by military,- A.J L.L, Vol 67, 1973 . P 275
[4] - Hans.J,” Morgenthan, To intervenes or not intervenes”, foreign- Affairs, Vol 45, 1967 . P. 425.
[5] - يوسف محمد صادق ، الإرهاب والعداء الدولي ، دار سردم للطباعة والنشر ، 2013 ، ص 163 .
[6] - فوزي أو صديق ، مبدأ التدخل : لماذا وکيف ؟، الجزائر : دار الکتاب الحديث ، 1999 ، ص 234 .
[7] Richard Little, intervention in world politics, Ox ford claven don- House, 1984 , P. 8.
[8] - ياسر الحويش ، مبدأ عدم التدخل واتفاقية تحرير التجارة العالمية ، لبنان : منشورات الحلبي الحقوقية، 2005 ، ص ص 2013 – 2014 .
[9] - أحمد محمد محمود عيسي ، "مفهوم التدخل الدولي وأشکاله ومدي مشروعيه" ، في: تداعيات التدخل الدولي في إقليم الشرق الأوسط ، ص ص 57-59 .
[10] - عمار صالح العاقل سليمان ، أثر التدخل الدولي علي مبدأ السيادة الوطنية ، رسالة دکتوراه ، جامعة قناة السويس : کلية التجارة ، 2016 ، ص 27 .
[11] - شاهين علي شاهين ، "التدخل الدولي من أجل الإنسانية وإشکالاته" ، جامعة الکويت : مجلة الحقوق ، العدد 4 ، 2004 ، ص 26 .
[12] - إبراهيم الدراجي ، جريمة العدوان ومدي المسئولية القانونية عنها ، بيروت : منشورات الحلبي الحقوقية ، 2006 ، ص 299 .
[13] - سامح عبد القوي السيد ، التدخل الدولي بين المنظور الإنساني والبيئي ، القاهرة ، دار الجامعة الجديدة ، 2012 ، ص 31 .
[14] - خضر رابحي ، التدخل الدولي بين الشرعية الدولية ومفهوم سيادة الدولة ، رسالة دکتوراه ، جامعة أببکر بلقايد : کلية الحقوق والعلوم السياسية ، 2014 ، ص ص 59-60 .
[15] - محمد طلعت الغنيمي ، الغنيمي الوجيز في السلام ، الإسکندرية ، منشأة المعارف ، ب.ت ، ص 214.
[16] - المرجع السابق ، ص 214 .
[17] - حسن عمر حنفي ، التدخل في شئون الدول بذريعة حماية حقوق الإنسان ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 2014 ، ص ص 303 -304 .
[18] - للمزيد أنظر : محمد غازي ناصر ، التدخل الإنساني في ضوء القانون الدولي العام ، لبنان : منشورات الحلبي الحقوقية ، 2010 .
[19] Lassa openheim ∞ Hersch Lauter pachat, international Law, London university of- Edinburgh, 1967, P. 312.
[20] - حجام عابد ، التدخل لحماية رعايا الدولة في الخارج ، رسالة ماجستير ، الجزائر ، جامعة وهران : کلية الحقوق ، 2008 ، ص 17 .
[21] - خضر رابحي ، مرجع سبق ذکره ، ص ص 63 – 64 .
[22] - أبو بکر خلف ، العقوبات الاقتصادية في القانون الدولي المعاصر ، الجزائر : ديوان المطبوعات الجامعية ، 2008 ، ص ص 45-46 .
[23] - خضر رابحي ، مرجع سبق ذکره ، ص 61 .
[24] - محمد أحمد شعيب ، "دور الإعلام والعولمة في تنامي ظاهرة الإرهاب الدولي" ، مجلة کلية الفنون والإعلام ، العدد الثاني ، 2015 ، ص ص 14-16
[25] - محمد فتحي عيد ، واقع الإرهاب في الوطن العربي ، الرياض : أکاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية ، 1999 ، ص 21 .
[26] - بوادي ، حقوق الإنسان بين معرفة الإرهاب وسندان الغرب ، الإسکندرية : دار الفکر الجامعي ، 2004 ، ص 54 .
[27] - أحمد أمين عامر ، مواجهة الأزمات الإرهابية : مدخل في إدارة الدولة ، القاهرة : مطبعة الأوفست الجديدة ، 2002 ، ص 28 .
[28] - أحمد الحمزة ورقية العاقل ، "الإرهاب الجديد في ليبيا" ، المجلة الجزائرية للأمن والتنمية ، المجلد 9 ، العدد 17 ، 2020 ، ص ص 413-414 .
[29] Elsa Buchanan,” Mali : Terror threat spreads after sahel groups join forces to create- new jihadist alliance, international business times, 2017”, in : www.goo.gl
[30] - عصمت حسين العبادي ،" تنظيم داعش الإرهابي وحق جمهورية مصر العربية في حماية أبناءها والقصاص من الإرهابيين" ، آفاق سياسية ، العدد 18 ، 2015 .ص 108
[31] - تقي النجار ،" داعش ليبيا : لا يزال التهديد مستمراً "، المرصد المصري في : www.marsade esstudies.com
[32] - حسنين توفيق إبراهيم ،" الفاعلون المسلحون من غير الدول في العالم العربي : تحديات راهنة وآفاق مستقبلية" ، کراسات إستراتيجية ، العدد 299 ، إبريل 2019 ، ص 27 .
[33] - محمد جمعة ، "عودة الجهاديين من سوريا والعراق : المخاطر وسبل المواجهة" ، الملف المصري ، العدد 271 ، ، ديسمبر 2016 ، ص 24 .
[34] Frederic wehrey , “ when the Islamic state came to Libya”, The Atlantic, 10- Feburary 2018, in : www.goo.gl
[35] - حسنين توفيق إبراهيم ، “ما بعد الهزيمة العسکرية لتنظيم داعش : تحديات وآفاق “، کراسات إستراتيجية ، العدد 281 ، أکتوبر 2017 ، ص 22 .
[36] - أحمد الحمزة ورقية العاقل ، مرجع سبق ذکره ، ص ص 417 - 418 .
[37] - بن عيسي أحمد ، "إشکالية مدي مشروعية التدخل الدولي العسکري للحلف الأطلسي في ليبيا "، مجلة الميزان ، العدد 22 ، 202 ، ص ص 379-381 .
[38] - رشيد سلوان النجاري ، حقوق الإنسان في ظل الأمم المتحدة من التدخل الإنساني إلي مسئولية الحماية ، الإسکندرية ، دار الجامعة الجديدة ، 2016 ، ص 109.
[39] - محمد عبد الحفيظ الشيخ ، "التدخل الدولي الإنساني للأمم لمتحدة ، ليبيا نموذجاً "، مجلة دراسات شرق أوسطية ، العدد 83 ، 2018 ، ص 32 .
[40] Niels Korf, Falling sky and chicken littles, Trans atlantic relations during the- siberain piblelinc crisis, Athes is master, Faculty of Humanities university of Amesterdam, 2010, P7.
[41] - عبد الواحد أکمسير ، "الربيع العربي والهجرة غير القانونية في البحر الأبيض المتوسط" ، المستقبل العربي ، العدد 433 ، مارس 2015 ، ص 31 .
[42] - أشرف محمد کشک ،"حلف الناتو من الشراکة الجديدة إلي التدخل في الأزمات العربية "، السياسة الدولية ، العدد 185 ، يوليو 2011 ، ص 218 .
[43] - أحمد محمد محمود عيسي وآخرون ، تداعيات التدخل الدولي في إقليم الشرق الأوسط علي ظاهرة الإرهاب ، ألمانيا : المرکز الديمقراطي العربي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية ، يناير 2020 ، ص 222 .
[44] - خالد حنفي علي ، "حدود التداخل بين أزمات جنوب ليبيا والساحل الأفريقي" ، رؤي مصرية ، العدد 44 ، سبتمبر 2018 ، ص ص 20-21 .
[45] - حنان حاصي ، "التدخل الدولي في ليبيا "، مجلة الفقه والقانون ، العدد 12 ، أکتوبر 2013 ، ص ص 224-226 .
[46] - بهاء محمود ، "التنافس الأوروبي علي ليبيا إلي أين" ، رؤي مصرية ، العدد 44 ، سبتمبر 2018 ، ص 281 .
[47] - رانيا زادة ، "رکائز التحرک الأوروبي والفرنسي تجاه الأزمة الليبية "، الملف المصري ، العدد 38 ، أکتوبر 2017 ، ص ص 23-26 .
[48] - بشير عبد الفتاح ، "محددات ورکائز التحرک الترکي حيال الأزمة الليبية" ، الملف المصري ، العدد 18 ، إبريل 2020 ، ص ص 17-19 .
[49] - مصطفي صلاح ، "مستقبل الجماعات الإرهابية في ليبيا "، أغسطس 2020 ، المرکز العربي للبحوث والدراسات، في www.acrseg.org
[50] - توبي مانهير ، "الربيع العربي : التمدد والثورة والنظام العالمي الجديد" ، السياسة الدولية ، العدد 191 ، يناير 2013 ، ص 156 .
[51] Thony , Bell and David witter, The Libyan revolution: escalation and internation,- Institute for the study of war , U.S.A,2011.p5
[52] - مني مصطفي محمد ، "التحولات في بنية وانتشار التنظيمات الإرهابية في ليبيا" ، رؤي مصرية ، سبتمبر 2018 ، ص 15 .
[53] - محمد مجاهد الزيات ، "تأثير الجماعات الإرهابية في الإقليم علي الإرهاب في سيناء" ، الملف المصري ، العدد 31 ، مارس 2017 ، ص ص 16-17 .
[54] - مؤشر الإرهاب العالمى لعام 2020 ، فى : www.alarab.co.uk