مهددات أمن الحدود في أفريقيا: المظاهر والأسباب وسياسات الاستجابة

نوع المستند : مقالات سیاسیة واقتصادیة

المؤلف

قسم السياسة والاقتصاد، کلية الدراسات الأفريقية العليا، جامعة القاهرة.

المستخلص

يواجه أمن الحدود في أفريقيا جملة من المهددات أبرزها انتشار ظاهرة الإرهاب العابر للحدود في شمال القارة وفي إقليم الساحل الأفريقي وکذا القرن الأفريقي، بجانب التطور الکبير في التدفقات غير المشروعة للأسلحة عبر الحدود، وتهريب المهاجرين غير الشرعيين والإتجار بالبشر، فضلاً عن تهريب الخامات والسلع، وتمدد نشاط شبکات الجريمة المنظمة العابر للحدود.
وتبرز العديد من العوامل التي تسببت في تصاعد مشکلات أمن الحدود في أفريقيا أهمها الميراث الاستعماري السلبي المتسبب في النشأة المعيبة للحدود الدولية في إفريقيا، وکذلک ازدواجية نطاقات السيادة بين الدولة الأفريقية والکيانات من دون الدولة کالجماعات الإثنية، فضلاً عن الآثار السلبية لبعض مظاهر التقدم غير المخطط في عملية التکامل القاري والإقليمي، ومشکلات الإدارة المشترکة للحدود البرية، وضعف قدرات الدول الأفريقية في تأمين حدودها البحرية.
وقد تعددت الاستجابات الأفريقية لهذه المهددات. فعلى المستوى القاري أطلقت مفوضية الاتحاد الأفريقي برنامجاً خاصاً لقضايا الحدود عام 2007 مثلت مخرجاته الرکيزة الأساسية لاتفاقية نيامي بشأن التعاون الحدودي، والاستراتيجية الأفريقية لحوکمة الحدود. وعلى المستوى الإقليمي الفرعي أولت الهيئة الحکومية للتنمية (إيجاد)، ومجموعة التنمية لدول الجنوب الأفريقي (سادک) اهتماماً خاصاً بقضايا الحدود لمعالجتها أمنياً وسياسياً واقتصادياً. کذلک قامت حکومات الدول الأفريقية باتخاذ خطوات مهمة کتعزيز الإنفاق على قطاع أمن الحدود، وتطوير البنية المؤسسية والتقنية لمراقبة الحدود، والقيام بترتيبات ثنائية وثلاثية من أجل الإدارة المشترکة للحدود.

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية


 

مقدمة

تتسم الحدود الأفريقية تقليدياً بضعف قدرة الحکومات على إدارتها، فبينما تضم القارة الأفريقية 109 من الحدود الدولية تمتد بطول 80 ألف کيلومتر، ولکن أقل من ربع هذه المسافة الممتدة تم تعيينها بصورة محددة ودقيقة. فعلى سبيل المثال، بقسمة عدد أفراد الأمن الحدودي الرسميين على طول الحدود الأفريقية، يمکن القول بأن فرد أمن واحد يراقب ويحمي مسافة من الحدود تمتد لنحو 128 کيلومتر.[1] وفي ظل هذا النقص الشديد في العنصر البشري، وفي ظل التحديات الأمنية الکبيرة التي تواجه الدول الأفريقية في إدارة حدودها، تميل العديد من الدول لإدخال نقاط المراقبة الحدودية لداخل حدودها لمسافة تمتد أحياناً لنحو 20 کيلومتر ليسهل ربطها بالوحدات الأمنية الداخلية الأخرى. وعلى الجانب الإنساني تأتي الحدود الأفريقية لتقسم أکثر من 175 جماعة إثنية أفريقية اضطر أفرادها لتتوزع على بلدين أو أکثر بفعل الحدود.[2]

وفي ظل التهديدات المتنامية لأمن الحدود في أفريقيا والتي فرضت على الدول الأفريقية منحها أولوية على جدول اهتماماتها في المجال الأمني، تبرز إشکالية بحثية رئيسية تتعلق بملاءمة الاستجابات الأفريقية على المستويات الثلاثة الوطني والإقليمي والقاري لتحقيق المواجهة الفعالة للمهددات المختلفة لأمن الحدود. على هذا الأساس تثير هذه الإشکالية سؤالاً بحثياً رئيسياً مفاده: کيف واجهت القارة الأفريقية الزيادة الکيفية والکمية في مهددات أمن الحدود؟

ويرتبط بهذا السؤال الرئيسي عدد من الأسئلة الفرعية تتضمن:

-       کيف يمکن تعريف مفهوم أمن الحدود بدقة لتمييزه عن عدد من المفاهيم ذات الصلة؟

-       ما هي الاتجاهات الرئيسية السائدة في الأدبيات المعنية بدراسة أمن الحدود في أفريقيا؟

-       ما هي المظاهر المتعددة لمهددات أمن الحدود في أفريقيا؟

-       کيف يمکن تفسير الزيادة الکمية والنوعية في مهددات أمن الحدود بين الدول الأفريقية؟

-       وفق أي مقاربة استجابت القارة الأفريقية لمهددات أمن الحدود؟

-       إلى أي مدى حققت الاستجابة الأفريقية متعددة المستويات نجاحات ملموسة في مواجهة مهددات أمن الحدود؟

وللإجابة على هذا التساؤل الرئيسي والتساؤلات الفرعية تسعى الدراسة لتحقيق عدد من الأهداف تتضمن:

-         رصد المهددات المختلفة لأمن الحدود في القارة الأفريقية.

-         استکشاف أبرز أسباب ظهور هذه المهددات لأمن الحدود وتفاقمها.

-         تحليل الاستجابات الأفريقية المتعددة لمهددات أمن الحدود سواء على المستوى القاري أو الإقليمي أو الوطني.

أولاً: الإطار النظري والمفاهيمي

تتصل الدراسة بالتطورات المهمة التي شهدها حقل العلاقات الدولية على مستوى النظريات والتي باتت تتعامل مع

  1. الإطار النظري

واکبت السنوات الأخيرة للحرب الباردة بروز النظرية البنائية Constructivism کطرح بديل يسعى لإعادة الاعتبار للعوامل الاجتماعية في تحليل العلاقات الدولية. وقد شکل مجال الدراسات الأمنية واحدة من أکثر الحقول البحثية تأثراً بالنظرية البنائية بصورة جوهرية.

وتقوم البنائية في مجملها على عدد من المقولات التأسيسية تتضمن[3]:

-         رفض مرکزية الدولة الوطنية في العلاقات الدولية ومنح الاعتبار لمجموعة من الفاعلين الآخرين کالقوى الاجتماعية دون الوطنية والمنظمات الدولية.

-         النظر لبنية النظام الدولي کبنية اجتماعية تنظمها مجموعة من القيم العامة المنظمة والتي تتجاوز فکرة القانون الدولي لما هو أبعد من ذلک.

-         استمرارية عملية بناء النظام الدولي عبر التفاعلات المستمرة بين مختلف الفاعلين الأمر الذي يؤدي حتماً لحالة من التغير المستمر في بنية النظام الدولي التي تتسم في الکثير من الأوقات بطابع فوضوي Anarchic.

-         رفض ما قدمته النظريات الوضعية في العلاقات الدولية من محاولة صياغة قوانين عامة حاکمة لسلوک الدول في المجال الدولي، والتي تنطلق جميعها من افتراض للرشادة والموضوعية في سلوک هذه الدول.

وقد تجلى اهتمام المدرسة البنائية بالقضايا الأمنية بما فيها أمن الحدود من خلال مجموعة من الکتابات المتراکمة التي عرفت بمخرجات "مدرسة کوبنهاجن"، والتي قامت على انتقاد مفهوم "الأمن القومي" بصورة خاصة کأحد المفاهيم الرئيسية في کتابات المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية. واعتمد هذا النقد على ما قدمه عالم ما بعد الحرب الباردة من شواهد على الهوة الآخذة في الاتساع بين "الأمن" و"السياق القومي" وذلک من خلال اتجاهين متوازيين أولهما ظهور مهددات أمنية ذات طابع عالمي تتجاوز حدود الدول وتعبرها بسهولة ويسر وتشکل ظواهر. أما الاتجاه الثاني فيتمثل في ظهور مهددات للأمن تحمل صلات واضحة بالأبعاد المحلية Domestic dimension وتتصل بصورة أکبر بالجوانب الاجتماعية الأمر الذي يجعل محاولة مواجهتها على نطاق محدود داخل حدود الدولة سياسة غير ذات جدوى.[4]

وفي مواجهة التغيرات الکبرى الطارئة على مهددات الأمن، أولت مدرسة کوبنهاجن اهتماماً کبيراً بنظم الأمن العابرة للحدود في إطار ما قدمه باري بوزان وآخرون من إسهامات في إطار نظرية "مرکب الأمن الجماعي" Regional Security Complex Theory والتي تعد النمط الأکثر فاعلية من أنماط الاعتماد المتبادل في النظام الدولي، وذلک انطلاقاً من تصور الأمن کبناء اجتماعي متراکم وليس وضعاً مستهدفاً، والذي يمکن المساهمة في تکوينه من خلال تبادل الدعم بين أطراف ذات مصلحة مشترکة في مواجهة تهديد وجودي طارئ. ويعتمد الأمن الجماعي على تشارک عدد من الدول القيم والوسائل والأدوات في مواجهة تحدي أمني مشترک، مع تجاوز فکرة الأحلاف الدولية الموسعة ذات الخلفية الأيديولوجية، ومنح المزيد من الأهمية لمنظمات الأمن الجماعي ذات النطاق الإقليمي والإقليمي الفرعي، ومع استيعاب التحول الطارئ على طبيعة التفاعلات الإقليمية وطبيعة المهددات الأمنية کذلک والذي يمنح البعد الاقتصادي مکانة أکبر في حسابات الأمن الإقليمي. [5]

تأسيساً على ما تقدم، وبتطبيق هذه المقولات على موضوع الدراسة في الحالة الأفريقية يلاحظ أن المناطق الحدودية الأفريقية تشکل نطاقات لتفاعلات ممتدة متعددة الأبعاد بين مجموعة من الفاعلين الرسميين وغير الرسميين الأمر الذي خلق فراغاً نسبياً للسلطة في هذه المناطق مما فتح الباب لمنافسة على ملء هذا الفراغ متسبباً في مهددات متعددة للأمن.[6]

  1. الإطار المفاهيمي

على الرغم من الأهمية الکبرى لأمن الحدود واحتلاله موقعاً مرکزياً على قائمة صانعي القرار والأکاديميين على السواء، هناک صعوبة کبيرة تواجه عملية إصدار تعريف جامع لأمن الحدودBorder security .[7] لکن يمکن رصد بعض المساهمات المتعددة في مجال أمن الحدود، فوفق تعريف وزارة الأمن الداخلي في الولايات المتحدة الأمريکية يعرف أمن الحدود بأنه حماية الحدود الدولية من الانتقال غير القانوني للأسلحة والمخدرات وتهريب الأشخاص والبضائع، من خلال تعزيز التجارة والسفر القانونيين بما يحقق أمن البلاد ورخائها الاقتصادي ويعزز من سيادتها الوطنية.[8]

کما عرفت بعض المصادر الأکاديمية أمن الحدود انطلاقاً من غاياته بأنه کل ما يرتبط بتعزيز قدرة الحدود الدولية على إعاقة انتقال النشاط الإجرامي عبر الحدود، وذلک بغرض تقليل مظاهر الضعف المترتبة على فقدان السيطرة على الحدود ودخولها في حالة من الفوضى بما يؤثر بالسلب على مستوى الحياة والنشاط الاقتصادي الشرعي.[9]  بينما تذهب تعريفات أخرى لتعريف أمن الحدود بوسائله من خلال اعتبار أمن الحدود هو تلک العملية المتضمنة نشر الأفراد والتقنيات والبنية التحتية بما يضمن بقاء الحدود محمية من کل المهددات المحتملة.[10]

ويتقاطع مفهوم أمن الحدود مع عدد من المفاهيم المتداخلة أبرزها إدارة الحدود Border Management وهو المفهوم الذي يقصد به الآليات التي يمکن من خلالها تحقيق التوازن بين غايتين متناقضتين ظاهرياً هما تيسير انتقال الأفراد والبضائع بين الدول بالطرق المشروعة، والحد من دخول أي منها بغير هذه الطرق. وتتضمن هذه الآليات العلاقات الدولية الفعالة، والترتيبات الإقليمية، وسياسات التنمية المتوازنة على جانبي الحدود الدولية، وإجراءات تنظيم الهجرة، والتجارة العابرة للحدود.[11]  کما يقصد بإدارة الحدود کافة الوسائل والإجراءات المطبقة على عبور الأفراد والبضائع من أجل ضمان خضوعها للقانون، والتي يتم فرضها من قبل عدد من المنظمات والهيئات المختصة والتي تتبنى معايير موحدة، بالاستعانة ببنية تحتية من الوسائل المادية والتقنية المساعدة.[12]

 هذا بجانب مفهوم ضبط الحدود Border Control والذي يعني کل أنشطة السلطات المخولة بالاتساق مع القانون المحلي والدولي والتي يتم القيام بها على الحدود الدولية والتي تشکل استجابة لأي محاولة لعبور الحدود أو فرض تهديد على مناطق جوارها المباشر. [13]لکن العديد من التطورات التي شهدها العالم على المستويات السياسية والأمنية والتقنية دفعت باتجاه توسيع نطاق مفهوم ضبط الحدود بحيث يتجاوز عملية عبور الحدود الدولية ليشمل تأسيس نظام متکامل يعتمد بالأساس على المعلومات ويشمل مراقبة التدفقات العابرة للحدود في کل مراحل تحرکها بين نقطتي الانطلاق والوصول.[14]

ثانياً: اتجاهات الأدبيات في دراسة أمن الحدود الأفريقية

يشهد مجال دراسات الحدود في القارة الأفريقية مفارقة واضحة. فعلى الرغم من القدم النسبي لبداية اهتمام العديد من الأدبيات الدولية بقضايا الحدود في القارة الأفريقية، إلا أن النسبة الغالبة من هذه الدراسات اعتمدت على المداخل المرتبطة بالقانون الدولي والتنظيم الدولي من دون الاشتباک المباشر مع سياسات إدارة الحدود وضبطها التي يتم تبنيها في القارة الأفريقية على المستوى الوطني والإقليمي، الأمر الذي انعکس بصورة واضحة في غياب الدراسات المتصلة بصورة مباشرة بقضايا "أمن الحدود" في القارة الأفريقية حتى بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. فالعديد من التطورات على أرض الواقع قادت الدراسات الأکاديمية لتطورات ضرورية منحت في النهاية الدراسات المتعلقة بأمن الحدود في أفريقيا مکانتها الطبيعية.

ويشکل کتاب إيان براونلي وإيان برنز الذي حمل اسم "الحدود الأفريقية: موسوعة قانونية ودبلوماسية" الصادر في عام 1979 مرجعية رئيسية للدراسات المهتمة بمجال الحدود في القارة الأفريقية حيث تبنى مقاربة شاملة اعتمدت على تتبع کل الحدود الدولية التي تربط أي دولتين أفريقيتين ورصد واقعها الجغرافي والأسانيد القانونية المنظمة لها وواقعها القائم من حيث عمليات الترسيم والتعيين وذلک في کتاب ضخم تجاوز الألف وثلاثمائة صفحة. [15]

وقد رکزت مجموعة من الأدبيات على العلاقة بين الحدود وأزمة الدولة الأفريقية، وکيف لعبت الحدود بطبيعتها المصطنعة المتصلة بالمصالح الاستعمارية دوراً سلبياً في فشل عمليات اکتمال أرکان الدولة الأفريقية، وهو ما ردته الأدبيات لمصادر يتعلق بعضها بطبيعة الحدود الأفريقية ذاتها بما تتسم به من مخالفة لمقتضيات بالواقع الجغرافي والسکاني، بينما يتعلق بعضها الآخر بعجز الحکومات الأفريقية المتعاقبة عن إدارة هذه الحدود بصورة فعالة. ومن بين أبرز الکتابات التي تناولت العلاقة بين الحدود والدولة الأفريقية کتاب جيفري هربست الذي صدر عام 2000 حاملاً اسم "الدولة والقوة في أفريقيا: دروس مقارنة في السلطة والسيطرة" الذي تناول فصله الخامس تفصيلاً مشکلات الحدود الأفريقية تحت مصطلح صکه باسم "التصميم الوطني" National Design. ويضاف لکتاب هربست الکتاب الذي حرره ريکاردو رينيه لاريمونت الصادر عام 2005 بعنوان "الحدود، القومية، والدولة الأفريقية".[16]

وبالتوازي مع موجة التحول الديموقراطي في القارة الأفريقية أبدت العديد من الدراسات ترکيزاً کبيراً على الربط بين أدوار الفاعلين الرسميين وغير الرسميين فيما يتعلق بالحدود الدولية الأفريقية على النحو الذي أدت فيه العديد من التفاعلات الاجتماعية وصعود الفاعلين من دون الدولة إلى فقدان الحدود الدولية مساحة کبيرها من دورها في الفصل بين نطاقات السيادة وتنظيم العبور من أحدها للآخر، لتصبح أکثر نفاذية عبر آليات متعددة أبرزها الهجرة والتحرکات السکانية. ويضاف هذا للضغط الذي تعرضت له الحدود الدولية من الخارج في صورة تطور متسارع على مسار الإقليمية بما ألزم الدولة الأفريقية تبني منطق أکثر مرونة فيما يتعلق بإدارة الحدود والأدوار المتوقعة منها. وفي هذا السياق شکل الکتاب الذي حرره بول نيوجنت وأنتوني أسيواجو مصدراً رئيسياً بعد أن صدر في عام 1996 حاملاً عنوان "الحدود الأفريقية: الحواجز، والقنوات، والفرص". [17]

ومن بين أکثر الأدبيات التي تبنت مقاربة التعامل مع الحدود الأفريقية کمنافذ عبور الکتاب الذي حرره کل من کريستينا أودلسمان رودريجيز وجوردي توماس الذي يحمل اسم "عبور الحدود الأفريقية: الهجرة والتنقل"، وهو الکتاب الصادر عن مرکز الدراسات الأفريقية بجامعة لشبونة عام 2012، والذي يرکز على التفاعلات السياسية والاجتماعية العابرة للحدود بين الجماعات الأفريقية التي قسمتها الحدود الدولية في عدد کبير من الحالات شملت إثيوبيا وموريتانيا والکاميرون وبوتسوانا، عبر دراسة قضايا متنوعة کالهجرة وانتقال العمالة وسياسات الهوية. [18]

لکن التحديات الأمنية المتعددة التي فرضها الواقع الأفريقي أعادت قضايا أمن الحدود لموقعها المرکزي الطبيعي من الدراسات ذات الصلة بالحدود الأفريقية. فقد ناقش کتاب فيليب فرود الذي حمل اسم "الأمن على الحدود: الممارسات العابرة للحدود والتقنيات في غرب أفريقيا" قضية مرکزية أبرزها عنوان الفصل الثالث "المعرفة الأمنية والتدخل السياسي" والتي تشير إلى الفجوة المتسعة بين التطور الفني والتکنولوجي المتسارع في مجال أمن الحدود وبين الاعتبارات السياسية التي عادة ما تتدخل مع عمليات تأمين الحدود لتؤثر عليها سلباً. وقد استعرض الکتاب بالکثير من التفصيل البنية التحتية لأمن الحدود في غرب أفريقيا فضلاً عن التطورات المهمة التي وفرتها الأطر الإقليمية الجماعية في عمليات تأمين وإدارة الحدود الدولية بين دول غرب أفريقيا.[19]

کما قدم الکتاب الذي حرره سيليستين باسي وأوشيتا أوشيتا بعنوان "الحوکمة وأمن الحدود في أفريقيا" عرض شامل لکافة نظم إدارة أمن الحدود المطبقة في أفريقيا من خلال ثلاثة عشر فصلاً غطت المستويات الوطنية والإقليمية لهذه النظم، فضلاً عن العمليات الفرعية المتخصصة کتنظيم عبور الأفراد، والتحکيم الدولي في نزاعات الحدود وأثره اللاحق على تنظيم أمن الحدود، وآليات ضبط تدفقات الأسلحة عبر الحدود الأفريقية. ويتمتع هذا الکتاب بميزة رئيسية کونه يشکل إسهاماً أفريقياً خالصاً في ظل اعتماده على کتابات لباحثين أفارقة ونشره في مدينة لاجوس النيجيرية.[20]

وقد ساهمت الدراسات المعنية بتتبع نشاط التنظيمات المتطرفة في أفريقيا في إبراز أهمية قضايا أمن الحدود من خلال کتاب "اضطرابات الحدود الأفريقية: مجابهة المنظمات المتطرفة العابرة للحدود" وهو الکتاب الذي تتبع أسباب ومظاهر وتداعيات تمکن التنظيمات المتطرفة من عبور الحدود الدولية الأفريقية بسهولة سواء في منطقة البحيرات العظمى أو الساحل الأفريقي. [21] کما يحمل کتاب "الحدود الأفريقية، الصراع، الاندماج القاري والإقليمي" قيمة مضافة کبيرة في ظل ترکيزه الکبير على دراسة ظاهرة انتقال العنف بصوره المتعددة عبر الحدود الأفريقية وهو الاتجاه الذي أصبح يشکل التحدي الأمني الرئيسي في القارة الأفريقية بحلول وقت صدور الکتاب عام 2019. حيث أصبح الإرهاب والصراعات الإثنية ونشاط المجموعات الإجرامية المسلحة أکثر قدرة على عبور الحدود الدولية في القارة الأفريقية وفي دوائر متعددة تمتد من القرن الأفريقي شرقاً وحتى خليج غينيا غرباً، ومن موزمبيق جنوباً وحتى ليبيا شمالاً. هذا التحدي دفع الکتاب لتخصيص فصله الأخير لمعالجة العلاقة بين مبادرة إسکات البنادق التي يتبناها الاتحاد الأفريقي وبين محاولة السيطرة على العنف العابر للحدود في أفريقيا. [22]

ثالثاً: مظاهر تهديد أمن الحدود في أفريقيا

تحظى قضية أمن الحدود في القارة الأفريقية بقدر کبير من الاهتمام العالمي، فعلى سبيل المثال أصدر منتدى ميونخ للأمن في منتصف عام 2019 تقريراً حمل اسم "الأمن العابر للحدود"، نالت فيه القارة الأفريقية قسطاً کبيراً من الترکيز، حيث اعتبرها التقرير من بين المناطق الأکثر "هشاشة" على مستوى العالم، وذلک بمعيار عجز الحدود الدولية عن تقديم الحد الأدنى من الوظائف الطبيعية لهذه الحدود، وفي مقدمتها الوظائف الأمنية ذات الصفة الحمائية. وقد أشارت النسبة الأکبر من مؤشرات التقرير إلى انتشار ظاهرة "الدوائر السائلة" في القارة الأفريقية والتي تضم أقاليم أکثر من دولة تعجز الحدود الفاصلة بينها عن القيام بأي أدوار فعالة، وهي الظاهرة الآخذة في الانتشار في السنوات الأخيرة بحيث أصبحت تترکز في منطقتي الساحل الأفريقي والقرن الأفريقي، بالإضافة إلى بعض المناطق في شمال القارة، وفي إقليم البحيرات العظمى في وسط القارة الأفريقية.[23] ويمکن تقييم واقع مهددات أمن الحدود في الدول الأفريقية في الوقت الراهن، وذلک على النحو التالي:

  1. انتشار ظاهرة الإرهاب العابر للحدود في أفريقيا

من بين المظاهر الکبيرة لتفشي مشکلات أمن الحدود في القارة الأفريقية ما تشهده القارة في العقود الأخيرة من انتشار غير مسبوق لنشاط التنظيمات الإرهابية في مختلف أقاليمها دون تمييز، وتشير هذه الظاهرة المستجدة أولاً إلى ما أصبحت تتمتع به التنظيمات الإرهابية في أفريقيا من سهولة نسبية في تقديم کافة صور الدعم المتبادل، وثانياً ما أصبح يميز الإرهاب في أفريقيا من انفتاحه على مصادر خارجية للدعم عبر شبکات الإرهاب الدولي، خاصة في ظل عجز حدود الدول الأفريقية عن صد هذه التدفقات أو حجزها. وقد ارتفعت أهمية تنظيمات الإرهاب في أفريقيا في السنوات الأخيرة نتيجة ما لحق بتنظيمات الإرهاب في الشرق الأوسط من هزائم متتالية الأمر الذي ساهم في تحول بؤرتي الساحل الأفريقي والقرن الأفريقي لدائرتين أساسيتين لنشاط التنظيمات الإرهابية الدولية والتي أصبح ارتباطها بفرعها في أفريقيا ارتباطاً عضوياً تجاوز مجرد التعاطف أو التلاقي الفکري الذي ميز هذه العلاقة في السابق.[24]

فعلى سبيل المثال، عکست اتجاهات حرکة تنظيم داعش منذ عام 2019 عن اهتمام متصاعد بالقارة الأفريقية، برز في الظهور الإعلامي الأخير لزعيمه السابق أبو بکر البغدادي قبل مقتله والذي کشف عن اهتمام خاص بما يعرف بتنظيم الدولة في غرب أفريقيا والذي حمل اسم بوکو حرام إلى أن بايعت البغدادي عام 2015، قبل أن يبايع خليفته أبو إبراهيم القرشي، الذي تلقى أيضاً مبايعة تنظيم الدولة في الصحراء الکبرى الناشط في مالي وبورکينا فاسو.[25]

وفي ظل تآکل القدرات الأمنية للحدود في القارة الأفريقية، ظهرت ثلاثة أنماط مستجدة ميزت الظاهرة الإرهابية في أفريقيا، أولها التغير المستجد في المسارات الجغرافية التي يتم نقل الدعم بالمال والسلاح عبرها من خارج القارة إلى ساحات نشاط الإرهاب في أفريقيا. فمع تعقد المشهد في ليبيا على إثر تقدم عمليات مکافحة الإرهاب من الشرق إلى الجنوب ثم الغرب، اتجهت التنظيمات الإرهابية لفتح مسار جديد جنوبي يمتد من سواحل القارة الشرقية ومنها إلى منطقة البحيرات العظمى والتي أصبحت موطناً لتنظيم جديد حمل اسم ولاية وسط أفريقيا يستغل ضعف سلطة الدولة في مناطق شمال شرق الکونغو الديموقراطية.[26]

أما النمط الثاني فيتعلق بإمکانية تبادل الدعم بين التنظيمات الإرهابية الناشطة في أفريقيا بقدر من السهولة استغلالاً لسيولة الحدود، ومن خلال تجاوز الخلافات الفکرية التي أوقعت هذه التنظيمات في فترات سابقة في مواجهات مسلحة نالت من قدراتها على النشاط بصورة فعالة. فعلى سبيل المثال أعلن أحد المتحدثين باسم تنظيم الدولة في الصحراء الکبرى بزعامة أبو وليد الصحراوي عن موقف إيجابي من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التي تضم عدداً من الجماعات المبايعة لتنظيم القاعدة، معتبرهم "أخوة"، ومشدداً على أهمية التعاون "ومواصلة الکفاح معاً".[27]

ويتعلق النمط الثالث باستقبال ساحات نشاط التنظيمات الإرهابية في أفريقيا أعداداً متزايدة من المقاتلين سواء القادمين من مناطق خارجية کالشرق الأوسط، أو المنتقلين بين الدول الأفريقية وبعضها البعض. لم يکن وصول هذه التدفقات من المقاتلين ممکناً من دون استغلال حالة العجز الکامل في بعض المناطق للحدود الدولية عن ضبط حرکة هؤلاء المقاتلين. ففي عام 2017 أعرب الاتحاد الأفريقي عن قلقه بشأن وصول أعداد کبيرة من المقاتلين في ساحات القتال في الشرق الأوسط للقارة الأفريقية، مقدراً عددهم بنحو 6000 من حاملي الجنسيات الأفريقية المختلفة قادمين من ساحة القتال السورية والذين أعيد نشرهم في عدد من الجبهات على امتداد الساحل الأفريقي. [28]

ويضاف إلى هؤلاء المقاتلين العائدين أعداد غير معلومة من المقاتلين غير الأفارقة مستفيدين من سيولة الحدود الأفريقية وعجزها عن ضبط تدفقات المهاجرين من القارة وإليها، خاصة مع التطور الکبير الذي أحرزته شبکات التهريب والتي استغلت القارة الأفريقية في السنوات الأخيرة في تهريب أعداد من المهاجرين غير الشرعيين من دول آسيوية کأفغانستان وباکستان وبنجلاديش وسوريا عبر السواحل الشرقية للقارة الأفريقية. [29]

کذلک، أضيف بعد جديد لمفهوم المقاتلين الأجانب في الساحل الأفريقي، من خلال تمکن التنظيمات الإرهابية عبر أدواتها الدعائية من استقدام المقاتلين من دول الجوار في غرب أفريقيا والتي لا تشهد نشاطاً يذکر للتنظيمات الإرهابية. فعلى سبيل المثال انضم عدد من المقاتلين من السنغال عام 2018 لکتيبة الفرقان إحدى فروع تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي أحد أهم التنظيمات الناشطة في الساحل الأفريقي. ومن شأن هذه الظاهرة حال تصاعدها أن تضمن إمداداً مستمراً بالمقاتلين للتنظيمات الإرهابية يعوض ما تفقده هذه التنظيمات من قوى بشرية خلال مواجهاتها الصعبة مع قوات مکافحة الإرهاب الدولية والمحلية.[30]

  1. التطور الکمي والنوعي في التدفقات غير المشروعة للأسلحة عبر الحدود

تحولت القارة الأفريقية في العقد الأخير إلى واحدة من أهم مناطق التجارة غير المشروعة للأسلحة في العالم وذلک بعد الارتفاع الهائل في الطلب على السلاح في أفريقيا نتيجة تعدد بؤر الصراع فيها وتکثيف التنظيمات الإرهابية لنشاطها في أکثر من إقليم من أقاليم القارة. فعلى سبيل المثال أصبحت دول الساحل من أهم أسواق تجارة الأسلحة غير الشرعية في العالم في ظل الصراعات الممتدة التي يشهدها الإقليم في مالي والنيجر وبورکينا فاسو ونيجيريا والکاميرون وتشاد، وکذلک في دول جواره الشمالي وخصوصاً في ليبيا وفي دول جواره الجنوبي في أفريقيا الوسطى ومن ورائها الکونغو الديموقراطية. وتشير بعض التقديرات إلى أن حجم سوق الأسلحة في الساحل الأفريقي قد تجاوز المليون قطعة سلاح.[31]

ومن بين مظاهر التطور الکبيرة التي شهدتها القارة الأفريقية عموماً وإقليم الساحل الأفريقي بصورة خاصة، التطور النوعي في الأسلحة التي تستخدمها التنظيمات الإرهابية والذي جاء ليعوض خسائر هذه التنظيمات خلال السنوات الماضية. ففي نهاية عام 2018 أعلنت السلطات النيجيرية عن اکتشاف استخدام تنظيم الدولة في غرب أفريقيا (بوکو حرام) الطائرات بدون طيار في القيام بمهام استطلاعية لمواقع قوات مکافحة الإرهاب النيجيرية. وقد تأکد هذا التطور خلال عام 2019 مع الکشف عن تقدم إضافي أحرزه التنظيم في نوع الطائرات المستخدمة وفي نمط تشغيلها، حيث بدأ التنظيم في استخدامها في مهام هجومية من خلال توجيه ضربات لقوات مکافحة الإرهاب وعدم الاکتفاء بتوظيفها في مهام المراقبة والاستطلاع. [32]

ويأتي استخدام التنظيمات الإرهابية في الساحل للطائرات بدون طيار مکملاً لتطورات متلاحقة في مستوى تسليح هذه الجماعات واکبت بداية نشاطها في الإقليم. فوفق تقارير اللجنة الوطنية لجمع الأسلحة غير المشروعة ومکافحتها في النيجر، فقد تمکنت اللجنة من جمع نحو 2000 قطعة سلاح في الفترة بين عامي 2011 و2014 تضمنت 9 صواريخ و 66 لغماً وقذائف آر بي جي ومدافع رشاشة من عيارات مختلفة، عبرت الحدود الشمالية للبلاد قادمة من ليبيا بغرض إعادة توزيعها على الجماعات الإرهابية في کل من مالي ونيجيريا. [33]

کذلک تم توثيق استخدام التنظيمات الإرهابية لعدد من الأسلحة النوعية في السنوات الأخيرة حصلت عليها عبر مسارات التهريب تضمنت مدافع هاون بلجيکية الصنع من عيار 60 مم، وأخرى فرنسية من عيار 81 مم، وصواريخ محمولة من طراز ستريلا 2 الروسية الصنع، بالإضافة إلى توثيق استخدام التنظيمات الإرهابية أسلحة خفيفة سودانية الصنع مصنعة حديثاً في سنوات 2011 و2013 و2014. [34]

وفي ظل استمرار اضطراب الأوضاع في الإقليم يظل من المتوقع استمرار تدفق شحنات الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة لصالح التنظيمات الإرهابية في الساحل الأفريقي والتي کشفت عنها العديد من العمليات، خاصة تلک التي حملت طابعاً هجومياً ضد تمرکزات قوات الجيش والشرطة المنخرطة في عمليات مکافحة الإرهاب.

  1. تهريب المهاجرين غير الشرعيين والإتجار بالبشر

في الوقت الذي ترکز فيه غالبية التقارير المعنية بمراقبة تدفقات الهجرة غير الشرعية على رصد عمليات عبور المهاجرين غير الشرعيين لسواحل البحر المتوسط الجنوبية إلى أوروبا، تغفل هذه التقارير حقيقة أن القارة الأفريقية تأتي في صدارة قارات العالم من حيث تدفقات المهاجرين العابرة للحدود داخل القارة، حيث لم تتجاوز نسبة المهاجرين غير الشرعيين في أفريقيا الذين تمکنوا من مغادرة القارة 20%، بينما انتقل 80% منهم عبر الحدود الدولية من دولة أفريقية لأخرى في حرکة غالباً ما تظل داخل حدود الإقليم الواحد Intra-regional.[35]

وتشهد القارة الأفريقية مسارات متنوعة لحرکة المهاجرين غير الشرعيين، يمتد أولها من أقصى شرق القارة إلى أقصى غربها، ويمتد الثاني رأسياً من جنوب القارة في اتجاه شمالها، بينما يمتد المسار الثالث من القرن الأفريقي إلى جنوب القارة وخصوصاً جمهورية جنوب أفريقيا، أما المسار الرابع فهو مسار خارجي يأتي بالمهاجرين غير الشرعيين من دول شرق وجنوب آسيا في اتجاه دول الساحل الشرقي لأفريقيا. وفي السنوات الأخيرة أصبح إقليم الساحل الأفريقي أحد "المسارات الإجبارية" لتهريب البشر من مختلف مناطق القارة الأفريقية ومن بعض دول جنوب وغرب آسيا نحو أوروبا.[36]

ومن بين الأسباب المفسرة للتدفقات المتزايدة من اللاجئين الأفارقة العابرين للحدود الدولية، خروج نسبة کبيرة من هؤلاء اللاجئين من مناطق الصراعات التي تفقد فيها الدولة السيطرة على مساحات کبيرة من إقليمها، وفي حالة الصراعات الممتدة يمکن أن تسقط مناطق حدودية متعددة عن أي سيطرة حکومية الأمر الذي ييسر من تحرک اللاجئين عبر هذه الحدود. ومما فاقم من مشکلة تدفقات اللاجئين عبر الحدود الدولية في أفريقيا الوضع السيء الذي تعاني منه ثلاثة من أکبر أربع دول أفريقية سکاناً، حيث تعد نيجيريا وإثيوبيا والکونغو الديموقراطية من أکثر دول القارة تصديراً للاجئين وهي الدول التي تتمتع بعدد سکان کبير.[37]

  1. تهريب الخامات والسلع عبر الحدود

أسفر ضعف الحدود الدولية الأفريقية عن فرض تحديات ملحة للأمن الاقتصادي لعدد کبير من دول القارة. حيث تنتشر في مناطق الصراعات في القارة الأفريقية ظاهرة التعدين غير النظامي على يد قطاعات واسعة من الأطراف المحلية التي تستغل غياب الدولة عن العديد من المناطق التي تتمتع بثروات معدنية کبيرة. وينتشر نشاط التنقيب غير النظامي عن الذهب بصورة خاصة والذي يشکل مورد رزق لملايين الأفارقة. وفي ظل الاحتياج الدائم لبيع الذهب والمعادن المستخرجة، تنشط شبکات التهريب عبر الحدود الأمر الذي يربطها بشبکات التهريب والجريمة المنظمة. هذه الکميات الکبيرة من المعادن لم تکن ليتم تهريبها من دون استغلال شبکات التهريب للضعف الشديد للحدود الأفريقية سواء الحدود البرية الفاصلة بين دول القارة وبعضها البعض، أو الحدود البحرية التي تفصل بين القارة الأفريقية وغيرها من قارات العالم.

ففي عام 2013 قدر حجم المعادن المهربة من الکونغو الديموقراطية وحدها بنحو 7 آلاف طن بلغت قيمتها نحو 30 مليون دولار. وفي عام 2016 قدرت خسائر القارة الأفريقية من تجارة الأسماک غير الشرعية بأکثر من 2.5 مليار دولار، بينما بلغت خسائر القارة من تهريب الأخشاب 13 مليار دولار. ويعد تهريب الخامات البترولية هو مصدر الخسارة الأکبر للقارة الأفريقية حيث تخسر القارة ما تفوق قيمته 100 مليار دولار سنوياً نتيجة تهريب مصادر الطاقة البترولية وحدها. [38]

کما يعد تهريب السلع والخامات والمعادن مصدراً لتمويل الإرهاب العابر للحدود، حيث تشير التقديرات إلى أن التعدين غير النظامي يشکل مصدراً لما تبلغ قيمته 17% من تمويل الجماعات المسلحة حول العالم، وهي النسبة التي ترتفع في السياق الأفريقي، خاصة مع تواتر الشواهد على نشاط التنظيمات الإرهابية في هذا المجال بصورة کبيرة، حيث يعد التنقيب عن الفحم وتهريبه أحد المصادر الرئيسية لتمويل حرکة شباب المجاهدين في الصومال، کما يعد التنقيب عن الذهب مصدراً رئيسياً لتمويل نشاط التنظيمات الإرهابية في الساحل الأفريقي. ولم يکن الإرهاب ليجد موطناً في شرق الکونغو الديموقراطي في إطار ما أعلن عنه من تأسيس "ولاية وسط أفريقيا" من دون استغلال خروج إقليم کيفو عن سيطرة الحکومة في کينشاسا بما سمح للتنظيمات الإرهابية بالاستفادة من نشاطها في التنقيب عن الذهب والماس والکولتان وتصديرها للخارج، وليوفر لهذه التنظيمات تدفقات کبيرة مستمرة من التمويل تساعد على تثبيت أقدامها في مواجهة عمليات مکافحة الإرهاب، وتسمح لها بالتخطيط للتمدد في مساحات جديدة.[39]

ولا يقتصر الأمر على التعدين غير النظامي وتهريب مستخرجاته عبر الحدود، حيث تنامت في السنوات الأخيرة تجارة الأسلحة الصغيرة والخفيفة في أفريقيا عبر الحدود الدولية، بحيث ناهز الحجم السنوي لهذه التجارة عالمياً المليار دولار تحمل القارة الأفريقية النصيب الأکبر منها في ظل تعدد دوائر الصراعات فيها، وبسبب استغلال الکثير من شبکات التهريب ضعف الحدود الأفريقية في تحويلها لنقاط مرور رئيسية لکميات هائلة من الأسلحة سواء لتلبية الطلب المتزايد عليها في ساحات القتال الأفريقية أو لتهريبها لخارج القارة.[40]

  1. اتساع نشاط شبکات الجريمة المنظمة العابر للحدود

تحولت العديد من مناطق القارة الأفريقية إلى ساحة لعب مفتوحة للعديد من التنظيمات الإجرامية التي حققت استفادة مزدوجة من تردي الأوضاع الأمنية والسياسية من ناحية، ومن التطور التقني الهائل من ناحية أخرى. ومن بين أقاليم القارة المختلفة يبرز الساحل الأفريقي کمرکز لانتشار شبکات الجريمة المنظمة والتي تعددت مظاهر نشاطها لتشمل غسيل الأموال، وتهريب البشر، والتجارة بالأعضاء البشرية، وتهريب السلع المختلفة المشروع منها وغير المشروع. وتلعب الجماعات الرعوية دوراً أساسياً في تهريب البضائع بين بلدان الساحل الأفريقي نظراً لحرکتها الطبيعية العابرة للحدود، وعادةً ما يتم مقايضة هذه السلع بالإبل أو الماشية. وتشمل قائمة السلع المهربة المواد الغذائية والحاصلات الزراعية والسجائر.[41]

کما تحول إقليم الساحل الأفريقي إلى حلقة وصل أساسية في أحد أهم طرق تهريب المخدرات حول العالم حيث يعد نقطة تجميع للمخدرات من دول أمريکا اللاتينية قبل أن يعاد تصديرها للسوق الرئيسية في أوروبا. إذ تصل المخدرات من أمريکا اللاتينية إلى دول خليج غينيا المطلة على الأطلنطي وخصوصاً عدد من الدول الصغيرة کغينيا بيساو وسيراليون وغانا، قبل أن تنقل إلى المطارات الداخلية لدول الساحل الأفريقي ومنها إلى أوروبا.[42]

ومن بين المشکلات الرئيسية التي نجمت عن اتساع نشاط شبکات الجريمة المنظمة في أفريقيا تحولها التدريجي إلى شريک رئيسي للتنظيمات الإرهابية، حيث تميز العديد من التحليلات بين جيلين من منظمات الجريمة، أولهما أقدم کان ينأى بنفسه عن أي شکل من أشکال التورط في علاقات بالتنظيمات الإرهابية، ويسعى لضمان استدامة نشاطه عبر الزمن من خلال بناء علاقات مصلحية قوية بالمجتمع المحيط تمنحه جذوراً قوية. وبين جيل ثان أحدث أقل التزاماً ببناء علاقات إيجابية بمجتمعه، ويسعى لتعظيم أرباحه الآنية بأي وسيلة، الأمر الذي يجعل من التنظيمات الإرهابية حليفاً مفضلاً بالنسبة له، وهو الجيل الأکثر انتشاراً في القارة الأفريقية في الوقت الراهن.[43]

رابعاً: أسباب تصاعد مشکلات أمن الحدود في أفريقيا

في ظل تعدد المؤشرات الدالة على ما تعانيه الحدود الأفريقية من ضعف وهشاشة في أدائها لأدوارها المختلفة وعلى رأسها الوظيفة الأمنية، يمکن إرجاع هذا الضعف لعدد من الأسباب المتنوعة، بعضها بنيوي، يتعلق بطبيعة الحدود الدولية في القارة الأفريقية منذ نشأتها، والآخر وظيفي يتعلق بالطريقة التي أدارت بها الدول الأفريقية قضية أمن الحدود منذ الاستقلال وحتى الوقت الراهن. وتشير مجموعتي الأسباب البنيوية والوظيفية إلى عدد من التناقضات الرئيسية والتي يتعين أن تنخرط الدول الأفريقية في محاولة تسويتها سريعاً من أجل تعزيز القدرات الأمنية للحدود الدولية.

  1. الميراث الاستعماري وطبيعة الحدود الأفريقية

تعد القارة الأفريقية أکبر قارات العالم من حيث طول الحدود السياسية بين دولها، وهو ما جاء نتيجة تفتيت أقاليم القارة بين عدد کبير من القوى الاستعمارية المتنافسة، قبل أن تتجه کل دولة مستعمرة لتقسيم مستعمراتها إلى وحدات صغيرة يسهل إدارتها، والتي شکلت فيما بعد الدول الأفريقية المستقلة. کذلک تشهد الدول الأفريقية ظاهرة تعدد دول الجوار بحيث ترتبط الکونغو الديموقراطية بتسع دول، وترتبط کل من زامبيا وتنزانيا بحدود مشترکة مع ثمان دول، وترتبط کل من مالي والنيجر بحدود مشترکة مع سبع دول، بينما ترتبط کل من موزمبيق وجنوب أفريقيا وبورکينا فاسو، والکاميرون وليبيا والجزائر بست دول.

وبالإضافة لهذه المؤشرات ذات الطبيعة الکمية، تظهر مؤشرات نوعية أخرى تعزز من ضعف الحدود الأفريقية وعجزها عن القيام بوظائفها المختلفة على نحو فعال، وفي مقدمتها غياب الاتساق حيث تنتشر ظاهرة الدول بداخل دول کحالة جامبيا في السنغال وکذلک ليسوتو وإسواتيني في جنوب أفريقيا، فضلاً عن الدول التي يعاني إقليمها من تشوه هندسي واضح مثل مالي والصومال. يضاف إلى ذلک انتشار الدول الحبيسة التي يتحول سعيها الدائم للوصول إلى المنافذ البحرية الدولية إلى مصدر للتوترات الحدودية.[44]

  1. ازدواجية نطاقات السيادة في القارة الأفريقية        

منذ أن أنشأت الدول الأوروبية الاستعمارية الحدود بين مستعمراتها الأفريقية والتي ورثتها دول القارة بعد الاستقلال، کان من الجلي تعارض هذه الحدود مع الواقع المتعلق بأنماط انتشار الجماعات الإثنية في القارة الأفريقية. ولما کانت الظاهرة السياسية قائمة في أفريقيا قبل وصول المستعمر الأوروبي، ظهرت مساحات کبيرة من الاختلاف بين الحدود الموضوعة للمستعمرات الأوروبية والتي ورثتها الدول المستقلة، وبين مساحات انتشار السلطة القبلية في العديد من الدول الأفريقية، وهو ما أنتج ازدواجية واضحة في مفهوم السيادة في الدول الأفريقية.

 وتتفاقم هذه المشکلة عندما تنتشر جماعة إثنية عبر أقاليم أکثر من دولة أفريقية بحيث يعتبر أفراد الجماعة حرکتهم عبر الحدود الدولية حرکة طبيعية داخل أرضهم وهي الحرکة التي يتسع نطاقها بشدة في حالة الجماعات التي تحترف الرعي على وجه الخصوص وتتنقل في مساحة کبيرة من الأرض تعبر خلالها الحدود الدولية بين دولتين أو أکثر. کذلک تعتبر الکثير من الجماعات الأفريقية أنها تتمتع بسيادة شبه مطلقة على "أرض الجماعة" بحيث ترى لنفسها الحق في احتکار أنشطة مثل التعدين وغيره من أشکال الاستغلال الاقتصادي للأرض من دون حق للدولة في تنظيم هذا الاستغلال أو المشارکة في الحصول على عوائده.  وقد دفعت التشابکات المتزايدة بين الظاهرة الإثنية والحدود الدولية لظهور نقطة التقاء بحثية تحمل اسم "أنثروبولوجيا الحدود" تجد في الحالات الأفريقية المختلفة مادة خصبة لتأکيد المقولات التي تربط بين ضعف قدرة الحدود الدولية على أداء وظائفها وبين الترکيب السکاني على جانبيها.[45]

وتجسد محصلة هذا الوضع المعقد في ظهور خرائط متعددة للحدود في أفريقيا، بعضها رسمي معترف به دولياً والآخر غير رسمي، وکلما تجلت مظاهر الضعف في النوع الأول زادت قوة النوع الثاني الأمر الذي أصبحت معه الصراعات الداخلية على "الحدود" و"نطاقات السيطرة" بين الجماعات المختلفة داخل الدولة الواحدة النوع الأکثر حدة وخطورة من الصراعات في القارة الأفريقية والذي تفوق خطورته الصراعات بين قوات رسمية لدولتين أفريقيتين على خلفية نزاع على الحدود الدولية، وهو النمط الذي تراجع بشدة في السنوات الأخيرة.[46]

  1. الآثار المختلطة للتقدم في مسيرة التکامل القاري والإقليمي الفرعي في أفريقيا

للقارة الأفريقية مسيرة ممتدة في مجال التکامل الإقليمي والقاري، فقبل أن تستکمل دول القارة استقلالها نشأت بواکير التنسيق الأفريقي بنشأة مجموعتي الدار البيضاء ومونروفيا، وفي السنوات الأولى من عقد الستينيات وبعد وقت قصير من نيل عدد کبير من دول القارة استقلالها تأسست منظمة الوحدة الأفريقية کتنظيم قاري يسعى لتحقيق أعلى مستويات الاندماج والتکامل بين دول القارة.

وعلى صعيد مواز ارتبطت جهود التکامل الاقتصادي على وجه التحديد بالتنظيمات الأفريقية الإقليمية الفرعية التي کانت عضويتها شرطاً أساسياً من شروط التقدم في مسيرة التکامل، فنشأت تنظيمات مثل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيکواس)، وجماعة تنمية الجنوب الأفريقي (سادک)، والسوق المشترکة لشرق وجنوب أفريقيا (کوميسا)، وغيرها. والملاحظ أنه على الرغم من الطبيعة الاقتصادية الغالبة على هذه المنظمات، سرعان ما قامت بتطوير أدوارها على أرض الواقع لتمدد في مساحة واسعة شملت الأدوار السياسية والأمنية.

وفي الوقت الذي لا يمکن فيه إغفال الدور الإيجابي للعديد من هذه التنظيمات في تعزيز العمل الأفريقي المشترک وبذل الجهود الفعالة في تسوية الأزمات المختلفة ذات الطبيعة الإقليمية والوطنية على السواء، يبقى من المهم الإشارة إلى أن التجربة العملية قد أکدت أن هذا التمدد في أدوار التنظيمات الأفريقية القارية والإقليمية الفرعية إنما جاء خصماً من سيادة الدولة الوطنية في أفريقيا. فالکثير من عمليات تطوير التکامل الأفريقي قامت على أساس تنازل دول القارة طوعاً عن عدد من مظاهر سيادتها على إقليمها لصالح الکيانات الجماعية. ومن بين أکثر المجالات تأثراً بهذا الاتجاه المتنامي أفريقياً الدور الحمائي للحدود سواء فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي أو الأمني، الأمر الذي أوجب انخراط هذه الکيانات متعددة الأطراف في تقديم معالجات فعالة لمشکلات أمن الحدود.[47]

  1. مشکلات تنظيم الحدود البرية المشترکة

عانت الحدود الأفريقية من مشکلات کبيرة شابت عملية تعيين الحدود Delimitation، ففي العديد من الحالات لا توجد حدد دولية معينة متفق عليها ومعترف بها من الدول المتجاورة، من بينها مساحة ممتدة من الحدود البرية بين مالاوي وزامبيا والحدود بين مالي وبورکينا فاسو، ويرجع هذا الأمر إلى السياسات الاستعمارية التي کانت تتعامل مع الحدود بين مستعمراتها المتصلة باعتبارها حدود إدارية يتکرر تغييرها وتعديلها من دون التوثيق الکافي وفق مقتضيات المصلحة الاقتصادية بالأساس. کما تتعدد في أفريقيا حالات الطعن في شرعية عملية التعيين، وتباين الأسانيد القانونية لکل طرف وتعددها الأمر الذي يتسبب في نشأة ادعاءات متعارضة. بجانب المشکلات المتعلقة بعملية تخطيط الحدود الأفريقية Demarcation، حيث تنتشر الحدود غير المخططة على أرض الواقع في القارة الأفريقية، وتلک التي تم تخطيطها بصورة معيبة.[48]

  1. العجز عن مواجهة مهددات أمن الحدود البحرية

إذا کانت الدول الأفريقية قد أثبتت قدرة محدودة على تأمين الحدود البرية بين بعضها البعض، فالملاحظ أن هذه القدرة تتضاءل بشدة فيما يتعلق بالحدود البحرية المطلة شمالاً على البحر المتوسط، وشرقاً على البحر الأحمر والمحيط الهندي، وغرباً على المحيط الأطلنطي. ففي ظل محدودية القدرات والخبرات، وتعدد مصادر التهديد، تحولت الکثير من السواحل الأفريقية إلى مراکز عالمية رئيسية لاستقبال التدفقات غير المشروعة على اختلافها لتداولها في القارة الأفريقية أو لإعادة إرسالها لمحطات عالمية أخرى.

ويقدم الساحلان الشرقي والغربي للقارة الأفريقية نموذجين واضحين على عجز الدول الأفريقية عن تأمين حدودها البحرية. فقبالة السواحل الصومالية المطلة على المحيط الهندي تکثفت حوادث القرصنة واختطاف السفن بصورة مطردة منذ مطلع الألفية الثالثة، الأمر الذي دفع مجلس الأمن الدولي لإصدار قراره رقم 1838 في أکتوبر من عام 2008 والذي تشکلت بموجبه عملية عسکرية دولية لحماية الممرات الملاحية في تلک المنطقة، وهي العملية التي يتم تجديد تفويضها بصورة دورية حتى عام 2020. [49] وعلى الساحل الغربي للقارة تشهد منطقة خليج غينيا تصاعداً کبيراً لحوادث الاعتداء على السفن الملاحية قبالة سواحل کل من غانا وتوجو وبنين ونيجيريا والکاميرون والجابون وذلک منذ بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. وتتميز حوادث الاعتداء على السفن في خليج غينيا بالترکيز على ناقلات النفط خاصة تلک القادمة من الموانئ النيجيرية، في ظل کون نيجيريا واحدة من الدول الأعضاء في منظمة أوبک والمنتج والمصدر الأول للمواد النفطية في القارة الأفريقية. [50]

هذا الضعف الکبير للدول الأفريقية في تأمين حدودها البحرية سمح بتعاظم دور الأطراف الخارجية في نقل التدفقات غير المشروعة للقارة الأفريقية، حيث تلعب هذه الأطراف أدواراً رئيسية في تهريب البشر والسلع والبضائع والأموال، وغيرها. إذ يتم تصدير نسبة کبيرة من مستخرجات التعدين غير المشروع إلى خارج القارة، کما يعد عبور البحر المتوسط نحو السواحل الأوروبية المصدر الأهم لدخل عصابات تهريب البشر في دول جنوب أوروبا، وهي الظاهرة التي اتسعت بسبب ضعف الحدود الأفريقية لتنخرط فيها أطراف أخرى من دول آسيوية اتخذوا من القارة الأفريقية معبراً للمهاجرين من دول الشرق الأوسط وجنوب آسيا نحو أوروبا. کما تحولت سواحل القارة الغربية لنقاط تجميع لشحنات المخدرات الواردة من أمريکا اللاتينية قبل إعادة تصديرها لأوروبا. هذه الحالة تکرس ضعف مناعة الدول الأفريقية أمام الاختراقات الخارجية، ففي ظل استمرار عجز هذه الدول عن تأمين حدودها بالقدر الکافي، ترتفع محاولات الأطراف الخارجية لاستغلال هذه الهشاشة في کافة أشکال الجريمة المنظمة والأخطار العابرة للحدود.[51]

خامساً: السياسات الأفريقية للاستجابة مشکلات أمن الحدود

 لا يعني تفاقم مشکلات أمن الحدود لدى الدول الأفريقية في السنوات الأخيرة تبني هذه الدول مواقف سلبية تجاه المشکلة أو عدم اضطلاعها بمحاولات جادة للحد من الآثار الضارة لهذا المهدد الأمني الکبير. حيث يمکن تقسيم الاستجابة الأفريقية لمشکلات أمن الحدود لعدد من المستويات أکثرها اتساعاً هو المستوى القاري الممثل في الاتحاد الأفريقي، بالإضافة للاستجابة التي قدمتها المنظمات الإقليمية الفرعية، فضلاً عن الاستجابات الفردية ذات الطابع الوطني التي أقرتها حکومات العديد من الدول الأفريقية.

  1.  المستوى القاري

مثلت الأطر التنظيمية القارية مجالاً ملائماً لمعالجة قضايا الحدود منذ وقت مبکر، فعلى سبيل المثال جاء إعلان قمة القاهرة لمنظمة الوحدة الأفريقية عام 1964 ليؤکد استقرار الحدود الموروثة عن الاستعمار ليستبق الکثير من صراعات الحدود بين الدول الأفريقية قبل أن تنشأ. واستمراراً لهذا النهج، أطلقت مفوضية الاتحاد الأفريقي برنامج الاتحاد الأفريقي بشأن الحدود عام 2007، وهو البرنامج الذي لعب دوراً مهماً في إقرار العديد من المبادئ الحاکمة المتوافق عليها بشأن إدارة الحدود في الدول الأفريقية وفق مؤشرات معيارية تلتزم بها کافة دول القارة، وهي المبادئ التي مثلت أساساً لاتفاقية الاتحاد الأفريقي بشأن التعاون الحدودي عام 2014 والمعروفة باتفاقية نيامي. وفي ظل هذا التقدم المطرد، سعى الاتحاد الأفريقي لإکساب انخراطه في قضايا أمن الحدود طابعاً أکثر عملية حين أطلق استراتيجية الاتحاد الأفريقي بشأن حوکمة الحدود، والتي تمثل استجابة متطورة للتحديات المتنامية لأمن الحدود في القارة الأفريقية.[52]

وفي يونيو من عام 2020 تم إصدار نسخة مطورة من مسودة استراتيجية الاتحاد الأفريقي للإدارة المتکاملة للحدود والتي تعد تطويراً مهماً للنسخة السابقة الصادرة عام 2017. تقوم استراتيجية الاتحاد الأفريقي للإدارة المتکاملة للحدود على تبني تعريف لوظيفة الحدود باعتبارها أداة لتعزيز السلم والاستقرار، باعتبارها مناطق لتيسير التکامل الإقليمي والتنمية المستدامة. ومن ثم، ترى الاستراتيجية ضرورة تأسيس نظام للحدود عبر القارة قادر على الجمع بين المصالح الوطنية والإقليمية والقارية، حيث تلعب الحدود دوراً مزدوجاً، باعتبارها نقاط اتصال وتقاطع وجسوراً واصلة من ناحية، وباعتبارها نقاط فصل ومراقبة وحماية من ناحية أخرى.[53] على هذا الأساس تقوم الاستراتيجية على خمس رکائز رئيسية يمثل کل منها هدفاً مستقلاً وهي:

-       تعزيز قدرات حوکمة الحدود

ويتحقق هذا الهدف من خلال عملية مستمرة لإکساب الأطراف المختلفة المعنية للمعارف والقدرات الضرورية من أجل تحسين الأداء التنظيمي، وتضم قائمة الأطراف المعنية المسؤولين عن إدارة قضايا الحدود على المستوى القاري والإقليمي، الممثلين الوطنيين من الوزارات والهيئات الوطنية والنواب ورؤساء البلديات ومسؤولي الرقابة والأمن فضلاً عن المجتمعات المحلية المتوطنة في المناطق الحدودية. وتستهدف استراتيجية الاتحاد الأفريقي إکساب کل هذه الأطراف المعارف والقدرات اللازمة في مجال تبادل المعلومات والاستخدام الفعال للموارد، وتحسين آليات حوکمة الحدود بمختلف أبعادها بما في ذلک تحسين البنية التحتية التکنولوجية (کوثائق السفر وأجهزة رصدها الکترونياً، وأنظمة التفتيش، وأنظمة جمع البيانات والاتصال). فضلاً عن تدريب کافة المسؤولين عن إدارة الحدود على التعامل مع القضايا المستجدة کالهجرة والاتجار بالبشر في إطار من الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان. وفي هذا المجال أسفر تعاون الاتحاد الأفريقي مع الوکالة الألمانية للتعاون الدولي Deutsche Gesellschaft für Internationale Zusammenarbeit (GIZ) عن ترسيم وتعيين أکثر من ستة آلاف کيلو متر من الحدود الدولية في أفريقيا وفق المعايير المتقدمة التي تضمنت النهوض بمستوى البنية التحتية والأطر المؤسسية لإدارة الحدود.[54]

-       الوقاية من النزاعات وحلها، ومجابهة التهديدات العابرة للحدود

ومن خلال تحقيق هذا الهدف يسعى الاتحاد الأفريقي للوقاية من النزاعات الحدودية بصورتيها، سواء تلک المتعلقة بالنزاعات بين الجيوش الوطنية على بعض المناطق المختلف عليها والتي تتنازع دولتان أو أکثر على فرض السيادة عليها، أو تلک المتعلقة بالنزاعات بين المجتمعات المحلية العابرة للحدود.  ولتحقيق هذا الهدف تعتمد الاستراتيجية الأفريقية على ترسيخ مبدأ سلامة الحدود، وتطوير آليات التسوية السلمية التفاوضية لکافة النزاعات الحدودية، مع الالتزام التام باستکمال کافة الإجراءات اللازمة لتحديد الحدود البرية والبحرية بين الدول الأفريقية وتعيينها، مع البناء التدريجي لنظام قاري لإدارة الحدود يتسم بالمرونة والصرامة في الوقت نفسه من أجل تعزيز التکامل والتعاون بين دول القارة من دون المساس بالأمن والاستقرار.

وفي الشأن ذاته تسعى الاستراتيجية الأفريقية للتصدي بقوة لکافة التهديدات العابرة للحدود والتي لا تحمل الطابع السياسي مثل الجريمة ومظاهر انعدام الأمن، وذلک بمواجهة نشاط الجريمة المنظمة، والجماعات المسلحة العنيفة العابرة للحدود عبر تعزيز بناء علاقات وثيقة بين المجتمعات المحلية وسلطات إنفاذ القانون، وهو ما يمثل آلية وقائية تمنع تحول المناطق الحدودية والطرفية من أقاليم الدول الأفريقية لمساحات يغيب عنها حضور الدولة بصورته المعهودة. [55]

-       تيسير الحرکية والهجرة والتجارة الحرة

تأسست منظمة الوحدة الأفريقية ومن بعدها کافة المنظمات الإقليمية الفرعية في أفريقيا لتحقيق هدف رئيسي وهو تعزيز التکامل العابر للحدود بين دول القارة وبعضها البعض. ومع التقدم المطرد في مسيرة التکامل الإقليمي، وجد برنامج الاتحاد الأفريقي للحدود أن المنطق الوطني لا يزال غالباً على المنطق الإقليمي مما انعکس بالسلب على دور الحدود کجسور وصل لتيسير انتقال الأشخاص والسلع والخدمات بين دول القارة. وإلى جانب غياب الالتزام السياسي للحکومات الأفريقية، تظهر عقبات أخرى يسعى الاتحاد الأفريقي للتغلب عليها في المستقبل القريب تتمثل في استمرار الحواجز الجمرکية والتنظيمية کعائق أساسي أمام التجارة البينية الأفريقية، کذلک ضعف البنية التحتية لإدارة الحدود، والتعقيد الشديد في الإجراءات، الأمر الذي أدى لارتفاع کبير في حجم التجارة الحدودية غير الرسمية مما أفقد الاقتصاد الرسمي للدول الأفريقية مصادر مهمة للدخل، کان يمکن أن يتحصل عليها حال تيسير الإجراءات.  وفي هذا الشأن تقترح الاستراتيجية الأفريقية سلسلة من الإجراءات جاءت للتکامل مع أحد أهم التحولات في السنوات الأخيرة وهو تأسيس منطقة التجارة الحرة الأفريقية والتي ستساهم في تبسيط المعاملات الإدارية، وتعزيز کافة أشکال التجارة العابرة للحدود، وهو ما سيتم بالتوازي مع التوسع في بناء روابط مصلحية تعزز من انخراط السکان في المناطق الحدودية في التجارة الشرعية. [56]

-       الإدارة التعاونية للحدود

من بين أهم المشکلات التي تعيق الإدارة الفعالة للحدود بما يجعلها من مصادر تهديد الأمن في أفريقيا ما يتعلق بغياب التعاون الکافي بين سلطات إدارة الحدود المشترکة، حيث تمثل الدولة بجهات متعددة في عملية إدارة الحدود کحرس الحدود وسلطات الهجرة والجمارک والهيئات الصحية والهيئات الخاصة بالرقابة على السلع، لکن في الغالب تشير التجربة الأفريقية إلى تفشي الممارسات الفاسدة والمعيبة على جانبي الحدود، الأمر الذي يترتب عليه الکثير من الخسائر المادية وانعدام الثقة في مؤسسات الدولة. ويسعى الاتحاد الأفريقي إلى إدخال العديد من التحسينات تقوم على الإدارة التعاونية للحدود، وذلک من خلال التعاون بين الوحدات والإدارات المتناظرة بين البلدين المشترکين في حدود دولية، وتوحيد الإجراءات المتحدة على جانبي الحدود، بالاستفادة من الأدوار التحفيزية التي قد تلعبها المنظمات ذات الولاية العابرة للحدود. [57]

-       تنمية المناطق الحدودية وتعزيز المشارکة المجتمعية

 يسعى الاتحاد الأفريقي لتحويل المناطق الحدودية لمناطق لتعزيز السلام والاستقرار والنمو والتکامل على المستويين الاجتماعي والاقتصادي بين الدول الأفريقية. ومن بين القضايا المهمة في هذا الشأن ما يتعلق بسياسات الأرض، بعدما تعرضت الأراضي الحدودية طويلاً لمشکلات ناجمة عن وضعها الجغرافي، بحيث تکون عرضة للإهمال والتجاهل في بعض الأحيان، ومنطقة لترکز الصراعات المسلحة في أحيان أخرى. ولتحقيق هذا الهدف بدأ الاتحاد الأفريقي في حث الدول الأفريقية على تعزيز المشارکة المجتمعية الکاملة للمجتمعات المقيمة على الحدود عبر إِشراکها کفاعل معترف به رسمياً يتحمل العديد من مسؤوليات حوکمة إدارة الحدود. وقد أولى الاتحاد الأفريقي اهتماماً خاصاً بالمجتمعات المقيمة على الجزر والمناطق الساحلية، حيث تضمنت الاستراتيجية الأفريقية البحرية المدمجة لعام 2050 اقتراحاً بإنشاء منطقة بحرية حصرية مدمجة للقارة الأفريقية، وذلک لتيسير التکامل بين المجتمعات الأفريقية الساحلية وبعضها البعض. [58]

  1. المستوى الإقليمي الفرعي

على الرغم من تعدد التجارب الإيجابية على المستوى الإقليمي الفرعي في القارة الأفريقية، تبرز تجربتي الهيئة الحکومية للتنمية (إيجاد)، ومجموعة التنمية لدول الجنوب الأفريقي (سادک) لتقدم استجابات سريعة ومباشرة لمعالجة تحديات أمن الحدود تمثلت في:

-       الهيئة الحکومية للتنمية (إيجاد)

تعد الهيئة الحکومية للتنمية (إيجاد) أحد أهم التجمعات الفرعية الأفريقية والتي تأسست في عام 1996 کتطوير للهيئة الحکومية الدولية للإنماء والتصحر التي نشأت قبل ذلک بعشرة أعوام. وتضم المنظمة کل من السودان وجنوب السودان وإثيوبيا وکينيا وأوغندا والصومال وجيبوتي وإريتريا. وقد أطلقت منظمة إيجاد مشروعاً حمل اسم "مهددات الأمن الإقليمي وشبکات الجريمة في منطقة دول إيجاد" وهو المشروع الذي ينطلق من اعتراف دول المنظمة بأن الحدود بين دولها تعاني من هشاشة واضحة أمام العديد من المهددات الأمنية الخطيرة التي ترتبط بصورة وثيقة بخلق بيئة مواتية لانتشار الصراعات في المنطقة. فقد شهدت العديد من الحالات التي عجزت فيها دول المنظمة عن الإدارة الفعالة للحدود الدولية نشوب أعمال عنف بين المجتمعات المحلية على جانبي الحدود.[59]

وکخطوة أولى لتعزيز قدرات دول المنظمة على مواجهة التحديات الأمنية المتعلقة بالحدود أطلقت المنطقة مشروعها لتعزيز القدرات الأمنية والإدارية للدول الأعضاء في مجال الحدود، وهو المشروع الذي بدأ عام 2014 بخطوة أولى تتعلق بإجراء تقييم شامل لکفاءة المعابر الحدودية الرسمية بين الدول الأعضاء، والذي کلف به برنامج القطاع الأمني التابع للمنظمة IGAD Security Sector Programme. وقد کشف هذا التقييم عن حقيقة أن غالبية النقاط الحدودية بين دول المنطقة تدار بشکل غير کفء الأمر الذي يجعل من الحدود الدولية عرضة لمخاطر أمنية عديدة تبدأ بالإرهاب وتنتهي بتهريب السلع الغذائية رخيصة الثمن، مروراً بتهريب البشر والمخدرات والأسلحة وانتشار الصراعات العنيفة. وقد بدأ المشروع في مرحلته الأولية في تقييم الحدود بين جيبوتي وإثيوبيا والصومال، على أن يمتد ليشمل کافة الحدود البينية الرابطة بين کل دول المنظمة في مراحل متقدمة.[60]

ومع تقدم جهود منظمة إيجاد في معالجة مشکلات أمن الحدود، بدأت المنظمة في توجيه الاهتمام للأبعاد الاجتماعية والاقتصادية المتسببة في ضعف قدرة دول المنظمة على التحکم في حدودها الدولية وإدارتها على نحو کفء. وقد شکل هذا التوجه نقطة بداية لترکيز برامج المنظمة على ما أطلقت عليه في وثائقها "المحور الرابط بين التجارة غير النظامية العابرة للحدود، وحوکمة الأمن العابر للحدود" وذلک بما يضمن للدول في شرق أفريقيا أن تعزز من مرور تدفقات الأفراد والبضائع عبر الحدود مع أخذ الأبعاد الأمنية في الاعتبار من خلال مقاربة تقوم على التوازن.[61]

-       مجموعة التنمية لدول الجنوب الأفريقي (سادک)

في عام 1992 أعلن عن تأسيس مجموعة التنمية لدول الجنوب الأفريقي کتطوير لمنظمة إقليمية فرعية سابقة هي مؤتمر التنسيق لتنمية الجنوب الأفريقي والتي تأسست عام 1980. وتضم سادک خمس عشرة دولة هي جنوب أفريقيا وليسوتو وإسواتيني وبوتسوانا وزيمبابوي وناميبيا وموزمبيق وأنجولا ومدغشقر وسيشل وموريشيوس ومالاوي وزامبيا والکونغو الديموقراطية وتنزانيا.

وفي أغسطس من عام 2011 أصدر تجمع سادک وثيقة إرشادية للإدارة المنسقة للحدود رکزت على الجانب العملي والأدوات التنفيذية.  وقد تبنت الوثيقة مبدأ الإدارة المنسقة للحدود Coordinated Border Management کقاعدة ارتکاز أساسية، خاصة فيما يتعلق بمواکبة تحول المنظمة من منطقة تجارة حرة إلى سوق مشترکة بما يقتضيه ذلک من إعادة النظر في مفهوم الحدود وظائفها. ويقوم مبدأ الإدارة المنسقة للحدود على التنسيق المستمر بين کافة الأطراف المتناظرة الضالعة في مختلف العمليات والمهام الأساسية لقيام الحدود بوظائفها على مستوى السياسات والاستراتيجيات، کأساس للعمل المشترک على أرض الواقع. وتستهدف دول تجمع سادک من تطبيق هذا المبدأ تحقيق عدد من الأهداف تتمثل في[62]:

-         تحسين عملية إدارة الحدود، وتعزيز الشفافية والمساءلة للوکالات والإدارات الضالعة في هذه المهام.

-         إزالة أي مظهر للتنافس أو تضارب الاختصاصات بين هيئات إدارة الحدود في دول التجمع.

-         تيسير التجارة والنقل والسياحة وتدفقات رؤوس الأموال العابرة للحدود.

-         تعزيز کفاءة إدارة الحدود.

-         المساهمة في تنفيذ خطة عمل التکامل الإقليمي اقتصادياً وأمنياً.

  1. مستوى الترتيبات الوطنية الخاصة بالدول الأفريقية

بجانب الترتيبات المرتبطة بالتنظيمات القارية والإقليمية، تظهر خطوات رئيسية اتخذتها الدول الأفريقية لتأمين حدودها، في ظل استمرار الدولة الوطنية في کونها الفاعل الرئيسي صاحب السيادة الأصلية على الساحتين العالمية والأفريقية، وتضمنت هذه الإجراءات:

-         تعديل أولويات الإنفاق على القطاع الأمني

يحتل الإنفاق على أمن الحدود مکانة أکثر تقدماً، ففي عام 2017 أعلنت حکومة بوتسوانا ترکيزها على قطاع أمن الحدود الأمر الذي انعکس في تطوير قطاع أمن الحدود بدرجة کبيرة سواء من خلال تأسيس العديد من مراکز المراقبة الشرطية على المناطق الحدودية الأکثر احتياجاً، أو من خلال تخصيص نحو 180 مليون دولار لتعزيز قدرات قطاع أمن الحدود بأعداد إضافية من المرکبات المسلحة والمرکبات المستخدمة في دوريات المراقبة. وفي عام 2018 أعلنت الحکومة الغانية عن اعتزامها تخصيص 164 مليون دولار إضافية تخصص لتطوير قدرات المراقبة لجهاز الشرطة بما يشمل استخدام الطائرات الهليکوبتر والطائرات بدون طيار فضلاً عن العديد من أجهزة وتقنيات المراقبة الحديثة التي أصبح استقدامها وتوظيفها في مجال أمن الحدود أولوية رئيسية للشرطة الغانية. کما خصصت زيمبابوي 600 ألف دولار لرفع قدرات البنية التحتية للمراکز الحدودية وبصورة خاصة مرکز بيتبريدج Beitbridge الحدودي الفاصل بين زيمبابوي وجنوب أفريقيا، وذلک في ظل تنامي الخسائر الاقتصادية من التهريب.[63]

-         وضع قطاع أمن الحدود على أولويات المطالب الأفريقية للدول المانحة

في ظل التحديات المتنامية المتعلقة بأمن الحدود، أصبحت الدول الأفريقية أکثر حرصاً على حشد المزيد من الموارد لمواجهة هذه التحديات، ومع ضعف القدرات المالية للعديد من دول القارة، أصبحت الدول الأفريقية أکثر حرصاً على إعلام الدول المانحة باحتياجاتها المتزايدة للدعم في هذا المجال على وجه التحديد. ففي سبتمبر من عام 2018، حصلت القوات المسلحة الکينية على ثمان طائرات هليکوبتر مخصصة لمراقبة الحدود من دولة الإمارات العربية المتحدة وذلک کي تعزز من قدراتها على مراقبة حدودها مع الصومال والتي تعد مساحة رئيسية لترکز نشاط حرکة شباب المجاهدين.[64]

-         تطوير البنية المؤسسية لمراقبة الحدود

من بين المشکلات التي تعاني منها الدول الأفريقية في مجال أمن الحدود ضعف البنية المؤسسية وتشتت المهام بين أکثر من جهة فضلا ًعن تفويض السلطات المحلية في العديد من دول القارة بمراقبة الحدود نظراً لوقوعها في أقاليم طرفية نائية. ويأتي مجال التطوير المؤسسي کأحد أهم مجالات استعادة سيطرة الدولة الأفريقية على مجال أمن الحدود، فعلى سبيل المثال قامت کينيا في أکتوبر من عام 2017 بإعادة هيکلة وحدة مراقبة الحدود الريفية ليتم تسميتها باسم جديد هو وحدة شرطة الحدود Border Police Unit، مع إطلاق برنامج لمضاعفة أعداد القوات التابعة لها من 3 آلاف عنصر إلى 6 آلاف عنصر. ومع إثبات الوحدة الجديدة نجاحاً ملموساً قامت الولايات المتحدة الأمريکية بتخصيص منحة بقيمة 131 مليون شلن کيني لإمداد الوحدة بمرکبات ومعدات تدريبية [65]

کما قامت جنوب أفريقيا بإعادة هيکلة قطاع أمن الحدود باستحداث سلطة إدارة الحدود Border Management Authority (BMA) وذلک کي يتم إخضاع کافة المراکز والمعابر الحدودية البالغ عددها 72 مرکزاً لسلطة واحدة تغطي المنافذ الحدودية البرية والبحرية والجوية. ولتدعيم قدرات البلاد على المراقبة المباشرة لحدودها، فتحت جنوب أفريقيا الباب أمام مشارکة القطاع الخاص، حيث تعاقدت الحکومة مع عدد من شرکات الأمن -ينتمي غالبية أفرادها لضباط الاحتياط والضباط السابقين- لتتولى تسيير دوريات استطلاع ومراقبة على امتداد الحدود البرية للبلاد.[66]

-         تعزيز قدرات المقرات الحدودية ونقاط المراقبة

عانت الدول الأفريقية من غياب الاستعدادات اللوجستية الأساسية عن مقار عمل ملائمة، ومراکز للقيادة والسيطرة على عمليات مراقبة الحدود، فضلاً عن المرکبات والأسلحة اللازمة لفرض الأمن في المناطق الحدودية. ومنذ تنامي التهديدات الإرهابية في الساحل الأفريقي، شرعت العديد من دول الإقليم في تطوير استعداداتها في المعابر الحدودية، من بين ذلک ما قامت به تشاد في مايو من عام 2018 من تأسيس مقر جديد للقيادة والسيطرة في العاصمة نجامينا، وما سبق وأن قامت به موريتانيا في نوفمبر من عام 2017 من الاتفاق مع شرکة ووتشانج Wuchang الصينية لبناء السفن للشروع في بناء قطعة بحرية راسية تختص بمراقبة سواحلها الممتدة المطلة على المحيط الأطلنطي.[67] وفي عام 2016 أعلنت الجزائر عن شروعها في تأسيس حائط حدودي "ذکي" على الحدود بينها وبين المغرب حيث يوظف بکثافة تقنيات المراقبة والتصوير عبر کاميرات متقدمة ونظم حديثة للرادار. کما أعلنت الجزائر عن تأسيس 10 نقاط مراقبة حدودية جديدة تمتد بطول حدودها مع المغرب وذلک بغرض مکافحة عمليات التهريب المنتظمة التي تقوم بها شبکات متخصصة في عبور المناطق الصحراوية بعيداً عن نقاط المراقبة المعتادة المقامة على الطرق المعبدة.[68]

-         إمداد قوات تأمين الحدود بأسلحة وتقنيات متطورة

امتدت جهود الدول الأفريقية لتشمل مجال تسليح وتجهيز قوات أمن الحدود بأسلحة ووسائل أکثر تقدماً من الناحية التقنية. ففي ظل الاعتماد الکبير لقوات تأمين الحدود على النيجيرية على الأسلحة الخفيفة، وقعت نيجيريا في مارس من عام 2018 اتفاقاً لإنشاء خط إنتاج محلي لعدد من البنادق الآلية من طرازاي Beryl M762  و AK-74 فضلاً عن إنتاج سيارات دفع رباعي مقاومة للألغام بداية من سبتمبر من العام نفسه، والتي تعد الأکثر استخداماً على الحدود الشمالية والشرقية للبلاد حيث تنشط جماعة بوکو حرام الإرهابية على المناطق المحاذية للحدود مع الکاميرون.[69] وفي بوتسوانا اتجهت الحکومة لتدعيم إدارة الاستخبارات والأمن وکذلک قوات الشرطة العاملة في مجال أمن الحدود بالعديد من الوسائل المساعدة تضمنت معدات اتصال ومراقبة ومرکبات ومعدات الکترونية مهمة في مجال ضبط الجريمة العابرة للحدود، فضلاً عن تأسيس دائرة تلفزيونية مغلقة تربط کاميرات مراقبة الحدود بنظام مرکزي، الأمر الذي تجسد في إعلان الحکومة عن منح ملف أمن الحدود أولوية واضحة في ميزانية الدولة منذ عام 2018.[70]

-         الترتيبات الثنائية والثلاثية للإدارة المشترکة للحدود

تنتشر بين الدول الأفريقية ظاهرة الدوريات المشترکة لحماية الحدود بما يضمن تکامل جهود الدول ذات الحدود المشترکة ويعزز من قدرتها على التصدي لمهددات أمن الحدود، فعلى سبيل المثال شهد شهر يونيو من عام 2018 توقيع تشاد والسودان اتفاقاً ثنائياً يقضي بالتعاون المشترک في مجال أمن الحدود. وقد تمتد هذه الاتفاقيات لتضم أکثر من دولتين، وقد تتسع لتتجاوز المجال الأمني، فعلى سبيل المثال وقعت کل من زامبيا ومالاوي وموزمبيق في عام 2003 مذکرة تفاهم تقضي بتحويل المنطقة التي تشهد التقاء حدود الدول الثلاث إلى "مثلث للنمو" للاستفادة من اشتراک الدول الثلاث في نهر زمبيزي.[71]

خلاصات ونتائج

من خلال استعراض المهددات المتعددة لأمن الحدود في القارة الأفريقية، والبحث في مسببات ظهورها، ورصد سياسات الاستجابة على المستويات المختلفة، يمکن الخروج بعدد من الخلاصات الرئيسية تتمثل في:

  1. تنتمي النسبة الغالبة من مهددات أمن الحدود في أفريقيا إلى مهددات الأمن غير التقليدية، وذلک بعد التراجع الحاد في الصراعات الدولية على الحدود والتي باتت محصورة في عدد محدود من النزاعات والتي عادة ما لا يتم اللجوء للمواجهات المباشرة بين الجيوش الوطنية لتسويتها في ظل تعدد البدائل السياسية والقانونية المتاحة بما في ذلک التعاون المشترک. ويأتي هذا الوضع المستجد بعد أن شهدت القارة الأفريقية في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين العديد من الصراعات الحدودية کالصراع بين الصومال وإثيوبيا، وبين ليبيا وتشاد، وبين السنغال وموريتانيا. لکن هذا التحول لا يعکس أي تراجع في حدة مهددات أمن الحدود بعدما أثبتته المهددات غير التقليدية من قدرة على تکبيد الدول الأفريقية خسائر کبرى.
  2. يعکس واقع مهددات أمن الحدود في الدول الأفريقية اتساقاً واضحاً مع مقولات المدرسة البنائية في هذا المجال. حيث ترتبط المهددات القائمة ارتباطاً وثيقا ًبمسببات يغلب عليها الطابع الاجتماعي، فضلاً عن تفاقم حدتها بمنطق التراکم عبر عملية تاريخية ممتدة يمکن رصد أصولها المبکرة خلال الحقبة الاستعمارية قبل أن تتسبب سياسات الحکومات المتعاقبة على الدول الأفريقية في إکسابها المزيد من العمق والتجذر. وعلى جانب آخر، تعتمد سياسات الاستجابة الأفريقية لمهددات أمن الحدود على ترتيبات الأمن الجماعي خاصة في المستويين الإقليمي والقاري.
  3. على الرغم من الاعتماد الأفريقي المتزايد على ترتيبات الأمن الجماعي في مواجهة مهددات أمن الحدود، لا يزال هناک حضور بارز للمقاربات التقليدية القائمة على السياسات الحمائية الانکفائية خاصة لدى بعض الدول الأفريقية الواقعة في أقاليم مضطربة أو التي تشهد علاقات متوترة بدول جوارها. حيث لا تزال ممارسات من قبيل غلق الحدود ومنع مرور الأفراد والبضائع قائمة في حالات أفريقية متعددة، وهي الممارسات التي وجدت مبرراً إضافياً منذ بداية انتشار فيروس کورونا في القارة الأفريقية والذي تم استغلاله کذريعة لتقييد المرور عبر الحدود في حالات متعددة.
  4. لا يزال هناک المزيد من الجهد المطلوب بذله من جانب الأطراف المختلفة المعنية بأمن الحدود في أفريقيا، على أن يتم توجيهه في مسارات ثلاثة، أولها تحقيق قدر أعلى من التنسيق بين سياسات تأمين الحدود سواء بين المستويات المختلفة (الوطني والإقليمي والقاري) أو بين الفاعلين في کل مستوى. ويتمثل المسار الثاني في توسيع نطاق سياسات مواجهة مهددات أمن الحدود بحيث تصبح أکثر قدرة على معالجة المسببات الجذرية لهذه المهددات بتعزيز الاشتباک مع العوامل ذات الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. أما المسار الأخير فيتصل بالارتقاء بمرونة سياسات تأمين الحدود في أفريقيا والذي يسمح لها بأن تکون أکثر سرعة في الاستجابة للتطورات المتلاحقة في مهددات أمن الحدود.

وختاماً، تظل قضية أمن الحدود في أفريقيا قضية محورية من بين قضايا الأمن والسلام على مستوى القارة ککل. ويخلق هذا الواقع حاجة ملحة لتطور متوازٍ على المستويين الواقعي والأکاديمي من أجل التصدي لمختلف المهددات القائمة والمستقبلية بما يمکن أن تفرضه من تحديات وجودية للدولة الأفريقية.



[1] Catherine Dorgnach, Border Management in Africa (Vienna: International Center for Migration Policy Development, 2013), P.7.

[2] Dr. Wafula Okumu, "The Purpose and Functions of International Boundaries: With Specific Reference to Africa", in African Union Border Programme (AUBP), Delimitation and Demarcation of Boundaries in Africa General Issues and Case Studies (Addis Ababa: Commission of the African Union, Department of Peace and Security, 2013), P. 11.

[3] د. خالد المصري، "النظرية البنائية في العلاقات الدولية"، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية (دمشق: جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد 30، العدد 2، 2014)، ص. ص. 317-318.

[4] David Mutimer, “Critical Security Studies”, in Myriam Dunn Cavelty, and Victor Mauer (eds.), The Routledge Handbook of Security Studies (Abingdon: Routledge, 2010), Pp. 47-53.

[5] Barry Buzan, “Regional Security Complex Theory in the Post-Cold War World”, in F. Söderbaum et al. (eds.), Theories of New Regionalism (London: Palgrave Macmillan, 2003), Pp. 141-142.

[6] Johannes Gaechter, “Border Security at the Top of African Agendas: Why has border security become so important in African states and whose interests does it serve?” SAIS Journal of Global Affairs (Baltimore: Johns Hopkins University School of Advanced International Studies, Vol. 22, Issue 1, 2019), Pp. 3-5.

[7] Eric L. Olson & Christopher Wilson, Defining Border Security, Wilson Center, February 13, 2013.

https://bit.ly/3pzVkm2

[8] Border Security, U.S. Department of Homeland Security.

https://bit.ly/34XoNN1

[9] Victor M. Manjarrez, Jr., “Border Security: Defining it is the Real Challenge”, Journal of Homeland Security and Emergency Management (Berlin: De Gruyter, Vol. 12, No. 4, January 2015), Pp. 4-5.

[10] Christopher L. Levy, Border Security: A Journey Without A Destination, M.A. Thesis (Monterey: Naval Postgraduate School, December 2013), P. 9.

[11]  Organization for Security and Co-operation in Europe (OSCE), Border Security and Management Concept: Framework for Co-operation by the OSCE Participating States, Ministerial Council, Ljubljana, 6 December 2005, P.2.

https://bit.ly/3w4CJAH

-East Africa Community (EAC), Border Management.

https://bit.ly/3x2FeUo

[12] Michel Zarnowiecki, “Borders, their design, and their operation”, in Gerard McLinden, Enrique Fanta, David Widdowson, Tom Doyle (eds.), Border Management Modernization (Washington D.C.: The World Bank, 2011), P. 37.

[13] European Commission, Practical Handbook for Border Guards (Brussels: European Commission, October, 2019). P. 8.

[14] Berry Tholen, “The changing border: developments and risks in border control management of Western countries”, International Review of Administrative Sciences (London: SAGE Publications, Vol. 76, No. 2, 2010), P. 260.

[15] Ian Brownlie, and Ian R. Burns, African Boundaries: A Legal and Diplomatic Encyclopedia (Berkeley: University of California Press, 1979).

[16] Jeffrey Herbst, State and Power in Africa: comparative Lessons in Authority and Control (Princeton: Princeton University Press, 2000).

-Ricardo René Larémont (ed.), Borders, Nationalism, and the African State (Boulder: Lynne Rienner Publishers, 2005).

[17] Paul Nugent, and Anthony Asiwaju (eds.), African Boundaries: Barriers, Conduits and Opportunities (London: Pinter, 1996).

[18] Cristina Udelsmann Rodrigues, and Jordi Tomàs (eds.), Crossing African Borders: Migration and Mobility (Lisbon: Center of African Studies, University Institute of Lisbon, 2012).

[19] Philippe M. Frowd, Security at the Borders: Transnational Practices and Technologies in West Africa (Cambridge: Cambridge University Press, 2018).

[20] Celestine Bassey, and Oshita O. Oshita, Governance and Border Security in Africa (Lagos: Malthouse Press Limited, 2010).

[21] Olivier J. Walther, William F.S. Miles (eds.), African Border Disorders: Addressing Transnational Extremist Organizations (Abingdon: Routledge, 2017).

[22] Inocent Moyo, and christiopher Changwe Nshimbi (eds.), African Borders, Conflict, Regional and Continental Integration (Abingdon: Routledge, 2019).

[23] Munich Security Conference, Transnational Security Report: Cooperating Across Borders: Tackling Illicit Flows (Munich: Munich Security conference, 2019).

[24] Denys Reva, How will ISIS setbacks impact Africa? Existing vulnerabilities could provide favourable conditions for ISIS to establish itself on the continent (Johannesburg: Institute for Security Studies ISS, 2017).

https://issafrica.org/amp/iss-today/how-will-isis-setbacks-impact-africa

[25] خوسيه لويس مانسيا، تأثير "مصطفى ست مريم" على القائد الجديد لداعش، العين الإخبارية، 21 نوفمبر 2019.

https://bit.ly/2sYqb2g

[26] Daniel Fahey, ADF Rebels in the DRC: Why are Locals Protesting Against the UN, Again?, Africa Arguments, 11 December 2019

https://bit.ly/361v9dq

[27] الجماعات الجهادية تتعاون في مواجهة قوة مجموعة الساحل، سويس إنفو، 14 يناير 2018

https://bit.ly/35Pjheh

[28] Adja Khadidiatou Faye, West Africa Must Confront its Foreign Terrorist Fighters (Pretoria: Institute for Security Studies, August 2019),

https://bit.ly/34PwzpO

[29] International Organization for Migration (IOM), Displacement Tracking Matrix: Libya's Migrant Report (Grand-Saconnex: International Organization for Migration, Round 26, June-July 2019), Pp. 8, 10, 18,19.

[30] Adja Khadidiatou Faye, Op. cit.

[31] André Desmarais, Monitoring Illicit Arms Flows: National Forensic Institutions in the Sahel", Security Assessment in North Africa Briefing Paper (Geneva: Small Arms Survey, June 2018), Pp. 5-6.

[32] Dionne Searcey, Boko Haram Is Back. With Better Drones, New York Times, 13 September 2019.

https://nyti.ms/3gghCF8

[33] سافانا دي تسييرس، قياس تدفقات الأسلحة غير المشروعة: النيجر (جنيف: مسح الأسلحة الصغيرة، ديسمبر 2017)، ص 8.

[34] Conflict Armament Research, Investigating Cross-Border Weapon Transfers in Sahel, November (London:  Conflict Armament Research Ltd., 2016), P. 10.

[35] African Migration Trends to Watch in 2021, Africa Center for Strategic Studies, December 2020.

https://bit.ly/2SibXGv

[36] Clara Alberola, Zachary Strain and Rufus Horne, West and Central Africaand East and Horn of Africa (Maastricht: Maastricht Graduate School of Governance, 2018).

[37]  Béla Hovy, Frank Laczko, Rene N’Guettia Kouass " African migration: An overview of key trends", in Aderanti Adepoju, Corrado Fumagalli, Nanjala Nyabola (eds.), Africa Migration Report: Challenging the Narrative (Grand-Saconnex: International Organization for Migration, 2020). Pp. 16-17.

[38] Sheila Khama, Illicit trade in natural resources in Africa (Abidjan: African Development Bank, the African Natural Resources Center, 2016), Pp. 5-7.

[39] Sebastian Gatimu, Is the illegal trade in Congolese minerals financing terror? (Pretoria: Institute for Security Studies, 2014).

https://bit.ly/2T9aORE

[40] United Nations, Security Council: Spread of 1 Billion Small Arms, Light Weapons Remains Major Threat Worldwide, High Representative for Disarmament Affairs Tells Security Council, 8713th Meeting February 5, 2020.

https://bit.ly/3z8DHxZ

[41] Mark Shaw and Tuesday Reitano, The Political Economy of Trafficking and Trade in the Sahara: Instability and Opportunities (Washington D.C.: World Bank, Sahara Knowledge Exchange, December, 2014), Pp. 9-12.

[42] Serigne Bamba Gaye, Connections between Jihadist groups and smuggling and illegal trafficking rings in the Sahel (Dakar: Centre of Competence Sub-Saharan Africa, 2018), Pp. 10-14.

[43] Erik Alda and Joseph L. Sala, "Links Between Terrorism, Organized Crime and Crime: The Case of the Sahel Region" Stability:International Journal of Security & Development (Bradford: Peace Studies and International Development, University of Bradford, UK, Vol. 3, No. 1, 2014), Pp. 2-7.

[44] رصد عالم السياسة جيفري هربست بدقة تأثير حجم وشکل أقاليم الدول الأفريقية على استقرارها ونزوعها للصراعات الداخلية والخارجية، للمزيد انظر:

- Jeffrey Herbst, Op. Cit., Pp. 139-173.

[45]  Thomas M. Wilson and Hastings Donnan, "Nation, state and identity at international borders", in Thomas M. Wilson and Hastings Donnan (eds.), Border identities Nation and state at international frontiers (Cambridge: Cambridge University Press, 1998), Pp. 3-7.

[46] Francis Nguendi Ikome, "Africa’s international borders as potential sources of conflict and future threats to peace and security", ISS Papers (Pretoria: Institute for Security Studies, No. 233, 2012), Pp. 3-6.

[47] El-Affendi, "The Perils of Regionalism: Regional Integration as a Source of Instability in the Horn of Africa?", Journal of Intervention and State-building (Abingdon: Routledge, Vol 3, No.1, March, 2009), Pp. 15-16.

[48] محمد عاشور مهدي، الحدود السياسية وواقع الدولة في أفريقيا (القاهرة: مرکز دراسات المستقبل الأفريقي، 1996)، ص. ص. 86 -103.

[49] Santiago Iglesias Baniela, and Juan Vinagre Ríos, "Piracy in Somalia: A Challenge to The International Community", The Journal of Navigation (London: The Royal Institute of Navigation, Issue 65, 2012), Pp. 694-696.

[50] Devotha Edward Mandanda, Guo Ping, "Differences and Similarities between Gulf of Guinea and Somalia Maritime Piracy: Lessons Gulf of Guinea Coastal States Should Learn from Somali Piracy", Journal of Law, Policy and Globalization (International Institute for Science, Technology and Education (IISTE)Vol.65, 2016), Pp. 41-45.

[51] Dirk Siebels, "Pirates, smugglers and corrupt officials – maritime security in East and West Africa", International Journal of Maritime Crime & Security (Harrow: Centre for Business & Economic Research (CBER), Volume 1 Issue 1 February 2020), Pp. 37-41.

[52] Laurent Touchard, "Of Walls and Men: Securing African Borders in the 21th Century", IFRI Focus stratégique (Paris: Institut français des relations international (IFRI), No. 85, November 2018), Pp. 9-12.

[53] مفوضية الاتحاد الأفريقي، مسودة استراتيجية الاتحاد الأفريقي للإدارة المتکاملة للحدود (أديس أبابا: مفوضية الاتحاد الأفريقي، إدارة السلام والأمن التابعة للاتحاد الأفريقي، يونيو 2020)، ص. ص. 4-7.

[54] Esayas Abebe, Deutsche Gesellschaft für Internationale Zusammenarbeit (GIZ), Border Governance: Support to the African Union Border Programme.

https://bit.ly/3g3jvGo

[55] مفوضية الاتحاد الأفريقي، مرجع سابق، ص. ص. 24-29

[56] Philomena Apiko, Sean Woolfrey and Bruce Byiers, The promise of the African Continental Free Trade Area (Maastricht: Political Economy Dynamics of Regional Organisations in Africa, European Centre for Development Policy Management, Discussion Paper No. 287, December 2020), Pp. 9-12.

[57] مفوضية الاتحاد الأفريقي، مرجع سابق، ص. ص.  38-43

[58] المرجع السابق، ص. ص. 44-47

[59] Intergovernmental Authority on Development (IGAD), Mapping Cross-Border Security Threats and Criminal Networks in the IGAD Region, (Djibouti: IGAD, 2018), Pp. 1-4.

[60] Intergovernmental Authority on Development (IGAD), Comprehensive Assessment Study on Vulnerabilities and Threats of Transnational Organized Crime in the IGAD Region, (Djibouti: Intergovernmental Authority on Development, 2014).

[61] Intergovernmental Authority on Development (IGAD), Policy Framework on the nexus between Informal Cross-Border Trade & Cross-Border Security Governance Enhancing Cross-Border Cooperation and Cross-Border Economic Exchanges in the IGAD Region (Djibouti: IGAD, 2018) Pp. 28-31.

[62] South African Development Community (SADC), Draft Guideline on The Coordinated Border Management (Gaborone: SADC, August, 2011), Pp. 15-19.

[63] Mashudu Netsianda, Govt acquires drones for border surveillance, Chronicle, September 4, 2020.

https://bit.ly/355jAmh

[64] Kenya confirms UAE Fennec delivery, Defence Web, September 17, 2018

https://bit.ly/3pxl5mN

[65] U.S. Embassy Nairobi Press Office, United States Donates Ksh 173 Million Mobile Field Hospital and Ksh 131 Million in Vehicles and Training Equipment to Border Police Unit, December 8, 2020.

https://bit.ly/3ghbHj4

[66] Ottilia Anna Maunganidze And Aimée-Noël Mbiyozo, South Africa’s Border Management Authority dream could be a nightmare (Johannesburg: Institute for Security Studies ISS, August 2020).

https://bit.ly/3pyB0RH

[67] China begins construction of Mauritanian landing ship, Defence Web, November 17, 2017.

https://bit.ly/3z9Ckz4

[68] الجزائر تبني جداراً عازلاً على الحدود مع المغرب لـ"محاربة التهريب"، CNN بالعربية، 18 أغسطس، 2016

https://cnn.it/3z9FbYB

[69] Nigeria’s DICON to manufacture Beryl M762 assault rifles, Military Africa, March 29, 2018

https://bit.ly/3g1H16z

[70] Botswana to prioritise defence and security spending in 2018/2019 budget, Defece Web, October 3, 2017.

https://bit.ly/3gnzttU

[71] Nikki Slocum-Bradley, "The Zambia-Malawi-Mozambique Growth Triangle (ZMM-GT): Discursive Region-building in Africa and Consequences for Development", in Fredrik Söderbaum and Ian Taylor (eds.), Afro-Regions:  The Dynamics of Cross-Border Micro-Regionalism in Africa (Uppsala: Nordiska Afrikainstitutet, 2008), Pp. 92-94.