نوع المستند : مقالات سیاسیة واقتصادیة
المؤلف
قسم العلوم السياسية کلية التجارة جامعة أسيوط
المستخلص
الكلمات الرئيسية
الموضوعات الرئيسية
مقدمة
خلال عقد کامل مر على الدولة المصرية عقب أحداث 25 يناير 2011، واجهت الدولة العديد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، کما شهدت العديد من التغيرات والتحولات وذلک بعد عقود من السکون. ومع عودة الاستقرار للدولة عقب عام 2014، وضعت الدولة مجموعة من الخطط الاقتصادية الطموحة، أسفرت عن عددا من المشروعات القومية الکبرى، کما تبنت الدولة سياسات عامة جديدة في غالبية قطاعاتها الحيوية، وذلک بالتخلي عن السياسات العامة القديمة التي ظلت سارية لفترات زمنية طويلة على الرغم من عدم فعاليتها. ومن أجل إنجاح استراتيجية الدولة للتنمية المستدامة "مصر 2030"، حاولت الدولة حشد کل الموارد والطاقات الممکنة، لکي تستطيع التغلب على الظروف الاقتصادية الصعبة التي تلازمها.
وبالاضطلاع على بعض التجارب الدولية، تبين لنا أن هناک بعض الدول استطاعت الاستفادة من أحد الموارد المتجددة بما يدعم اقتصادها بشکل ملحوظ، وبما يساعدها في التغلب على بعض المشاکل والعقبات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها. ولقد تجسد هذا المورد المتجدد في "العمل التطوعي" الذي قد يُنظر إليه على أنه أحد مصادر الرأسمال الاجتماعي للدولة، والذي استطاعت بعض الدولة تعظيم الاستفادة منه وتوجيهه لدعم اقتصادها، حتى أن الولايات المتحدة الأمريکية يتم تقدير قيمة العمل التطوعي فيها بحجم الاقتصاد الکامل لدولة کاليونان . ونتيجة مشابهة ظهرت في إحدى الدراسات التي تمت على 24 دولة، قُدر مساهمة العمل التطوعي فيها بما يعادل 11 مليون وظيفة بدوام کامل ، وتناولت دراسات وتحليلات أخرى بيانات مماثلة عن المساهمة الاقتصادية للعمل التطوعي.
وتنبع المشکلة البحثية في أنه بالتزامن مع الخطط التنموية الطموحة التي تتبناها الدولة، وعلى الرغم من أن هناک توجهات إيجابية تجاه العمل التطوعي في مصر، سواء داخل الدوائر الشعبية أو الرسمية، إلا أنه لا يوجد تصور واضح عن طيفية ربط العمل التطوعي بجهود التنمية في مصر، وبالتالي لا نعرف إلى أي مدى يتم توظيف العمل التطوعي في دعم خطط وبرامج التنمية في مصر. کما تقوم هذه الدراسة على فرضية مفادها أن غياب سياسات عامة منظمة وموجهة للعمل التطوعي في مصر يساهم في ضعف تأثير الأعمال التطوعية المبذولة على دعم الخطط والبرامج التنموية للدولة.
کما تسعى هذه الدراسة إلى الإجابة على التساؤلات التالية: ما هو حجم العمل التطوعي في مصر؟ ولماذا لا يحظى بالمکانة المناسبة له؟ وإلى أي مدى يمکن أن يساهم العمل التطوعي في دعم الأهداف التنموية؟ وما هو واقع العمل التطوعي الرسمي في المؤسسات الحکومية؟ وما هو الإطار القانوني المنظم له؟ وما هي أهم الفرص والتحديات التي تربط العمل التطوعي بخطط وبرامج التنمية في مصر؟ وکيف يمکن أن تسهم السياسات العامة في تعزيز الاستفادة من العمل التطوعي في دعم الخطط والبرامج التنموية للدولة؟
وتعتمد الدراسة على المنهج الوظيفي، والذي تهتم مقولاته بدراسة النشاط أو الأنشطة التي يستلزمها استمرار النظام، کما يهتم بالأنساق الفرعية ودورها في الحفاظ على استقرار النظام السياسي ، بجانب الاهتمام بالدور السياسي للأبنية غير السياسية . وسوف يتم توظيف هذا المنهج من خلال التعامل مع العمل التطوعي على أنه أحد الأنساق الفرعية التي تساهم في تحسين البيئة الاجتماعية والاقتصادية للدولة، ومن ثم يقوم بوظيفة ما في دعم الاستقرار السياسي للنظام.
المحور الأول: العمل التطوعي: التعريف والوظيفة
يحتاج صانعو السياسات العامة إلى أن يدرکوا بشکل واضح طبيعة المصطلحات التي يمکن أن يتم استخدامها في السياسات التي يقدمونها، بما يمکنهم من تعظيم الاستفادة من تلک المصطلحات وإنتاج سياسات عامة فعالة. وبالتالي، فإنه من المهم أن نشير في هذه الورقة البحثية إلى مفهوم "العمل التطوعي" من أجل تحسين عملية توظيفه داخل السياسات العامة المصرية. کما أن هناک حاجة إلى معرفة القيمة التي يمکن أن تقدمها الأعمال التطوعية لخطط الدولة وبرامجها بما يجعلها تتخذ الحيز المناسب من النقاش السياسي، والمکانة المناسبة على أجندة صانع القرار المصري. وهو ما سوف نحاول تقديمه في العناصر التالية:
أولا: العمل التطوعي: تعريفه وأنواعه
في بعض الکتابات المبکرة کان هناک تصور للعمل التطوعي على أنه شکل من أشکال النشاط الترفيهي، لأنه عادة ما يتم القيام به في أوقات الفراغ . إلا أنه مع الوقت أصبح ينظر إلى التطوع على أنه "عمل" بدرجة أکبر من کونه نشاط ترفيهي، ومن ثم حاول العديد من الباحثين التمييز بين التطوع وبين غيره من الأعمال الاجتماعية السائدة مثل العمل بأجر ودوام کامل، وأعمال الرعاية المنزلية، والحالات التلقائية/العفوية للمساعدة . کما أن النظر إلى مفهوم التطوع قد اختلف حسب الخلفيات الأکاديمية للمهتمين بالظاهرة، فبينما اهتم علماء النفس بالترکيز على الدافع للتطوع، فإن علماء الاجتماع قد اهتموا بالهياکل الاجتماعية والثقافات التي تؤثر على التطوع . وهو ما يجعل على المتخصصين في السياسات العامة أن يهتموا بظاهرة التطوع عبر السعي نحو تنظيم وتعظيم الاستفادة من العمل التطوعي ، کأحد موارد رأس المال الاجتماعي، وذلک على المستويات المختلفة، وخاصة المستوى الرسمي الحکومي.
من بين التعريفات التي تم تقديمها للعمل التطوعي هي أنه "نشاط إرادي؛ لا ينطوي على مکافأة أو مصلحة شخصية؛ يتم تنفيذه من خلال منظمة رسمية أو من خلال مجموعة من الناس، ولا يتضمن أي علاقة أو مصالح مشترکة بين المتطوع والمستفيد" . أو أنه "نشاط تطوعي يتم تنفيذه من خلال منظمة، ويقوم به متطوعون لديهم التزام مستمر أو مستدام تجاه إحدى المنظمات ويسهمون بوقتهم بصفة منتظمة". وتجنبا لسرد المزيد من التعريفات، فإننا نجد أن هناک تعريفات قد أکدت على معايير صارمة للعمل التطوعي، حيث فرضت أن العمل التطوعي يجب أن: يکون طوعيًا بالکامل ولا يستلزم الإکراه؛ لا ينطوي على أي مکافأة أو حتى مصلحة شخصية؛ يتم من خلال منظمة رسمية؛ ولا يتضمن أي علاقة أو أوجه تشابه بين المتطوعين والمستفيدين. بينما تضمنت التعريفات الأوسع نطاقا للعمل التطوعي الأنشطة التي: تتضمن درجات من الإکراه (مثل التطوع کجزء من برنامج المدرسة)؛ التطوع بأجر يقل عن قيمة العمل والخدمات المقدمة؛ العمل الذي يتم إجراؤه خارج المنظمات الرسمية؛ وإشراک أشخاص من خلفيات مماثلة (مثل المجموعات العرقية والدينية أو المجموعات السکنية) وحتى المتطوعين کمستفيدين (مثل مجموعات المساعدة الذاتية) .
وبالتالي، فإن التصور النمطي لمفهوم العمل التطوعي قد واجه العديد من التعقيدات الناتجة عن شمول العمل التطوعي لمجموعة واسعة من الأنشطة، وارتباطه بعدد من الدوافع المتباينة، وتداخله مع بعض الأُطر التنظيمية، وهو ما أدى إلى ظهور مدارس فکرية مختلفة قدمت تصورات متباينة للتطوع. بعض تلک التصورات نظرت إلى العمل التطوعي بناءً على طبيعة الأنشطة التي يتم الاضطلاع بها وما إذا کانت (مخططة أو عفوية؛ إرادية أو إجبارية) ، والبعض الأخر رکز على الغرض من التطوع سواء کان (خدمة الذات أو خدمة منظمة أو خدمة المجتمع ککل)، في حين أن هناک من اهتم بالنظر إلى العنصر الزمني للأنشطة التطوعية (نشاط طويل الأجل أم نشاط قصير الأجل) ، کما اهتمت تصورات أخرى بالجانب التنظيمي للنشاط المبذول وما ينتج عنه من (تطوع رسمي أو تطوع غير رسمي).
ومن خلال تلک التصنيفات السابقة، خلصت إحدى الدراسات إلى وجود أربعة أنواع مترابطة من العمل التطوعي: الإيثاري؛ الحاشد، الوسيلي، والقسري. ويشير التحليل إلى أن فئات العمل التطوعي الوسيلي والقسري مرتبطة بمفاهيم فردية مثل التحسين الشخصي، أو المواطنة المسؤولة. بينما يرتبط التطوع الإيثاري، بأفکار نکران الذات والعمل من أجل الصالح العام والمثل الجماعية. في حين يتبنى التطوع الحاشد النزعة الجماعية بمعنى أنه يشبه "الحرکات الاجتماعية الجديدة" .
وإذا أردنا في النهاية أن نخلص إلى التعريف المفضل للعمل التطوعي، الذي يساعد بدرجة أکبر على خدمة السياسات العامة للدولة، فإننا قد ندعم تبني المفاهيم الأوسع نطاقا للعمل التطوعي، والتي تُنتج لنا عمل تطوعي يتصف بالخصائص التالية:
- يتم من خلال منظمات وجهات رسمية منظمة (حکومية أو غير حکومية).
- يتم بشکل منتظم ومستمر، بدون حد أدني لساعات المشارکة لکن بشرط استمراريتها.
- به جانب من الإلزام، بما يدفع فئات أکثر من القادرين للدخول في مجال العمل التطوعي.
ثانيًا: وظائف العمل التطوعي
يمکن من خلال الاستعانة بالتصنيف الرباعي لأنواع العمل التطوعي السابق الإشارة إليها الخروج بالتوجيه العام للوظيفة المرتبطة بکل نوع من أنواع العمل التطوعي، بما يساعد في تحديد مدى حاجاتنا إلى أي من تلک الأنواع، وهو ما يُظهره الجدول التالي.
جدول رقم 1: ووظائف العمل التطوعي
التطوع الإيثاري • تقديم الدعم والمساعدة للآخرين
التطوع الحاشد • مواجهة الأوضاع والأزمات الطارئة
التطوع الوسيلي • تطوير مهارات ومعارف المتطوعين
التطوع القسري • دعم السياسات العامة للدولة
* الجدول من إعداد الباحث
بينما توضح الوظائف المرتبطة بکل نوع من أنواع العمل التطوعي توجهات عامة محددة، تسلط الضوء على الصورة العامة لهذا النوع أو ذاک، إلا أن تلک التوجهات نسبية إلى حد ما، ففي حين أن التطوع الإيثاري في معظم الحالات يکون موجه لدعم الفئات الضعيفة في المجتمع، إلا أنه ليس هناک ما يمنع أن يکون داعم في بعض الحالات لتحرکات الدولة وسياساتها.
في غالب الأمر، يظهر کل من التطوع الإيثاري والتطوع الحاشد بشکل عفوي وينتهي في مدة قصيرة، وبينما يرکز التطوع الوسيلي على استفادة المتطوعين، فإن التطوع القسري يُعد النوع الأکثر إفادة لسياسات الدولة، وبالتالي الأکثر إمکانية للتوظيف في خطط الدولة وبرامجها. وحول علاقة العمل التطوعي بأداء الحکومة يذکر تقرير برنامج الأمم المتحدة للمتطوعين ما يلي:
"وظفت بعض الحکومات العمل التطوعي لتعزيز سماع الأصوات والمشارکة بفتح مجالات کانت في السابق محدودة أو مغلقة. ولتحسين استجابتها ومسائلتها، انخرطت الحکومات مع قوة العمل التطوعي، لإفادة السياسات والقوانين، من أجل تحسين أداء الدولة.. والوصول إلى الفئات التي لا تتمکن آليات المشارکة الرسمية وغير الرسمية من الوصول إليها بسهولة".
کما أورد التقرير الوطني للتطوع، الصادر عن وزارة التضامن الاجتماعي مجموعة من الوظائف التي يمکن أن يؤديها العمل التطوعي للمؤسسات الحکومية، شملت تحسين مستوى الخدمات المقدمة إلى المواطنين، وزيادة القدرة على تلبية احتياجات المجتمعات المحلية، وإيجاد طرق حل مختلفة للمشکلات التي تواجه الحکومة، والحد من الجريمة . وتشير العديد من المصادر الأخرى إلى وظائف مختلفة تساهم بها الأعمال التطوعية في دعم المؤسسات الحکومية، أبرزها مشارکة المتطوعين في تطوير السياسات العامة للدولة، وتعزيز الحوکمة والمسائلة، بالإضافة لزيادة قدرة المجتمعات المحلية على التماسک والترابط الاجتماعي، ومساندة الممارسات السياسية الإيجابية.
قياس الفوائد الاقتصادية والاجتماعية للتطوع
إن کان من السهل قياس الفوائد الشخصية المتحققة للمتطوعين نتيجة لأعمال التطوع التي يقومون بها، والتي تظهر على کم المهارات والمعارف الجديدة التي يتم اکتسابها، وإمکانية تعزيز تلک الأعمال التطوعية من فرص المتطوعين في الحصول على عمل مدفوع الأجر، وغير ذلک من الفوائد التي قد تترتب على المشارکة في الأعمال التطوعية. کما أنه من الممکن قياس الأثر الاجتماعي الناتج عن تنفيذ الأعمال التطوعية، والذي يمکن تحديده من خلال معرفة التغيير الحاصل في البيئة المحلية أو في المستفيدين من الأعمال التطوعية التي تم تنفيذها. إلا أن قياس القيمة الاقتصادية الناتجة عن تلک الأعمال التطوعية لا يزال في مراحلة الأولية.
وعلى الرغم من ذلک، فإن الأبحاث تشير وبقوة إلى قدرة التطوع على تحقيق فوائد مجتمعية أوسع، بما يمکنها من تحقيق وفورات ملموسة في الإنفاق الحکومي، وأن يکون للبرامج التطوعية تأثير کبير وطويل الأمد على السلوک المالي للحکومة. وتشير إحدى الدراسات إلى شروط أساسية من أجل أن تساهم الأعمال التطوعية التي يتم تنفيذها لصالح المؤسسات الحکومية في تخفيض الإنفاق الحکومي، الشرط الأول هو أن يتم التخطيط بشکل جيد من قبل المديرون العموميون لجذب المتطوعين، ثاني تلک الشروط هو الاستثمار في تدريب وتأهيل المتطوعين من أجل تولي بعض المهام ذات النفع العام، ثالث تلک الشروط هو بذل الجهد من أجل ضمان استبقاء المتطوعين للتمکن من تحقيق فوائد تطوعهم، وبدون تلک الشروط قد ينتهي الأمر بالمنظمات العامة إلى أن تکون أسوأ حالًا مع برامج التطوع .
ومع أهمية قياس الأثر الاقتصادي للتطوع، الذي يتجسد في مقولة "أنه لو کان للمتطوعين دولة تجمعهم، لکانت ثاني أکبر دولة في العالم من حيث عدد السکان في سن العمل" وذلک مع تجاوز عدد المتطوعين على مستوى العالم مليار شخص. ومع انتشار العديد من أدوات ووسائل قياس الأثر الاقتصادي التي من بينها حساب قيمة الناتج المحلي الإجمالي المعادِلة للسلع والخدمات الناتجة عن عمل المتطوعين، وغير ذلک من الأدوات الحسابية والرياضية الأخرى. إلا أن النظر إلى الفوائد الاقتصادية وحدها، يقلل، إلى حد کبير، من المنافع الاجتماعية للتطوع ، والتي تم الاشارة إلى مجموعة منها فيما سبق.
المحور الثاني: تحليل واقع العمل التطوعي في مصر
بشکل عام هناک نقص في البحوث الجيدة والبيانات حول التطوع في مصر، حيث لا يتوفر تقرير واحد عن أعداد المتطوعين في مصر والقطاعات التي يتطوعون بها، وکل ما هو موجود عبارة عن بيانات وتصريحات متفرقة ومتضاربة. ويشکل عدم وجود بيانات موثوقة تحديا کبيرا لاستمرار مشاريع ومبادرات العمل التطوعي وتوسيعها. وفي هذا المحور سوف نحاول ذکر ما توفر من بيانات عن أعداد المتطوعين في مصر، وکذلک عن أبرز المشکلات التي تواجه العمل التطوعي.
أولا: أعداد المتطوعين في مصر
وفقاً لتقرير حالة التطوع في العالم الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للمتطوعين عام 2018 تحت عنوان "الرابط الذي يجمعنا"، فإن إجمالي عدد المتطوعين في مصر يصل إلى (1,729,734) متطوع. ووفقا لتلک الأرقام فإن نسبة المشارکين في التطوع لا تتجاوز 2,85 % من تعداد السکان فوق 15 عام. ووفقا لهذا التقرير، فإن مصر تحتل المرکز رقم (50) من بين (68) دولة تم إحصاء بياناتها، ولقد شمل التقرير دولتين عربيتين بخلاف مصر، هما دولة فلسطين وتونس، ولقد حصلا على ترتيب متقدم بشکل ملحوظ عن مصر، کما أن تبلغ نسبة العمل التطوعي الرسمي منخفضة بشکل هائل مقارنة بالعمل التطوعي غير الرسمي، حيث تبلغ واحد في المئة من العمل التطوعي غير الرسمي .
جدول رقم 2: نسب العمل التطوعي للسکان فوق 15 عام
الدولة کندا غانا فلسطين ألمانيا تونس البرازيل إسرائيل مصر ترکيا ايران الهند
نسبة المتطوعين 6.97 5.18 5.47 4.77 4.55 3.82 3.45 2.85 2.9 1.7 0.68
* الجدول من إعداد الباحث بالاعتماد على بيانات تقرير حالة التطوع 2018.
بينما تُظهر مصادر أخرى تقديرات مختلفة للعمل التطوعي في مصر، حيث تذکر د. أماني قنديل -اعتمادا على مصادر رسمية- أن عدد المتطوعين في مصر يُقدر بحوالي ثلاثة ملايين متطوع، کما تشير أيضاً إلى أن مشارکة الذکور في العمل التطوعي ضعف مشارکة الإناث . وهو عکس ما أظهره تقرير الأمم المتحدة، فوفقا للتقرير تبلغ نسبة المتطوعين من النساء (956,247) في حين تبلغ نسبة الرجال (773,487) . وبين تلک الأرقام والنسب المتضاربة، تغيب الحقائق عن النسبة الحقيقية للعمل التطوعي في مصر، إلا أن الحقيقة الواضحة هي أن مستويات العمل التطوعي في مصر، تظل في حدود متواضعة.
وبجانب استعراض طبيعة نسبة المتطوعين في مصر، فإنه من المهم أيضاً أن يکون هناک اطلاع على طبيعة القطاعات الأکثر جذبا للمتطوعين، وأي من تلک القطاعات يخدم بشکل أکبر الأهداف التنموية للدولة، وهو ما يمکن أن يقودنا إلى معرفة تکلفة الفرصة البديلة في حال تم توجيه هذا العمل التطوعي إلى قطاعات أکثر أهمية. إلا أنه، ولنفس سبب نقص البيانات، لا توجد خريطة رسمية أو غير رسمية لحجم قطاعات التطوع في مصر، لکن يمکن في المقابل أن نعتمد على القطاعات التي يفضل الشباب التطوع بها، وذلک وفق ما ورد في تقرير أعده المرکز المصري لبحوث الرأي العام "بصيرة".
* Perceptions of Youth towards Community Participation, op. cit. p. 10.
وفقاً للشکل السابق، فإن تقديم المساعدات والأعمال الخيرية على قمة تفضيلات العمل التطوعي للشباب بنسبة 43%، على الرغم من أن التطوع في هذا القطاع هو تطوع قصير الأجل، على عکس مثلا قطاع التنمية الاقتصادية الذي هو من القطاعات طويلة الأجل التي تمتد مکاسبها إلى المستقبل، ويأتي في ذيل تفضيلات التطوع بنسبة 18% فقط. وهو ما يکشف لنا عن أن تفضيلات المتطوعين قد لا تؤدي إلى تحقيق الاستفادة المثلى من الوقت والجهد المبذول في التطوع، وقد لا تدعم الأهداف التنموية للدولة على النحو المطلوب، وهو ما يستدعي أن يکون هناک نوع من التحفيز لتوجيه العمل التطوعي للقطاعات ذات الأثر الاقتصادي الأکبر وذات أجل أطول.
ثانياً: أسباب ضعف العمل التطوعي
وفي محاولة البحث عن أسباب ضعف نسب التطوع في مصر بشکل عام، إضافة إلى التدني الکبير لنسبة العمل التطوعي الرسمي مقارنة بالعمل التطوعي الرسمي، أورد استبيان مرکز "بصيرة" الذي جاء بعنوان "تصورات الشباب تجاه المشارکة المجتمعية"، أن من أبرز الأسباب التي تمنع الشباب عن المشارکة المجتمعية، وفقا لآراء عينة من الشباب تم استطلاعهم، هي (البطالة، والضغوط الحياتية، وعدم وجود فرص تناسب اهتمامات الشباب، إضافة إلى عدم اهتمام الشباب بالمشارکة) في حين أن النسبة الأکبر من الشباب المستطلعين لا يجدون هناک سبباً محددا لعدم المشارکة . وتُظهر تلک النتيجة أنه بنسبة ملحوظة لا يوجد مانع واضح أمام الشباب لعدم تطوعهم، بالإضافة إلى أن التعلل بالبطالة لا يُعد سببا قويا في منع الشباب عن التطوع، حيث أن البطالة تعني أن هناک أوقات فراغ أکبر يمکن استثماره في التطوع، بالإضافة إلى أن المشارکة في الأعمال التطوعية يساهم في دعم المعارف والخبرات الشخصية، ويعزز من فرص الحصول على فرصة عمل مدفوع الأجر.
في حين رکز تقرير "بصيرة" على تصورات الشباب أنفسهم تجاه المشارکة والتطوع، فإن إحدى دراسات دکتورة أماني قنديل قد رکزت على الأسباب السياسية والاقتصادية التي أثرت "سلبًا" على العمل التطوعي، وذلک من خلال دراسة الفترة منذ أحداث يناير 2011 حتى عام 2017، والتي ترى أنها شهدت اختلالات قيمية ومخاطر سياسية واقتصادية واجتماعية شديدة، أثرت على بيئة التطوع. ولقد شملت تلک العوامل ما يلي :
- الأزمات الاقتصادية المتلاحقة والبحث عن مصدر دخل.
- تراجع الميل للمشارکة في العمل السياسي والعمل العام.
- ضيق الشباب النشطاء في العمل العام من القيود البيروقراطية من جهة وحصار الأمن من جهة أخرى.
- توظيف "حماية الأمن القومي" لتبرير تدخلات أجهزة الأمن في أنشطة بعض المنظمات الأهلية، سبب تخوفات کثيرة وعزوفاً عن العمل العام.
- استمرارية عدم الوضوح في الإطار القانوني المنظم للعمل الأهلي.
- النظرة الأمنية للجمعيات الخيرية التي تسيطر عليها التيارات الدينية، وإغلاق ما يقترب من 2000 منظمة تابعة للإخوان وللتيارات السلفية، قد أدى أيضاً إلى تراجع المبادرات الأهلية وتخوفات المتطوعين.
وفيما يتعلق بتلک العوامل التي أوردتها دکتورة أماني قنديل في دراستها، فإن وجود معظمها مرتبط بطبيعة نظرة الدولة للعمل التطوعي باعتباره نشاط خاص بالمنظمات الأهلية، وعدم وجود إدراک کافي بالقيمة الاقتصادية التي يمکن أن تعود على الدولة من خلال تشجيع العمل التطوعي، وإمکانية المساهمة في تدعم خطط الدولة وبرامجها.
المحور الثالث: الإطار القانوني للعمل التطوعي في مصر
إن محاولة تعظيم الاستفادة من الجهد التطوعي، وتوظيفه من أجل دعم خطط وبرامج الدولة التنموية يحتاج لإضفاء الطابع الرسمي على العمل التطوعي، وتحويله من نشاط عفوي مؤقت غير موجه إلى نشاط مخطط له وطويل المدى. وفي حين قامت حوالي 70 دولة بتطوير سياسات أو تشريعات أو تدابير أخرى خاصة بتنظيم العمل التطوعي، خلال الفترة من 2008 إلى 2018، وذلک وفقا لتقرير برنامج الأمم المتحدة للمتطوعين لعام 2018 ، وبينما لم تکن مصر من بين تلک الدول، إلا أن ذلک لا يعني أن العمل التطوعي کان غائباً بشکل کامل عن المشرع المصري، وإنما کان هناک بعض الإشارات لمفاهيم تقترب بشکل أو بأخر من العمل التطوعي، وذلک حتى صدور قانون تنظيم العمل الأهلي رقم 149 لعام 2019. وفيما يلي سوف نتناول تطور فکرة التطوع في القانون المصري.
1. قانون الخدمة العامة
من بين المفاهيم القريبة من مفهوم العمل التطوعي، والتي تم تناولها في أحد قوانين الدولة، مفهوم الخدمة العامة الذي نص عليه "قانون الخدمة العامة رقم 76 لسنة 1973" والذي حسب ما هو منصوص عليه يتشابه مع "التطوع القسري" الذي أشرنا إليه سابقا في أنواع العمل التطوعي. والخدمة العامة تتشابه مع العمل التطوعي في کونها تساهم في تقديم خدمات ومساعدات مجتمعية وفي دعم عملية التنمية، وذلک عبر العمل لمدة عام في أحد المجالات ذات الطابع القومي والتي تتماشى مع الاحتياجات التنموية للدولة مثل (محو الأمية – تنظيم الأسرة – تنمية المجتمعات – الأسر المنتجة – خدمات تعليمية – خدمات طفولة). وفي حين ينص القانون على منح المکلفين الخدمة العامة مکافأة شهرية قيمتها 4 جنيهات ، إلا أن هذا لا يحولها إلى شکل من أشکال العمل مدفوع الأجر. أما ما قد يتعارض مع مفهوم التطوع، فهو أن المکلف بالخدمة العامة يخضع للعديد من اللوائح الخاصة بالعاملين المنتظمين فيما يتعلق بالإجازات والعقوبات، کما أن المشارکة في الخدمة العامة غير مفتوح للجميع، حيث يتم استثناء من أدوا الخدمة العسکرية -وهو ما يجعل غالبية المشارکين في الخدمة العامة فتيات- أو الذين تم توظيفهم في وظائف ثابتة، أو أصحاب الإعاقة.
وبينما يشارک في تأدية الخدمة العامة سنويا أکثر من 100 ألف فتاة ، فإن وزارة التضامن الاجتماعي لم تصدر أي بيان عن کيفية الاستفادة من هذا المورد البشري وما هي القيمة المضافة له في جهود الدولة التنموية. وبشکل عام، فإن نظام الخدمة العامة بشکله الحالي بحاجة إلى مراجعة شاملة للهدف الذي تم وضعه من أجله قبل حوالي نصف قرن، وللفاعلية في تطبيقه، وللقواعد المنظمة له، وغير ذلک، بما قد يقربه بدرجة أکبر للعمل التطوعي ويزيد من فعاليته.
2. قانون الهيئات الأهلية لرعاية الشباب والرياضة
بعد إصدار قانون الخدمة العامة بعامين صدر قانون الهيئات الأهلية لرعاية الشباب والرياضة رقم 77 لسنة 1975، ونص في الباب الثامن منه الذي يحمل عنوان "حرکة الخدمة العامة التطوعية" على انشاء "الاتحاد العام لهيئات الخدمة العامة التطوعية للشباب"، والذي يُعتبر وفقا لنص المادة (107) الهيئة المسئولة فنيا عن حرکة الخدمة العامة التطوعية للشباب. کما حدد القانون مجموعة من الاختصاصات لهذا الاتحاد، تشمل :
وضع السياسة العامة لحرکة الخدمة العامة التطوعية للشباب.
العمل على نشر روح الخدمة العامة التطوعية بين الشباب.
التنسيق بين هيئات الخدمة العامة التطوعية للشباب.
تنظيم الاشتراک في مؤتمرات ولقاءات الخدمة العامة التطوعية الإقليمية والدولية والعالمية للشباب
ويمکن القول أنه کان هناک درجة عالية من التکامل ما بين قانون 76 لسنة 1973 وقانون 77 لسنة 1975، فبينما قنن الأول مفهوم الخدمة العامة" فإن الأخير قد استکمل الصورة من خلال النص على مفهوم "الخدمة العامة التطوعية"، والذي يُعد إنجاز کبير على المستوى التشريعي، وإدراک مبکر لقيمة التطوع. کما أن الاختصاصات التي فوضها القانون للاتحاد العام لهيئات الخدمة العامة التطوعية للشباب تُعد هي أيضاً متقدمة بشکل کبير، هذا بجانب إتاحة القانون لاستخدام الانتخاب کآلية لتشکيل عضوية الاتحاد .
وعلى الرغم من أهمية ما ورد في القانون لدعم العمل التطوعي وحسن توظيفه، إلا أنه ومنذ ذلک التاريخ، فإن الاتحاد العام لهيئات الخدمة العامة التطوعية للشباب لم يدخل حيز التنفيذ من الأصل، وظل طوال تلک العقود حبرا على ورق، ومع صدور القانون رقم (218) لعام 2017 الخاص بتنظيم الهيئات الشبابية ليحل محل القانون رقم 77 لسنة 1975، فلقد استمر النص على "اتحاد الخدمة العامة التطوعية" في المادة (32) من القانون وإن کان بشکل أکثر اختصارا من القانون السابق، حيث تم إلغاء الجزء الخاص باختصاصات الاتحاد من القانون وتفويض الوزير المختص بإصدار قرار بتلک الاختصاصات، هذا بجانب إلغاء الانتخاب کأحد آليات تشکيل الاتحاد، وفي کل الأحوال فلقد ظلت النتيجة واحدة وهي عدم دخول الاتحاد حيز التنفيذ حتى تاريخ کتابة الدراسة.
3. قانون تنظيم العمل الأهلي
بعد أن أشارت المادة (82) من دستور مصر الصادر عام 2014، إلى أن الدولة تعمل على تشجيع الشباب على العمل الجماعي والتطوعي وتمکينهم من المشارکة في الحياة العامة، وبعد العديد من النقاشات العامة بشأن العمل الأهلي في مصر، صدر عام 2019 قانون رقم (194) بشأن تنظيم ممارسة العمل الأهلي. ونص القانون على إنشاء الوحدة المرکزية للجمعيات والعمل الأهلي، وأن يکون لها وحدات فرعية تابعة في کل محافظة، ووضع لها من بين اختصاصاتها الاختصاصات التالية :
المساهمة في وضع استراتيجية مصر للعمل التطوعي وسياسات تنظيمه وخططه والإشراف على تنفيذها.
تيسير الربط بين جهات التطوع المختلفة والمتطوعين بکافة الأساليب الممکنة.
إتاحة المعلومات عن فرص التطوع لأفراد المجتمع.
تشجيع مؤسسات المجتمع الأهلي والجهات الحکومية على توفير فرص التطوع.
الإشراف على إعداد البرامج التدريبية للمتطوعين واعتماد الأدلة اللازمة لتنفيذ هذه البرامج.
اعداد الإحصاءات والأبحاث اللازمة عن الأعمال التطوعية وإنشاء قاعدة بيانات بالمتطوعين وجهات التطوع والأعمال التطوعية المنفذة بجمهورية مصر العربية.
صياغة نموذج اتفاق العمل التطوعي بين المتطوعين وجهات التطوع وإجراء التعديلات اللازمة عليه وفقا لمقتضيات الصالح العام.
العمل على توفير الحوافز اللازمة لتشجيع أفراد المجتمع على الانضمام للعمل التطوعي.
بحث شکاوى المتطوعين والمستفيدين من خدمات التطوع واتخاذ الإجراءات المناسبة في شأنها.
ويعتبر هذا القانون أکثر تطورا في تعامله مع قضية العمل التطوعي عن القوانين السابقة عليه، حيث أنه يعطي للعمل التطوعي مساحة أکبر داخل القانون، ويتم تناول محددات التطوع بشکل أکثر تفصيلا، هذا بجانب العديد من الإشارات الإيجابية المرتبطة بوضع استراتيجية وطنية للعمل التطوعي وإنشاء قاعدة بيانات بالمتطوعين وإعداد الإحصاءات والأبحاث اللازمة عن الأعمال التطوعية، بالإضافة لتشجيع الجهات الحکومية على توفير فرص التطوع، وهي الأمور التي يفتقر إليها العمل التطوعي في مصر.
وفيما يتعلق باللائحة التنفيذية لهذا القانون، والتي تم إقرارها من مجلس الوزراء في نهاية عام 2020، فإنها حتى الان لم يتم نشرها حتى يتم الاستعانة بها ومعرفة محتواها، مع تداول نسخة غير معتمدة لا يمکن الاعتماد عليها في البحث العلمي.
إذا ما انتهينا إلى أن قانون تنظيم العمل الأهلي هو خارطة الطريق الأخيرة لمسار العمل التطوعي في مصر، فإننا يمکن أن نعتبرها خطوة کبيرة في الاتجاه الصحيح، لکنها في نفس الوقت لم تصل إلى ما سبقتنا إليه دول جارة في تطوير إطارها القانوني لدعم العمل التطوعي، فخلال العامين الماضيين قامت کل من دولتي الإمارات والمملکة العربية السعودية بإصدار قوانين لتنظيم العمل التطوعي لديها، حيث أصدرت امارة دبي القانون رقم 5 لسنة 2018 بشأن تنظيم العمل التطوعي في إمارة دبي، وفي يناير 2020 أصدرت المملکة العربية السعودية مرسوم "نظام العمل التطوعي"، بينما کانت تونس قد سبقت الجميع بإصدار قانون التطوع رقم 26 لعام 2010. وکل من تلک القوانين الخاصة بالإمارات والسعودية وتونس، هي قوانين مستقلة لتنظيم العمل التطوعي، وليست کجزء من سياسة أو قانون آخر، وهو الأمر الذي يعطي للعمل التطوعي قدر أکبر من الاستقلالية والقدرة على خدمة الأهداف التنموية للدولة.
ونظراً لعدم وجود هيئة أو وحدة خاصة بالعمل التطوعي في وزارة التضامن الاجتماعي إلى الآن ، ولعدم دخول اتحاد الخدمة العامة التطوعية حيز التنفيذ، فإنه لا يوجد في مصر حاليا إطار مؤسسي رسمي لتنظيم العمل التطوعي، وتظل کل الجهود التي يتم القيام بها في إطار مبادرات ومشروعات غير مترابطة وغير مستدامة. بينما نجد مثلا أن دولة مثل بيرو أنشأت في عام 2013 دائرة خاصة بالعمل التطوعي في وزارة شؤون المرأة والسکان الضعفاء، وتعد هذه الدائرة مسئولة عن جميع الأطراف المعنية الرئيسية في بيرو لتنفيذ البنية التحتية التطوعية، وفي نفس الاتجاه قامت دولة توغو في عام 2014 بإنشاء هيئة عامة لإدارة المتطوعين على الصعيد الوطني وهي "برنامج تعزيز التطوع الوطني" وتتبع وزارة التنمية المجتمعية والحرفية وتوظيف الشباب في توغو. کما أنشأت المملکة العربية السعودية في عام 2020 بموجب نظام العمل التطوعي الذي أقرته لجنة وطنية تسمى (اللجنة الوطنية للعمل التطوعي)، برئاسة وزير العمل والتنمية الاجتماعية. وهو ما يُظهر مدى الحاجة إلى اللحاق بتلک التجارب المتقدمة، والشروع في إنشاء هيئة خاصة بالإشراف على العمل التطوعي في مصر.
المحور الرابع: المؤسسات الحکومية والتطوع
بعد إظهار الحجم المحدود للنشاط التطوعي في مصر، وطبيعة المشکلات التي تؤثر سلباً على بيئة العمل التطوعي، وبعد تناول الإطار القانوني المنظم للعمل التطوعي، والذي اتضح أنه لم يتم الاستفادة منه على النحو المطلوب حتى الآن، وذلک بسبب عدم تفعيل المواد القانونية الداعمة للعمل التطوعي حتى الآن. وبالتالي، فإنه من المهم استکشاف الواقع الفعلي لعلاقة المؤسسات الحکومية بالعمل التطوعي، ومدى استفادة القطاعات الحکومية المختلفة من هذا المورد المتجدد في دعم أنشطتها وبرامجها.
ومع عدم وجود بيانات رسمية توثق لحجم العمل التطوعي الذي يتم لصالح مختلف وزارات الدولة، فإننا سوف نقوم بمحاولة رسم صورة عامة عن طبيعة العمل التطوعي في الوزارات الحکومية من خلال ما يتوافر من معلومات أو أخبار. واعتمادا على تلک المعلومات، سوف نقوم بتقسيم الوزارات إلى ثلاث مجموعات مختلفة، على النحو التالي:
أولاً: وزارات لها ارتباط مباشر بالعمل التطوعي
ونقصد بالوزارات التي لها ارتباط مباشر بالعمل التطوعي، تلک الوزارات التي تستعين بالعمل التطوعي بشکل منتظم في بعض الأعمال والمهام التابعة لها، وهناک صيغة ما رسمية تنظم هذا العمل التطوعي. ويمکن القول أن هناک ثلاث وزارات تعتمد على الأعمال التطوعية بشکل مباشر، وهي وزارات التضامن الاجتماعي والشباب والرياضة والتعليم العالي، وسوف نحاول تسليط الضوء على طبية تلک العلاقة في کل وزارة على حدة.
1. وزارة التضامن الاجتماعي
انطلاقا من کون العمل التطوعي عادة ما يتم اختزاله في تقديم المساعدات الإنسانية، واعتباره في أغلب الأحوال نشاط خاص بالمجتمع المدني والتنظيمات الأهلية، فإن وزارة التضامن الاجتماعي اصبحت هي الوزارة الأکثر ارتباطاً بالعمل التطوعي، وذلک نظرا لمسئوليتها عن توفير الدعم والمساعدة للفئات الأضعف والأکثر احتياجا في المجتمع المصري، ولتوليها مسئولية الإشراف على الجمعيات والمؤسسات الأهلية. ونتيجة لذلک أطلقت وزارة التضامن الاجتماعي في منتصف عام 2015 مبادرة "بينا" کأول مبادرة تطوعية داخل الوزارة تهدف إلى تحسين جودة الخدمات المقدمة في دور الرعاية الاجتماعية، ووفقا لموقع الوزارة فلقد قدمت المبادرة عدد من الورش التدريبية من أجل نشر ثقافة التطوع بين الشباب، وفي مارس 2019 أطلقت مبادرة بينا حملة "کن متطوعا" من أجل دعم مفهوم العمل التطوعي والمسئولية المجتمعية لکل الفئات العمرية . بجانب تلک المبادرات، فإن هناک مبادرة أخرى تتبع لصندوق مکافحة وعلاج الإدمان تحت مسمى "بيت التطوع"، وتهدف تلک المبادرة إلى إنشاء وحدات تطوعية داخل الجامعات من أجل التعريف بمخاطر الإدمان، وحسب تصريحات مدير الصندوق فإن عدد المتطوعين وصل إلى ما يقرب من 30 ألف شاب في کافة المحافظات، ويمثل الطلبة الجامعيين 75% منهم . کما أصدرت وزارة التضامن في أکتوبر 2019 الدليل الوطني للتطوع. وفي يناير 2021، أعلنت وزارة التضامن الاجتماعي عن استحداث وظيفة "مسؤول تطوع" في 21 جامعة حکومية، مع عدم توافر بيانات کافية عن طبية تلک الوظيفة، وعن اختصاصاتها والدور المطلوب منها.
ومع وجود هذه المبادرات المتميزة لوزارة التضامن الاجتماعي، إلا أن تأثيرها المجتمعي يظل في حدود ضيقة، وتظل أعداد المتطوعين المنخرطين في أنشطة مباشرة تابعة لوزارة التضامن الاجتماعي قليلة، ولا ترقي إلى ما يجب أن تکون عليه تلک المشارکة بالمقارنة بالدور المتزايد الذي تقوم به وزارة التضامن الاجتماعي خلال السنوات الأخيرة.
2. وزارة الشباب والرياضة
بطبيعتها فإن وزارة الشباب والرياضة هي الوزارة الأقرب إلى المورد الرئيسي للعمل التطوعي، وهو الشباب. وبالتالي، فلقد حرصت وزارة الشباب والرياضة خلال السنوات الأخيرة على تعزيز استفادتها من المشارکة التطوعية للشباب في العديد من الفعاليات والأحداث الهامة، فعلى سبيل المثال يشارک فريق من المتطوعين تابع لوزارة الشباب والرياضة منذ أکثر من ثلاث سنوات في تنظيم فعاليات معرض القاهرة الدولي للکتاب، کما شارکت مجموعات کبيرة من الشباب المتطوعين لدى الوزارة في المساعدة في تنظيم ومتابعة سير العمليات الانتخابية التي جرت في مصر خلال الأشهر الماضية، وآخرها کان فتح باب التطوع للمشارکة في تنظيم بطولة العالم لکرة اليد التي تُعقد هذا العام بالقاهرة والإسکندرية ، هذا بجانب بعض أنشطة التطوع المحلية التي يقوم بها متطوعون في مراکز الشباب بالقرى والمدن.
ويُعد الاتحاد العام للکشافة والمرشدات من أکبر الکيانات الشبابية التي تستعين بالعمل التطوعي في أنشطتها، والاتحاد هو هيئة شبابية مستقلة تتبع وزارة الشباب والرياضة، ويهدف إلى تکوين عادات الاعتماد على النفس، والتعاون والمشارکة في مشروعات الخدمة العامة وتنمية المجتمع وخدمة البيئة. إلا أنه أيضاً لا تتوافر بيانات کافية عن أعداد المتطوعين لدى الاتحاد، وما تُظهره الصفحة الخاصة بالاتحاد على موقع التواصل الاجتماعي هو ترکيز اهتمام الاتحاد على الأنشطة التوعوية والتثقيفية في قضايا البيئة والتلوث وترشيد الاستهلاک، بجانب التثقيف الوطني.
3. وزارة التعليم العالي
على الرغم من الدور الکبير الذي تقوم به الجامعات المصرية في خدمة المجتمع والمساهمة في تنفيذ العديد من المبادرات والمشروعات القومية، إلا أنها تعتمد بالدرجة الأولى على مواردها البشرية المتواجدة لديها، مع توظيف محدود للمتطوعين من طلاب الجامعات وأعضاء هيئات التدريس. وفي حين أن کل جامعة بها نائباً لرئيس الجامعة لخدمة المجتمع وتنمية البيئة، ومنصب موازي في کل کلية من کليات الجامعة ، إلا أنه لا توجد إدارات أو وحدات متخصصة في تنظيم ومتابعة العمل التطوعي المفترض أن تقوم به الجامعة من خلال طلابها أو أعضاء هيئة التدريس لخدمة مجتمعاتها، حتى أن إدارات رعاية الشباب في الجامعة لا تتبع لمکاتب نائب رئيس الجامعة أو وکلاء الکليات لشئون البيئة وخدمة المجتمع، وإنما لمکاتب ووکلاء الکليات لشئون الطلاب. وبينما يقوم طلاب بعض الکليات مثل الخدمة الاجتماعية والتربية بالالتحاق ببعض المؤسسات مثل المدارس وغيرها لأداء "خدمة عامة" کنوع من التکليف الطلابي في بعض المراحل الدراسية، فإن هذا الأمر لا يتواجد في باقي الکليات.
وفيما يتعلق بالأسر الطلابية التابعة لرعاية الشباب بالجامعات، فإن ما تقوم به ينحصر في بعض الأنشطة التطوعية التي عادة ما تکون في شکل تجميل الجامعة أو مناطق أخرى مجاورة، وعمل زيارات وأنشطة ترفيهية للأطفال الأيتام أو المرضى بالمستشفيات، والترکيز أکثر على خدمة ورعاية الطلاب أنفسهم وتنظيم حفلات أو رحلات ترفيهية لهم. وبينما تم رصد بعض العمل التطوعي الذي يتم في شکل "قوافل" طلابية تقوم بتقديم مساعدات للقرى الفقيرة مثل بناء أسطح للمنازل وتوصيل المياه بالإضافة إلى تقديم مساعدات عينية من خلال جمع التبرعات. إلا أن تلک القوافل على الرغم من کونها أکثر تنظيما وأکثر صلة بالعمل التطوعي، إلا أنها لا تتبع إدارات الجامعة بشکل تنظيمي، کما لا تحصل على دعم حقيقي من إدارات الجامعات، وإنما يتم تنظيمها داخل کل دفعة دراسية بشکل غير رسمي.
ثانياً: وزارات لها ارتباط غير مباشر بالعمل التطوعي
وبخلاف المجموعة السابقة من الوزارات، فإن هذه المجموعة تمثل الوزارات التي تحظى بدعم الأعمال التطوعية لبعض مهامها وأهدافها، ولکن مع غياب أو ضعف التنسيق بين تلک الوزارات وبين التنظيمات التطوعية، وتعبر عن هذه المجموعة سبع وزارات هي وزارات؛ الصحة، والتنمية المحلية، والبيئة، والأوقاف، والثقافة، والسياحة، والتربية والتعليم:
1. وزارة الصحة
على الرغم من طبيعتها کمسئولة عن القطاع الصحي في مصر، وهو ما يجعلها تحظى بجزء کبير من الدعم والمساعدات الإنسانية، إلا أن عدم وجود قنوات رسمية لدعم الجهود التطوعية في القطاع الطبي جعلت الغالبية العظمى من تلک الجهود لا يتم توجيهها إلى الخدمة الصحية نفسها، وإنما إلى متلقي الخدمة "المريض" الذي في معظم الحالات يکون بحاجة إلى شکل من أشکال الدعم والمساندة. فبخلاف الدعم والمساندة المالية، فإن عدد کبير من المرضى يکون بحاجة إلى المساعدة والدعم الفني واللوجستي في الوصول إلى أماکن الخدمة الطبية المناسبة وفي الحصول في بعض الحالات على إقامة قريبة من مکان تقديم الخدمة الصحية، وهو ما نجد فيه جهد تطوعي ملحوظ تقوم بتقديمه العديد من الجمعيات والتنظيمات التطوعية التي عادة ما تحمل اسم "جمعية أصدقاء مرضى/مستشفى ..."، کما تساعد تلک التنظيمات التطوعية وغيرها في مهام توفير الدم للمرضى المحتاجين من خلال إنشاء بنوک للدم، وتقديم الدعم النفسي للمرضى وخاصة الأطفال من خلال تنظيم حفلات وزيارات لهم.
وخلال الأزمة الصحية التي أنتجها فيروس کورونا، وفي ظل الضغط الکبير على المنظومة الصحية، ومع غياب التنسيق بين الوزارة وبين نقابة الأطباء ککيان جامع مُنظم لتحرکات الأطباء ونشاطهم، ظهرت العديد من المبادرات التطوعية غير الرسمية التي حاولت دعم القطاع الطبي في مصر، بدايتها کانت مع دعوات التطوع لطلاب کليات الطب والتمريض من أجل تکوين صف ثاني لدعم جهود أطباء الصف الأول في المستشفيات ومقرات العزل، وتلى ذلک ظهور العديد من الصفحات الإلکترونية التي يشرف عليها أطباء بهدف الإجابة عن أسئلة المواطنين بخصوص حالات الاشتباه في الإصابة بالفيروس، والتعريف بالخطوات اللازمة للتعامل مع الأعراض، ومتابعة حالات العزل المنزلي، وهو الأمر الذي ساهم بشکل کبير في تخفيف الضغط على المستشفيات ، وانتهاء بالتطوع لدى الوزارة من أجل المشارکة في تجربة لقاح کورونا الذي تعاقدت الدولة على توريده مع شرکة أدوية صينية.
2. وزارة التنمية المحلية
بالنظر إلى أهداف وزارة التنمية المحلية التي على رأسها تنمية المجتمعات المحلية وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين ، فإننا نجد أن تلک الأهداف تحظي باهتمام کبير لدي جهات التطوع المحلية، والتي تسعى إلى الارتقاء بقراها وأحيائها ومدنها. وفي حين تنتشر على مستوى مدن الجمهورية جمعيات تنمية المجتمعات المحلية، فإنه لا توجد روابط رسمية بين تلک الجمعيات وبين وزارة التنمية المحلية أو بين المجالس المحلية المختلفة في المدن والمحافظات، حيث تتبع تلک الجمعيات وزارة التضامن الاجتماعي، وتمارس نشاطاتها من خلاها.
وعلى الرغم من ذلک، فإن ما تقوم به الجمعيات المحلية، وغيرها من المجموعات التطوعية غير الرسمية، يصب في النهاية في صالح تحقيق أهداف وزارة التنمية المحلية، من خلال ما يتم تنفيذه من برامج مختلفة ومتنوعة تهدف إلى تحسين الخدمات ورفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي للمجتمعات المحلية التي ينتمون إليها.
3. وزارة البيئة
على عکس قضايا الصحة والتنمية المحلية، فإن قضايا البيئة لا تحظى باهتمام واضح لدى غالبية التنظيمات التطوعية، إلا أن ذلک لا يعني غياب الجهود التطوعية في مجال البيئة، فعلى سبيل المثال نجد بعض المتطوعين المهتمين بعمل حملات لتنظيف الشواطئ من المخلفات، وفي حالات أخرى المساهمة في حملات التشجير وحملات النظافة، ولکن تلک الحملات التطوعية تبقى في أغلب الحالات بعيدة عن القضايا البيئية الکبرى في مصر مثل تلوث الهواء والضوضاء وتلوث المياه والمخلفات بأشکالها المختلفة.
4. وزارة الثقافة
على غرار القضايا البيئية، فإن القضايا الثقافية هي الأخرى لا تحظى بمستوى اهتمام ملحوظ، خاصة مع تراجع مکانة قصور الثقافة في غالبية محافظات الجمهورية، ومحدودية حجم النشاط الثقافي في مصر، وبالتالي، فإن التطوع في هذا المجال عادة ما يکون موسمي ومرتبط ببعض الفعاليات الثقافية التي يتم تنظيمها سواء على مستوى وطني أو محلي، وما تشهده تلک الفعاليات من جهد تطوعي سواء بالمشارکة کجزء من تلک الفعاليات، أو بالمشارکة في الإجراءات التنظيمية، وأيضاً تتم تلک المشارکات بشکل عشوائي وغير رسمي.
5. وزارة السياحة والاثار
في حين أن الاهتمام بالسياحة الداخلية لدى المصريين محدود، إلا أن هناک إدراک واسع بأهمية السياحة الخارجية للاقتصاد المصري، مع رغبة کبيرة في تعظيم الاستفادة من هذا القطاع في خلق فرص العمل. ولقد حرکت تلک الرغبة مجموعة من المهتمين بالسياحة والسفر للترويج للنشاط السياحي في مصر، إما من خلال التقاط صور احترافية للأماکن السياحية في مصر والترويج لها، أو عمل فيديوهات تعريفية ونشرها، أو الحديث عن السياحة في مصر على منصات إلکترونية دولية، وغيرها من الجهود المشابهة الداعمة لقطاع السياحة في مصر، لکنها تظل "جهود فردية" بشکل کبير ولا تستقطب عدد کبير من المتطوعين، على الرغم من أثرها الإيجابي.
وفي عام 2018 بدأت الوزارة بتفعيل دور العمل التطوعي في قطاع المتاحف بتطبيق برنامج تدريبي للعمل التطوعي للشباب بالمتاحف المصرية، في اطار خطة قطاع المتاحف لمشارکة الجمهور في عملية التطوير والتنمية الثقافية، وأيضا لربط الشباب بالعمل في المتاحف لإثراء الشراکة المجتمعية. وقد بدأ القطاع قبول مجموعات من المتطوعين في عدد من متاحف الجمهورية (140 متطوع في متحف سوهاج القومي و20 متطوع في متحف کوم أوشيم ، وذلک ضمن خطة لتوسيع المشارکة التطوعية في جميع المتاحف المصرية . وعلى أهمية تلک المبادرة، قياسا على ما تقوم به مبادرات مماثلة للتطوع في القطاع المتحفي حول العالم، إلا أنه ومنذ الإعلان عن تلک المبادرة في منتصف عام 2018، فإننا لم نجد أي بيانات تالية تشير إلى مستوى التقدم في تلک المبادرة، وما إذا کانت مستمرة من الأساس أما أنها انتهت.
6. وزارة الأوقاف
مسئولية وزارة الأوقاف عن إدارة وصيانة المساجد تتداخل مع المشاعر الدينية للمسلمين في قيمة المسجد والسعي لبناء المساجد واعمارها، ومن المعروف أن العدد الأکبر من مساجد الدولة تم بنائها اعتمادا على تبرعات أهل الخير سواء بالأرض أو المال، بجانب تلک التبرعات المادية، فإننا نلاحظ أن بعض العاملين في مجال الانشاءات عندما يشارکون في بناء وصيانة المساجد، فإنهم يفعلون ذلک بشکل تطوعي ودون الحصول على أجر، أو في بعض الحالات بأجر رمزي، کما أن عدد کبير من المساجد تظل لفترات طويلة دون وجود موظفين رسميين من قبل الأوقاف للحفاظ على نظافة المسجد، وعادة ما يقوم الأهالي بهذا الجهد کنوع من التقرب إلى الله.
7. وزارة التربية والتعليم
تباينت علاقة وزارة التربية والتعليم بالعمل التطوعي، فمنذ عام 1989 ومع انطلاق الحملة القومية لمحو الأمية، والتي اتاحت وفقا للقانون رقم (8) لسنة 1991 للمتطوعين بالمشارکة في جهود محو الأمية، وما تلا ذلک من مشارکات ظاهرة لشباب الخريجين في فصول محو الأمية، إلا أنه وخلال السنوات الأخيرة تراجعت الجهود الخاصة بمحو الأمية بشکل کبير على الرغم من وجود أکثر من 18 مليون أمي في مصر بحاجة لمزيد من العمل التطوعي لتقليل تلک النسبة.
وبسبب الظروف الاقتصادية التي تمر بها مصر منذ عام 2011، وما نتج عنها من تراجع الدولة عن تقديم تعيينات جديدة في المدارس الحکومية، أعلنت وزارة التربية والتعليم في مطلع عام 2020 السماح لحملة المؤهلات العليا التربوية بالعمل في التدريس تطوعًا، إلا أنه وحتى کتابة هذه الورقة لم يتم اتخاذ خطوات جدية في هذا المسار.
ثالثاً: وزارات لها ارتباط مؤقت بالعمل التطوعي
قد لا يظن غالبيتنا أن وزارات مثل الدفاع والداخلية والخارجية يمکن أن يشارک في مهامها متطوعين، وذلک نظرا لطبيعة المهام الخاصة بتلک الوزارات الحساسة، إلا أن التجربة تثبت عکس ذلک، وتکشف لنا عن ثلاثة مفاهيم تعبر عن طبيعة الدور التطوعي الذي يتم القيام به من خلال تلک الوزارات، وهي (المقاومة الشعبية – اللجان الشعبية – الدبلوماسية الشعبية)، والتي عادة ما تکون مرتبطة بأوضاع طارئة داخل الدولة، وبالتالي يکون القيام بتلک المهام مؤقت وينتهي بانتهاء الوضع الطارئ.
1. وزارة الدفاع
بينما تبدو وزارة الدفاع، لطبيعة عملها العسکري هي الأبعد عن العمل التطوعي، إلا أننا إذا نظرنا إلى "المقاومة الشعبية" للقوة العسکرية الأجنبية ومساعدة القوات العسکرية النظامية في مواجهة العدو على أنها عمل تطوعي، فإننا قد نعود بالتاريخ إلى ما قبل الدولة المصرية الحديثة، وإلى الجهود الشعبية في مقاومة الحملات الفرنسية والإنجليزية. کما أن المقاومة الشعبية لأهالي بورسعيد للعدوان الثلاثي وأهالي السويس للعدو الإسرائيلي في حرب 1973 تُعد نماذج حقيقية للتطوع دفاعاً عن استقلال الوطن، کما أن فکرة التطوع في الجيش المصري کانت مستمرة طوال المسيرة الوطنية للقوات المسلحة في دفاعها عن أرض الوطن في الحروب التي خاضتها.
ولقد عمل القانون رقم 55 لسنة 1968 على تقنين المقاومة الشعبية من خلال النص على إنشاء منظمات الدفاع الشعبي، والتي تتولى حماية الخطوط الخلفية للقوات المسلحة، والحفاظ على المرافق والوحدات الحيوية داخل کل مدينة، ولقد شجع القانون "التطوع الرسمي"، حيث کان يشترط أن يکون المتطوع من العاملين في الجهة التي يتطوع للدفاع عنها، کما أنه أقر مدى زمني معقول للتطوع لا يقل عن ستة أشهر . ومع بداية ثمانينيات القرن الماضي، وبعد توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، دخلت منظمات الدفاع الشعبي في حالة من السبات العميق، ولم نسمع عنها إلا مع تعديل نص القانون عام 2020 باستحداث منصب مستشار عسکري لکل محافظة.
وخلال السنوات الأخيرة، وبينما تخوض القوات المسلحة حرباً شرسة مع الإرهاب في سيناء، فإن العمل التطوعي يظل حاضراً، ويعلن عن نفسه من خلال ما يسمى "باتحاد قبائل سيناء" وهو تجمع من أبناء القبائل السيناوية المتعاونة مع القوات المسلحة في العمليات الأمنية التي يتم تنفيذها في سيناء. حيث يقوم اتحاد القبائل بتقديم العديد من المساعدات والدعم للوحدات العسکرية من أجل محاصرة العناصر الإرهابية، هذا بالإضافة للنشاط الإعلامي الملحوظ لصفحات الاتحاد في إظهار النجاحات العسکرية وفي الحرب الإعلامية والنفسية ضد العناصر الإرهابية .
2. وزارة الداخلية
وبسبب ظروف طارئة، ظهر لنا خلال السنوات الأخيرة مفهوم "اللجان الشعبية"، والتي لعبت دورا ملحوظاً في تأمين المدن والقرى والشوارع والممتلکات خلال الفترة التي شهدت نوع من الفراغ الأمني عقب أحداث 25 يناير 2011، وقد اکتسبت شرعيتها من خلال النداء الذي أطلقته القوات المسلحة يوم 30 يناير 2011 عبر الرسائل القصيرة تحث المواطنين على الدفاع عن عائلاتهم ومناطقهم . ولقد اعتمدت تلک اللجان الشعبية على تطوع أهالي المناطق المحلية من أجل القيام بمهام الأمنية في نطاقهم المحلي، في مواجهة زيادة مستوى الجريمة. وبغض النظر عن الظرف السياسي المرافق لهذا الدور التطوعي، إلا أن ما الإنجاز الذي تم تحقيقه يستدعي الانتباه إلى ما يمکن أن تقدمه الأعمال التطوعية في أصعب المهام وأکثرها خطورة.
3. وزارة الخارجية
وبسبب نفس الظروف الطارئة، اختبرنا خلال السنوات الأخيرة مفهوم "الدبلوماسية الشعبية" کأحد المفاهيم التي تعبر عن الدور الشعبي في الدفاع عن حقوق الدولة خارجيا وفي التعريف بأوضاعها وظروفها. وتجسد هذا الدور التطوعي في قيام مجموعات من الشخصيات العامة بالسفر لعدد کبير من بلدان العالم من أجل الحديث عن المصالح المصرية ومن أجل فتح قنوات تواصل جديدة. وکما حدث بالنسبة لوظيفة اللجان الشعبية، کما تکرر توظيف الدبلوماسية الشعبية مرة أخرى عقب 30 يونيو 2013، من أجل شرح الوضع الداخلي المصري للقوى الدولية الکبرى . وبمجرد استقرار الأوضاع في مصر بعد عام 2014، اختفت تلک الأدوار التطوعية إلى حد کبير، على الرغم من الحاجة إليها في بعض الأوقات، وإمکانية إعادة تنظيمها بشکل يخدم أجندة الدولة.
رابعاً: وزارات ليس لها ارتباط بالعمل التطوعي
العدد الأکبر من الوزارات المصرية لا يوجد لها اتصال بالعمل التطوعي لا بشکل مباشر أو غير مباشر ولا حتى بشکل طارئ ومؤقت، حيث أن وزارات مثل (العدل والمالية والقوى العاملة والطيران المدني والإنتاج الحربي..) من بين 19 وزارة أخرى لم نتمکن من رصد أي نشاط تطوعي مرتبط بها. وقد يکون ذلک في جزء کبير منه مرتبط بطبيعة تلک الوزارات التي لا يناسبها العمل التطوعي، أو لأنها في مرتبة متأخرة من أولويات المتطوعين.
النتائج والتوصيات
بالانتهاء من تقييم الوضع الخاص بالتطوع في مصر، سواء من خلال أعداد المتطوعين ومشاکلهم، أو بالسياسات الحاکمة للعمل التطوعي في مصر، وانتهاء بواقع التطوع في المؤسسات الحکومية المصرية، فإن الدراسة قد توصلت إلى مجموعة النتائج التالية:
- أعداد المشارکين في العمل التطوعي في مصر محدودة بشکل عام، وفي المؤسسات الحکومية بشکل خاص.
- الشکل الأکثر انتشاراً للعمل التطوعي في مصر هو التطوع العفوي قصير المدي.
- المشکلات التي يعاني منها القطاع التطوعي غير مرتبطة بموانع فعلية تعيق تطور العمل التطوعي، وإنما هي في الغالب مشکلات تنظيمية ويمکن التغلب على الجزء الأکبر منها بما يساهم في زيادة نسب التطوع.
- لم يکن غياب الإطار القانوني هو المعوق أمام تطوير العمل التطوعي خلال العقود الماضية، وإنما غياب الإرادة السياسية والإدراک الحقيقي لقيمة العمل التطوعي في دعم السياسات التنموية.
- قانون تنظيم العمل الأهلي الجديد يعد بداية جيدة لإمکانية تطوير سياسات التطوع في مصر، وفرصة حقيقية لتدعيم المبادرات والبرامج التطوعية داخل القطاع الحکومي.
- بسبب غياب الأطر التنظيمية، فإن المؤسسات الحکومية فشلت في توظيف الأعمال التطوعية على النحو المطلوب بما يساهم في خدمة خططها وبرامجها.
وبناءً على تلک النتائج، فإننا نقترح مجموعة من الإجراءات التي يمکن أن تساهم في تحسين مستوى العمل التطوعي في مصر، وسوف تنقسم تلک الإجراءات إلى إجراءات قصيرة المدى وإجراءات طويلة المدى، وذلک على النحو التالي:
إجراءات قصيرة المدى، وتشمل تلک الإجراءات؛ أ) سرعة الإعلان عن اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم العمل الأهلي، واتخاذ الخطوات اللازمة لإنشاء الوحدة المرکزية للجمعيات والعمل الأهلي، وتزويدها بالعناصر البشرية الکافية بما يمکنها من القيام باختصاصاتها في دعم العمل التطوعي، ب) تفعيل "اتحاد الخدمة العامة التطوعية" المنصوص عليه في قانون تنظيم الهيئات الشبابية، والذي لم يتم تفعيله منذ عام 1975، ج) استحداث منصب "مساعد وزير لشئون التطوع" في کل وزارة، يکون مسئول عن متابعة النشاط التطوعي للوزارة، وحشد المشارکة التطوعية اللازمة في تنفيذ خطط الوزارة وبرامجها. د) سرعة الانتهاء من وضع استراتيجية مصر للعمل التطوعي التي نص عليها قانون تنظيم العمل الأهلي، ر) سرعة تدشين قاعدة بيانات المتطوعين، والاستفادة من الخبرات العربية في هذا الشأن وخاصة تجربة دولة الإمارات، ه) التوسع في افتتاح مقرات جديدة لــمبادرة "بيت التطوع" التابعة لصندوق مکافحة وعلاج الإدمان، وذلک في کل الجامعات المصرية، و) العمل على ربط منصب "مسؤول التطوع" الذي استحدثته وزارة التضامن الاجتماعي في الجامعات المصرية مع إدارات رعاية الشباب ومع إدارة خدمة المجتمع بکل جامعة. ي) التفکير في کيفية الاستفادة من العمل التطوعي في تنفيذ مشروع "حياة کريمة" بما يساعد في زيادة أعداد القرى المستفيدة.
إجراءات طويلة المدى، وتتضمن الإجراءات طويلة المدى؛ أ) إصدار قانون خاص لتنظيم العمل التطوعي، الأمر الذي يساهم في إعطاء نظرة شمولية للعمل التطوعي ويساعد في تطوير التطوع الرسمي، ب) إنشاء هيئة رسمية لإدارة العمل التطوعي، ويمکن أن تُوجد هذه الهيئة بطرق مختلفة، الأولى هي أن تکون هيئة وطنية مستقلة تتبع لرئيس الوزراء أو لرئيس الجمهورية، والطريقة الثانية هي أن تکون وحدة إدارية داخل إحدى الوزارات ذات الصلة – التضامن الاجتماعي أو وزارة الشباب والرياضة - وأن تقوم بالتنسيق بين مختلف مؤسسات الدولة الأخرى وغيرها من الأطراف المرتبطة بالعمل التطوعي، أو أن يتم ذلک من خلال تشکيل إدارة مشترکة تجمع ممثلين عن القطاعات الحکومية والخاصة والمجتمع المدني، وتتولى تنسيق والإشراف على العمل التطوعي داخل الدولة. ج) ربط العمل التطوعي بشکل نظامي داخل المنظومة التعليمية، وذلک انطلاقًا من نتيجة إحدى الدراسات التي ترى أن الأشخاص الذين يتطوعون أثناء الدراسة في المدرسة هم أکثر عرضة للتطوع لاحقًا في حياتهم.
في النهاية، يمکن القول إننا بحاجة إلى جهد کبير من أجل دفع العمل التطوعي لمکانته الصحيحة داخل المجتمع والدولة المصرية، من أجل تحقيق اقصى استفادة اجتماعية واقتصادية ممکنة، بما يدعم جهود الدولة، ويساعد في تحقيق أهداف خططها وبرامجها التنموية.
هوامش الدراسة