إعادة هيکلة الأمن: دور الشرکات العسکرية والأمنية الخاصة في إفريقيا ما بين المهام العسکرية والعمليات الأمنية- الإنمائية

نوع المستند : مقالات سیاسیة واقتصادیة

المؤلف

جامعة 6 أکتوبر

المستخلص

تهدف الورقة البحثية إلى دراسة مفهوم وتصاعد دور الشرکات العسکرية والأمنية الخاصة في هيکل نظام الأمن الدولي الحالي کفاعل مؤثر خاصة مع ظهور تهديدات أمنية جديدة استدعت توسيع مفهوم الأمن وتعميقه من مفهوم الأمن على مستوى الدولة إلى أمن المجتمعات والأفراد، ومن القضايا العسکرية إلى القضايا غير العسکرية، بالاضافة إلى ظهور مفهوم الحوکمة الأمنية وتوزيع عملية صنع السياسات الأمنية بين الحکومات الوطنية والفواعل الدولية الأخرى، وتطوير أشکال شبکية جديدة للتنسيق بين الجهات الحکومية والغير حکومية، ودراسة مدى انتشار تلک الشرکات في إفريقيا على وجه الخصوص من خلال تقديمها للخدمات القتالية والتأمينية والمساهمة في توفير البيئة المناسبة لتحقيق التنمية، وتوصلت الدراسة إلى أهمية وجود تلک الشرکات، حيث لا تعمل الشرکات العسکرية والأمنية الخاصة على تآکل سيادة الدولة بل إلى إعادة تشکيلها، فتعمل کل من الدولة والجهات الفاعلة الخاصة من أجل تعزيز سلطة الدول السيادية داخل حدودها وخارجها باعتبارها انعکاس لتطور بيئة الأمن الدولي وضروريات إعادة هيکلته ليشمل بجانب الدولة فواعل دولية أخرى.

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية


مقدمة:

يمر المجتمع الدولي بتحول في طريقة إدارة الأمن حيث أحدثت نهاية الحرب الباردة تحولا في طبيعة التهديدات الدولية، وبالتزامن مع الطريقة التي يدار بها الأمن اليوم أصبح دور الأمن الخاص واستخدامه أکثر انتشارًا في العديد من النزاعات الإنسانية وفي أحداث ما بعد الصراع، لدرجة أن صناعة الأمن الخاص العالمي أصبح بالفعل أمرًا واقعًا. وأصبحت هذه الصناعة التي يمکن القول أنها نابعة مما کان يُعرف سابقًا بالمرتزقة يشار إليها الآن بشکل أکثر شيوعًا على أنها شرکات عسکرية أو أمنية خاصة. وقد أدى الانتشار المذهل لمقدمي خدمات الأمن في جميع أنحاء العالم في السنوات الأخيرة إلى محاولة الأکاديمين فهم الظهور الجديد لصناعة تتولى بالفعل مهام أساسية في توفير الأمن العالمي. أثارت مثل هذه التطورات المستمدة من الاتجاهات الأوسع في العولمة والخصخصة القلق بين الکثيرين الذين يرون أن العمليات الأمنية الخاصة غير خاضعة للرقابة وغير منظمة ولها آثار طويلة الأجل لم يتم فهمها بالکامل بعد.

اشکالية الراسة: تتبلور اشکالية الدراسة في البحث في مدى صحة ما تثيره الشرکات العسکرية والأمنية الخاصة في تحدي الافتراضات التقليدية حول أدوار الدولة القومية باعتبارها البطل الرئيسي في الشؤون العسکرية وکضامن للأمن المادي لمواطنيها من خلال سؤال محوري هو هل تمثل تلک الشرکات تهديدا لهيمنة الدولة على أدوات العنف المادي أم تعد شريک لها في فرض سيادتها، خاصة مع طبيعة التهديدات الأمنية الجديدة، وارتباط الأمن بالتنمية مما يتطلب إعادة توزيع مهمات الأمن بين الدول والفواعل الأخرى ضمن هيکل أوسع للحوکمة الأمنية.

ومن هذا السؤال المحوري تبرز الأسئلة الفرعية التالية:

1. ما طبيعة الشرکات العسکرية والأمنية الخاصة وکيف نشأت وانتشرت خاصة في إفريقيا؟

2. ما هي طبيعة التهديدات الأمنية الجديدة التي ساعدة على انتشار تلک الشرکات؟

3. ما هي النماذج المختلفة لعمل تلک الشرکات في القارة الإفريقية وکيف أثرت عليها؟

منهج الدراسة:

تعتمد الدراسة على منهج إعادة هيکلة الأمن (The restructuring of security Approach) الذي يعتمد على دراسة التحولات المستجدة في طبيعة التهديدات الأمنية التي تتطلب إعادة هيکلة النظام الأمني التقليدي وادماج مجموعات أخرى يطلق عليها "مجموعات الأمن العالمية" global security complexes التي تشمل عدد من الکيانات مثل المنظمات الدولية والاقليمية والغير حکومية والشرکات العسکرية والأمنية الخاصة، التي تعمل على مواجهة تلک التهديدات بالتعاون مع نظم الأمن التقليدية.

المراجعات الأدبية: literature review

تناولت العديد من الدراسات موضوع الشرکات العسکرية والأمنية الخاصة ونستعرض هنا أهم الأدبيات السابقة من خلال تقسيمها إلى مجموعة الأدبيات النظرية التي حاولت تقديم تفسيرات نظرية لظاهرة شرکات الأمن الخاصة، ومجموعة الأدبيات التطبيقية التي درست دور تلک الشرکات في القارة الأفريقية.

أولا: الدراسات النظرية:

• دراسة بعنوان "التهديدات الحديثة والفواعل الجديدة في الأمن الدولي" لـ Elke Krahmann تناولت تغير طبيعة التهديدات الأمنية سواء الجريمة العابرة للحدود أو الارهاب أو الأوبئة والأمراض وغيرها من التهديدات التي کان لها أثر على صعود مفهوم الحوکمة الأمنية وتطورات بنية النظام الدولي التي استدعت هياکل أمنية جديدة لها سمات مختلفة عن الهياکل الأمنية الحکومية ولها علاقات متداخلة مع الدولة من خلال مجموعة من الشبکات العالمية مبنية على مفهوم الحوکمة الأمنية العالمية. بالاضافة إلى مبادئ النيوليبرالية وخصخصة القطاع العام وانعکاس ذلک على القطاع الأمني نفسه.

• دراسة بعنوان " خصخصة الوظائف الأمنية والعسکرية وزوال الدولة القومية الحديثة في إفريقيا" ل Michelle Small والتي انقسمت إلى قسمين؛ القسم الأول رسخ العلاقة بين الدولة والأمن، والدولة والشرکات الخاصة والآثار المترتبة على حالة الکيانات البديلة التي توفر الأمن واعتبار "الدولة الفيبرية" Weberian state’ نقطة البداية لمناقشة مدى احتکار الدولة لوسائل القهر، أما الجزء الثاني فينتقل إلى النظر في العوامل الکامنة وراء ظهور PSI شرکات الأمن الخاصة، والشرکات العسکرية الخاصة، وما هي الديناميکيات التي تدعم وجودها أو تديمه، ويدرس الدور الذي لعبته نهاية الحرب الباردة في انتشار تلک الشرکات وکذلک إلى أي مدى أدت التغييرات في السوق ونوع التهديدات الأمنية وقدرات الدولة إلى دفع القطاع الخاص إلى الأمام.

• دراسة بعنوان " إعادة التفکير في السيادة: تداعيات دور شرکات الأمن الخاصة في منع وتنظيم التدفقات غير المصرح بها" لکل من Lacin& Yildiz الهدف من هذا المقال هو دراسة الآثار المترتبة على الدور المتزايد لشرکات الأمن الخاصة داخل حدود سيادة الدولة وخارجها. يجادل هذا المقال بأن القوة المتزايدة لشرکات الأمن الخاصة في منع وتنظيم التدفقات غير المصرح بها للأفراد والبضائع تنتج اتجاهات متناقضة لسيادة الدولة. نظرًا لأن شرکات الأمن الخاصة تؤدي أدوارًا کانت في السابق خاضعة للسلطة الحصرية للجهات الحکومية ، وبالتالي فقدت الدول حصريتها فيما يتعلق بأدوارها القسرية والأداءية. ومع ذلک ، فإن خصخصة الأمن هي نتيجة لقرارات مدروسة من قبل الجهات الحکومية لزيادة قوتها القسرية ضد عابري الحدود غير المصرح لهم. على الرغم من إضعاف سيادة الدول مع خصخصة المجال الأمني، تعمل کل من الجهات الفاعلة الحکومية والخاصة على تعزيز سلطة الدول السيادية من خلال استبعاد وردع التحرکات غير المصرح بها للأشخاص والبضائع.

ثانيا: الدراسات التطبيقية:

• دراسة بعنوان " قلب مجرى الحرب: تأثير الشرکات العسکرية والأمنية الخاصة على مکافحة التمرد في نيجيريا ضد بوکو حرام" للکاتبة Caroline Varin تقيم الدراسة الدور الذي لعبته الشرکات العسکرية والأمنية الخاصة في استراتيجية مکافحة التمرد في نيجيريا، جنبًا إلى جنب مع رد الفعل اللاحق لوسائل الإعلام الدولية والمحلية على إسناد أعمال العنف إلى شرکات أجنبية. يخلص المقال إلى أنه على الرغم من الصورة المحسّنة للشرکات العسکرية والأمنية الخاصة في العالم، والتأثير الفعلي للمتعاقدين على جهود مکافحة التمرد النيجيرية، لا تزال وصمة المرتزقة تعصف بالصناعة لا سيما في أفريقيا.

• دراسة بعنوان " التوسط بين الصراع والأمن: شرکات الأمن الخاصة کبنية تحتية للأمن في جنوب إفريقيا ما بعد الفصل العنصري " للکاتب Gideon van Riet يحلل المقال إشکالية الجريمة والشرطة في جنوب إفريقيا ما بعد الفصل العنصري. وهو يعتمد على البيانات الأولية التي تم جمعها من الخدمات الشرطية الخاصة والعامة لتفسير دور شرکات الأمن الخاصة في نظام الحکم بعد الفصل العنصري وتخلص المقالة إلى أن تلک الشرکات تعمل على توفير الأمن للطبقات العليا والمتوسطة التي تسکن في الضواحي وتستطيع دفع تکلفة مثل تلک الشرکات، وفي نفس الوقت تعمل على تجنب انفجار الصراع بين العنصري المتجذر في البنية التحتية لجنوب أفريقيا عن طريق تجنب تعامل تلک العناصر مع بعضها البعض إلى حد ما .

بناء على ما سبق تحاول هذه الدراسة تقديم رؤية تجمع ما بين الدور العسکري والدور الأمني- التنموي لشرکات الأمن الخاصة في إفريقيا وذلک من خلال محورين أساسيين؛ يتناول المحور الأول مفهوم ونشأة الشرکات العسکرية والأمنية الخاصة والتفسيرات النظرية لتغير هيکل الأمن وظهور تلک الشرکات کفاعل دولي مؤثر، أما المحور الثاني فيتناول نماذج تطبيقية لدور تلک الشرکات في إفريقيا متمثلا في الدور العسکري والدور الأمني الإنمائي.

المحور الأول: الاطار النظري للشرکات العسکرية والأمنية الخاصة Private military and security companies.

أولا: المفهوم: اختلفت الآراء حول مفهوم الشرکات العسکرية والأمنية الخاصة، إذ تعددت التعريفات والمصطلحات والمسميات التي أطلقت على هذه الشرکات، حيث أطلق عليها قبل وجود إطار مؤسسي ينظمها أنها شرکات تجنيد وتأجير المرتزقة، أو شرکات المرتزقة، أو المرتزقة فقط، ويصف هذا المصطلح بحد ذاته "جنديًا على استعداد لبيع مهاراته العسکرية لمن يدفع أعلى سعر بغض النظر عن السبب". وقد بات هذا المصطلح يلازمها فترة طويلة، فقد اعتبرت الشرکات امتدادا لمفهوم المرتزقة، وأنها عملت على استيعابهم وخلق نوعًا جديدًا من الجنود يختلف تمامًا عن جيوش المواطنين النظامية والقوات المحترفة، هؤلاء الجنود هم موظفون في شرکات يسعون إلى الربح وليس لديهم علاقات خاصة بأصحاب المصالح ، إلا أن هذا المفهوم تطور بعد ظهور شرکات تمتهن تقديم الخدمات العسکرية والأمنية أطلق عليها الشرکات العسکرية الخاصة أو الشرکات الأمنية الخاصة (PSC)، أو شرکات الحماية الأمنية، أو المقاولون، أو المتعاقدون المدنيون، أو الشرکات العسکرية والأمنية الخاصة (PMSCs) فأصبح ينظر اليها على أنها شکل حديث من الشراکة بين القطاعين الخاص والعام، تحقق أهدافها في الغالب عن طريق الاکراه، حيث تعتمد على مفهوم التهديد والقوة أکثر من مفهوم الشراکة، وتضاعف قوتها بالتحالف مع المؤسسات المحلية التي تکون أساس الحفاظ، بل ومضاعفة قوة تلک الشرکات، وبالتالي أطلق على نموذج الشراکة هذا ما يسمى "بالعنف المخصص" privatized violence. وتمثل الشرکات العسکرية والأمنية الخاصة الآن أشکالًا مؤسسية على غرار بقية الأعمال التجارية في عالم اقتصادي موحد غالبية عملائها حکومات دول .

وقد تناولت عدة وثائق دولية التعريف بالشرکات العسکرية والأمنية الخاصة، وتحديد طبيعة النشاط الذي تضطلع به، کما جاء ذکر هذه الشرکات في التقارير الدورية للأمم المتحدة حول النزاعات المسلحة، حيث عرفها مرکز جينيف للرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة عام 2006 The Geneva Centre for the Democratic Control of Armed Forces (DCAF) بأنها تمثل شرکات تجارية تقدم خدمات متخصصة تتعلق بالحروب والمنازعات، بما فيها العمليات القتالية والتخطيط الاستراتيجي، وجمع المعمومات الاستخباراتية والدعم العملياتي والدعـم اللوجستي والتدريب وشراء الأسلحة، والمعدات العسکرية وصيانتها ولهذه الشرکات هيکل تنظيمي فهي شرکات تجارية مسجلة دافعها تحقيق الربح بشکل أساسي وليس لها أهداف سياسية .

ويعرفها Theodore Baird من خلال ثلاثة مستويات حسب الاحتياجات الدولية : المستوى الأول هو مستوى الخدمات الأمنية الخاص بالانتاج العسکري واستخدام القوة المباشر، المستوى الثاني وهو مستوى الخدمات التقنية والدعم اللوجستي المزدوجة الاستخدام والتي يمکن تکييفها على السياق القتالي أو السياق المدني بما في ذلک سياقات مراقبة الحدود والتدريب والأنشطة الاستخباراتية، أما المستوى الثالث فهو المشارکة في أنشطة الضغط حيث تمثل قطاعا ذا أهمية مالية کبيرة للدول الحاضنة لتملکها ميزانيات ضخمة، فعلى سبيل المثال بلغ حجم مبيعات مثل تلک الشرکات في الاتحاد الأوروبي عام 2014، 79.3 مليار يورو.

أما Perter W. Singerفأطلق على هذه الشرکات مصطلح "سن الرمح" Tip of the spear في ساحة المعرکة وميزها على أساس "نوع الخدمات" ونوع القوة المستعدة لاستخدامها، والتي تنقسم إلى ثلاث مجموعات هي: مؤسسات الإمداد العسکرية Military provide firms التي تقدم الخدمات في خط الجبهة، ومجموعة مؤسسات الاستشارات العسکرية Military consulting firms التي تقدم الخدمات الاستشارية والتدريبية، ومجموعة الدعم العسکرية Military Support firms وهي المؤسسات التي تقدم مساعدات ومعونات غير عسکرية تشمل وظائف لوجستية من قبيل اطعام القوات وتوفير أماکن مبيته بالاضافة إلى العمليات الاستخبارتية .

کذلک استخدمت Deborah Avant تشبيه سن الرمح في تعريفها لتلک الشرکات مستندة على "العقود" Contracts التي تبرمها تلک الشرکات وليس الخدمات التي تقدمها حيث رأت أن تصنيف الشرکات بناء على نوع الخدمات التي تقدمها قد لا يعکس الواقع، فالشرکة نفسها يمکن أن تقدم أنواع مختلفة ومتعددة من الخدمات في کل عقد، بمعنى الشرکة قد تقدم نوع الخدمة )أ) في عقد (1)، وتقدم نوع الخدمة (ب) في عقد (2)، وصنفت Avant الخدمات إلى نوعين من الوظائف: وظائف شرطية تتمثل في تأمين المواقع العسکرية، وتأمين المواقع الغير عسکرية (الحيوية)، وتقديـم الاستشارات والتدريبات الشرطية، ومنع الجريمة والوصول إلى المعلومات، ووظائف عسکرية تتمثل في الدعـم العملياتي المسلح، والدعم غير القتالي في مسرح العمليات والاستشارات العسکرية غير القتالية والتدريب العسکري، والدعم اللوجيستي . وقد امتلکت هذه الشرکات القدرة على حشد الجيوش والقوات البحرية وإعلان الحروب والحصول على حقوق التجارة وإنشاء الموانئ والمدن، کل ذلک نيابة عن دولهم الأصلية. وبهذه الطريقة عملوا کـ "کيانات لها شبه سيادة"semi-sovereign entities" تتمتع بامتياز صنع الحرب والعنف.

ثانيا: النشأة: من الصعوبة بمکان الحسـم ببداية نشأة وظهور الشرکات العسکرية والأمنية الخاصة ککيانات تجارية لها وضع قانوني تمارس من خلاله نشاطها الخاص في المجال العام، فالبعض يرجع نشأة هذه الشرکات إلى عام 1949 وتحديدا عقب الحرب العالمية الثانية عندما تأسست شرکة Dyncorp من قبل عدد من المحاربين القدامى في الحرب العالمية الثانية وکان نشاط الشرکة وقتئذ هو توفير أفراد يملکون خبرات فنية في مجال صيانة الطائرات العسکرية، بينما يرجع البعض الآخر نشأة هذه الشرکات إلى الستينات عندما قام الکولونيل ديفيد ستيرلينغ David Stirling بتأسيس شرکةWatch Guard international Guard عاـم 1967 التي اعتمدت على توظيف أفراد سابقين من القوات الجوية الخاصة للقيام بتدريب عسکري لأفراد قوات دول أجنبية في إفريقيا وأمريکا اللاتينية وشرق آسيا . وبالرغم من الاختلاف حول تاريخ تأسيس هذه الشرکات إلا أنها بحلول منتصف السبعينيات کانت هذه الصناعة قد أثبتت نفسها بالفعل کممثل تجاري جاد. لکن لم تبدأ الصناعة في تحقيق نمو کبير حتى نهاية الحرب الباردة، وانتشرت على نطاق أوسع بعد هجمات 11 سبتمبر ، وبالرغم من منع القانون الدولي أعمال المرتزقة إلا أن تعريفه للمفهوم کان ضيق للغاية لا يشمل الشرکات الأمنية الخاصة في ذاتها والتي قامت على مبدأ الخصخصة privatization في المجال الأمني من تحويله من القطاع العام إلى القطاع الخاص والتي تعرف في المؤسسات العسکرية "بخصخصة الامن" security privatisation.

وتشير التقديرات إلى أن السوق العالمي للأمن الخاص تبلغ قيمته حوالي 3 مليارات دولار. هذا الرقم، مع ذلک، مخصص فقط لتوفير الأمن ولا يشمل خدمات مثل التدريب وإزالة الألغام والدعم اللوجستي، والآن حوالي 70 في المائة من هذه الشرکات هي في الأصل من الولايات المتحدة الأمريکية والمملکة المتحدة.

ويشير منظروا الأمن إلى أن صعود شرکات الأمن الخاصة بعد نهاية الحرب الباردة هو مؤشر على فقدان الدولة لاحتکارها للقوة العسکرية القسرية لصالح الأمن الخاص، کما يذهب بعض المراقبين إلى أبعد من ذلک ويشجعون نشاط هذه الشرکات، على سبيل المثال يجادل ألفين وهايدي توفلر بأنه عندما تفقد الدول بالفعل احتکار العنف فمن المهم وجود بديل لها، وبالتالي يمکن إنشاء قوات عسکرية تطوعية من قبل شرکات خاصة لخوض الحروب على أساس رسوم تعاقدية . الا أن دنيجان Dunigan يحلل أهمية تلک الشرکات من حيث مدى "الفعالية العسکرية"military effectiveness من خلال سبع مهام محددة مرتبطة بها هي: القتال الحربي، ومهمة الإخلاء، وحفظ السلام، ومکافحة التمرد، ومکافحة الإرهاب، والمساعدة الأمنية، وإعادة الإعمار .

وبالنسبة للعلاقة بين الشرکات الخاصة وحکومتها فهي علاقة معقدة ليست ذات اتجاه واحد حيث تکون الحکومة هي السيد والشرکة هي التابع، فيقدم أورتز صورة للعلاقة حين يذکر أن الشرکات تتمتع بمساحة جيدة من الاستقلالية عن حکومتها فيما يتعلق باستخدام القوة المسلحة والحفاظ على جيوشها، وبالتالي فالشرکات الخاصة والدول يتشارکوا في نفس الخصائص المتعلقة بالحفاظ على القوة والجيوش، ومن هنا فتتمتع تلک الشرکات بنفس خصائص الدولة الحديثة وهذا ما يجعل الخط الفاصل بين السلطات العامة للدولة والحقوق والواجبات الخاصة بشرکات الأمن الخاصة غير واضح ، أما دنيجان فيکشف ثلاثة نماذج متميزة أو علاقات بين القوات الأمنية الخاصة والقوات النظامية، النموذج الأول يظهر في حالة وقوف قوات الأمن الخاصة المنتشرة جنبًا إلى جنب مع الجيش الوطني وأشار إلى حالة کلا من أفغانستان والعراق، والنموذج الثاني هو نموذج الشرکات الخاصة التي تم توظيفها بدلاً من الجيوش الوطنية مثل ما حدث في کرواتيا ولبنان وسيراليون. أما النموذج الثالث فتفحص المرتزقة والقوات المساعدة المدمجة في الجيوش الوطنية .

ثالثا: إعادة هيکلة الأمن وتفسير ظهور الشرکات العسکرية والأمنية الخاصة کفاعل مؤثر: ظهرت عدة تفسيرات نظرية لتبرير أهمية إعادة هيکلة الأمن وضرورة وجود فواعل أخرى مثل الشرکات العسکرية والأمنية الخاصة لمواجهة التهديدات الأمنية الجديدة والاتجاهات الحديثة لخصخصة الأمن وأهمية تلازم الأمن مع ضرورات التنمية بمفهومها الشامل المعتمد على الفرد، وتضمنت تلک الاتجاهات ما يلي:

1- منظور تغير بيئة التهديد الأمني Changing threat environment: إن تغير بيئة التهديد أدى إلى تغير في عملية صنع السياسة الأمنية وتنفيذها making and implementation of security policies، وتغير في التحليل النظري للأمن theoretical analysis of security، ويعرف "التهديد الأمني" على أنه حدث له عواقب سلبية محتملة على بقاء أو رفاهية دولة أو مجتمع أو فرد، ويشير المفهوم إلى عدة ملاحظات ؛ أولاً: أن التهديد الأمني يشير إلى حدث مستقبلي محتمل، أي أن تقييم شيئًا ما أنه يمثل تهديدًا يعتمد إلى حد کبير على الاحتمال المنسوب إلى الحدث، فيُنظر إلى بعض الأحداث السلبية على أنها غير مرجحة لدرجة أنها لم تعد تُعتبر تهديدًا أمنيًا، ثانيًا: يتسم التهديد الأمني بکثافة آثاره المحتملة، أي ما إذا کان يعرض للخطر بقاء البشر أو مجرد رفاههم، ثالثًا: يتم تعريف التهديد الأمني من خلال النطاق الجغرافي لتأثيراته، رابعا: يمکن تصنيف طبيعة التهديد الأمني حسب موضوعه، حيث يتم التمييز بين التهديدات وفقًا لما إذا کانت موجهة إلى جماعة، مثل دولة أو عرق أو مجموعة دينية، أو إلى أفراد.

أ.سمات التهديدات الأمنية الجديدة:

• احتمالية عالية للحدوث في ظل الأشکال الجديدة من التهديدات ؛ فالتهديدات الجديدة تزيد احتمالية حدوثها في ظل الأشکال الجديدة من التهديدات مثل الارهاب، والجريمة عبر الوطنية والصراعات الأهلية والأمراض الوبائية والتي تعتبر أکثر انتشارا، فعدد ضحايا الارهاب في ارتفاع منذ الستينات، کما أن ضحايا الأمراض والأوبئة في تزايد کبير، فقد حصد مرض الايدز حياة 3 ملاين في عام 2003، کما حصد فيروس کورونا المستجد حياة مليون و861 ألف شخص في عام واحد، مما يجعل الفرصة الإحصائية لأي فرد يتأثر مباشرة بواحد أو أکثر من هذه التهديدات خلال حياته اليوم أعلى بکثير من خطر الحرب النووية التي کانت خلال فترة الحرب الباردة.

• لا تستهدف الدول فقط بل المجتمعات والأفراد ؛ فالتهديدات الجديدة مثل الحرب الأهلية والإرهاب والجريمة العابرة للحدود وانتشار الأسلحة الصغيرة والأوبئة والأمراض، هي تهديدات عبر وطنية. وباستخدام نفس التقنيات ووسائل النقل التي أفادت عولمة التجارة والتمويل، توضح هذه التهديدات الأمنية عبر الوطنية أن التکامل العالمي لا يمکن أن يؤدي فقط إلى فرص جديدة ولکن أيضًا إلى مخاطر جديدة. وعلى وجه التحديد، فإن قدرتهم على عبور الحدود الوطنية مع القليل من العوائق تقوض الأحکام الأمنية التي وضعها نظام قائم على الدول القومية ذات السيادة. Sovereign nation-states.

وبناء على الأشکال الجديدة والسمات المختلفة للتهديدات کان على الحکومات والمنظمات الدولية أن تدرک أن ترتيباتها الأمنية المعمول بها مثل القوات المسلحة الدائمة الکبيرة وحماية الحدود الوطنية، غير مناسبة لمحاربة التهديدات عبر الوطنية الجديدة. ومع ذلک فلا يکفي أن تکيف الحکومات استراتيجياتها لمواجهة هذه التهديدات الأمنية، بل أصبح هناک حاجة في إعادة النظر في مفهوم الحدود الوطنية والسيادة التي وفرت الأساس للأمن الوطني والدولي في الماضي والتي أصبحت الآن تشکل عقبة في کثير من الأحيان، ومن هنا تتطلب التهديدات عبر الوطنية إعادة النظر في هيکلة الأمن وکيفية تحقيقه بالتعاون مع فاعلين غير حکوميين لمواجهة ذلک النوع من التهديدات.

 وقد انقسم هؤلاء الفاعلون إلى نوعين؛ النوع الأول يتمثل في الجهات الفاعلة الخاصة مثل الشرکات الخاصة والجمعيات المحلية وجماعات الضغط المحليه وکذلک المنظمات غير الحکومية الوطنية والدولية، أما النوع الثاني فيتمثل في المؤسسات المتعددة الأطراف التي شکلتها الدول القومية ذات السيادة.

ويقر بعض الکتاب بأن شرکات الأمن الخاصة تبدوا أکثر ملاءمة لمواجهة التهديدات الأمنية المعاصرة لأنها يمکن أن تعمل عبر حدود الدولة من خلال بناء علاقات وطنية وتعاون متعدد الأطراف. وبالمثل، اضطرت العديد من الحکومات إلى الاعتراف بأن النظام القائم على السيادة الوطنية يمکن أن يکون غير فعال إلى حد ما عندما يتعلق الأمر بمکافحة الانتشار العابر للحدود أو الجريمة أو الإرهاب أو الفيروسات والأوبئة. ونظرًا لأن التهديدات الأمنية الجديدة تستهدف في الغالب الأفراد وليس الدول، تجد الحکومات أن الجهات الفاعلة الفرعية مثل المنظمات غير الحکومية والشرکات العسکرية الخاصة يمکن أن تساعد في توفير الأمن على هذا المستوى . علاوة على ذلک، نظرًا لأن التهديدات مثل الإرهاب وانتشار الأسلحة الصغيرة تعمل عبر الحدود الوطنية، فإن العديد من الدول القومية تقبل التعاون متعدد الأطراف من خلال الأنظمة أو المؤسسات الخاصة واعطاء أهمية لها.

ب.أثر التهديدات الأمنية الجديدة على صعود الشرکات الأمنية الخاصة:

أصبح صنع السياسات الأمنية وتنفيذها مجزءا بشکل متزايد بين العديد من الجهات الفاعلة، بما في ذلک الدول والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحکومية والشرکات العسکرية الخاصة. وقد عکست نظرية العلاقات الدولية هذه التحولات من خلال ثلاثة تطورات على وجه الخصوص شملت: توسيع مفهوم الأمن broadening of the notion of security، وظهور مفهوم الحوکمة الأمنية security governance، وتحليل الشبکات عبر الوطنية analysis of transnational networks.

• توسيع مفهوم الأمن: بني التحدي لمفهوم الأمن المتمحور حول الدولة والذي سيطر عليه معيار الانضباط على الحجة القائلة بأن نهاية مواجهة القوى العظمى قد قللت بشکل کبير من احتمال نشوب حرب بين الدول، في حين أن التهديد من الحرب الأهلية والجريمة عبر الوطنية والإرهاب والأمراض المعدية يبدو أنه زاد، وبالتالي کان لابد من تعميق وتوسيع مفهوم الأمن من مستوى الدولة إلى المجتمعات والأفراد، ومن القضايا العسکرية إلى القضايا غير العسکرية . وبالرغم من مجادلة بعض الأکاديمين لفائدة توسيع مفهوم الأمن أمثال Stephen Walt الذي رأى أن توسيع مفهوم الأمن سوف "يدمر تماسکه الفکري ويزيد من صعوبة إيجاد حلول لأي من هذه المشاکل المهمة"، وOle Wæver الذي حذر من أن "إضفاء الطابع الأمني" “securitization” على قضية ما، أي اعتبارها قضية أمن قومي أو دولي، "يميل إلى طرق محددة لمعالجتها: التهديد والدفاع والحلول التي تتمحور حول الدولة في کثير من الأحيان" ، إلا أن الفهم الأوسع للأمن أصبح الآن مقبولًا على نطاق واسع ليس فقط في نظرية العلاقات الدولية، ولکن أيضًا بين صانعي السياسات. حيث يشمل مجال العلاقات الدولية اليوم عددًا متزايدًا من الدراسات حول الأمن البيئي والأمن البشري والأوبئة وفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز کمسألة أمنية. وتجادل هذه الدراسات بأن فحص التهديدات الأمنية الجديدة لا يجب أن ينتقص من تحليل الحرب بين الدول بل يکملها، کما يمکن أن يساعد فهم الآثار الأمنية للتدهور البيئي والتخلف والأمراض في تفسير وحل النزاعات داخل الدول وبينها، وقد اتضح ذلک في تقديرات الأمن القومي في العديد من الدول. علاوة على ذلک، قامت المنظمات الدولية، مثل الناتو ومؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا على سبيل المثال، بتوسيع نطاق وظائفها الأمنية لتشمل مکافحة الإرهاب وحفظ السلام الدولي وإعادة توطين اللاجئين وتعزيز المجتمع المدني من بين أمور أخرى، حتى الاتحاد الأوروبي الذي کان يُنظر إليه على أنه منظمة اقتصادية يقوم بتعريف مجموعة متزايدة من مخاوفه فيما يتعلق بالأمن بما في ذلک الهجرة والمساعدة الإنمائية .

• ظهور مفهوم الحوکمة الأمنية: نتيجة تعدد المخاوف الأمنية مع نقص الخبرة في المجالات الأمنية التقليدية، تم توزيع عملية صنع السياسات الأمنية بين الحکومات الوطنية والمنظمات الوطنية وبين الجهات الفاعلة الخاصة مثل شرکات الأمن الخاصة، وهو ما عرف "بالحوکمة" governance الذي يشير إلى نمط مجزأ لصنع السياسات يشمل الجهات الفاعلة الحکومية وغير الحکومية على المستويات المحلية والوطنية والدولية، وهو عکس مفهوم الحکومة government والذي يشير إلى نظام السيطرة السياسية المرکزية داخل الدولة، ويعرف کلا من Gordenker and Weiss الحوکمة العالمية global governance بأنها "جهود لتقديم استجابات أکثر تنظيماً وموثوقية للقضايا الاجتماعية والسياسية التي تتجاوز قدرات الدول على معالجتها بشکل فردي. مثل عالم المنظمات غير الحکومية، وتنطوي الحوکمة العالمية على غياب السلطة المرکزية، والحاجة إلى التعاون والمشارکة بين الحکومات وغيرها ممن يسعون إلى تشجيع الممارسات والأهداف المشترکة في معالجة القضايا العالمية" . وقد ساهمت عدة عوامل للانتقال من مفهوم الحکومة إلى مفهوم الحوکمة في مجال الأمن ، کان العامل الأول ضغوط الميزانية التي شجعت على الاستعانة بمصادر خارجية وخصخصة وظائف أمن الدولة في محاولة لتحسين الکفاءة، وظهور مبادئ الليبرالية الجديدة، المبنية على الاعتبارات المالية (الميزانية) للدول، وتعظيم المکاسب والعقلانية الاقتصادية، والنظر إلى خصخصة الأمن بأنه تحول نحو ما يسمى "بتسويق الأمن " Security of Marketizationوبما أن الأيديولوجيا الليبرالية الجديدة ترتکز على تعظيم المنافع والعقلانية الاقتصادية، فإن هيمنة السياسات الاقتصادية الليبيرالية سهلت مسألة خصخصة القطاع الأمني والذي يطلق عليه "سوق السلطة " للشرکات الأمنية الخاصة، وبالتالي فإن خصخصة الأمن ليست مرتبطة بسياقات سياسية دولية فقط وانما بوجود سياقات اقتصادية –ربحية- کانت نتيجة لتغيرات في بنية النظام الدولي ، والعامل الثاني هو الوعي المتزايد بالمشاکل العالمية والتهديدات الأمنية الجديدة مثل الجريمة عبر الوطنية والإرهاب والهجرة، والتي لا يمکن حلها إلا من خلال التعاون الدولي، أما العامل الثالث هو العولمة، وتحديداً زيادة الاتصال عبر الوطني الذي يبدو أنه يؤدي إلى خلق أو تفاقم العديد من هذه المشاکل، وقد تم تحديد سبعة أبعادا رئيسية يمکن من خلالها رسم اطار تحليلي لصنع السياسات يوضح التحول من الحکومة إلى الحوکمة في مجال الأمن، هذه الأبعاد تشمل الجغرافيا والوظيفة وتوزيع الموارد والمصالح والمعايير واتخاذ القرار وتنفيذ السياسات؛ فيشير البعد الأول إلى أنه يمکن التمييز بين الحکومة والحوکمة من حيث النطاق الجغرافي لترتيبات صنع السياسة. وبالتالي يمکن تعريف الحکومة على أنها أنماط مرکزية للحکم تقوم على الدولة کوحدة رئيسية، في حين تتميز الحوکمة بتجزئة السلطة السياسية بين الکيانات الخاصة الإقليمية والعالمية وعبر الوطنية. وفي مجال الأمن، اشتمل التجزئة الجغرافية بشکل خاص على تفويض المهام الأمنية من الدولة إلى المستوى الإقليمي مثل الناتو والاتحاد الأوروبي، وإلى المستوى العالمي مثل الأمم المتحدة وإلى الجهات الفاعلة الخاصة مثل المنظمات غير الحکومية والقطاع الخاص وشرکات الأمن . أما البعد الثاني فيفترض وجود ترتيبات في صنع السياسة policy-making arrangements يمکن أن تختلف بين المرکزية الوظيفية والتمايز الوظيفي functional centralization and differentiation. ومن ثم فإن التحول إلى الحوکمة الأمنية يُشار إليه من خلال تقسيم العمل الخاص بقضية معينة مثل بعثات حفظ السلام الدولية الأخيرة ليوغوسلافيا السابقة، حيث وفرت الأمم المتحدة أو الناتو الأمن العسکري، بينما تعاملت المنظمات غير الحکومية مع المساعدات الإنسانية، وقدمت شرکات الأمن الخاصة الدعم اللوجستي، والبعد الثالث الخاص بتوزيع الموارد distribution of resources هو توزيع الموارد بين مجموعة من الجهات الفاعلة في القطاعين العام والخاص الذين يتعين عليهم تنسيق جهودهم من أجل حل المشاکل المشترکة، أما البعد الرابع وهو بعد المصالح فيميز بين المصالح المشترکة والأخرى المتمايزة؛ فيرى أن الفرضية الأساسية للحکومة المرکزية هي المصالح الفردية المشترکة، بينما في الحوکمة فتقبل المصالح الغير متجانسة والمتضاربة في بعض الأحيان، ويحدد البعد الخامس المعايير المتباينة التي تقوم عليها الحکومة والحوکمة، والتي تعمل على إما تعزيز دولة قوية أو إعطاء الأولوية لتقرير المصير للجهات الفاعلة العامة والخاصة، وبالنسبة للمعايير التي تعزز السلطة المرکزية للدولة في مواجهة الفواعل الوطنية والدولية فتشمل، السيادة sovereignty، والقيادة والسيطرة command and control، ومثالية التوزيع ideal of redistribution، أما المعايير الخاصة بالتمايز differentiation فتتبلور في القيود المتزايدة في السيادة الوطنية، والحکم الذاتي، والتسويق في مجال الأمن limitation

 of national sovereignty, self-government, and marketization. وبالنسبة للبعدين السادس والسابع، فيرکزان على صنع القرار السياسي وعملية التنفيذ؛ فعادة ما تکون عمليات صنع القرار التي تتمرکز داخل الحکومات هرمية وديمقراطية وتوافقية، وعلى العکس من ذلک يتم تعريف الحوکمة من خلال العلاقات الأفقية بين الجهات الحکومية وغير الحکومية والتفاوض وعدم المساواة الهيکلية، وبالمثل فإن تنفيذ السياسة في الحکومة مرکزي وسلطوي وإذا لزم الأمر قسري، بينما تتضمن الحوکمة التنفيذ اللامرکزي والسياسات ذاتية التنفيذ والامتثال الطوعي، وفي الأمن العالمي يتضح صعود الحوکمة من خلال انتشار الفاعلين غير الحکوميين المنخرطين في التدخلات الدولية الرئيسية وظهور التعاون المدني العسکري civil–military cooperation (CIMIC) کمفهوم وکترتيب لصنع السياسات.

• الحوکمة والشبکات: Governance and networks. من سمات التحول من الحکومة إلى الحوکمة تطوير أشکال شبکية جديدة للتنسيق بين الجهات الحکومية وغير الحکومية. تُعرَّف الشبکات على أنها مجموعات من الجهات الفاعلة التي تشترک في مصلحة مشترکة في مجال قضية معينة وترتبط ببعضها البعض من خلال علاقات رسمية أو غير رسمية مستقرة. يمکن أن تشمل الروابط المحلية وعبر الوطنية والدولية. علاوة على ذلک، تسمح الشبکات بمزيج من العلاقات التي تتراوح من الهرمية إلى الأفقية، ومن الحکومة إلى السوق. وأساس علاقات الشبکة عادةً هو تبادل المعلومات أو المال أو الدعم السياسي أو الالتزامات بالسلوک التعاوني بين الجهات الفاعلة المعنية، کما تتسم بالمرونة والعلاقات عبر الوطنية والمعرفة المحلية والکفاءة.

تعتبر هذه الشبکات مناسبة بشکل خاص للتنسيق السياسي في الحوکمة العالمية والأمنية لعدة أسباب : أولاً؛ نظرًا لإدراج العلاقات غير الرسمية وهيمنتها بشکل متکرر، فإن الشبکات تتسم بالمرونة ويمکنها التکيف بسرعة وسهولة نسبيًا مع الجهات الفاعلة أو المطالب الجديدة. في حين أن الروابط المؤسسية الرسمية تتطلب وقتًا وموارد کبيرة من أجل ترسيخها في القانون الوطني أو الأنظمة الدولية، کما يمکن إقامة علاقات غير رسمية على الفور بين الجهات الفاعلة التي لها مصلحة في التبادل أو التعاون بشأن قضية معينة، ويمکن للجهات الفاعلة الجديدة الدخول في هذه العلاقات على أساس قدراتها وفتح قنوات الاتصال. والرد على القضايا أو المشاکل الجديدة من خلال تشکيل شبکات جديدة بين الجهات الفاعلة المتأثرة أو عن طريق تحويل الشبکات القائمة من أجل توسيع نطاقها أو قدراتها، ثانيًا؛ من خلال تجاوز العلاقات المؤسسية التقليدية بين الدول أو بين الجهات الحکومية وغير الحکومية ، يمکن للشبکات أن تمتد عبر الحدود والسيادة الوطنية. وبالتالي يمکن للشبکات أن تتصدى للتهديدات الأمنية العابرة للحدود مثل الإرهاب والجريمة العابرة للحدود والأوبئة وانتشار الأسلحة الصغيرة بشکل أکثر فعالية. وغالبًا ما تتضمن هذه الشبکات تعاونًا رسميًا في المنظمات عبر الوطنية مثل الإنتربول أو الأنظمة الدولية مثل مجموعة موردي المواد النووية. ومع ذلک، فإنهم في کثير من الأحيان يعتمدون على الروابط الخاصة العابرة للحدود، ولا سيما داخل الاتحادات الخيرية charitable federations مثل جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر الدولية وغيرها، ثالثا؛ من خلال العلاقات الأفقية واللامرکزيةdecentralization and horizontal ، تعمل تلک الشبکات على تعزيز التبعة subsidiarity، بمعنى أن صنع وتنفيذ السياسات يکون بمشارکة کلا من المعنيين بالأمر والمتأثرين به أيضا، وبالتالي تشجع تلک الشبکات على تطوير حلول مختلفة لعالم معقد بدلا من فرض سياسات موحدة وموجهة مرکزيا، علاوة على ذلک تعمل تلک الشبکات على تعزيز استخدام المعارف والموارد المحلية مما يفيد التقدم طويل الأجل للمجتمعات المتأثرة affected communities، وغالبًا ما يکون الاعتماد على المجموعات والموظفين والأصول المحلية للمجتمعات المتأثرة أکثر فعالية من حيث التکلفة عنها من استخدام القدرات المرکزية للدولة أو لمنظمة المنشأ، فتحاول الدول والمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة بشکل متزايد في مجال الحوکمة الأمنية تطوير ما يسمى "المجتمع المدني" civil society” في شکل مجموعات محلية أو إقليمية يمکنها المساعدة في القضايا الأمنية وإعادة الإعمار بعد النزاعات، بالإضافة إلى ذلک توظف المنظمات غير الحکومية والشرکات العسکرية الخاصة إلى حد کبير موظفين محليين للعمل.

ولا يقتصر تطور تلک الشبکات بين الجهات الحکومية وغير الحکومية المعنية بتوفير الأمن ومواجهة التهديدات فقط، بل تظهر مثل تلک الشبکات کنظام تشغيل أيضا بين کيانات الإرهاب والمجرمين العابرين للحدود يطلق عليها “dark networks” بحيث تستفيد من نفس خصائصها في التواصل وإدارة عملها، وهذا ما قد يأسس وجود هياکل مماثلة بين التهديدات الجديدة والجهات الفاعلة الجديدة في إدارة الأمن .

2- منظور الأمن والتنمية: The Security-Development nexus perspective احتلت العلاقة بين الأمن والتنمية مرکز الصدارة في فترة ما بعد الحرب الباردة وخاصة بعد هجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة، فالأمن الذي تم تحديده تقليديًا في سياق حماية وحدة الأراضي وحماية مصالح الدولة من خلال استخدام أدواتها القسرية والسياسية محليًا ودوليًا، تم توسيعه منذ ذلک الحين في فترة ما بعد الحرب الباردة، وأصبح تعريف الأمن يشمل التهديدات غير العسکرية التي تؤدي إلى صراع عنيف مما يؤثر على أمن الأفراد والمجتمعات والدول، ومن ناحية أخرى، أصبحت التنمية تشير إلى "مجموعة العمليات والاستراتيجيات التي تسعى المجتمعات والدول من خلالها إلى تحقيق مستويات أکثر ازدهارًا وإنصافًا للمعيشة بشکل طبيعي من خلال توفير أنشطة النمو الاجتماعي والاقتصادي مثل التعليم وتطوير البنية التحتية وتوفير الرعاية الصحية" .

ويشير Barrett (2018) إلى أن العلاقة بين الأمن والتنمية أصبحت محورًا رئيسيًا في الخطاب الأکاديمي وفي السياسة والممارسة. کما أکدت الحکومات والوکالات الإنسانية والباحثون بأن ظروف الحاجة وانعدام الأمن تحتاج إلى معالجة جماعية لأنها تعزز بعضها البعض، وفي تقرير الأمم المتحدة لعام 2004 الصادر عن الفريق الرفيع المستوى التابع للأمين العام المعني بالتهديدات والتحديات والتغيير، عالم أکثر أمناً: مسؤوليتنا المشترکة، قال کوفي عنان إن التنمية والأمن مرتبطان بشکل معقد. وأکد أنه من أجل خلق عالم أکثر أمنًا، يجب إعطاء البلدان الفقيرة فرصة للتطور، خاصة وأن الفقر المدقع لا يشکل تهديدات مباشرة للناس فحسب، بل يوفر أيضًا أرضًا خصبة لتهديدات أخرى مثل الصراع الأهلي .

وقد أبرزت أجندة الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة التي تم تبنيها في عام 2015 الحاجة إلى إطار تحولي للقضاء على الفقر وتحقيق أهداف التنمية المستدامة والتوازن بين الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والحوکمة والأمن. إلى جانب ذلک ، فإن الإجماع الأوروبي للاتحاد الأوروبي لعام 2017 بشأن التنمية يضع أهدافه ضمن أجندة 2030 ولا يزال يسلط الضوء على الحاجة إلى القضاء على الفقر بالاضافة إلى الحفاظ على السلام ومنع النزاعات، حيث أشار الاتحاد الأوروبي أن "الفقر والصراع والهشاشة ... مترابطة بشدة ويجب معالجتها"، وقد تم تعزيز هذا التصور من قبل مجلس الاتحاد الأوروبي في عام 2017 ، والذي أقر باستنتاجات الإعلان المشترک للاتحاد الأوروبي ولکنه ذهب إلى أبعد من ذلک للتأکيد على الحاجة إلى التعامل مع الأسباب الجذرية للضعف والهشاشة والصراع مع تلبية الاحتياجات الإنسانية . وقد ظهرت شرکات الأمن الخاص کفاعل دولي يعمل على توفير بيئة أمنية توفر أسباب التنمية خاصة في الدول التي تعاني من عدم استقرار داخلي مثل دول أفريقيا التي تلعب فيها الشرکات الأمنية والعسکرية الخاصة دور کبير في توفير الأمن والحماية مما يعطي الفرصة للتنمية.

المحور الثاني: دور شرکات الأمن الخاصة في أفريقيا: هناک أشکال متنوعة من شرکات الأمن الخاصة في أفريقيا من حيث مصادرها وآثارها وأدوارها؛ فقد تتواجد تلک الشرکات من خلال الجيوش المستأجرة للمشارکة بنشاط القتل أو الاطاحة بالحکومات أو المتمردين أو مواجهة الجماعات الارهابية أو تتواجد بما لها من دور أمني-إنمائي متعلق بالأمن سواء کانت جزءا من عمليات حفظ السلام أو التدريب العسکري والمساهمة في برامج اصلاح قطاع الأمن التي تمولها الحکومات المانحة، وهنا تعمل هذه الشرکات جنبا إلى جنب مع جيوش الدولة ودعمها.

أولا: أسباب انتشار شرکات الأمن الخاصة في أفريقيا:

مع تعدد الأدوار التي تلعبها الشرکات العسکرية والأمنية الخاصة، زاد اعتماد بعض الدول الإفريقية عليها خلال العقد الأخير مما أدى إلى توسع دورها في المنطقة وزيادة نفوذها السياسي والاقتصادي والعسکري، وکان هناک عدة أسباب ساعدت في وجود تلک الشرکات في القارة الإفريقية تبلورت في:

أ. ضعف الدولة ونقص القدرات الوطنية بمختلف مستوياتها مما أدى إلى ظهور مشکلات عديدة لا تستطيع الجيوش المحلية مواجهتها کالدعوات الانفصالية والجماعات الارهابية حيث استدعى ذلک الاستعانة بکيانات خاصة لفرض الأمن والسيطرة .

ب. انتشار الصراعات المسلحة والحروب الأهلية والانقلابات في معظم دول القارة الإفريقية خاصة منذ نهاية الحرب الباردة مما أدى إلى عدم الاستقرار وظهور العديد من المشکلات الداخلية بالاضافة إلى زيادة الاتجار بالأسلحة وعسکرة المجتمعات .

ج. ظهور الجماعات المسلحة وأمراء الحروب والمتمردون والمليشيات المدربون على العمليات العسکرية ضد القوات الحکومية والتي قد يصل عددهم إلى عدة آلاف قد يسيطرون على جزء من اقليم دولتهم أو التعدي على أجزاء من دول أخرى .

د. وجود أنشطة للشرکات الدولية في الدول الافريقية وزيادة وعيهم بالمخاطر وانعدام الأمن مما ساهم في زيادة استيعابهم بأهمية الاستعانة بشرکات أمن خاصة لحمايتهم.

ه. الممارسات العالمية ودور المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي في الضغط لتقليص الحجم والتکلفة في القطاع الحکومي والاستعانة بمصادر خارجية مما أثر على قدرات الأمن الحکومي نتيجة اجراءات التقشف مقابل التوسع في القطاع الخاص، حيث أدت برامج التکيف الهيکلي التي استمرت لعدة عقود إلى تقويض القدرة الادارية للدولة بشدة، وأدى التعديل الهيکلي والتقشف الاقتصادي إلى انخفاض موارد الشرطة وأجورهم هم وجنود الجيش مما أدى إلى لجوء الجنود ورجال الشرطة إلى استغلال سلطتهم لتحقيق منفعتهم الخاصة لمواجهة الأجور المنخفضة مما أدى إلى تصاعد الفساد والرشاوي والتواطؤ مع المجرمين، وقد انعکس ذلک على تراجع ثقة الجماهير في الأمن العام وتسبب في تآکل مفهوم الأمن على أنه منفعة عامة وبالتالي ظهرت العديد من الأشکال الغير رسمية من الشرطة أو الحراسات والتي استخدمت لأغراض سياسية وکانت جزءا من الخصومات السياسية داخل الدولة .

م. تفوق موارد الجهات الفاعلة الخاصة مثل شرکات الأمن الخاصة أو منظمات التنمية على موارد الدولة مما جعل لتلک الجهات قدرة على توجيه أو ممارسة التأثير في مجال الحوکمة الأمنية يفوق ما يحدث في الدول ذات الهياکل البيروقراطية القوية.

ثانيا: دور الشرکات العسکرية والأمنية الخاصة في أفريقيا: يتناول هذا الجزء من الدراسة الأدوار المختلفة للشرکات العسکرية والأمنية في إفريقيا سواء الأنشطة القتالية أو الإنمائية الأمنية.

1- النشاط العسکري القتالي:

أ‌. صد التمرد (بوکو حرام في نيجيريا): في 2015 استعانت حکومة جودلاک جوناثان بالشرکات العسکرية الخاصة في محاولة منها لمواجهة بوکو حرام قبل الانتخابات الرئاسية، حيث نشطت تلک الجماعة منذ عام 2004 على الأقل، عندما بدأت کطائفة إسلامية غير معروفة نسبيًا تحت قيادة الداعية محمد يوسف. وقد استهدفت في بداياتها مسؤولي الأمن فقط، لکن بعد ذلک في عام 2009 جمعت بوکو حرام أکثر من 15000 من أتباعها وبدأت في شن حرب عنيفة ضد الدولة. وأصبحت الجماعة بمرور الوقت عنيفة بشکل عشوائي، حيث هاجمت أماکن العبادة المسيحية والمسلمة، وکذلک المدارس - وفقًا لإيديولوجيتها القائلة بأن التعليم الغربي آثم - ثم هاجمت الأسواق والمجتمعات في جميع أنحاء شمال شرق نيجيريا، وبحلول سبتمبر 2015 قامت بقتل حوالي 20.000 شخص وتسببت في نزوح 1.6 مليون، ودمرت الاقتصاد المحلي وقوضت سلطة الدولة في المنطقة، وادعت أنها تسيطر على شمال شرق نيجيريا . وبعد أن أصبحت قدرة بوکو حرام تمثل تهديدا للدولة وتهديدا للانتخابات، قرر جودلاک جوناثان مواجهتها، إلا أن قلة الاستثمارات في الجيش النيجيري وانتشار ثقافة الفساد أدت إلى لجوئه للشرکات العسکرية الخاصة. وفي الواقع لم تکن المرة الأولى التي تستعين بها نيجيريا بقوات خاصة للحماية فقد استعانت بها لحماية المنشآت البترولية والبنية التحتية الحيوية وحراسة الأماکن العامة وکبار الشخصيات وتقديم خدمات الأمن البحري، کما استعانت بها في حرب 1967-1970، وبالرغم من أن القوات المسلحة النيجيرية أحد أعرق الجيوش في إفريقيا، حيث ساهمت في أکثر من 25 عملية في بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام منذ عام 1960، کما لعبت دورا مهما في عمليات السلام التابعة للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ECOWAS) وساهمت بقوات في کل من بعثة الاتحاد الأفريقي في السودان (AMIS) وبعثة الدعم الدولية بقيادة أفريقية في مالي (AFISMA)، وانفقت مالا يقل عن 10 مليارات دولار أمريکي في مهام بقيادة منظمة الوحدة الأفريقية والاتحاد الإفريقي والجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، إلا أن الحاجة إلى الاستعانة بشرکات عسکرية خاصة کانت بسبب :

• الهزائم العسکرية التي عانت منها على الأراضي المحلية من 2012-2014 والتي ترکت أثر سلبي عميق داخل المؤسسة العسکرية.

• الفساد داخل المؤسسة العسکرية وسرقة أموال التمويل العسکري ونقص المعدات المناسبة لتطوير الجيش واهمال المعدات القتالية الحديثة داخل الجيش لعدم القدرة على استخدامها مما أدى إلى تعطلها.

• خفض الانفاق العسکري في فترات عديدة خوفا من الانقلابات العسکرية وسحب عملية صنع القرار من وزارة الدفاع.

• تردد القوى الکبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا في مساعدة الجيش النيجيري وذلک لما له من سمعة سيئة في انتهاکات حقوق الانسان حيث أدت المنافسة والعنف والإفلات من العقاب داخل القوات المسلحة والشرطة النيجيرية إلى إضفاء الطابع المؤسسي على هذه الأساليب وإضفاء الشرعية على الاستخدام المفرط للقوة ضد المدنيين والمتمردين على حد سواء .

وقد أعلن الرئيس جودلاک جوناثان عام 2015 أنه تعاقد مع شرکتان عسکرية وأمنية خاصتين لدعم عملية مکافحة التمرد، وقد أشارت المشاهدات أن عسکريين من جنوب إفريقيا وأوکرانيا وروسيا واسرائيل انتشروا في نيجيريا عام 2015 وکانت شرکة STTEP من أبرز الشرکات المتواجدة هناک. وقد کان المعلن رسميا أن تلک الشرکات تقدم التدريب والمدربين للجيش الرسمي، إلا أنها من الناحية العملية کانت توفر المعدات والدعم الجوي، کما تعمل جنبا إلى جنب مع ضباط الجيش النيجيري لدعم العمليات على أرض الواقع .

وقد استطاعت تلک الشرکات من شن حملات فعالة لمکافحة التمرد ضد بوکو حرام والتي غيرت مجرى الصراع، وقد تم توظيف المتعاقدون للتدريب والدعم الجوي والاستخباراتي واللوجستي وعناصر الدعم القتالي لانقاذ فتيات مدرسة شيبوک اللاتي اختطفتهن بوکو حرام، وقد تضمنت هذه المهمة حوالي 100 متعاقد بسعر 400 دولار أمريکي للفرد في اليوم، وتحولت هذه المجموعة إلى قوة هجومية عدوانية ساعدت القوات النيجيرية في القتال .

کان "الجناح الجوي" الذي قدمته الشرکات العسکرية والأمنية الخاصة مفيدًا أيضًا في تعزيز قوات مکافحة التمرد النيجيرية، واعتمدت القوات المسلحة لاحقًا على الطيارين والدعم الجوي الذي قدمه المرتزقة الجنوب إفريقيون والأوکرانيون، الذين کانوا مسؤولين عن اجلاء المصابين CASVAC [casualty evacuation], والاجلاء الطبي MEDVAC [medical evacuation], ، وعمليات إعادة الإمداد، ونقل القوات، وحتى توفير الدعم الجوي للقوة الضاربة، وقد کان هذا أمرًا حيويًا من الناحية الاستراتيجية، کما عزز أيضًا الروح المعنوية للقوات النيجيرية التي زادت ثقتها بشکل کبير بفضل التدريب والمعدات الإضافية والاهتمام الذي حصلوا عليها. هذا بالاضافة إلى المعلومات الاستخباراتية التي شارکتها تلک الشرکات مع الجيش النيجيري والتي من خلالها استطاع الجيش النيجيري مطاردة المتمردين بالقرب من الحدود مع تشاد ، وقد حافظ الجيش النيجيري منذ ذلک الحين على زخمه ضد بوکو حرام، مدعومًا بمهاراته الجديدة وبتشجيع من قيادة الرئيس بخاري، اللواء السابق نفسه. ومنذ يناير 2015 ، أبدت الدول المجاورة لنيجيريا أيضًا اهتمامًا متزايدًا بالنزاع وشکلوا قوة عمل مشترکة متعددة الجنسيات (MNJTF) تضم 7500 جندي من تشاد والکاميرون والنيجر وبنين، وعلى الرغم من أن هذا کان محفوفًا بالعقبات اللوجستية والدبلوماسية، إلا أن القوة متعددة المهام قد مارست ضغوطًا على بوکو حرام على طول الحدود التي لجأ إليها المتمردون سابقًا واستطاعت استعادة 36 مدينة في ثلاث ولايات في الفترة ما بين فبراير ومارس 2015.

ب.التصدي للقرصنة: مثلت أعمال القرصنة البحرية قبالة السواحل الصومالية تهديدا للأمن الدولي في أهم الطرق الملاحية في العالم، وارتفع تواتر هجمات القراصنة على السفن التجارية في جميع أنحاء العالم بشکل کبير، ووصل إلى مستويات قياسية في عام 2010، ويعزى جزء کبير منها إلى الجماعات الصومالية العاملة في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي. وأصبحت أعمال القرصنة أکثر تکلفة من الناحيتين البشرية والاقتصادية؛ وقد أدى ارتفاع طلبات الفدية إلى إطالة المفاوضات وإطالة فترات الأسر للبحارة المحتجزين کرهائن .

وبالرغم من انتشار القوات الدولية وتواجدها لصد القرصنة الا أن مرونة القرصنة الصومالية في مواجهة تلک الإجراءات الدولية دفعت شرکات الشحن إلى اللجوء إلى شرکات الأمن البحري الخاصة (PSCs) لتوفير الأمن لأطقمها وسفنها. ويعد هذا تحولًا کبيرًا في صناعة قاومت منذ فترة طويلة وضع أسلحة على السفن بسبب الآثار القانونية والتأمينية الغامضة، والمخاوف المتعلقة بسلامة الطاقم، والمخاوف من تشجيع تصعيد العنف في البحر. ومن الجدير بالذکر أن العديد من الحکومات والمنظمات الدولية، بما في ذلک المنظمة البحرية الدولية (IMO)، على الرغم من عدم تشجيعها لهذه الممارسة، فقد اعترفت بها تدريجياً کخيار لحماية السفن في المناطق الخطرة.

وقد تعاقدت الصومال في بداية عام 1999 مع العديد من شرکات الأمن الخاصة، وصلت لحوالي 30 شرکة، أبرمت معها اتفاقيات وعقود عبر فترات زمنية مختلفة، منها شرکة هارت انترناشيونال البريطانية، وشرکة سومکان الصومالية في الامارات وغيرها من الشرکات، مثل هذا التعاقد تحدي للتقسيم التقليدي بين شرکات الأمن الخاصة المسؤولة عن الشحن التجاري، وقوات خفر السواحل والقوات البحرية المسؤولة عن تأمين السواحل .

وقد استطاعت تلک الشرکات القيام بمجموعة من المهام تراوحت بين المهام الحمائية والتدريبية والدعم اللوجستي، فتمکنت من تدريب خفر السواحل وقوات الشرطة البحرية وقوات أمن الموانئ، کما تولت مهمة تأمين الساحل الصومالي والقضاء على القرصنة البحرية وذلک من خلال نوعين من الخدمات المسلحة الدفاعية بشکل عام تشمل فرق من الحراس المسلحين الذين يظلون على متن السفينة المحمية نفسها وقد تستخدم بعضها مستودعات عائمة لتخزين الأسلحة في المياه الدولية بحيث يمکنها التسليح بسهولة، هذا بالاضافة إلى بنائها أسوار مکهربة على السفن وانشاء غرف آمنة تسمى قلاع يقوم طاقم السفن بالاختباء بها عند تعرضهم للهجوم، أما النوع الآخر فهي سفن مرافقة منفصلة ترافق وتحمي السفن التجارية، ويعد هذا بمثابة آلية بديلة لتوفير الأمن البحري لشرکات الشحن التي لا تريد أفراد مسلحين على متن سفنها ، کما أحرزت تلک الشرکات تقدما في مجالات أخرى مثل منع الصيد غير القانوني في المياه الاقليمية الصومالية ووقف إلقاء النفايات السامة.

والرغم من نجاح هذه الشرکات بمساعدة الدول والمنظمات الدولية في السيطرة بصوره معقوله على هذه الجريمة، إلا أن هناک العديد من التحديات المرتبطة بإستخدام هذه الشرکات منها :

• انتهاک القانون الدولي لحقوق الانسان وقضايا المسؤولية القانونية: حيث تتعرض هذه الشرکات لانتقادات عديدة لانتهاکها للقانون الدولي في حالة استخدام أنواع معينة من الأسلحة، وحالة الهجوم الاستباقي وقتل أي شخص تعتقد أنه يمثل تهديد.

• العواقب الغير مقصودة: المتمثلة في نقل الأسلحة على متن السفن والذي يمثل تحديا للقوانين الوطنية لبعض الدول التي قد تحظر استخدام الأسلحة أو حتى وجودها على متن السفن في مياهها الإقليمية وموانئها.

• إرتفاع التکلفة: فالفريق المکون من أرعة أفراد يکلف حوالي 5000 دولار أمريکي في اليوم الواحد، وبحلول عام 2013، وصلت التکلفة الإجمالية المقدرة لاستخدام الأمن الخاص والحراس المسلحين إلى 2.06 مليار دولار أمريکي سنوياً.

• خطر تصعيد العنف: من قبل القراصنة وتغيير التکتيکات والأسلحة المستخدمة.

وعلى الرغم من هذه المخاوف، فقد اعترف معظم الفاعلين البحرين الرئيسيين بإستخدام الشرکات الأمنية الخاصة کخيار مشروع للتعامل مع القرصنة في المنطقة عالية الخطورة، کما قامت العديد من الحکومات التي عارضت سابقا هذه الممارسات إما بتغيير تشريعاتها للسماح بإستخدام تلک الشرکات أو في طور مراجعة سياساتها، هذا بالاضافة إلى إعلان وزارة الخارجية الأمريکية أن من التدابير التي أثبتت أنها أکثر فعالية في الردع ضد هجمات القراصنة هي إستخدام الشرکات الأمنية الخاصة .

2- النشاط الأمني - التنموي: أصبحت شرکات الأمن الخاصة جزءا من الاستراتيجية التنموية في أفريقيا التي تسعى إلى تحقيق الأمن من خلال التنمية والمشارکة المجتمعية، حيث يُنظر اليوم إلى الأمن في سياق الجهات الفاعلة غير الحکومية، ولفهم الصلة بين الأمن والتنمية بشکل کامل، يجب توسيع النقاش لاستکشاف الأمن الانساني کعنصر من عناصر الأمن والذي يشمل الأمن الاقتصادي والأمن الصحي والأمن الغذائي والأمن البيئي والأمن الشخصي وأمن المجتمع والأمن السياسي، وتعمل هذه الشرکات في بعض الحالات من خلال برامج تنموية وخلق مشاريع انسانية-اقتصادية موجهة للمدنيين من أجل محاصرة المجموعات المتمردة بشکل يضمن أن لا يلتحق المدنيون المحليون بتلک المجموعات مما انعکس ايجابيا على تجفيف منابع تجنيد المدنيين للالتحاق بالجماعات المتمردة وخلق فرص تنموية مفيدة، ونستعرض دور الشرکات في الجانب الأمني-التنموي من خلال مثالين:

أ‌. تساهم تلک الشرکات في عمليات استخراج الموارد في العديد من المواقع في القارة، لا يقتصر الأمر على هذه المواقع التي يجتمع فيها عدد کبير من الجهات الأمنية المحلية والعالمية لتوفير الأمن وإدارته، بل هي أيضًا لعمل ترتيبات تکنولوجية جديدة بالإضافة إلى العديد من الخطابات المعيارية والاستراتيجيات الاجتماعية المتعلقة بالأعمال التجارية والتنمية وحقوق الإنسان. وقد أصبحت المسؤولية الاجتماعية للشرکات ضرورة تنافسية للعديد من الشرکات عبر الوطنية، حيث يضغط النشطاء والمساهمون والمستهلکون من أجل مزيد من المساءلة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان في العلاقات التجارية. کانت هذه الضغوط قوية بشکل خاص في قطاع الصناعات الاستخراجية، تقدم African Barrick Gold (ABG) في تنزانيا توضيحًا جيدًا لهذه الديناميکيات الأوسع نطاقًا. حيث عززت تنزانيا استخراج الموارد کطريق للتنمية والنمو، وتضاعفت مساهمة قطاع التعدين في الناتج المحلي الإجمالي أکثر من ثلاثة أضعاف في الفترة حتى عام 2012. وتعد تنزانيا اليوم ثالث أکبر منتج للذهب في إفريقيا بعد جنوب إفريقيا وغانا ، وبالرغم من أن تنزانيا بلد مسالم إلا أنشطة التعدين واجهت مقاومة محلية في کثير من الأحيان وذلک بسبب المنافسة بين عمال المناجم الحرفيين والشرکات متعددة الجنسيات، والشعور السائد بأن السکان المحليين يستفيدون القليل من عمليات التعدين هذا بالاضافة إلى المضايقات التي يتعرضون لها. ففي عام 2011 دخل قرويون إلى موقع استخراج الذهب للبحث في النفايات عن بقايا الذهب وفتحت الشرطة النار على حوالي 1500 فرد وقتلت حوالي خمسة أفراد، بعد هذه الأحداث تفاوضت ABG على مذکرة تفاهم (MOU) مع الشرطة وقدمت من خلالها التدريب في مجال حقوق الإنسان للشرطة التنزانية لتجنب الانتهاکات في المستقبل. بدأ التدريب في مجال حقوق الإنسان بعد أن أصبحت شرکة Barrick Gold أول شرکة تعدين کندية توقع على المبادئ الطوعية للأمن وحقوق الإنسان، وهي مجموعة من المبادئ التوجيهية الدولية للصناعات الاستخراجية، وتلزم المبادئ الموقعين بالتحقيق والإبلاغ عن أي معلومات موثوقة حول انتهاکات حقوق الإنسان في أماکن عملهم، وتقدم ABG التدريب على حقوق الإنسان ليس فقط للشرطة ولکن لجميع الموظفين وقوات الأمن المشارکة في أمن المواقع. وبحلول عام 2013 ، کان أکثر من ستة آلاف فرد قد تلقوا تدريبات في إطار هذا البرنامج . وقد أدت المراجعة الأمنية للشرکة إلى توسيع قسم العلاقات المجتمعية بشکل کبير وتعيين مدير علاقات مجتمعية يعمل جنبًا إلى جنب مع مدير الأمن، وتعيين منظمة غير حکومية للعمل مع المجتمعات المحلية نيابة عن ABG. ولمنع الصراع، تم تکليف المنظمة غير الحکومية البحث عن أرضية مشترکة من قبل ABG لتحسين العلاقات المجتمعية وتسهيل التواصل السلمي والبناء بين ABG والمجتمعات المحلية، وتحقيقا لهذه الغاية يقوم موظفو المنظمات غير الحکومية بإجراء تدريب في مجال حقوق الإنسان مع المجتمعات المحيطة بمواقع المناجم المختلفة وإجراء دورات مختلفة لإدارة الصراع مع الشباب والنساء. کما تدعم المنظمة غير الحکومية أيضًا ما يسمى باجتماعات "أصحاب المصلحة المتعددين" بين ABG والحکومة المحلية وزعماء القرى وأعضاء المجتمع، وتوفر التدريب على المبادئ التطوعية وحقوق الإنسان للشرطة. وبالتالي، فإن وظيفة SFCG تمتد إلى مجالات الأمن والتنمية، فضلاً عن القطاعات التجارية وغير الهادفة للربح ، وعلى هذا النحو فإن عمل المنظمات غير الحکومية مع ABG هو نموذج لاستراتيجية أمنية موسعة تسعى إلى زيادة الأمن جزئيًا من خلال التنمية والعلاقات المجتمعية والشراکات مع مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة. کما تحاول الشرکة العمل على دمج العماله المحلية من خلال تعينهم کحراس ومشارکتهم في الدوريات الأمنية والتي تعتبر استراتيجية علاقات مجتمعية بقدر ما هي استراتيجية أمنية، کتعويض عن حقيقة أن المناجم تتطلب عمالة ماهرة وبالتالي توظف عددًا قليلاً جدًا من السکان المحليين. وبالتالي توفر بعض الفرص للتفاعل والحوار مع المجتمعات المحلية ، فضلاً عن الوصول إلى المعلومات والاستخبارات المحلية حول القضايا الأمنية.

ب‌. لعبت شرکات الأمن الخاص في جنوب إفريقيا دورا هاما في معالجة الاتجاهات الاقصائية لأجندة التنمية خاصة في الجامعات في ظل الاحتجاجات التي اندلعت بسبب المصروفات الجامعية والتفاوت الشديد بين الطبقات، ففي سياق العلاقة بين الأمن والتنمية، تم تصنيف جنوب إفريقيا مؤخرًا على أنها أکثر المجتمعات غير المتکافئة. على الرغم من أنها من بين المراکز الثلاثة الأولى اقتصاديًا في القارة الأفريقية، إلا أن نسبة کبيرة من المجتمع تعيش في فقر مدقع. على سبيل المثال، وفقًا Baker قدر البنک الدولي أنه في عام 2015 امتلک 10% فقط من المجتمع 70 في المائة من أصول الدولة، و 60٪ من من الطبقات الدنيا، يتألفون إلى حد کبير من السود ومختلطي الأعراق والآسيويين، يمتلکون 7٪ فقط من صافي ثروة البلاد. وفي عام 2005 أقرت منظمة العمل الدولية أن ثلث سکان جنوب إفريقيا يشعرون بأنهم غير قادرين على تلبية احتياجاتهم من الغذاء والسکن والرعاية الصحية بسبب عدم کفاية دخل الأسرة. ومن ثم ، فإن انعدام الأمن الاقتصادي أدى إلى انعدام الأمن الصحي وانعدام الأمن الغذائي، ووفقًا لتقرير إحصائيات جنوب إفريقيا (2019) عانى 6.8 مليون من سکان جنوب إفريقيا من الجوع في عام 2017. ويعزى ذلک إلى عدم قدرة الأسر على تأمين فرص العمل أو توليد الدخل، ولا يزال الانقسام إلى حد کبير على أسس عرقية، وتلعب البطالة وضعف برامج التعليم وانهيار نظام الصحة العامة دورًا مهما في ذلک التفاوت، فاستمرار استبعاد الطلاب السود من التعليم العالي من المرجح أن يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة، والتي تبلغ بالفعل 30٪، مما يؤدي إلى مزيد من الفقر واحتمال المزيد من عدم المساواة والجريمة والتي تؤدي بدورها إلى اندلاع الصراع الداخلي. ومن هنا اعتقد المحتجون في حرکة The Must Fall Movement، أن السبيل الوحيد للحصول على فرص أفضل للحياة هو التعليم العالي والذي يمکنهم من تحسين دخل أسرهم وتخفيف تحديات الأمن البشري، ومن بين أولى حرکات #MustFall کانت #RhodesMustFall (#RMF) في جامعة کيب تاون (UCT) في 9 مارس 2015، والتي انتشرت في معظم الجامعات الحکومية وتحولت ل the Fees Must Fall movement، الا أن الشرطة واجهت تلک الاحتجاجات بشکل عنيف وتدهورت العلاقة بين ادارة الجامعة والطلاب المحتجون وتم اغلاق الجامعات عدة مرات بسبب تلک الاحتجاجات مما أثر على العملية التعليمية، وکان البديل المرضي للطلاب استبدال الشرطة بشرکات الأمن الخاصة ومحاولة تأسيس ميادين داخل الجامعات تکون مکان للتعبير عن الاعتراض السلمي دون المساس بمرافق الجامعة، فساهمت شرکات الأمن الخاص بطريق غير مباشر في حفظ الأمن داخل الجامعات والسماح باستمرار العملية التعليمية والتواصل الهادئ بين ادارة الجامعة وبين الطلاب المحتجون .

الخاتمة:

ناقشت الورقة البحثية التغير في التفکير التقليدي للأمن الذي کان مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بمبدأ سيادة الدولة فکانت هي الکيان السياسي الي يحتکر مجال الأمن والعنف، وبالتالي اقتصر توفير الأمن على الهياکل البيروقراطية للدول التي تدير وتحمي الأشخاص والأراضي، الا أن تغير بيئة التهديدات الأمنية، وارتباط الأمن بالأشکال التنموية المختلفة المرتبطة بالانسان عمل على استبدال السلطة الحصرية للدولة في المجال الأمني بحوکمة أمنية تتميز بشبکة من الجهات الفاعلة العامة والخاصة، وبصيغة مختلفة، فإن تطور طبيعة التهديدات وارتباط الأمن بالتنمية قد أفسح المجال أمام تعددية الجهات الأمنية.

وتوصلت الدراسة إلى أن الشرکات العسکرية والأمنية الخاصة لا تعمل على تآکل سيادة الدولة بل إلى إعادة تشکيلها حيث تعمل کل من الدولة والجهات الفاعلة الخاصة من أجل تعزيز سلطة الدول السيادية داخل حدود الدولة وخارجها. لقد حدث التغيير في إدارة التدفقات غير المصرح بها في سياق بيئة أمنية واقتصادية جديدة ظلت في ظلها حاجة الدول لحماية أراضيها والسيطرة عليها کما هي، بينما تغيرت الأدوات المستخدمة للسيطرة على الأراضي. في هذا الصدد، يعد نقل السلطة إلى شرکات الأمن الخاصة إحدى الاستراتيجيات العديدة التي تتبعها الدول من أجل منع التدفقات غير المصرح بها، والتي تتراوح من بناء الجدران إلى اعتماد أنظمة تأشيرات أکثر صرامة.

کما أن دور تلک الشرکات على الجانب العسکري في السيطرة على الصراعات في بعض الدول الأفريقية کان دورا ايجابيا ساعدت سلطة الدولة الرسمية من فرض سيطرتها على جهات الصراع، ولم يقتصر دورها في القارة على الدور الصراعي فقط بل کان لها دورا تنمويا من منظور الأمن والتنمية انطلاقا من فکرة احتياج التنمية إلى بيئة آمنة للعمل والانجاز.

هوامش الدراسة