فعالية المساعدات الخارجية وأثرها على الأمن القومي: المساعدات الأمريکية لمصر والتعاون الأمني في مکافحة الإرهاب حالة دراسة

نوع المستند : مقالات سیاسیة واقتصادیة

المؤلف

مدرس العلوم السياسية - کلية السياسة والاقتصاد - جامعة السويس

المستخلص

الملخص:
لعبت المساعدات الخارجية دوراً محورياً کأداة أساسية من أدوات تنفيذ السياسة الخارجية لبعض الدول الکبرى الفاعلة في العلاقات الدولية المعاصرة، ومن المعروف أن المساعدات الخارجية کأداة ظهرت لمساعدة الدول النامية لتحسين أوضاعها الاقتصادية والقضاء على الفقر، إلا أنه بعد أحداث 2011 في الولايات المتحدة الأمريکية تصاعد الاهتمام بالتوظيف الأمني والعسکري للمساعدات الخارجية، وتقوم هذه الدراسة ببحث إشکالية مهمة في العلاقات الدولية وهي: العلاقة بين المساعدات الخارجية والأمن القومي بالتطبيق على العلاقات المصرية الأمريکية، وخاصة في مجال التعاون الأمني ومکافحة الإرهاب، وتسعى الدراسة الإجابة على سؤال: إلى أي مدى تساهم المساعدات الخارجية الموجهة لبرامج أمنية وعسکرية في تحقيق الأمن القومي للدول المانحة للمساعدات، وکذلک للدول المستقبلة لها؟
من هذا المنطلق تهدف هذه الدراسة إلى تحليل أثر التعاون الأمني والعسکري المصري الأمريکي في مجال مکافحة الإرهاب على منظومة الأمن القومي في مصر والولايات المتحدة الأمريکية في الفترة من 2011 وحتى 2020.
وتنطلق هذه الدراسة من فرضية أساسية مفادها أن هناک علاقة بين التغيرات التي حدثت في برنامج المساعدات الأمريکية لمصر منذ عام 2018، وخاصة بعد إلغاء آلية التدفق النقدي، وحصر برنامج المساعدات في أربعة قطاعات فقط وهي: مکافحة الإرهاب، وأمن الحدود، ولأمن البحري، وأمن سيناء، وبين حدوث تغيرات استراتيجية في تنويع مصادر التسليح بالنسبة لمصر، وذلک بالاعتماد على دول فاعلة أخرى في النظام الدولي الراهن.

الکلمات المفتاحية: المساعدات الخارجية، الأمن القومي، مکافحة الإرهاب، الولايات المتحدة الأمريکية، جمهورية مصر العربية، العلاقات المصرية الأمريکية.

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية


مقدمة:

شهد النظام الدولی فی أعقاب  أحداث الحادی عشر من سبتمبر 2001 فی الولایات المتحدة الأمریکیة العدید من التحولات الاستراتیجیة فی العلاقات الدولیة، ومن أبرز هذه التحولات هو ظهور اتجاهاً متصاعداً لتوظیف المساعدات الخارجیة لأغراض أمنیة وعسکریة بدلاً من توجیه المساعدات لأغراض تنمویة کما کان من قبل،  وهذا ما أکدته غالبیة مراکز الأبحاث المتخصصة فی العلوم السیاسیة والعلاقات الدولیة، مما أدی إلى ظهور مصطلح جدید یربط المساعدات الخارجیة بالأمن القومی تحت مسمى "أمننة المساعدات الخارجیة" "Securitization Of Foreign Aid"، والمقصود بهذا المصطلح هو تخصیص المعونات والمساعدات الخارجیة فی برامج موجهة بدرجة أساسیة لتقدیم المساعدات الأمنیة والعسکریة ومنع الصراعات وبناء السلام من جانب الدول المانحة، أو بعبارة أخرى استخدام المعونات الخارجیة لتحقیق مصلحة أو منفعة الدول المانحة من خلال الاستثمار فی أمن الدول المتلقیة للمعونة، ومن أبرز الأمثلة على هذا النوع من المساعدات تلک المقدمة من الدول الغربیة للدول التی تعانی من الاضطرابات والحروب الأهلیة، کما فی حالة بعض الدول الإفریقیة مثلاً، أو فی إطار الحرب على الإرهاب، خاصة فی أعقاب أحداث الحادی عشر من سبتمبر 2001. الأمر الذی یثیر تساؤلاً مهماً وهو: إلى أی مدى تساهم المساعدات الخارجیة المخصص لبرامج أمنیة وعسکریة فی تحقیق الأمن القومی للدول المانحة للمساعدات والدول المستقبلة لها؟

وترکز هذه الدراسة على بیان أثر وفعالیة المساعدات الخارجیة وأثرهما على الأمن القومی، وبالتحدید بدراسة وتحلیل برنامج المساعدات العسکریة لمصر، وأثر التعاون الأمنی والعسکری المصری الأمریکی فی مجال مکافحة الإرهاب على منظومة الأمن القومی فی مصر والولایات المتحدة الأمریکیة.

أولًا: مشکلة الدراسة:

تتمثل مشکلة هذه الدراسة فی محدودیة فعالیة المساعدات الخارجیة وعدم تحقیق الأثر المستهدف الناتج عن الربط بین التوظیف الأمنی والعسکری للمساعدات الخارجیة، وبین تحقیق أهداف الأمن القومی، وترتبط إشکالیة الدراسة بالجدلیة القائمة على التساؤل التالی: التنمیة أولاً أم الأمن؟ وأیهما له الأولویة؟ وهل تصاعد الاهتمام بالتوظیف الأمنی والعسکری للمساعدات الخارجیة یحقق أهداف الأمن القومی بالفعل؟ وهل تحقیق الأمن القومی یأتی على حساب تحقیق الأهداف التنمویة؟، وبالتطبیق على حالة الدراسة والمتعلقة بتزاید التوظیف الأمنی والعسکری للمساعدات الخارجیة فی العلاقات المصری الأمریکیة، وخاصة فی مجال التعاون الأمنی ومکافحة الإرهاب، یرى بعض الخبراء والمتخصصین أن الإشکالیة تبرز فیما یلی " أنه رغم حصول مصر على قدر کبیر من المساعدات الأمریکیة فی فترة الدراسة من عام 2011 وحتى 2020، والتی تم رصدها لمکافحة الإرهاب، إلا أن مصر لم تستطع حفظ وصیانة أمنها القومی فی بعض المناطق مثل سیناء على السبیل المثال فی الفترة التی أعقبت عام 2011 "، وأن أثر وفعالیة المساعدات الأمریکیة فی هذه الحالة کانت محدودة، فی حین یرى البعض الآخر أن مصر حققت بعض الإنجازات فی مجال مکافحة الإرهاب بفضل الدعم الأمریکی، وکانت للمساعدات الأمریکیة دوراً کبیراً فی تحقیق هذه الإنجازات ومنها على سبیل المثال انخفاض عدد العملیات الإرهابیة على مستوى الجمهوریة مقارنة بالسنوات الماضیة، وأن القوات المسلحة المصریة سیطرت على الوضع الأمنی داخل سیناء، ولدیها القدرة والمعلومات الکافیة للقضاء على کافة التنظیمات الإرهابیة فی وقت محدد.

 

 

ثانیًا: أهداف الدراسة:

تهدف هذه الدراسة إلى دراسة وتحلیل الدور المؤثر الذی تلعبه المساعدات الخارجیة فی تحقیق إحدى أهم أهداف السیاسة الخارجیة للدولة ألا وهو الأمن القومی بالتطبیق على العلاقات المصریة الأمریکیة وبرنامج المساعدات العسکریة الأمریکیة لمصر، والإجابة على تساؤل مهم وهو: إلى أی مدى ساهمت المساعدات العسکریة لمصر فی تحقیق أهداف الأمن القومی الأمریکی، وکذلک أهداف الأمن القومی المصری وخاصة فیما یتعلق بفعالیة المساعدات العسکریة الأمریکیة لمصر ودعمها لمصر فی حربها على الإرهاب منذ عام 2011.

ثالثًا: أهمیة الدراسة:

        ترجع أهمیة هذه الدراسة إلى تناولها موضوعاً محوریاً فی العلاقات الدولیة المعاصرة، ألا هو استخدام المساعدات الخارجیة کأداة لتحقیق أهداف السیاسة الخارجیة بالتطبیق على حالة العلاقات المصریة الأمریکیة وبالتحدید فیما یتعلق بأثر برنامج المساعدات الأمریکیة لمصر ومدى مساهمته فی تعزیز قدرة مصر على مکافحة الإرهاب منذ عام 2011، کما تنبع أهمیة هذه الدراسة من عدة اعتبارات مهمة منها:

  1.  تلعب العلاقات المصریة الأمریکیة بعد وصولها إلى مستوى العلاقات الاستراتیجیة دوراً مهماً ومؤثراً فی تفاعلات العلاقات السیاسیة فی نسقها الإقلیمیة والدولیة.
  2. ترکیز الدراسة على التطورات التی تشهدها العلاقات المصریة الأمریکیة فی فترة حکم الرئیس الأمریکی دونالد ترامب، وخاصة فیما یتعلق ببرنامج المساعدات العسکریة لمصر والتغییرات التی لحقت به.
  3. دراسة الاتجاهات المفسرة لمستقبل المساعدات العسکریة الأمریکیة لمصر، وتحلیل التغییرات المتوقع حدوثها فی العلاقات المصریة الأمریکیة فی حالة إلغاء برنامج المساعدات أو تقلیل قیمة البرنامج المتفق علیها.

رابعًا: تساؤلات الدراسة:

تسعى هذه الدراسة إلى الإجابة على عدد من التساؤلات البحثیة منها:

  1. ما المقصود بالمساعدات الخارجیة؟ وما علاقاتها بسیاسات الأمن القومی؟ وإلى أی مدى تساهم المساعدات الخارجیة الموجهة فی برامج أمنیة وعسکریة فی تحقیق الأمن القومی للدول المانحة للمساعدات والدول المستقبلة لها؟
  2. ما المقصود بفعالیة المساعدات الخارجیة؟ وهل هناک مؤشرات قیاس مرتبطة بها، یمکن الحکم من خلالها بأن المساعدات بالفعل قد حققت الهدف منها؟
  3. ما هی الأسباب والدوافع التی أدت إلى تزاید الاهتمام بالبعد الأمنی والعسکری للمساعدات الخارجیة بدلاً من الاهتمام بالأبعاد التنمویة والاقتصادیة؟
  4. ما هی أبرز التطورات التی لحقت ببرنامج المساعدات الأمریکیة لمصر منذ عام 2011؟ وکیف تعاملت مصر معها؟
  5. کیف أثرت المحددات الاستراتیجیة الحاکمة للعلاقات المصریة الأمریکیة على برنامج المساعدات الأمریکیة لمصر فی الفترة التی أعقبت عام 2011؟
  6. هل سیشهد برنامج المساعدات العسکریة الأمریکیة لمصر تغییرات جوهریة فی الفترة الراهنة؟ وما هو مستقبل هذا البرنامج؟

 

خامسًا: فروض الدراسة:

سعت هذه الدراسة إلى اختبار صحة الفروض التالیة:

  1. الفرضیة الأولى: هناک علاقة طردیة بین التغیرات التی تحدث فی برنامج المساعدات الأمریکیة لمصر منذ عام 2018، وخاصة إلغاء آلیة التدفق النقدی، وحصر البرنامج فی أربعة قطاعات فقط وهی: مکافحة الإرهاب، وأمن الحدود، والأمن البحری، وأمن سیناء، وبین حدوث تغیرات استراتیجیة فی تنویع مصادر التسلیح بالنسبة لمصر من دول فاعلة أخرى فی النظام الدولی.
  2. الفرضیة الثانیة: بالرغم من الجهود المصریة الأمریکیة المبذولة فی مجالات التنسیق الأمنی والعسکری بصفة عامة، وفی مجال مکافحة الإرهاب بصفة خاصة، إلا أن المساعدات العسکریة الأمریکیة لمصر فی الفترة من 2011 وحتى 2020، لم تحقق أهداف الأمن القومی لمصر والولایات المتحدة الأمریکیة فی مجال مکافحة الإرهاب.

سادسًا: منهج الدراسة:

       اعتمدت الدراسة على المنهج الاستقرائی التحلیلی، ومنهج صنع القرار، لبیان أثر فعالیة المساعدات الخارجیة ودورها فی صنع القرارات المتعلقة بتحقیق أهداف الأمن القومی، وذلک بالتطبیق على حالة المساعدات العسکریة الأمریکیة لمصر وخاصة فی الفترة التی أعقبت عام 2011، نظراً لحدوث تغییرات جوهریة فی برنامج المساعدات لمصر، وقد اعتمدت الدراسة على المنهج الاستقرائی التحلیلی، ومنهج صنع القرار للتعرف على العوامل المؤثرة والمحددات الرئیسة التی أحدثت تغییراً مهماً فی برنامج المساعدات العسکریة الأمریکیة لمصر، والتی أدت إلى تحوله وترکیزه على قطاعات محددة من قبل الإدارة الأمریکیة منذ عام 2018.

سابعاً: حدود الدراسة:

رکزت الدراسة على بیان أثر وفعالیة المساعدات العسکریة الأمریکیة لمصر وعلاقاتها بالأمن القومی، والتعاون الأمنی والعسکری المصری الأمریکی فی مجال مکافحة الإرهاب وتحدیداً منذ عام 2011 نظراً لحدوث تحولات جوهریة فی نمط المساعدات العسکریة لمصر، نتیجة التغیر فی النظام السیاسی المصری والقیادة السیاسیة بعد عام 2011، وتنتهی هذه الدراسة بتحلیل ورصد التطورات التی لحقت ببرنامج المساعدات حتى نهایة عام 2020.

ثامناً: تقسیم الدراسة:

تنقسم الدراسة إلى ثلاثة مباحث، وذلک على النحو التالی: تناول المبحث الأول والمعنون "مفهوم المساعدات الخارجیة وفعالیتها ومظاهر توظیفها "، المقصود بالمساعدات الخارجیة وصورها، وفعالیتها، وأسباب ودوافع ومظاهر توظیفها من منظور أمنی ، أما المبحث الثانی والمعنون "العلاقات المصریة الأمریکیة وتطور برنامج المساعدات العسکریة الأمریکیة لمصر منذ عام 2011 "، فرکز على المحددات الاستراتیجیة الحاکمة للعلاقات المصریة الأمریکیة والمصالح المتبادلة ونقاط الاتفاق، وأهم المراحل التی مر بها برنامج المساعدات العسکریة لمصر منذ عام 2011 وحتى عام 2020، فی حین رکز المبحث الثالث والأخیر والمعنون "استراتیجیة مصر فی مکافحة الإرهاب ومستقبل برنامج المساعدات العسکریة لمصر" على أهم الجهود التی بذلتها مصر فی مجال مکافحة الإرهاب منذ عام 2011 وحتى 2020، ودراسة الاتجاهات التحلیلیة المفسرة لمستقبل برنامج المساعدات العسکریة لمصر.

 

المبحث الأول

مفهوم المساعدات الخارجیة وفعالیتها ومظاهر توظیفها

 

تزاید الاهتمام بالبعد الأمنی والعسکری للمساعدات الخارجیة، والتوظیف السیاسی للمساعدات الخارجیة لتحقیق أهداف أمنیة وعسکریة بعد أحداث الحادی عشر من سبتمبر 2001، وهذا ما أکدته "دیشا جیرود" - الحاصلة على الدکتوراه عام 2008 من جامعة ستانفورد والتی تعمل حالیاً أستاذ مشارک بجامعة جورج تاون الأمریکیة فی مقال لها بعنوان "کیف تکسب الأصدقاء وتؤثر فی التنمیة: تحسین المساعدات الخارجیة الأمریکیة" والذی أوضحت فیه أن الهدف من وراء المساعدات الخارجیة قد اختلف بشکل واضح فی مرحلة التسعینیات عنه فی مرحلة ما بعد 11 سبتمبر2001، لأن غالبیة المساعدات التی تم تقدیمها للدول المانحة بعد هذه الأحداث استهدفت خدمة مصالح الأمن القومی ذات الأولویة العلیا فی مکافحة الإرهاب.[1]

والجدیر بالذکر أن بعض الدراسات البحثیة تؤکد على أن "أمننه المساعدات الخارجیة" لیست اتجاهاً جدیداً، فعلى الرغم من أن برنامج مارشال، الذی وضعته الولایات المتحدة الأمریکیة لإعادة إعمار أوروبا فی عام 1947 عقب انتهاء الحرب الباردة، کان برنامجاً اقتصادیاً بالأساس، فکان الغرض الرئیس من هذه المساعدات هو ضمان عدم انضمام الدول الغربیة للمعسکر الشرقی بقیادة الاتحاد السوفییتی، ثم أنه بعد التعافی الاقتصادی، قامت الولایات المتحدة بتحویل المساعدات تدریجیاً إلى مساعدات عسکریة من خلال حلف شمال الأطلسی فی عام 1949.[2]

 وفی السیاق ذاته، أکدت العدید من الدراسات الأکادیمیة على أن توجیه المساعدات لمناطق الصراع یمکن أن یحسن من آفاق التنمیة فی مناطق الصراع ویمنع انتقال الجریمة والإرهاب والهجرة للدول المانحة، وبالتالی فإن التوظیف الأمنی للمساعدات الخارجیة قد جاء نتیجة التحول فی طبیعة الصراعات وتداعیات العولمة، والتی ساعدت على امتداد تأثیرات الصراعات وعدم الاستقرار إلى خارج حدود الدول التی تعانی اضطرابات.[3]

أولاً: مفهوم المساعدات الخارجیة وفعالیتها:

       لیس من السهولة إیجاد تعریف محدد لمفهوم المساعدات الخارجیة، شأنه شأن غالبیة المصطلحات فی العلوم السیاسیة والاجتماعیة، وذلک نظراً لتناوله من زوایا متعددة وخلفیات نظریة ومهنیة مختلفة، ومتناقضة، وقد تم تقدیم أشکال مختلفة للمساعدات الخارجیة، وهذا بدوره یعکس الطبیعة المعقدة لأهداف الدول والجهات المانحة وتوجهاتها، والتی تختلف وفقاً لاختلاف المحددات الداخلیة والخارجیة والدوافع التی تساهم فی رسم سیاسات الدول والجهات المانحة وبلورتها تجاه الدول والجهات المستقبلة للمساعدات والمعونات الخارجیة.

       ویقصد بالمساعدات الخارجیة بصفة عامة "جمیع التدفقات المالیة من الجهات المانحة (سواء کانت هذه الجهات دولاً أو منظمات متعددة الأطراف) إلى البلدان النامیة والبلدان التی تمر بمراحل انتقالیة، بما فی ذلک التمویلات المالیة الرسمیة، والقروض، والمساعدات الاقتصادیة، وتمویل التجارة، والمساعدات الخیریة، والمساعدات العسکریة والأمنیة، والمساعدات السیاسیة".[4] أما المساعدات الاقتصادیة فیقصد بها "جهود الجهات المانحة فی دعم البلدان النامیة اقتصادیاً لتطویر مواردها، وتهیئة الظروف المناسبة للنمو الاقتصادی المستدام لکی تکون مکتفیة ذاتیاً"، کما یقصد بالمساعدات السیاسیة والأمنیة والعسکریة "برامج المعونات المقدمة من الجهات المانحة، والجهود المبذولة لتحقیق الاستقرار السیاسی فی البلد المتلقی، الأمر الذی یقلل من احتمالات نشوب صراعات وحروب، ودعم السلام، وتعزیز الدیمقراطیة، والحفاظ على الاستقلال السیاسی".[5]

وهناک تعریفات أخرى للمساعدات الخارجیة منها ما یؤکد على أنها " تدفقات الموارد المالیة والمادیة، والفنیة والبشریة بشروط تیسیریة من دولة أو مجموعة من الدول أو منظمة دولیة إلى دولة أو مجموعة من الدول.[6]، وأخرى تعرفها على أنها "جمیع التدفقات المالیة أو رؤوس الأموال والخدمات الحقیقیة التی تقدمها الجهات المانحة فی البلدان الغنیة إلى الجهات المستقبلة أو المتلقیة فی البلدان الأقل نمواً فی العالم الثالث، وتتسم التدفقات المالیة والخدمات الخارجیة بالتنوع، وتنقسم إلى تدفقات رسمیة ثانیة، وأخرى متعددة الأطراف، والتدفقات الثنائیة الرسمیة، هی التی تقدمها الجهات الحکومیة فی الدول المانحة إلى الجهات المتلقیة فی حکومات البلدان المستهدفة، أما تدفقات رؤوس الأموال المتعددة الأطراف، فهی التی تقدمها المنظمات متعددة الأطراف، مثل البنک الدولی والأمم المتحدة وصندوق النقد الدولی إلى الجهات المستقبلة فی البلدان المستهدفة، وکلا النوعین من التدفقات المالیة الرسمیة، یمکن أن یتخذ صوراً متعددة منها المنح، والقروض أو العطاءات التی تشبه المنحة.[7]

        أما فیما یتعلق بمفهوم فعالیة المساعدات، ففی دراسة بعنوان "نحو تطویر منهجیة لتقییم فعالیة المساعدات" أکد سیمون بورال ودیفید رودمان (Simon Burall and David Roodman) على أن مفهوم فاعلیة المساعدات الخارجیة غیر واضح، ولا یوجد تعریف متفق علیه فی الأدبیات العلمیة المتخصصة أو حتى بین الخبراء والمتخصصین فی هذا المجال، وذلک لعدة أسباب منها: أولاً: تعدد الجهات المانحة وتعدد أهدافها ما بین أهداف اقتصادیة کدعم النمو الاقتصادی وتحقیق الأهداف الإنمائیة للألفیة، أو لتعزیز التجارة الدولیة، أو لتحقیق أهداف السیاسة الخارجیة، أو لتعزیز حقوق الإنسان، هذا المزیج من الأهداف یجعل من الصعوبة الوصول إلى مؤشرات لقیاس فاعلیة المساعدات الخارجیة، وعلاوة على ذلک، هناک عدد من العوامل المختلفة التی تؤثر فی نتائج جهود التنمیة نتیجة إعطاء المساعدات، على سبیل المثال، الحروب الأهلیة والکوارث الطبیعیة فی البلدان المتلقیة، وعلیه یصعب الربط بین فاعلیة برامج وسیاسات المساعدات الخارجیة ومدى تحقیق التنمیة فی الدول المتلقیة للمساعدات الخارجیة.[8]

      لذا یرى الباحث أن مفهوم "فعالیة المساعدات الخارجیة" هو مفهوم نسبی متغیر یرتبط بتحقیق الأهداف المستهدفة منها، والتی غالباً ما تکون أهداف غیر معلنة، وبناءً علیة یصعب وضع مفهوم معین لفعالیة المساعدات، أو وضع مؤشرات لقیاسها.

ثانیاً: دوافع التوظیف الأمنی والعسکری للمساعدات الخارجیة ومظاهره:

فی هذا السیاق تطرح الدراسة تساؤلاً مهماً ألا وهو: ما الأسباب والدوافع التی ساهمت فی تعزیز التوظیف الأمنی والعسکری للمساعدات الخارجیة؟ وما هی مظاهر هذا التوظیف فی العلاقات الدولیة المعاصرة، وفیما یلی إجابة على هذه التساؤلات البحثیة المطروحة.

  1. أسباب ودوافع التوظیف الأمنی والعسکری للمساعدات الخارجیة:

تعددت الأسباب والدوافع التی جعلت بعض الدول تهتم بالتوظیف الأمنی والعسکری للمساعدات الخارجیة، ویمکن التعرف على الأسباب والدوافع من تحلیل الأهداف التی تسعى إلیها الدول المانحة من تقدیم المساعدات الخارجیة، فمن خلال ترکیز الدراسة على منظور المصلحة الوطنیة للدول المانحة رصدت الدراسة مجموعة من الأهداف التی یمکن أن تکون دافعاً وسبباً جوهریاً وراء توجیه المساعدات الخارجیة لبرامج تتعلق بتحقیق الأمن القومی والأهداف السیاسیة والعسکریة.

        ووفقاً لمنظور المصلحة الوطنیة قد تکون أهداف الدول الاستراتیجیة من إعطاء المساعدات الخارجیة متمثلة فی الآتی: المصالح الدبلوماسیة ذات الصفة الأمنیة والعسکریة، على سبیل المثال، إنشاء القواعد العسکریة فی أراضی الدولة المستقبلة للمساعدات، وقیام التحالف الأمنی بین الدولة المانحة والمتلقیة الذی یتجلى فی اتفاقیات الدفاع العسکری المشترک، والتعاون الأمنی فی مکافحة الإرهاب، وتأمین الأصوات فی الأمم المتحدة، ودعم النظام المفضل وخصوصاً الأنظمة المتعلقة بالتحول الدیمقراطی.[9]

      أما من الناحیة الأمنیة والعسکریة، تراعى الدول المانحة معاییر عدیدة، وذلک لحساب درجة تحقیق مصالحها القومیة من تقدیم مساعدات خارجیة، ومن هذه المعاییر، وجود تهدیدات إرهابیة وجماعات قد تخل بالأمن العالمی فی الدولة المعنیة، ومستوى القدرة والقوة العسکریة، وعدد أفراد الجیش مقابل نسبة المواطنین القابلین للالتحاق بالمؤسسة العسکریة فی حالة التعبئة العامة الذین یسمون قوات الاحتیاط العام، ومعدل الإنفاق العسکری من إجمالی الدخل القومی الإجمالی فی الدولة المعنیة، کل هذه المعاییر تحدد ما إذا کان البلد المتلقی سیعد حلیفاً استراتیجیاً محتملاً للدولة المانحة من حیث المصالح الأمنیة والعسکریة، کذلک من الممکن أن تلعب المصالح الاقتصادیة والتجاریة دوراً مهماً فی توجیه المساعدات الخارجیة، فعلى سبیل المثال، یمکن أن تکون الدولة المتلقیة للمساعدات غنیة بالمواد الخام المختلفة أو تمثل سوقاً کبیراً لمنتجات شرکات الدول المانحة وسلعها، مع الترکیز على الصادرات ذات المردود من النقد الأجنبی المرتفع، مما سبق یمکن التأکید على أنه فی کثیر من الأحیان تظل المصالح التجاریة والاقتصادیة المحرک الرئیس لتوجهات المانحین فی إعطاء المساعدات للدول المستهدفة.[10]

        وهناک العدید من المصالح الأخرى تم طرحها من قبل بعض الباحثین، وتندرج تحت مظلة المصالح الاستراتیجیة للدول المانحة، منها المصالح الثقافیة التی عادة تهدف إلى تغییر الدین واللغة، أو القیم التی یعتقد أنها تمثل تهدیدات بالعنف إلى الغرب، بالإضافة إلى ذلک إن معظم الدول المانحة التقلیدیة کانت دول مستعمرة، فهی تعمل بجدیة من أجل الحفاظ على نفوذها فی مستعمراتها القدیمة من خلال مدها بجمیع أنواع الدعم، للحفاظ على هویتها الاستعماریة والقیم واللغة التی تم غرسهما إبان فترة الاستعمار.

وهناک من یذهب إلى أکثر من ذلک ویقول إن الدول المانحة تهدف من خلال تقدیم المساعدات الخارجیة إلى خلق مناطق نفوذ ومستعمرات جدیدة، وخصوصاً مع بروز ظاهرة التنافس الدولی حول مراکز النفوذ، وعودة الاستعمار بأشکال جدیدة، والتدخل المباشر، ولکن بطرق أخرى، ومثال على ذلک ما یحدث بین الصین بصفتها دولة مانحة جدیدة، وفرنسا بصفتها دولة مانحة قدیمة وتقلیدیة، فی مناطق النفوذ فی دول غرب أفریقیا وجنوب الصحراء الکبرى.

  1. مظاهر التوظیف الأمنی للمساعدات الخارجیة فی العلاقات الدولیة:

        تتعدد مظاهر التوظیف الأمنی للمساعدات الخارجیة فی العلاقات الدولیة ومن أهم هذه المظاهر على سبیل المثال لا الحصر ما یلی[11]:

  1. قامت الولایات المتحدة الأمریکیة فی عام 2002 بزیادة استخدام المعونات الخارجیة لأغراض الأمن القومی، وقد تم توجیه تلک الزیادة من خلال وزارة الدفاع إلى قطاعات الأمن وجهود إعادة الإعمار ومکافحة المخدرات فی کل من العراق وأفغانستان، فضلاً عن باکستان لاحتواء طالبان وتنظیم القاعدة.
  2. من مظاهر التوظیف الأمنی للمساعدات الخارجیة هو توجیه جزء کبیر من المساعدات الثنائیة المقدمة من جانب کل من استرالیا وکندا والسوید بین عامی 2007 و2011 للدول الهشة والمتأثرة بالصراعات خاصة فی أفریقیا.
  3. تقدیم الاتحاد الأوروبی للمساعدات الخارجیة فی مجال إصلاح قطاع الأمن وحفظ السلام الإقلیمی فی الصومال ودارفور ومالی وأفریقیا الوسطى، ومن الملاحظ أن ذلک کان موجهاً بشکل واضح لخدمة الأمن القومی للدول المانحة.

کذلک من الأمثلة الواضحة على التوظیف الأمنی للمساعدات الخارجیة، المساعدات التی قدمتها بریطانیا إلى سیرالیون منذ عام 1998 لتنفیذ برنامج إصلاح القطاع الأمنی، ولا یزال جانب من هذا البرنامج مستمراً على الرغم من انتهاء الحرب الأهلیة التی استمرت 11 عاماً، إذ ما زالت بریطانیا تقدم المساعدات فی مرحلة ما بعد الصراع فی مجال إصلاح الجیش، والشرطة، وأجهزة الاستخبارات وقطاع العدالة والقطاع الأمنی، ولیس للتعلیم او الرعایة الصحیة أو برامج حقوق الإنسان.[12]

المبحث الثانی

العلاقات المصریة الأمریکیة

وتطور برنامج المساعدات العسکریة الأمریکیة لمصر منذ 2011

 

    تحکم العلاقات المصریة الأمریکیة أبعاد ثابتة وواضحة، وتوجهات استراتیجیة لکلا الطرفین. إذ ترتبط مصر والولایات المتحدة الأمریکیة بعلاقات استراتیجیة قویة، وذلک استناداً إلى: المصالح الحیویة الأمریکیة فی المنطقة، والأهداف المشترکة، والالتزامات المتبادلة الخاصة ببناء وتطویر القدرات العسکریة المصریة، والموقع الجیواستراتیجی لمصر، ومکانتها العربیة والأفریقیة والإسلامیة، ومرکزیتها فی المنطقة.[13]

    ویحلل هذا المبحث المحددات الاستراتیجیة الحاکمة للعلاقات المصریة الأمریکیة، بالإضافة إلى استعراض أهم التطورات التی لحقت ببرنامج المساعدات العسکریة الأمریکیة لمصر منذ عام 2011، وذلک على النحو التالی:

أولاً: المحددات الاستراتیجیة الحاکمة للعلاقات المصریة الأمریکیة:

        هناک عوامل ثابتة فی العلاقات المصریة الأمریکیة، تدعم عدم تأثر الشراکة الاستراتیجیة بین البلدین بتغییر نظام الحکم أو ببعض التوترات التی تظهر فی العلاقة من حین لآخر. وتختلف هذه العوامل وفقاً لمصالح کلا البلدین، أما عن المصالح الأمریکیة فتتمثل فی: الحفاظ على السلام المصری – الإسرائیلی، ومزایا المرور فی قناة السویس، وفى الأجواء المصریة، والتعاون مع الجیش المصری، ومکافحة الإرهاب، أما بالنسبة للمصالح المصریة فتتمثل فی: تحدیث القدرات العسکریة المصریة وتطویرها، والحفاظ على قدر من التوازن الاستراتیجی فی الشرق الأوسط، ودعم دور مصر الإقلیمی والدولی[14].

  ویأخذ التعاون العسکری بین مصر والولایات المتحدة عدة صور، تتمثل فی مبیعات السلاح، ونقل التکنولوجیا العسکریة، والمناورات والتدریبات العسکریة المشترکة، حیث ترتبط الولایات المتحدة بعلاقة تدریب عسکریة طویلة الأمد مع مصر، وتوجد العدید من التدریبات القتالیة التی تشارک فیها مصر مع الولایات المتحدة لتبادل الخبرات القتالیة. ویشارک الجیش المصری مع الجیش الأمریکی منذ عام 1994 فی عملیة “النجم الساطع، وهی تدریبات عسکریة مشترکة تجرى کل عامین بمشارکة عدد من الدول، من بینها ألمانیا، والأردن، والکویت، وبریطانیا. کما أقیمت فی عام 2008 مناورات بحریة مشترکة تحت اسم "تحیة النسر"، شملت التدریب على عملیات الاستطلاع، والبحث، وإنقاذ السفن، وتدمیر الأهداف السطحیة، والجویة، ومکافحة الغواصات المعادیة، وذلک فی إطار سعى الدولتین للتصدی لعملیات القرصنة البحریة، وتأمین المضایق البحریة الجیواستراتیجیة، بالإضافة إلى أنه بین عامی 2009 و2018 دربت الولایات المتحدة 7108 من العسکریین المصریین على الأراضی الأمریکیة. وتم تمویل أکثر من 75% من برامج التدریب عبر مساعدات برنامج التمویل العسکری الأجنبی (FMF)، وبرنامج المبیعات العسکریة الخارجیة (FMS) الأمریکیین.[15]

ونظراً لترکیز الدراسة على المساعدات الأمریکیة لمصر فی إطار حربها على الإرهاب، فإن الدراسة سترکز على العلاقات المصریة الأمریکیة فی بعدها العسکری والأمنی، حیث تنظر الولایات المتحدة الأمریکیة إلى المؤسسة العسکریة المصریة باعتبارها القوة القادرة على الحفاظ على المصالح الأمریکیة فی الشرق الأوسط، من قبیل ضمان الاستقرار فی سیناء، وعلى الحدود مع إسرائیل، ودعم التسهیلات العسکریة للولایات المتحدة، وتنظر القیادات العسکریة الأمریکیة لمصر على أنها إحدى رکائز الاستقرار فی المنطقة، وأن استثمار الولایات المتحدة فی علاقتها بالمؤسسة العسکریة المصریة هو استثمار جید للغایة، وکان له تأثیره الواضح فی الحفاظ على الاستقرار والأمان، وأن القوات المسلحة المصریة هی الضامن الرئیس لتحقیق المرور الآمن للقطع البحریة الأمریکیة فی قناة السویس، وأی إضرار بها سیشکل مخاطر مباشرة ضد المصالح الأمریکیة قبل المصالح المصریة فی ظل ارتفاع مؤشرات المخاطر والتهدیدات الأمنیة الراهنة بالمنطقة.

ونظراً لما سبق، تقدم الولایات المتحدة الأمریکیة مساعدات عسکریة بصفة دوریة منتظمة بغرض تأمین الحدود، ومکافحة تهریب السلاح والذخیرة من خلال الأنفاق إلى غزة، وضمان الأمن فی سیناء، کما توفر قطع الغیار اللازمة للمعدات العسکریة، وتقدم التدریب والتعلیم العسکری للضباط بالجیش المصری، وتواصل مستمر بین القیادات العسکریة فی الجانبین.

فبعد توقیع معاهدة السلام "کامب دیفید" بین مصر وإسرائیل، بدأت الولایات المتحدة بتقدیم المساعدات الخارجیة إلى کلا الطرفین (مصر، وإسرائیل)، وتتسلم مصر أغلبیة المساعدات الخارجیة على هیئة ثلاثة أشکال أساسیة: تمویل عسکری خارجی، وتمویل دعم اقتصادی، وتعلیم وتدریب عسکری دولی، إذ أمدت الولایات المتحدة مصر خلال الفترة بین عامی 1948 – 2018 بأکثر من 83 ملیار دولار أمریکی، بما فی ذلک 1,3 ملیار دولار تقدمها الولایات المتحدة سنویا کمساعدات عسکریة من عام 1987 إلى الآن. وتتلقى مصر المساعدات العسکریة من خلال 3 حسابات، الأول "برنامج التمویل العسکری الأجنبی (FMF)"، و"صنادیق الدعم الاقتصادی " ESF و"المشروع الدولی للتعلیم والتدریب "IMET  بخلاف ما تحصل علیه مصر من مساعدات أخرى غیر منتظمة على بعض المخصصات الصغیرة فی إطار ما یسمى بالسیاسة الوقائیة الأمریکیة، وذلک من صندوق مکافحة الإرهاب المعروف اختصاراً باسم NADR وصندوق مکافحة المخدرات INCLE، ویتم تقسیم مساعدات التمویل العسکری الخارجی لمصر إلى ثلاثة أقسام: اقتناء معدات جدیدة، وتحدیث المعدات الموجودة حالیا، واستمرار دعم وصیانة العقود، وفیما یلی جدول یوضح حجم المساعدات التی تلقتها مصر من هذه الحسابات خلال الفترة الماضیة.

(جدول رقم 1 یوضح حجم المساعدات الأمریکیة لمصر فی الفترة من 2016 -2021)

Source: Jeremy M. Sharp, Egypt: Background and U.S. Relations, Congressional Research    Service, CRS REPORT, (RL33003), May 27, 2020, p. 24.

ومنذ عام 2009 حتى عام 2019، عقدت الولایات المتحدة مع مصر 18 صفقة بیع أسلحة بإجمالی یتجاوز 9.5 ملیار دولار فی إطار برنامج المبیعات العسکریة الخارجیة (FMS) وجرى تمویل تلک الصفقات من المنح التی قدمها برنامج (FMF) إلى مصر خلال تلک الفترة والبالغة 13 ملیار دولار، ومن أبرز تلک الصفقات: صفقة فی عام 2009 لشراء 24 طائرة مقاتلة من طراز (F-16) بقیمة 3.2 ملیار دولار، وصفقة فی عام 2011 لشراء 125 مجموعة تستخدم فی الإنتاج المشترک للدبابات (M1A1) بقیمة 1.3 ملیار دولار، وصفقة فی 2018 لشراء 10 مروحیات هجومیة من طراز أباتشی بقیمة 1ملیار دولار، وصفقة فی عام 2018 بأکثر من 200 ملیون دولار لشراء ذخیرة دبابات 120 ملم، وصفقة فی عام 2019 بمبلغ 554 ملیون دولار لعملیات دعم ومتابعة سفن موردة من الولایات المتحدة تتضمن فرقاطات(FFG-7)، وزوارق دوریة سریعة.[16]

وبالمقابل، یقدم الجیش المصری عدة تسهیلات توفر میزة استراتیجیة للقوات الأمریکیة المنتشرة فی البحر المتوسط والخلیج العربی، والمحیط الهندی، مما یساعدها على القیام بعملیات یعد الوقت عنصراً مهما فیها، ومن تلک التسهیلات: منح أسبقیة المرور فی قناة السویس للسفن الحربیة الأمریکیة، مع توفیر إجراءات الحمایة لها أثناء العبور.

  وتتلقى مصر مبلغ 1.3 ملیار دولار سنویا منذ عام 1987 عبر برنامج التمویل العسکری الأجنبی الأمریکی (FMF)  أی أنها استلمت حتى الیوم ما یزید عن 41 ملیار دولار، وهو ما یقارب ربع مساعدات برنامج التمویل العسکری الأجنبی الأمریکی (FMF) فی جمیع أنحاء العالم، ویبرر الساسة الأمریکیون تقدیم تلک المساعدات بأنها تهدف للحفاظ على معاهدة کامب دیفید للسلام مع إسرائیل، ودعم مصر فی مکافحة الإرهاب، وترسیخ العلاقات الأمریکیة المصریة، وتعزیز قابلیة التشغیل المتبادل بین القوات المسلحة للدولتین، وتأمین الامتیازات عبر الأراضی المصریة للجیش الأمریکی مثل حقوق التحلیق والوصول السریع عبر قناة السویس، فالقانون المصری ینص على إعطاء مهلة 30 یومًا قبل التصدیق على عبور قناة السویس إلا أن مصر تسمح بمرور السفن الأمریکیة خلال 24 ساعة إلى 48 ساعة من إخطارها بطلب العبور.[17]

مما سبق یمکن القول، أن هناک العدید من المحددات الاستراتیجیة فی العلاقات العسکریة المصریة الأمریکیة، ومن أهمها: أن السیاسة الدفاعیة الأمریکیة فی منطقة الشرق الأوسط تقوم على التعاون الأمنی، وضمان التفوق العسکری النوعی لإسرائیل، ویظهر هذه جلیاً فی الفارق بین المعونة الأمریکیة التی تقدم لإسرائیل والتی تقدم لمصر، إذ إنه فی الفترة من 1948 حتى 2017، قدمت الولایات المتحدة الأمریکیة لإسرائیل ما یقارب من 130 ملیار دولار، بینما قدمت لمصر فی الفترة نفسها 83 ملیار دولار، بالإضافة إلى ذلک تأمین منافذ الطاقة، وازداد هذا الأمر أهمیة بعد اکتشافات البحر المتوسط، والتداخل الإسرائیلی فیها، وتأمین منابع النفط فی منطقة الخلیج العربی، ومحاربة الإرهاب فی منطقة الشرق الأوسط وشمال أفریقیا، والحفاظ على أمن إسرائیل، ومکافحة القرصنة فی جنوب البحر الأحمر ومضیق عدن، ومن هنا جاء ترکیز الولایات المتحدة على المؤسسة العسکریة المصریة باعتبارها الضامن الوحید للحفاظ على هذه المحددات، ولتحقیق متطلبات الأمن القومی.[18]

ثانیاً: تطور برنامج المساعدات الأمریکیة لمصر منذ 2011:

تقدم الولایات المتحدة الأمریکیة لمصر مساعدات اقتصادیة وعسکریة سنویة اتسمت بالاستمراریة منذ ثمانینیات القرن الماضی، بعد توقیع مصر اتفاقیة السلام مع إسرائیل فی عام 1979، ومقدارها 1.3 ملیار دولار کمساعدات عسکریة، یضاف إلیها حزمة مساعدات اقتصادیة لم تزد قیمتها على 250 ملیون دولار منذ عام 2009 لأهمیة الشراکة الاستراتیجیة مع مصر، التی تقوم على المصالح المشترکة المتمثلة فی: تعزیز الاستقرار والازدهار فی مصر، واستتباب السلام فی المنطقة، والمحافظة على السلام مع إسرائیل، ومکافحة التطرف والإرهاب فی جمیع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفریقیا، والتی تعود منذ تدشینها بفوائد جمة على الولایات المتحدة الأمریکیة.[19]

  بید أن الأحداث التی شهدتها مصر منذ ثورة الخامس والعشرین من ینایر 2011 قد ألقت بظلالها على المساعدات الأمریکیة (الاقتصادیة والعسکریة) إلى مصر لتصبح محل نقاش حاد داخل أروقة الکونجرس الأمریکی بمجلسیه (النواب والشیوخ)، والإدارة الأمریکیة، فقد أثارت التطورات المصریة بعد الخامس والعشرین من ینایر 2011 والثالث من یولیو 2013 نقاشاً داخل الولایات المتحدة حول المساعدات الأمریکیة لمصر، مثل فاعلیة فرض شروط على المساعدات العسکریة للقاهرة لإرغام السلطات على اتخاذ إجراءات من شأنها إحداث تحول دیمقراطی، وبناء دولة القانون والمؤسسات تقدم ضمانات للحریات وتحترم حقوق الإنسان.

واستخدمت إدارة الرئیس الأمریکی السابق باراک أوباما المساعدات الأمریکیة کورقة للضغط على النظام المصری، خلال فترة حکم المجلس العسکری، وحکم جماعة الإخوان المسلمین، والحکومة الانتقالیة بعد الثالث من یولیو، لتحقیق تقدم فی الانتقال السلمی للسلطة، وبناء نظام دیمقراطی، قوامه دولة المؤسسات والقانون، واحترام حقوق الإنسان. فقد لوحت الإدارة الأمریکیة بتلک الورقة، بعد أن قامت السلطات المصریة فی أواخر دیسمبر 2011 بالتحقیق مع 43 شخصًا، منهم 19 أمریکیاً من منظمات أمریکیة بتهمة اختراق القوانین المصریة، وممارسة أعمال سیاسیة ولیست حقوقیة، ودفع أموال طائلة لشخصیات وجهات مصریة.

وعلى أثر تلک الأزمة، هددت الولایات المتحدة بقطع المساعدات العسکریة الأمریکیة، وخلال فترة حکم جماعة الإخوان المسلمین، ارتفعت الأصوات التی تنادی بوقف المساعدات الأمریکیة بشقیها الاقتصادی والعسکری لمصر، واستمر الأمر کذلک عقب الثالث من یولیو 2013، وفی محاولة للموازنة بین تلک الضغوط والرغبة الأمریکیة فی الحفاظ على علاقات بناءة مع حلیف عربی محوری کمصر، اتخذت إدارة الرئیس أوباما حلاً وسطاً للخروج من تلک المعضلة بتعلیق جزئی للمساعدات الأمریکیة لمصر.

        ولم یستمر قرار تعلیق المساعدات العسکریة الأمریکیة لمصر کثیراً حیث ساهمت مجموعة من العوامل المهمة فی عودة المساعدات الأمریکیة لمصر، ویمثل العامل الأهم الذی ساهم فی عودة المساعدات الضغط الإسرائیلی الکبیر على الولایات المتحدة، سواء على الإدارة أو فی الکونجرس، من أجل دعم الجیش المصری وعدم اتخاذ أی حراک ضده من أجل الحفاظ على الهدوء مع إسرائیل، عامل أخر شدید الاهمیة یتمثل فی تصاعد الهجمات الإرهابیة فی سیناء وعدم قدرة مصر على السیطرة علیه، بل وتنامیه مما أثار مخاوف وتهدیدات کبیرة لیس فقط لإسرائیل، بل کذلک من تحول مصر إلى دولة ضعیفة أمنیاً على شاکلة العراق وسوریا ولیبیا ما شکل دافعاً قویاً لرفع التجمید عن المساعدات، هذا بالإضافة إلى عامل آخر مهم یرتبط بالعامل السابق یتمثل فی العلاقات القویة بین المؤسسة العسکریة المصریة والولایات المتحدة منذ توقیع معاهدة السلام مع إسرائیل، فمعظم أسلحة الجیش وتدریبات قادته أمریکیة، وبالطبع لم یسر واشنطن أن تجد مصر تلجأ إلى روسیا وفرنسا من أجل الحصول على السلاح بما یؤثر على إشراف الولایات المتحدة على السلاح المصری، کذلک کان لدول الخلیج دور کبیر فی إعادة المساعدات العسکریة من خلال ضغطهم على الولایات المتحدة وتصاعد الحدیث حول إمکانیة تعویضهم لمصر عن المساعدات الأمریکیة، وهو ما تم بالفعل حیث مثلت مساعدات الخلیج لمصر عدة أضعاف المساعدات الأمریکیة وساهمت فی تمویل صفقات سلاح غیر أمریکیة لمصر.[20]

وقد حدث تغییرین فی طبیعة المساعدات العسکریة الأمریکیة السنویة لمصر ابتداء من العام المالی 2018، هما:[21]

  • أولاً: إنهاء آلیة التدفق المالی الأمریکی Cash Flow Financing))(*)، وهو آلیة مکنت الحکومة المصریة من طلب معدات عسکریة أمریکیة الصنع بقیمة تصل إلى ملایین الدولارات لسنوات مقدماً. وسیسمح إنهاء ذلک الامتیاز بتسهیل الأمر على الحکومة الأمریکیة مستقبلاً، إن أرادت تعلیق، أو خفض، أو صیاغة شروط لتقدیم المعونة العسکریة لمصر بدون أن یکون لها تأثیر فی شرکات السلاح الأمریکیة.
  • ثانیاً: التحکم فی نوعیة السلاح الذی تحصل علیه مصر، حیث حددت الإدارة الأمریکیة أربعة أنواع للمساعدات العسکریة المستقبلیة لمصر، وهی: مکافحة الإرهاب، وأمن الحدود، وأمن سیناء، والأمن البحری، وهو ما یتعارض مع الرغبة المصریة التی تفضل الحصول على المعونة العسکریة الأمریکیة فی صورة دبابات وطائرات حربیة، لتکون قوة عسکریة قویة فی المنطقة.

المبحث الثالث

استراتیجیة مصر فی مکافحة الإرهاب

ومستقبل برنامج المساعدات العسکریة الأمریکیة لمصر

 

        تمثل ظاهرة الإرهاب أحد أهم التحدیات التی تواجهها مصر بما لها من أبعاد سیاسیة وداخلیة وخارجیة وقانونیة واقتصادیة، حیث تسهم الأبعاد الإقلیمیة فی منطقة الشرق الأوسط وأفریقیا فی زیادة حجم التحدیات التی تواجهها مصر خاصة وأن الظروف الأمنیة فی المحیط الإقلیمی سواء فی الغرب بسبب تداعیات الوضع فی لیبیا، وما تعانیه من فراغ أمنی أو على الحدود الشرقیة وسیناء، بما یمثل خطراً داهماً على الأمن القومی المصری، لیس فقط من زاویة الإرهاب وإنما ما یرتبط به من أبعاد أخرى مثل تهریب السلاح والإتجار فی البشر.[22]

       ویتناول هذا المبحث الجهود التی قامت بها مصر فی مجال مکافحة الإرهاب، فضلاً عن تحلیل الأبعاد المتعلقة بمستقبل برنامج المساعدات العسکریة الأمریکیة لمصر، وذلک على النحو التالی:

أولاً: جهود مصر فی مکافحة الإرهاب:

      وضعت مصر قضیة مکافحة الإرهاب کإحدى أولویات سیاستها الخارجیة، حیث کثفت مصر من جهودها، سواء من خلال مشارکتها النشطة فی مختلف المحافل الإقلیمیة والدولیة، أو فی إطار المشاورات الثنائیة مع العدید من الشرکاء الدولیین، للترویج لرؤیة مصر ومقاربتها الشاملة وأدواتها المتنوعة فی مجال مکافحة الإرهاب والتطرف، مع التأکید على ضرورة المواجهة الشاملة لکافة التنظیمات الإرهابیة دون استثناء، باعتبارها تمثل تهدیداً مشترکاً للسلم والأمن الدولیین، والتشدید على أهمیة تضافر الجهود الإقلیمیة والدولیة لمواجهة الإرهاب وتجفیف مصادر تمویله ومنابعه الفکریة.

وأصدرت مصر مجموعة من التشریعات فی إطار استراتیجیتها فی مکافحة الإرهاب ومنها: قانون مکافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015، الذی نص على تعریف الجریمة الإرهابیة والعمل الإرهابی على أنه "کل استخدام للقوة أو العنف أو التهدید أو الترویع فی الداخل أو الخارج، بغرض الإخلال بالنظام العام أو تعریض سلامة المجتمع أو مصالحه أو أمنه للخطر، أو إیذاء الأفراد أو إلقاء الرعب بینهم، أو تعریض حیاتهم أو حریاتهم أو حقوقهم العامة أو الخاصة أو أمنهم للخطر، أو غیرها من الحریات والحقوق التی کفلها الدستور والقانون، أو الإضرار بالوحدة الوطنیة أو السلام الاجتماعی أو الأمن القومی، أو إلحاق ضرر بالبیئة، أو الموارد الطبیعیة أو بالآثار أو بالأموال أو المبانی أو بالأملاک العامة أو الخاصة، أو احتلالها أو الاستیلاء علیها أو منع أو عرقلة السلطات العامة أو الجهات القضائیة أو مصالح الحکومة أو الوحدات المحلیة أو دور العبادة أو المستشفیات أو مؤسسات ومعاهد العلم، أو البعثات الدبلوماسیة والقنصلیة، أو المنظمات الإقلیمیة والدولیة فی مصر."[23]

      وقامت المقاربة المصریة الشاملة لمکافحة الإرهاب على عدة محاور رئیسة منها بذل الجهود على الصعید الوطنی لمکافحة الإرهاب من خلال عدة وسائل مهمة منها، إصدار التشریعات، والاهتمام بالمواجهة الأمنیة، ومکافحة غسل الأموال وتمویل الإرهاب، بالإضافة إلى المواجهة الاقتصادیة والاجتماعیة والفکریة للقضاء على الإرهاب، فضلاً عن الجهود التی بذلتها مصر على الصعیدین الإقلیمی والدولی، بالإضافة إلى الاتفاقات وبروتوکولات التعاون الدولی والعربی والإفریقی من أجل مواجهة الإرهاب، وقد قامت مصر بالعدید من الجهود فی مجال مکافحة الإرهاب، ومن أهم هذه الجهود ما یلی:[24]

-       تکثیف الإجراءات الأمنیة على کافة الاتجاهات الاستراتیجیة وفرض السیطرة الکاملة على المناطق الحدودیة لمنع أعمال التسلل والهجرة غیر المشروعة وتهریب لأسلحة والذخائر إلى داخل الأراضی المصریة.

-       تأمین السواحل والموانئ البحریة والجویة والمنافذ باستخدام أحدث الوسائل التقنیة، وتدعیم مختلف المنافذ البریة بالمعدات الحدیثة للکشف عن المهربات.

-       تعزیز أنظمة المراقبة الأرضیة والفنیة والمحمولة جواً وتفعیل الإجراءات التنسیقیة الأمنیة لتبادل المعلومات والمجابهة الإیجابیة للتهدیدات فور اکتشافها.

-       رصد ومتابعة النشاط الإلکترونی للعناصر الإرهابیة وتحلیل المعلومات المتحصل علیها لمجابهة الأعمال الإرهابیة المحتملة.

-       رفع کفاءة مختلف مطارات الجمهوریة وتدعیمها بالأجهزة والمعدات الفنیة الحدیثة لإحکام السیطرة الأمنیة، وتأمین الرکاب والأمتعة بالصورة اللازمة.

-       إقامة سیاج أمنی حول مدینة شرم الشیخ لإحکام السیطرة الأمنیة على مداخلها ومخارجها وحمیاتها من عملیات التهریب، وکذلک تأمین الأفواج السیاحیة.

-       استمرار تأمین المجرى الملاحی لقناة السویس ومحور قناة السویس الجدیدة بالتعاون فیما بین الأجهزة الأمنیة المعنیة.

-       التنسیق الدائم مع مدیریات الأمن المعنیة لمتابعة حالة الاستقرار الأمنی وتأمین المنشآت والأهداف الحیویة.

-       التوسع فی تنفیذ لقاءات التوعیة بالمخاطر والتهدیدات التی تواجه الأمن القومی المصری فی ظل تردی الأوضاع الإقلیمیة الراهنة والموقف من دور الجوار.

-       التنسیق مع الأجهزة الأمنیة للدول الصدیقة والمتعاونة للاستفادة من قدرات وإمکانات تلک الدولة فی مکافحة الإرهاب وتکثیف عقد المؤتمرات بین الجانبین لتبادل المعلومات عن العناصر الإرهابیة وتمرکزاتها وتحرکاتها فی الاتجاهات الاستراتیجیة المختلفة.

وترتکز الاستراتیجیة الأمنیة لمکافحة الإرهاب فی مصر على المحاور التالیة:[25]

-       رصد التنظیمات الإرهابیة وکشف هیاکلها التنظیمیة وتحدید عناصرها وقیادتها وانتشارها الجغرافی والروابط القائمة فیما بینها بالتنسیق مع الأجهزة المعنیة.

-       تقویض قدرات التنظیمات الإرهابیة من خلال استهدافها فی الإطار القانونی لإجهاض مخططاتها العدائیة.

-       کشف غموض وملابسات ارتکاب الحوادث الإرهابیة من خلال (فحص مسرح الجریمة – تتبع العناصر الإرهابیة الهاربة وتحدید أماکن اختبائهم – مداهمة أوکار ومخازن الأسلحة وتصنیع المتفجرات).

-       مکافحة التهدیدات المرتبطة بظاهرة المقاتلین الإرهابیین الأجانب من خلال إحکام الرقابة المنافذ الشرعیة.

-       مکافحة عملیات التسلل عبر الحدود ومواجهة عصابات التهریب لمنع محاولات العناصر الإرهابیة التسلل للبلاد، وکذلک مکافحة عملیات تهریب الأسلحة والذخائر والمواد المتفجرة ومنع وصولها للعناصر الإرهابیة.

-       تطبیق إجراءات تأمینیة فعالة لحمایة الشخصیات والمنشآت المهمة والحیویة للحیلولة دون استهدافها بأعمال إرهابیة، وتکثیف الحملات على الأوکار والبؤر الإجرامیة لضبط العناصر الإجرامیة التی تستغلها الجماعات الإرهابیة.

-       مکافحة جرائم غسل الأموال والجریمة المنظمة لارتباطهما بصورة مباشرة بعملیات تمویل الإرهاب، ومتابعة القیادات الإرهابیة الهارب بالخارج والتنسیق مع أجهزة الدولة المنیة لضبطها وترحیلها للبلاد وتقدیمها للقضاء.

-       متابعة الصفحات التحریضیة ومواقع الجماعات الإرهابیة على شبکة المعلومات الدولیة لتحدید القائمین على إدارتها لتقدیمهم للنیابة العامة وفقاً للقانون، والتنسیق مع المنظمة الدولیة للشرطة الجنائیة (إنتربول) لإصدار نشرات حمراء للقیادات الإرهابیة، وإدراج أبرز العناصر الإرهابیة الهاربة خارج البلاد على القوائم الدولیة والإقلیمیة

وأسفرت نتائج تطبیق الاستراتیجیة الأمنیة المشار إلیها عن تحقیق العدید من النجاحات، خاصة فی مجال تقویض نشاط ما یسمى بتنظیم أنصار بینت المقدس، والقضاء على ما یسمى بتنظیم أجناد الأرض، کما نجحت جهود قوات إنفاذ القانون فی إطار العملیة الشاملة لمکافحة الإرهاب فی سیناء التی انطلقت منذ عام 2018 فی إحکام السیطرة الأمنیة بها، مما أدی إلى محدودیة تنفیذ عملیات إرهابیة خلال الفترة الأخیرة مقارنة بالسنوات السابقة، مع استقرار الأوضاع المعیشیة لأهالی شمال سیناء، حیث تمکنت قوات إنفاذ القانون من القضاء على البنیة التحتیة لتنظیم "أنصار بین المقدس" المتواجدة فی منطقة محدودة فی شمال سیناء، مع استمرارها فی ملاحقة فلول العناصر الإرهابیة المنتمیة لها وهی عناصر محلیة لا ترتبط تنظیمیاً أو عملیاتیاً أو تمویلیاً بأی شکل من الأشکال بما یسمى تنظیم داعش الإرهابی.

ثانیاً: مستقبل برنامج المساعدات العسکریة لمصر:

ینبغی بدایة قبل دراسة وتحلیل مستقبل برنامج المساعدات العسکریة الأمریکیة لمصر الإجابة على تساؤلاً مهماً من تساؤلات هذه الدراسة، وهو هل تصاعد الاهتمام بالتوظیف الأمنی والعسکری للمساعدات الخارجیة یحقق أهداف الأمن القومی بالفعل؟، وللإجابة على هذا التساؤل نرصد اتجاهین من اتجاهات التحلیل، الاتجاه الأول: یرى أن أمننه المساعدات بهدف تحقیق الأمن سوف یأتی على حساب التنمیة، وهو ما یقوض الأمن فی النهایة، إذ أن تحویل المساعدات من استراتیجیات طویلة الأجل للحد من الفقر وتحقیق الأهداف الإنمائیة للألفیة إلى أهداف على المدى القصیر تهف إلى الحفاظ على الأمن القومی یمنع المساعدات من تحقیق الهدف على المدى الطویل، وهو خلق عالم أکثر أمناً، ویمکن الإشارة فی هذا الإطار إلى الحالة العراقیة، إذ أنه عقب الاحتلال الأمریکی للعراق فی عام 2003، أقدمت الولایات المتحدة على حل الجیش العراقی الوطنی، وشرعت فی بناء جیش جدید، وقامت بتدریبه وتسلیحه، غیر أن هذا الجیش لم یصمد فی مواجهة تنظیم داعش، وهو ما أظهر عدم جدوى "أمننة المساعدات فی الحالة العراقیة".[26]

فی حین یرى الاتجاه الثانی: أن "أمننة المساعدات" تساعد على تحقیق التنمیة، باعتبار الأمن متطلباً أساسیاً لتحقیق التنمیة، ولا یتصور أن تشرع دولة لا تنعم بالأمن فی مشروعات تنمویة، ویرى هذا الاتجاه أن فصل الأمن عن التنمیة هو اتجاه تقلیدی ثبت عدم صحته وجدواه، فتاریخیاً کانت الدول المانحة للمساعدات التنمویة تفضل عدم الانخراط فی مناطق الصراع، نظراً لأن المساعدات التنمویة سوف تکون أقل فعالیة، إذا أن المساعدات المقدمة مثلاً لتطویر البنیة التحتیة قد تتعرض للتدمیر جراء الصراع المستمر، کما أن الدول المانحة للمساعدات العسکریة والأمنیة لم تهتم بمکون التنمیة، وأن الترکیز على قضایا الرعایا الصحیة، والتعلیم والحکم الصالح والحقوق والحریات لیس له الأولویة فی القضاء على الصراعات المسلحة، وقد ثبت أن کلا الاتجاهین یعانیان أوجه قصور، إذا إن التنمیة تعد مکوناً رئیسیاً لإنهاء الحروب الأهلیة، فی حین أن إنهاء الصراعات یعد متطلباً أساسیاً للشروع فی التنمیة.[27]

وهناک اتجاه آخر یمثله بعض الباحثین ویؤکد - بصفة عامة، ولیس الحدیث بالتحدید عن العلاقات المصریة الأمریکیة - على أهمیة وقف برامج المساعدات الخارجیة، لأنها تؤدی إلى تدمیر اقتصادات الدول الفقیرة الناشئة بدلاً من مساعداتها، وهناک من ینادی بضرورة إصلاح منظومة المساعدات الخارجیة برمتها لاستمرار تدفقها إلى الدول المستهدفة، ویقتضی الأمر مراجعات جادة لطرق صنع سیاسات هذه المساعدات وآلیات تنفیذها.[28]

أما فیما یتعلق بحالة الدراسة وهی المساعدات العسکریة الأمریکیة لمصر والتعاون الأمنی والعسکری فی مجال محاربة الإرهاب، طرحت بعض الإجابات فی الدراسات البحثیة والأکادیمیة الأمریکیة رداً على تساؤل مهم وهو إلى أی مدى ساهمت المساعدات العسکریة الأمریکیة لمصر فی القضاء على الإرهاب ومواجهته؟ ویمکن تحلیلها وعرض أهم ما تضمنته فی هذا المبحث.

       وبرغم ما تم ذکره من تطورات تتعلق بالأهمیة الاستراتیجیة لبرنامج المساعدات الأمریکیة لکلا الدولتین، إلا أن برنامج المساعدات برمته ما زال یخضع لعملیة تقییم من قبل الدوائر الرسمیة المعینة بالمساعدات الخارجیة داخل الولایات المتحدة الأمریکیة، وکذلک من مراکز الدراسات والأبحاث الأمریکیة، وهذا ما أکدته دراسة مشترکة بین مشروع الدیموقراطیة فی الشرق الأوسط ومرکز السیاسة الدولی نشرت فی مایو 2020 بعنوان "المساعدة الأمنیة الأمریکیة إلى مصر"، والتی أکدت على أن هناک بعض التحفظات على سیاسات الجیش المصری فی سیناء، وخاصة ضد السکان المدنیین، وکذلک هناک تحفظات أمریکیة على السیاسة المصریة فی مجال حقوق الإنسان، والتعامل مع المعارضة السیاسیة، کما أکدت الدراسة على أن السیاسات الخارجیة للنظام المصری تتعارض فی کثیر من النواحی مع المصالح الأمریکیة فی المنطقة، کما هو الحال فی سوریا ولیبیا والموقف من روسیا، ومن ثم أوصت الدراسة بحجب 300 ملیون دولار من المساعدة العسکریة الأمریکیة سنویاً وتخصیصِ المبلغ لجهود المساعدة الإنسانیة العالمیة للتغلب على جائحة کورونا، ودعت الدراسة کذلک إلى السماح للصحفیین والمسؤولین الأمریکیین بدخول سیناء لمتابعة وتقییم ممارسات الجیش المصری فی إطار حربها على الإرهاب فی سیناء، وطالبت الدراسة بتخفیف القیود المفروضة على الصحفیین ونشطاء حقوق الإنسان والمنظمات غیر الحکومیة الأخرى، کما دعت إلى إعادة التوازن للمساعدات الاقتصادیة الأمریکیة المقدمة إلى مصر، والتی تناقصت من 688 ملیون دولار فی سنة 2009 إلى 112 ملیون دولار فقط فی عام 2009.[29]

وبالإضافة إلى ذلک، توجد مجموعة من الدراسات تدعو إلى إعادة تقییم العلاقات العسکریة الأمریکیة المصریة نظراً لترکیزها على فعالیة المساعدات العسکریة الأمریکیة لمصر ومدى مساهمتها فی مساعدة مصر للقضاء على الإرهاب، ومنها دراسة "دیفید شینکر" مدیر برنامج السیاسة العربیة فی معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، المعنونة "حرب مصر الفاشلة على الإرهاب" والتی نشرت فی دوریة " Foreign Affairs" فی 10 مایو 2017، والذی أکد فیها على عدد من النقاط المحوریة فی برنامج المساعدات الأمریکیة لمصر، ومن أهم هذه النقاط ما یلی:[30]

  • أنه رغم تأکید الرئیس الأمریکی دونالد ترامب ودعمه لمصر فی حربها ضد الإرهاب، إلا أن مصر تکبدت خسائر کبیرة فی حربها ضد الإرهاب وتحدیداً فی الفترة من 2011 وحتى 2014، فرغم کثرة عدد الجیش المصری البالغ قوامه 440 ألف عسکری، ورغم المساعدات العسکریة الأمریکیة السنویة بقیمة 1.3 ملیار دولار، إلا أن مصر عجزت عن احتواء متمردین یقدر عددهم بنحو 600 - 1000 شخص، ومن أهم الخسائر التی تکبدتها مصر إعلان جماعة "أنصار بیت المقدس" مبایعتها لتنظیم الدول الإسلامیة وأسقطت الجماعة مروحیة عسکریة مصریة، ودمرت دبابة قتالیة من طراز "أم-60"، وأغرقت زورق دوریة مصری، وقصفت طائرة رکاب روسیة، مما أسفر عن مقتل 224 مدنیاً، بالإضافة على الهجوم على دیر القدیسة کاثرین وهو أحد أقدم الأدیرة فی العالم.
  • کما أنه لم یتمکن الجیش المصری من أمن القوة المتعددة الجنسیات والمراقبین التی یناهز عددها 1700 عنصر والمتمرکزة فی المنطقة لمراقبة تطبیق بنود معاهدة السلام الإسرائیلیة-المصریة. وبناءً على ذلک، انتقلت القوة التی تضم حوالی 700 جندی أمریکی من قاعدتها فی الشمال إلى جنوب سیناء الأکثر أماناً نسبیاً.
  • إن الجیش المصری أیضاً بحاجة ضروریة إلى التدریب على تکتیکات مکافحة التمرد، وإلى إجراء تغییرات فی عملیات شرائها للمعدات العسکریة الأمریکیة، ونظراً للتهدیدات التی تواجهها مصر، والمرتبطة بشکل شبه حصری بالإرهاب وبالتالی بأمن الحدود، لا یوجد سبب منطقی لهذا النوع من الأسلحة الثمینة التی منحتها القاهرة أولویة، بما فیها الدبابات والطائرات المقاتلة والسفن الحربیة البرمائیة وحاملات المروحیات، والصواریخ المطورة البعیدة المدى. وسیکون من المفید إلى حد أکبر أن تقدم القاهرة على شراء المزید من مروحیات "بلاک هوک" لتحسین قدرات الجیش على الرد السریع، وأن تنفق المساعدات على تحسین المراقبة، والاستحواذ على الأهداف، والاستطلاع من خلال "أنظمة الاستخبارات والمراقبة والاستیلاء على الأهداف والاستطلاع" التی قد تعزز عملیات مکافحة التمرد.       
  • یتعین على واشنطن أیضاً أن تنظر فی زیادة تمویل برنامج تعلیم وتدریب الجیش المصری المتواضع أساساً، الذی یعرف باسم برنامج "التعلیم والتدریب العسکری الدولی" (IMET). ففی عام 2016، خصصت وزارة الخارجیة الأمریکیة 1.8 ملیون دولار فقط لهذا المسعى. وبالمقارنة، تم فی العام نفسه منح الأردن - الذی یساوی حجم جیشه 15 فی المائة من حجم الجیش المصری - 3.8 ملیون دولار للتدریب العسکری. یتعین على الإدارة الأمریکیة النظر فی إعادة إدخال أو تخصیص جزء من المبلغ المخصص لمصر والبالغ 1.3 ملیار دولار ضمن برنامج التمویل العسکری الخارجی الأمریکی، من أجل دعم هذه البرامج مع الترکیز بشکل خاص على تعریف المزید من الضباط المصریین على التقنیات الحدیثة لمکافحة التمرد.     
  • ینبغی إعادة توجیه قسم کبیر من المناورات العسکریة للترکیز على عملیات مکافحة الإرهاب، ومکافحة التمرد فی الوقت الراهن.

        وفی السیاق ذاته، توجد دراسات أخری تؤکد على أهمیة برنامج المساعدات العسکریة لمصر وتدعمه، وخاصة التعاون الأمنی والعسکری فی مجال مکافحة الإرهاب، لأنه یحقق مصالح مصر والولایات المتحدة الأمریکیة، ومن أهمها دراسة مشترکة للباحث" روبرت سبرنغبورغ " أستاذ متقاعد فی شؤون الأمن القومی فی کلیة الدراسات العلیا البحریة، وحالیاً باحث فی المعهد الإیطالی للشؤون الدولیة فی روما، والباحث "أف سی بینک ولیامز" لواء متقاعد وملحق عسکری فی السفارة الأمریکیة فی القاهرة من 2008 إلى 2011، بعنوان "الجیش المصری، العملاق المستیقظ من سباته " والتی نشرت فی 28 فبرایر 2019 فی مرکز کارنیغی للشرق الأوسط، وقد أکدت هذه الدراسة على أن هناک العدید من العوامل ساهمت فی یقظة القوات المسلحة المصریة أهمها:[31]    

  1. ظهور أعمال التطرف العنیف فی أعقاب عام 2011، والتی انطلقت فی شبه جزیرة سیناء لتمتد إلى أماکن عدیدة داخل مصر، بما فی ذلک الحدود الغربیة مع لیبیا. وأجبر هذا التحدی الجدید الجیش المصری على أن یرفع من مستوى قدراته فی مکافحة الإرهاب والسیطرة على الحدود إلى حد کبیر، علماً أن موضوع الحدود کان مدفوعاً أیضاً بمخاوف على الحدود السودانیة نتیجة توتر العلاقات الثنائیة بسبب مشکلة حلایب وشلاتین.
  2. وفی العمق الأفریقی، دق بناء إثیوبیا لسد النهضة على النیل الأزرق ناقوس الخطر فی مصر، وباتت فی حاجة إلى عرض قوتها بعیداً عن حدودها، کما تطلبت زیادة عملیات تهریب البشر عبر البحر المتوسط الارتقاء بمنظومة مراقبة البحار، والحاجة إلى تطویر القدرات البحریة القدرات البحریة کی تستطیع حمایة حقول الغاز المکتشفة حدیثاً فی منطقة شرق البحر الأبیض المتوسط وکذلک فی البحر الأحمر وخلیج عدن.
  3. تزامن تدهور البیئة الأمنیة فی المنطقة مع تدهور البیئة الإقلیمیة، فقد أصبح النزاع فی لیبیا متصاعداً بعد عام 2011، بینما انزلقت سوریا والیمن على الجانب الآخر إلى حروب أهلیة استقطبت العدید من جیران مصر، نتیجة لهذا، احتاجت مصر إلى تطویر قواتها، لمواجهة تلک التهدیدات المؤثرة على الأمن القومی المصری.

        لقد ساهمت هذه العوامل فی یقظة القوات المسلحة المصریة ومن أهم المؤشرات على ذلک هو حملة مکافحة الإرهاب المکثفة فی سیناء، وما یتجلى بشکل خاص فی العملیة الشاملة "سیناء 2018"، والتی حققت فیها مصر نجاحاً ملحوظاً.

        وتعقیباً على الدراسات السابقة، یرى الباحث أن هناک اتجاهات تدفع باستمرار المساعدات العسکریة الأمریکیة لمصر فی إطار حربها ضد الإرهاب، وهناک اتجاهات أخرى تشکک فی فعالیة المساعدات العسکریة الأمریکیة لمصر خاصة فی الفترة من 2011 وحتى 2020، وکذلک یوجد اتجاهات تمیل إلى إعادة النظر فی تقییم برنامج المساعدات برمته حفاظاً على العلاقات المصریة الأمریکیة، والمصالح الاستراتیجیة المشترکة فی المنطقة، ویمیل الباحث إلى الاتجاه الذی یدفع باستمرار المساعدات العسکریة الأمریکیة لمصر، حفاظاً على العلاقات الاستراتیجیة والمصالح المشترکة فی المنطقة، ونظراً لخصوصیة العلاقات الأمریکیة المصریة من المنظور العسکری.

خاتمة الدراسة:

تناولت هذه الدراسة عبر مباحثها الثلاثة "مفهوم المساعدات الخارجیة وفعالیتها ومظاهر توظیفها"، و"العلاقات المصریة الأمریکیة وتطور برنامج المساعدات العسکریة الأمریکیة لمصر منذ عام 2011 "، و"استراتیجیة مصر فی مکافحة الإرهاب ومستقبل برنامج المساعدات العسکریة لمصر"، ورکزت الدراسة على الفترة من 2011 وحتى 2020، وأکدت الدراسة على صحة الفرضیة الأولى، لأن التغیرات التی حدثت فی تطور العلاقات المصریة الأمریکیة والمتعلقة برغبة مصر فی تنویع مصادر التسلیح وعدم الاعتماد الکلی على الولایات المتحدة الأمریکیة کمصدر أوحد للتسلیح کان سببها بالفعل هو حدوث تغیرات فی برنامج المساعدات الأمریکیة لمصر منذ عام 2018، وخاصة إلغاء آلیة التدفق النقدی، وحصر البرنامج فی أربعة قطاعات فقط وهی: مکافحة الإرهاب، وأمن الحدود، والأمن البحری، وأمن سیناء، ویرجع ذلک إلى عدم فرض أسلحة معینة من قبل الولایات المتحدة على مصر، ورغبة مصر فی شراء ما یناسبها من أسلحة حدیثة من الدول الفاعلة الأخرى فی النظام الدولی کروسیا وفرنسا وغیرهما.

کما أثبتت الدراسة خطأ الفرضیة الثانیة والتی تمت صیاغتها على النحو التالی "بالرغم من الجهود المصریة الأمریکیة المبذولة فی مجالات التنسیق الأمنی والعسکری بصفة عامة، وفی مجال مکافحة الإرهاب بصفة خاصة، إلا أن المساعدات العسکریة الأمریکیة لمصر فی الفترة من 2011 وحتى 2020، لم تحقق أهداف الأمن القومی لمصر والولایات المتحدة الأمریکیة فی مجال مکافحة الإرهاب" حیث أن برنامج المساعدات الأمریکیة لمصر قد ساعد مصر بالفعل فی مکافحة الإرهاب داخل مصر وفی المناطق الحدودیة، وساهم فی تعزیز قدرة مصر على السیطرة الأمنیة فی سیناء، وهو من ضمن الأهداف الاستراتیجیة للأمن القومی المصری، کما حقق برنامج المساعدات للولایات المتحدة الأمریکیة العدید من الأهداف الأمنیة المهمة ومنها الحفاظ على أمن إسرائیل، واستمراریة الحصول على العدید من التسهیلات والمزایا من مصر فی إطار المصالح الاستراتیجیة المشترکة للبلدین.

وتوصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج المهمة المتعلقة بذات السیاق التحلیلی ومنها:

  1. إن استراتیجیة المساعدات الخارجیة جزء لا یتجزأ من التوجهات الخارجیة للدول المانحة فی السیاسة الدولیة، کما أنه لا یمکن فهم سیاسات المساعدات الخارجیة والاستراتیجیات والأولویات ذات الصلة، إلا إذا أخذنا فی الحسبان مصالح الجهات المانحة، لأنها أداة مهمة من أدوات تنفیذ السیاسة الخارجیة.
  2. أن المصالح السیاسیة والاستراتیجیة والتجاریة والثقافیة والأیدولوجیة تؤثر بشکل کبیر فی عملیة صنع وتنفیذ استراتیجیة المساعدات الخارجیة، کما تمثل هذه المصالح جوهر مشکلة عدم فاعلیة برامج مساعدات التنمیة الخارجیة، لأنها تتغیر باستمرار وفق منظور المصلحة القومیة ومتغیراتها.
  3. أن الأهداف الإنسانیة والتنمویة من تقدیم المساعدات الخارجیة لیست الحافز الأقوى فی مساعدة الدول الفقیرة، وإنما هناک أهداف ومصالح سیاسیة واقتصادیة وأیدیولوجیة تحکم العلاقات الثنائیة فی إطار سیاسات المساعدات الخارجیة وبرامجها، وینطبق هذا على الدول المانحة التقلیدیة أو الدول المانحة الجدیدة.
  4. استفادت الولایات المتحدة الأمریکیة استراتیجیاً على مستویین من برنامج المساعدات المقدمة لمصر، المستوى الأول: هو وجود داعم قوى فی الشرق الأوسط یساعد فی مکافحة الإرهاب، وکذلک حمایة أمن حلیفتها إسرائیل، وضمان تفوقها العسکری فی المنطقة، وضمان الأمن الإقلیمی، إذ ستظل مصر بقدراتها العسکریة هی القوة الرئیسة الداعمة للأمن والاستقرار الإقلیمی بالتعاون مع الولایات المتحدة فی مواجهة القوى المناوئة والتهدیدات غیر النمطیة التی تشهدها المنطقة (إرهاب – قرصنة بحریة – مافیا تهریب السلاح)، والمستوى الثانی من خلال التعاون العسکری مع مصر، إذ تم السماح لطائراتها العسکریة بالتحلیق فی الأجواء العسکریة المصریة ومنحها تصریحات على وجه السرعة للبوارج الحربیة الأمریکیة لعبور قناة السویس، حیث أتاحت مصر للولایات المتحدة مناخاً مساعداً لحرکتها فی المنطقة جواً وبحراً. واستطاعت مصر نتیجة هذه العلاقة الترکیز على رفع الکفاءة القتالیة واستمرار تطویر الأسلحة.
  5. أدت التغیرات التی حدثت فی برنامج المساعدات الأمریکیة لمصر منذ عام 2018، وخاصة إلغاء آلیة التدفق النقدی، وحصر البرنامج فی أربعة قطاعات فقط وهی: مکافحة الإرهاب، وأمن الحدود، والأمن البحری، وأمن سیناء، إلى حدوث تغیرات نوعیة فی مصادر التسلیح بالنسبة لمصر، حیث أدی هذا القرار إلى دفع الرئیس عبد الفتاح السیسی للمضی قدماً فی تنویع تسلیح الجیش عبر شرائه لأسلحة فرنسیة وروسیة متنوعة مثل طائرات الرافال، وسفینتی میسترال، ومروحیات KA-52 الهجومیة.
  6. أدی حصر برنامج المساعدات العسکریة الأمریکیة لمصر فی أربعة قطاعات فقط وهی: مکافحة الإرهاب، وأمن الحدود، والأمن البحری، وأمن سیناء، إلى حدوث تغییر مهم فی عقیدة الجیش المصری القتالیة وتوجیهها نحو مکافحة الإرهاب والتطرف وأعمال العنف بدلاً من إسرائیل على المدى القریب.
  7. توجد حاجة لإعادة النظر فی الأسس التی قامت علیها العلاقة بین مصر والولایات المتحدة والنظر إلیها فی کلیتها، ویجب أن یتم ذلک فی فترة أکثر ملاءمة، حیث إنه لیس من مصلحة مصر فی الوقت الحالی فتح باب المناقشة وإعادة تقییم علاقاتها بالولایات المتحدة، نظراً لحجم التهدیدات والمخاطر فی منطقة الشرق الأوسط والعالم العربی.
  8. ضرورة إعادة النظر فی آلیة الحوار الاستراتیجی مع الولایات المتحدة، ومن ثم ضرورة إعادة التفکیر فی شکل وطبیعة العلاقة فی ضوء المتغیرات المحلیة والإقلیمیة والدولیة، لأن العلاقات مع الولایات المتحدة تتمتع بقدر کبیر من الخصوصیة، نظرا لدور مصر الإقلیمی المؤثر فی تفاعلات وقضایا منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربیة.
  9. برغم أن التنبؤ بمستقبل العلاقات العسکریة بین القاهرة وواشنطن تبدو مهمة صعبة، إلا أنه یمکن القول إن العلاقات بین البلدین خلال الفترة المقبلة ستستمر کما هی، نظراً للتقارب والاتفاق على المصالح والأهداف الاستراتیجیة وتوحید الرؤى والسیاسات المشترکة فی کثیر من قضایا المنطقة.
  10. ضرورة إعادة النظر فی البعد الأمنی – العسکری للعلاقات المصریة الأمریکیة، نظراً لحجم الخلل الضخم فی میزان السلاح من الناحیة التقنیة بین إسرائیل ومصر، لصالح إسرائیل، وزیادة حجم المساعدات الأمریکیة المقدمة لإسرائیل مقارنة للمقدمة لمصر.