المتغيرات الداخلية والخارجية وتأثيرها على السياسة الخارجية المصرية في ضوء التحولات الاستراتيجية في المنطقة العربية بعد ٢٠١١.

نوع المستند : مقالات سیاسیة واقتصادیة

المؤلف

باحث دکتوراة

المستخلص

لقد شهدت الدولة المصرية العديد من التغيرات في اقرن الحادي والعشرين وخاصة في العقد الثاني منه وبالأحرى في بداياته حيث مرت بالعديد من الظروف التي أثرت کل التأثير على المجتمع المصري کافة وليس فقط النظام السياسي، وبالضرورة أدت تلک المتغيرات إلى نهج متباين في أداء السياسة الخارجية المصرية، وبالتالي في هذا الموضع يسعى الباحث لرصد المتغيرات التي عصفت بالبيئة الداخلية المصرية ولتي بدورها ثرت بنحو أو بآخر على السياسة الخارجية وهو الذي سيتضح من خلاله مدى فاعلية تلک السياسة في تنفيذ أهداف الدولة من عدمه، ثم سيتم التطرق کذلک الأمر لرصد کافة المتغيرات الخارجية أي المرتبطة بالبيئة الدولية والتي أثرت بشکل أو بآخر على السياسة الخارجية المصرية، وعليه سيتم تقسيم هذه الدراسة إلى الآتي؛
 المحور الأول: المتغيرات الداخلية، أثرها على السياسة الخارجية المصرية:
• البند الأول: المتغيرات الداخلية في البيئة المصرية (2011-2018).
• البند الثاني: تتبع مسار أداء السياسة الخارجية في تلک الحقبة.
 المحور الثاني: المتغيرات الخارجية، أثرها على السياسة الخارجية المصرية:
• البند الأول: المتغيرات الخارجية المرتبطة بالبيئة المصرية (2011 – 2018)
• البند الثاني: تأثر أداء السياسة الخارجية المصرية في تلک الحقبة.

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية


المحور الأول: المتغیرات الداخلیة فی البیئة المصریة وتأثیرها على السیاسیة الخارجیة المصریة:

مرت على الدولة المصریة خلال بدایة العقد الثانیة من القرن الحادی والعشرین عدة تحدیات ومتغیرات أثرت على نهج الدولة المصریة وسیاستها بل کذلک الأمر أثرت على أداء السیاسة الخارجیة وتباین أداءها، وجاء الحدث الأول متمثلًا فی ثورة ینایر 2011 حیث تعتبر المرتکز والأساس للانتقال بمصر من حقبة نظام حکم شابه العدید من الانتقادات إلى انعطافات ومسارات غایة متذبذبة ما بین صعود وهبوط فی أداءها، وقد مرت کذلک بنظام حکم تلى تلک الثورة أثر تأثیرًا بالغًا على الدولة وسیاساتها الخارجیة حیث اتسم أداء تلک السیاسة بالتراجع الانکماش فی الساحة الدولیة بل أنه شهد إخفاقًا فی العدید من الملفات، ثم تلتها ثورة الثلاثین من یونیه التی صححت المسار باتجاه تکویر أداء الدولة وتوسیع نشاطها وحمایة مصالحها والقضاء على المثالب التی عصفت بها عقب ینایر 2011، وعلیه سیتطرق الباحث فی هذا المبحث إلى رصد أ[رز المتغیرات الداخلیة التی أُرت فی السیاسة الخارجیة المصریة على مدار فترات الدراسة التی تبدأ من 2011 إلى 2018 وذلک من خلال البند الأول، ثم تتبع مسار تلک السیاسة خلال تلک الفترة وتأثیر تلک العوامل علیها من خلال البند الثانی,

• البند الأول: المتغیرات الداخلیة فی البیئة المصریة.

• البند الثانی: تتبع مسار أداء السیاسة الخارجیة فی تلک الحقبة.

البند الأول: المتغیرات الداخلیة فی البیئة المصریة 2011 – 2018:

لقد مثلت تلک الحقبة من القرن الحالی فترة فاصلة فی تاریخ مصر کونها مثلت الحد الفاصل بین الوقع فی نفق مظلم یسبب العدید من الاضطرابات للدولة وما بین الاستمرار من أجل نهج الإصلاح والتنمیة لإنقاذ ما یمکن إنقاذه وتطویر المجتمع والبیئة المصری، لذا من أبرز المتغیرات الداخلیة التی تمثلت فی تلک الفِترة أولًا ثورة ینایر 2011 وما نتج عنها من ظروف بتنحی نظام حکم دام لأکثر من ثلاثین عام وقدوم آخر لم یستمر إلا عام على الأکثر، ثانیًا الحدث التاریخی الثانی والمتمثل بالثورة على نظام الحکم القائم، ومنه لقدوم نظام سیاسی آخر حاملًا معه العدید من الملفات، وبالتالی سیتطرق الباحث فی هذا البند لرصد تلک المتغیرات إیجازًا باعتبارها المؤثر على أداء تلک السیاسة وذلک لأنها تشکل المحددات الداخلیة بنحو أو بآخر لها، وهذا ما سیلی تناوله على النحو الآتی بیانه؛

أولًا ثورة ینایر2011، انطلقت الشرارة الأولى لتلک الثورة على مواقع التواصل الاجتماعی بین العدید من الشباب وذلک من أجل الاعتراض على الأوضاع المعیشیة المتردیة والقمع الاجتماعی ناهیک عن هشاشة الطبقة الوسطى بل واختفائها والتفاوت الشدید بیتن طبقات المجتمع مع ارتفاع معدلات الفقر والسیاسی وحتى سوء الأوضاع الاقتصادیة، لذا انطلقت من أجل المطالبة بالعدالة الاجتماعیة والتمتع بالحقوق والحریات التی تم قمعها، بالإضافة للمطالبة بإنهاء قانون الطوارئ الذی دام تطبیقه فی الدولة المصریة لسنوات عدة، وبالتالی انتهجت المطالبة بالتغییر الجذری فی مختلف قطاعات الدولة السیاسیة، الاقتصادیة، الاجتماعیة، الثقافیة، وذلک نتیجة الفساد الذی ضرب مؤسسات الدولة کافة وخاصة فی المحفل السیاسی وسیطرة الحزب الوطنی على معظم مقاعد البرلمان بمعدل 95% من إجمالی الأصوات.( )

 وبالتالی کانت من أبرز نتائجها أنها تسببت فی تنحی نظام الحکم القائم فی ذلک التوقیت برئاسة الرئیس الأسبق مبارک، ثم تولى بعد ذلک إدارة شئون البلاد المجلس العسکری بفترة انتقالیة تمتد إلى أن تُعقد الانتخابات الرئاسیة الدیمقراطیة من أجل أن یقوم الشعب باختیار من یمثله ویقوم على أداء وظائفه، هذا بالإضافة إلى تعطیل مجلسی الشعب والشورى تمهیدًا لعقد انتخابات برلمانیة، على أن یتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة المهمة المرتبطة بسن وإصدار القوانین، والتزام الدولة بکافة والمواثیق والاتفاقیات الدولیة والمعاهدات التی تعتبر طرفًا بها مع استمرار التمثیل الدبلوماسی والقنصلی للدولة فی الخارج وتیسیر أعمال الدولة لحین انتخاب رئیس للسلطة التنفیذیة یأتی على رأس الدولة لمباشرة مهامه، والجدیر بالذکر أنها بدأت یوم الثلاثاء فی الخامس والعشرین من ینایر المقرر فیه الاحتفال بعید الشرطة المصریة. ( )

ثانیًا الانتخابات الرئاسیة 2012، جاءت تلک الانتخابات الرئاسیة لتعتبر الأولى بعد ثورة ینایر والثانیة فی تاریخ مصر بعد فترة حکم الرئیس الأسبق مبارک، وجاءت تلک الانتخابات فی ظل مطالب بعملیة التسریع فی تداول السلطة من خلال عقد انتخابات رئاسیة مُبکرة، وتم عقدها على مدار یومین ولعل أن المنافسة قد انتهت بین المرشحین؛ أحمد شفیق ومحمد مرسی، وانتهت نتائجها بفوز المرشح محمد مرسی برئاسة الجمهوریة وتم حِلف الیمین أمام المحکمة الدستوریة. ( )

 وبتولی زمام الحکم دخلت مصر فی فترة راهنة من أجل محاولة درء المساب والظرفیات التی مرت وتمر بها الدول، ولکن من خلال عدة قراءات اتضح أن نظام الحکم برئاسة الرئیس الأسبق محمد مرسی لم یلبی طموحات وأهداف ثورة ینایر التی أطاحت بنظام حکم دام لنحو ثلاثین عام حیث لم یحقق هذا النظام تقدمًا ملموسًا فی کافة القطاعات ناهیک عن إخفاقه فی بعض الملفات والعجز الدبلوماسی فی أخرى، هذا بالإضافة إلى تأجج أزمة میاه النیل بعد الإعلان عن إنشاء سد النهضة فی 2011، والتساهل فی بعض القضایا التی تمثل وجدان للدولة المصریة کملف الحدود وخاصة حلایب وشلاتین، والانفلات الأمنی فی شبه جزیرة سیناء وخاصة فی شمالها بظهور التنظیمات الإرهابیة التی هددت أمن وسلامة المجتمع وذلک جراء الإفراج عن الجهادیین والمتطرفین من السجون المصری بعفو رئاسی واتخاذهم من سیناء مقرًا لهم، هذا بالإضافة إلى حالة الاستقطاب الاجتماعی والتفرقة بین أبناء الواحد مما هدد بفتنة طائفیة وحتى انقسام بین أبناء المعتقد الواحد کما وحادث الشیعة فی الجیزة، وحتى على صعید الأقباط حیث تم استهدافهم بشکل أو بآخر، ناهیک عن المشکلات الأمنیة والغذائیة، والإخفاق الخارجی، فضلًا عن التصادم مع المؤسسات القضائیة والإعلامیة، وتنفیذ أجندات الجماعات الإسلامیة وخاصة جماعة الإخوان المسلمین حیث أنه کان مرشحها وتم تمکینهم فی مفاصل الدولة، وأصبح الاهتمام بالصالح الخاص ولیس العام.( )

ثالثًا ثورة یونیو 2013؛ وبعد التطرق لحقبة حکم 2012 وما نتج عنها من ظروف تکاد تکون کارثیة ومهددة بالدرجة الأولى کیان الدولة بل وأنها کانت فی اتجاه السیولة ومنه إلى الهشاشة والتی تعنی اتجاه مؤسسات الدولة للفشل الکلی، وکانت تلک القراءات فقط فی فترة حکم لم تتجاوز عشرة أشهر، وتلک الفترة التی مثلت إنذارًا لمختلف القوى السیاسة وخاصة الشباب بأن هذا النظام لن یضیف للدولة بل یأخذ من تاریخها ومکانتها الدولیة وحتى قد ینتقص من سیادتها على بعض المناطق لذا قامت دعوات بضرورة تدخل الجیش من أجل سحب الثقة من هذا النظام وأنشأت حرکة تمرد لتجمع التوقیعات من المصریین والتی عبارة عن استثمارات سحب الثقة من السلطة التنفیذیة والتشریعیة وعلى رأسها رئیس الدولة والدعوة لانتخابات رئاسیة مُبکرة وبالفعل تم تجمیع التواقیع والتی تخطت العشرین ملیون توقیعًا، ولم یقف الأمر عند هذا الحد بل دعت تلک الحرکة والعدید من القوى السیاسیة بأن یتم تنسیق العدید من الاحتجاجات إلى أن یتم تنفیذ تلک المطالب وجاء تاریخ هذا الیوم لیشهد على مرحلة فاصلة فی تاریخ مصر کونها مثلت نقطة فاصلة بین الدخول فی نفق مظلم وما بین نجاة الدولة مما کان یحاک لها، والجدیر بالذکر أن تلبک الاحتجاجات بدأت فی الثلاثین من یونیو وانتهت فی الثالث من یولیو بإعلان المجلس العسکری بخارطة مستقبل أو طریق لا تتضمن فی أی عناصرها تواجد النظام الذی خلفته انتخابات 2012 بما فیها الرئیس الأسبق مرسی، وتضمنت عقد انتخابات رئاسیة مبکرة ولکن إلى أن یتم تحقیق ذلک یتولى الرئاسة المؤقتة للدولة عدلی منصور رئیس المحکمة الدستوریة العلیا إلى أن یتم تسلم وتسلیم القیادة بعد عقد تلک الانتخابات.( )

رابعًا الانتخابات الرئاسیة 2014، تعتبر تلک الفترة حاسمة فی تاریخ الدولة المصریة وخاصة أنها ما زالت فی تحدی البقاء والوجود وخاصة بعد تلک الظروف التی مرت بها، بعد تولى المستشار عدلی منصور الرئاسة المؤقتة للبلاد من تلک الفترة مثلت تصحیح المسار للدولة فی مختلف الاتجاهات والقطاعات داخلیًا وخارجیًا، کما أنها واجهت تحدِ غایة فی الخطورة تمثل فی ارتفاع ظاهرة العنف السیاسی من قبل المؤیدین لنظام 2012 ووصلت لحد الاعتصام فی بعض المیادین المصریة، ناهیک عن التهدید بالعملیات الإرهابیة من قبل بعض قادة جماعة الإخوان التی صنفت مؤخرًا کونها إرهابیة لتحریضها على القتل وسفک الدماء، وازداد نشاط التنظیمات الإرهابیة فی سیناء بل وفی بعض المناطق المتفرقة خارج سیناء، مما تسببت فی إرهاق أمنی وانتشار القوات المسلحة فی سیناء من أجل مجابهة تلک التهدیدات التی تشکل تهدید للأمن القومی المصری ومازالت الدولة المصریة تجابه مخاطر الإرهاب إلى هذا التوقیت على الرغم من اتباع عدة استراتیجیات من أجل مکافحة الظاهرة ونتیجة تضافر عمل المؤسسات قد انخفضت حدتها بنحو أو بآخر.

أما عن الانتخابات الرئاسیة، فقد عُقدت بین عدة متنافسین وانتهت بالتنافس بین المرشحین حمدین صباحی، وعبد الفتاح السیسی، وبفوز المرشح عبد الفتاح السیسی برئاسة الدولة وتلک تکون الرئاسة الثالثة فی تاریخ مصر والثانیة بعد ینایر 2011، وهی الممتدة حتى تاریخه ولکن شهدت العدید من التحولات والتغیرات فی مسار مصر فی کافة الأنحاء وذلک من خلال انتهاج سیاسة الإصلاح من أجل الخروج بمصر من النفق المظلم نحو التنمیة المستدامة، وشهدت تلک الفترة العدید من التحدیات ولعل من أبرزها الظاهرة الإرهابیة بالإضافة للملف الاجتماعی والملف الاقتصادی والأمنی، وبالتالی حمل هذا النظام العدید من التحدیات التی خلفتها الأنظمة السیاسیة السابقة وشهدت تلک المرحلة تغیر جذری لیس فقط فی الداخل وبل والخارج کذلک الأمر، وذلک لأن القیادة السیاسیة تسعى لتوسیع نطاق علاقاتها بالخارج.

خامسًا الظاهرة الإرهابیة؛ تمثل تلک الظاهرة أحد أبرز المتغیرات الداخلیة التی لحقت بالدولة المصریة فی الفترة المستهدفة وخاصة أنه وبعد ثورة ینایر بدأت تلک الظاهرة تستهدف الدولة المصریة من خلال العملیات الموجهة ضد قواتها المسلحة، ثم ارتفعت أصداء تلک العملیات وخاصة بعد عزل النظام السیاسی 2012 حیث باتت تضرب کافة الأنحاء کما أنها رکزت اهتمامها على الکنائس والقوات المسلحة والشرطة المصریة بالإضافة لضرب بعض مؤسسات الدولة الحیویة وبالتالی هذا المتغیر رئیسی کونه یضرب مباشرة کیان وتواجد الدولة، وبالتالی فإنه یؤثر على تحرکات السیاسة الخارجیة المصریة ویحدد أولویاتها.

البند الثانی: تتبع مسار أداء السیاسة الخارجیة فی تلک الحقبة.

یأتی هذا البند لیتم من خلاله التطرق إلى تأثر السیاسة الخارجیة بالمتغیرات الداخلیة فی تلک الحقبة، وبالتالی فإن تتبع مسار أداء تلک السیاسة وفقًا للمراحل التی مرت بها الدولة المصریة فی الداخل، أی مرحلة ما قبل وبعد ینایر، مرحلة تولى الرئیس الأسبق مرسی الحکم، مرحلة ثورة الثلاثین من یونیو إلى تولى الرئیس الحالی عبد الفتاح السیسی الحکم، وهذا ما سیتطرق له الباحث على النحو الآتی بیانه؛

أولًا مرحلة ما قبل وبعد ینایر، تمیزت السیاسة الخارجیة فی حقبة نظام الرئیس الأسبق مبارک وتحدیدًا فی العقد الأخیر من ولایته بتذبذبها واتجاهها فی منحى أو اتجاه واحد وغالبًا ما کان منصبًا على الغرب، مما أدى إلى انحسار العلاقات المصریة الخارجیة واقتصارها على معسکر بعینه وإهمالها الوحدات الدولیة الأخرى مما جعل سیاستها الخارجیة غیر نشطة وفعالة کونها ولم تُحَید علاقاتها الخارجیة، ولعل من أبرز المسببات لاندلاع ینایر هو عدم فاعلیة الدور المصری الخارجی وهو ما ینعکس على الإخفاق فی تحقیق أهداف ومصالح مصر الخارجیة، وخاصة الإهمال المتعمد من قبل السلطة المصریة آنذاک للملف الإفریقی ودول الجوار النیلی وخاصة بعد حادثة محاولة اغتیال الرئیس الأسبق مبارک فی أدیس أبابا، وبالتالی کانت تلک السیاسة محدودة وفقًا لرؤیة وأهداف الدولة فی تلک الحقبة مما أدى إلى تلبد فی العلاقات بینها وبین بعض الدول ولعل من أبرزها کما سلف الذکر الدول الإفریقیة، المعسکر الشرقی بالإضافة إلى المیل کل المیل إلى النفوذ الغربی فی مختلف القطاعات التجاریة، الاقتصادیة، السیاسیة وحتى العسکریة فی مسائل التسلیح وما إلى ذلک.( )

لذا وبعد أن قامت الثورة المصریة فی ینایر کانت بمثابة التحول الجوهری لیس فقط فی سیاسة مصر الخارجیة ولکن فی توجهات الدولة عامة وذلک لمحاولة درء المثالب السابقة التی أصابت الدولة بالرکود، وبالتالی بدأت الدولة المصریة بعد ینایر بأن تولی اهتمامها للعدید من الملفات والقضایا التی تم إهمالها مسبقًا وعلى رأسها ملف دول حوض النیل والقارة الإفریقیة ناهیک عن الملف الإیرانی وعن علاقته بدول الخلیج العربی والحفاظ على کافة الالتزامات والاتفاقیات التی توجد الدولة طرفًا بها، وبالتالی فإن ثورة ینایر کانت من أبرز العوامل التی أثرت فی أداء السیاسة الخارجیة المصریة وخاصة أنها شکلت انفراجة فی العدید من الملفات التی تعثرت أو تم إهمالها کملف دول حوض النیل وخاصة عندما تدخلت کوسیط بین شمال وجنوب السودان، ناهیک عن ترجبیها بدور الکنیسة الإثیوبیة مع الأزهر تجاه بعض القضایا الإفریقیة، ( ) بالإضافة إلى التطرق إلى الثورات العربیة وتأثیرها على الامن القومی المصری، وأخیرًا محاولة الاحتفاظ ببنود معاهدة السلام بین الجانب المصری والإسرائیلی وضمان ألا یتم العبث بها ومنه إلى القضیة الفلسطینیة وتحقیق تقدم بها یتناسب وطموحات الشعب الفلسطینی بالرغبة فی الاستقلال، وبالتالی فإن تلک السیاسة خلال تلک الفترة کانت بمثابة أمل من أجل إعادة صیاغة أهدافها ودوائرها وحتى محدداتها تجاه المجتمع الدولی کافة.

ثانیًا السیاسة الخارجیة بعد 2012، بعد تولی الرئیس الأسبق مرسی مقالید الحکم انتهجت الدولة المصریة مسارًا مغایرًا تمامًا لوضع الدولة بعد ینایر واُناء تولی المجلس العسکری مقالید البلاد وهو ما انعکس بدوره على السیاسة الخارجیة المصریة، فبعد أن حققت ثورة ینایر انفراجة فی العلاقات الخارجیة ومنه لنشاط نسبی فی أداءها وهو ما أصبح مغایرًا فی فترة حکم الرئیس السابق مرسی، حیث تراجعت السیاسة الخارجیة المصریة تراجعًا ملحوظًا فی العدید من القضایا والملفات مما أدى إلى انحسار دورها إقلیمیًا ودولیًا بل وتهددت مکانتها فی مختلف المحافل الدولیة، وکانت السیاسة الخارجیة فی عهد مرسی یحکمها عدة اعتبارات أو أولویات یأتی فی مقدمتها؛ القیم والمعاییر الأخلاقیة ویتضاءل فیها التأثیر الخارجی، هذا بالإضافة إلى أن المعاییر التی تحکمها سیاسیة لا أمنیة وخاصة بعد إبعاد الأجهزة المخابراتیة والأمنیة عن تحدید محدداتها ودوائر تحرکها واستبدالها بالظهیر الدینی أو الخلفیة الدینیة لشخص الرئیس والمتمثلة فی جماعة الإخوان المسلمین. ( )

کما توجه الرئیس فی زیاراته إلى الدول التی تعارض شرعیة حکمه وسلطته وعلى رأسها المملکة العربیة السعودیة ثم إلى إثیوبیا التی تتعارض مع حصة مصر المائیة وأخیرًا بتحسین العلاقات الإیرانیة وخاصة عقب ینایر وتولی مرسی زمام الحکم بإعلان إیران عن أول سفیر إیرانی لها فی القاهرة عقب القطیعة الدبلوماسیة فی عهد مبارک، کما أن تلک السیاسة اتسمت بالتبعیة الغربیة وحرص الدولة على استمرار علاقاتها مع الولایات المتحدة الأمریکیة، فعلى الرغم من التلویح فی بدایة الأشهر الأولى للحکم أن تلک السیاسة تحوی التغیرات الجذریة فی علاقات مصر بالخارج إلا أنها لم تختلف کثیرًا عن نظام ما قبل ینایر فکانت شعارات أکثر من أولویات وأهداف وبرامج محددة، وبالتالی الأمل الذی توقعه الکثیرین وخاصة بعد ینایر لم یتحقق بل تراجعت السیاسة الخارجیة على نحو غیر معهود بل وتشکلت دوائرها وفقًا لأهداف ومصالح جماعة الإخوان والتی تعتبر الظهیر الدینی والسیاسی الأقوى للقیادة السیاسیة والحزب الحاکم من خلال سیطرته على البرلمان فکانت السیاسة الخارجیة تتجه نحو تشخیص العاقات الخارجیة وأخونتها.( )

وأخیرًا یمکن الإشارة أن تم تجرید الخارجیة المصریة من کافة صلاحیاتها کما أن القیادة السیاسیة قد أعلنت الحرب على نظام بشار الأسد والقطعیة الدبلوماسیة له، وتبنیه العدید من القضایا المخالفة لنهج الدولة على مدار التاریخ، ومطالبته بالإفراج عن أحد المتطرفین المحتجزین فی الولایات المتحدة الأمریکیة والمدعو عمر عبد الرحمن، وبالتالی کانت السیاسة الخارجیة المصریة بترجمة لمشروع دینی تم وضعه من قبل مرشد جماعة الإخوان التی تم إعلانها إرهابیة مؤخرًا.

ثالثًا السیاسة الخارجیة، وما بعد یونیو 2013، جاءت تلک الفترة لتعبر عن خارطة طریق بل ومستقبل للعبور بالدولة المصریة من مازق الانهیار وبالتالی کرست الدولة إمکانیاتها من أجل تحقیق هذا الهدف وباعتبار أن السیاسة الخارجیة أحد مکونات السیاسة العلیا للدولة فإنها تعتبر ضمن أدوات الدولة التی توجهها للخارجی وبالتالی بما ان تلک المرحلة کانت بمثابة تصحیح مسار لأخطاء الأنظمة السابقة فإنها اتسمت بالنشاط والتحرک الموسع الذی استهدف مختلف دول العالم من أجل توضیح رؤیة مصر فی یونیو 2013 وإرادة شعبها من أجل التطلع للأفضل بعیدًا عن أی اعتبارات شخصیة قد تؤدی بالدولة والمجتمع إلى ظرفیات مغایرة تمامًا لأهداف الدولة، وبالتالی کانت الفترة التی تولى فیها عدلی منصور الرئاسة المؤقتة بمثابة ظرفیة راهنة فی أداء السیاسة الخارجیة کونها تعد حلقة الوصل بین الأوضاع الداخلیة والعالم وأنها الخط الأول الذی یستهدف الدفاع عن مقدسات الشعب واحترام إرادته، وبالتالی لعبت دورًا جوهریًا فی ترسیخ مبادئ یونیو 2013 والتأریخ لما بعد یونیو أی استحقاق الرئاسة والانتخابات الرئاسیة بسلطة جدیدة تحمل رؤى مختلفة.

أما عن أداء السیاسة الخارجیة بعد انتخابات 2014، فاتسمت بالفاعلیة فی تحقیق أهداف وبرامج الدولة، استقطبت دول العالم حول المشروع والرؤیة المصریة وفتحت المجال أمام أوجه تعاون متنوعة بین مصر والدول المناظرة لها، کما أنها سلطت الضوء على العدید من الملفات الهامة کالملف الإفریقی وخاصة حوض النیل، الملف العربی، الملف الإقلیمی، الملف الحدودی، ملف الإرهاب ووفقًا لتلک الملفات تشکلت تحرکات ودوائر السیاسة الخارجیة المصریة، وفی هذا المقام یمکن الاستنتاج أن السیاسة الخارجیة المصریة فی تلک الفترة کانت ولا زالت الوسیلة لربط الداخل المصری بالخارج والمترجم لسیاسات الدولة العلیا داخلیًا وخارجیًا بالإضافة لکونها حلقة لوصل التی جمعت الخارج بالداخل وقربت وجهات النظر والرؤى ولکن هذا لا یعنی أنها لا تواجه صعوبات فی العدید من الملفات والمحافل کتعثر ملف المیاه والتفاوض مع سد النهضة، بعض العراقیل فی الملف العربی، ولکن السمة الغالبة الفاعلیة الملحوظة والنشاط البین. ( )

ولعل من أبرز النجاحات التی حققتها السیاسة الخارجیة المصریة؛ نجاح الدبلوماسیة المصریة فی الحصول على مقعد غیر دائم فی مجلس الأمن وانتخابها رئیسًا للجنة مکافحة الإرهاب 2016، ثم عصویة مجلس السلم والأمن الإفریقی، وفی عام 2018 تم انتخابها کرئیس للاتحاد الإفریقی لعام 2019.( )

المحور الثانی: المتغیرات الخارجیة، تأثیرها على السیاسة الخارجیة المصریة:

مثلما تطرق المحور الأول إلى المتغیرات الداخلیة فی البیئة المصریة وتأثیرها على السیاسة الخارجیة ما بین صعودًا وهبوطًا، فإن هذا الموضع سیتطرق إلى رصد المتغیرات الخارجیة التی عصفت بالبیئة الدولیة والإقلیمیة والتی بدورها أثرت على السیاسة الخارجیة المصریة ومنه إلى تحدید أولویاتها وتحرکاتها ومنه لدوائرها على الصهید الخارجی، ولعل من أبرز تلک المتغیرات؛ الثورات العربیة، الملف الإفریقی وتحدیدًا ازمة سد النهضة الإثیوبی، الملف الخلیجی، التطفل الترکی، ظاهرة الإرهاب، التغیرات الدولیة التی هددت نظام توازن القوى بین الوحدات الدولیة، وبالتالی سیتم تقسیمها إلى البند الأول لیتطرق للمتغیرات الخارجیة للبیئة الدولیة والإقلیمیة، ثم من خلال البند الثانی تأثر تلک السیاسة بتلک المتغیرات.

البند الأول: المتغیرات الخارجیة المرتبطة بالبیئة المصریة (متغیرات البیئة الدولیة والإقلیمیة):

یمکن رصد المتغیرات الخارجیة التی أثرت بنحو أو بآخر على السیاسة الخارجیة وخاصة فی توجیه تحرکاتها وأهدافها للخارج، یمکن تقسیمها لمتغیرات إقلیمیة وأخرى دولیة، فتلک الإقلیمیة یمکن جملها فی ملف الثورات العربیة، ملف دول الخلیج العربی وإیران، التطفل الترکی على المنطقة، الملف الإفریقی وخاصة دول حوض النیل والاضطرابات التی تشهدها القارة الإفریقیة، أما عن الدولیة فتتمثل فی ظاهرة الإرهاب، توازنات القوى بین الوحدات الدولیة، ویمکن تناولها کما والتالی؛

أولًا المتغیرات الإقلیمیة؛ طرأت على البیئة الإقلیمیة التی تعد الدولة المصریة جزءً منها العدید من المتغیرات التی أثرت کل التأثیر على توازن المنطقة بل وسببت العدید من الاضطرابات ولعل من أبرز تلک الأحداث ما شهدته المنطقة العربیة من انتفاضات فی مختلف الأرجاء وتحدیدًا فی کل من سوریا، الیمن، لیبیا، تونس وذلک من أجل المطالب بالتغیر استهدافًا لتحقیق التحسن الاجتماعی فی شتى قطاعاته المعیشیة وحتى المجتمعیة ناهیک عن المطالبة بالإصلاح فی مختلف القطاعات والقضاء على الفساد بکافة مؤشراته ومعدلاته، وبالتالی جاءت تلک التحرکات لتسبب العدید من الاضطرابات فی المنطقة وخاصة أن بعضها انتهى بسلسلة من العنف غیر المبرر من قبل بعض التیارات أو حتى من الأنظمة السیاسیة وهو ما تسبب بتحول جذری فی سیاسات المنطقة وخاصة أنها عرضت مفهوم الدولة الوطنیة للانقضاء وفقًا للمخاطر التی تعرضت لها وحالة السیولة التی طرأت على بعض من تلک الدول.

 فعلى صعید تونس فقد نجحت تحرکاتها وثورتها بأن تخرج من تلک الأزمة منتصرة بإرادة شعبیة عزمت على التغییر ثأرًا لمحمد بوعزیز الذی راح ضحیة الأوضاع الاجتماعیة المتردیة والإهمال المتناهی من مختلف القطاعات، أما عن کل من الیمن ولیبیا وسوریا فإنها انتهت بأحداث دامیة نتج عنها فقدان الکثیر من الأرواح بل وانتشار التنظیمات الإرهابیة التی باتت تهدد أمن واستقرار المنطقة بالکامل وتتعداها لتهدید أمن المجتمع الدولی، فتلک المتغیرات التی حولت المنطقة العربیة من منطقة أمن واستقرار دائم إلى بؤرة للاضطرابات والعنف بل والإرهاب إن جاز التعبیر، وهی بدورها تؤثر على توجه الدولة المصریة ومواقفها تجاه تلک الأزمات بل وتحدد أولویاتها.

یأتی المتغیر الإقلیمی الثانی متمثلًا فی ملف إیران ودول الخلیج؛ یجمع دول الخلیج بیران علاقات مضطربة على مدار التاریخ وخاصة المملکة العربیة السعودیة التی وطالما یجمعها بإیران الاختلاف فی وجهات النظر وخاصة بعد حادثة اقتحام الحرم المکی من قبل الحرس الثوری الإیرانی، وفی الآونة الأخیرة شهدت تلک المنطقة التحرش الدائم من قبل إیران بدول الخلیج وتحدیدًا المملکة العربیة السعودیة وخاصة فی المنطقة الجنوبیة التی تضم فی أغلبها الطوائف الشیعیة وهو ما یهدد الأمن القومی للخلیج العربی، کما أن هنالک ملف آخر مرتبط بدول الخلیج وتمثل فی الدولة القطریة التی یجمعها علاقات متذبذبة بالدولة المصریة وخاصة بالنظام السیاسی الذی تلى 2013 حیث أنها تعترض على خروج الرئیس الأسبق مرسی من الحکم وخاصة أن تلک الجماعة کانت تحقق أهداف وطموحات الدولة القطریة، کما أنه ثبت أن الدولة القطریة تمول العملیات الإرهابیة التی تُنفذ ضد الدولة المصریة بل وأنها تمارس حملة ممنهجة ضد القیادة السیاسیة وفقًا لأجندات محددة بالتعاون مع الدولة الترکیة.

أما عن المتغیر الثالث فیتمثل فی القضیة الفلسطینیة، والتی تمثل قضیة وجود للدولة المصریة على مدار تلک الحقب، فقد شهدت تلک القضیة تطورات بل تعدِ من قبل الجانب الإسرائیلی وخاصة من خلال عملیة بناء المستوطنات فی قطاع غزة والقدس ومنه لمحاولة تهوید الدولة باعتبار أن القدس هی عاصمة الدولة الإسرائیلیة وهو ما یمکن اعتباره بمثابة خطوة للقضاء على الهویة الفلسطینیة بل ومحوها، ناهیک عن الإغارات على حقوق الفلسطینیین من خلال عملیات القذف لمناطق مختلفة من القطاع، وعملیات السحل والضرب لهذا الشعب وذلک من أجل فرض سیاسة الأمر الواقع على هذا الشعب لکبح جماحه وقتل أی رغبة بداخله للمقاومة، وبالتالی فإن هذا التطور الذی لحق بتلک القضیة بدایة من العقد الثانی لهذا القرن لهی بالأمر الذی یستدعی التوقف على حیثیاته وخاصة فی ظل ارتباط الدولة المصریة بحدود مشترکة مع الدولة الفلسطینیة والإسرائیلیة ناهیک عن معاهدة السلام بین مصر والطرف الإسرائیلی.

المتغیر الإقلیمی الرابع متمثلًا فی البیئة الإفریقیة؛ یعد هذا الملف حساس للغایة للدولة المصریة وذلک لأنه خلال الفترة الرئاسیة للرئیس الأسبق مبارک قد تم إهمال تلک هذا الملف بعد حادثة محاولة الاغتیال لشخصه کما سبق وأشار الباحث فی موضع سالف وبالتالی فإن إعادة النظر لهذا الملف وه الجانب من السیاسة الخارجیة المصریة لهو بالأمر غایة الأهمیة وخاصة أنها مرتبط بدول حوض النیل التی تشترک مع مصر فی نهر النیل ناهیک عن المکانة التاریخیة التی کانت تحتلها الدولة المصریة فی القارة الإفریقیة فی حقبة ناصر، لذا فإن أی متغیرات تطرأ على القارة الإفریقیة فإنها تؤثر بالضرورة على السیاسة العلیا للدولة ولعل من أبرز المتغیرات الإفریقیة هو ملف سد النهضة الإثیوبی وإقدام الدولة الإثیوبیة على بناء السد دون أن تنتهج مبدأ الشفافیة فی الإعلان على التفاصیل الفنیة التی تتضمنها عملیه البناء وسنوات الملء ومدى الضر المتوقع أن یلحق بالدولة المصریة، هذا بالإضافة لمتغیر الاضطرابات الواقعة فی دولة السودان وتأثیرها على الداخل المصری وما نجم عن تلک القلاقل من انفصال جنوب السودان عن السودان، ناهیک عن مشاکل دارفور، وغیرها من النزاعات المسلحة التی تتعرض لها القارة وحتى انتشار ظاهرة الإرهاب، الاضطرابات العرقیة والإثنیة، والتوجه الغربی للقارة الإفریقیة وذلک للاستثمار باعتبار أن إفریقیا قارة المستقبل.

ثانیًا المتغیرات الدولیة؛ تلک البیئة الدولیة تضم العدید من القوى الکبرى وعلى رأسها القطب الأوحد الولایات المتحدة الأمریکیة، ولکن مع المضی قدمًا فی هذا العقد اتضح أن هنالک تغیر فی موازین القوة فی العالم وذلک باتجاه إقصاء أمریکا عن سیادة العالم وأحادیة القطبیة وذلک من خلال القوى الصاعدة التی حققت طفرة فی العدید من المجالات وأهمها القطاع الاقتصادی والعسکری ومنها على سبیل الذکر دولة السین الشعبیة، دولة روسیا، فرنسا، بریطانیا، الیابان، الاتحاد الأوروبی، کما أن هنالک اقتصادیات صاعدة استطاعت أن تحتفظ بمکانة بین تلک القوى الکبرى، وبالتالی فإن التغیر الذی طرأ على تلک البیئة متمثل فی التنافس بین تلک الوحدات والحروب غیر العسکریة التی أعلنتها وخاصة الاقتصادیة منها، کما أن العالم شهد خلال هذا العقد وجهتین مختلفتین للإدارة الأمریکیة إحداها تمثلت فی نظام الرئیس أوباما ودعمه لحکومة وقیادة 2012 وتحفظه على حکومة وقیادة 2014، ثم إدارة ترامب المغایرة تمام لاستراتیجیة أوباما والتی تعلن العداء الصریح لمنافسیها وعلى رأسهم الصین، ثم العداء للدول الإسلامیة خاصة اعتباره أن التطرف ینبع من تلک الدول، وبالتالی إن قدوم تلک الرؤیة المتشددة لأفکارها على رأس دولة کبرى وتقود العالم فإنه لأمر جلل کونه یهدد المصالح العالمیة وتوازنات القوى بین الوحدات الدولیة وهو ما أدخل الدول فی صراعات ومنها الصراعات والحروب التجاریة بین دولة الصین وإدارة ترامب، ناهیک عن الانحیاز الکامل لمشروع تهوید القدس.

ثانیًا ظاهرة الإرهاب، تعتبر من أبرز المتغیرات التی عصفت بالمجتمع الدولی فی العقد الثانی من هذا القرن وذلک لأنها هددت مختلف الدول العربیة منها والأجنبیة حیث أنها أضحت حروب غیر تناظریة لا تخضع لقواعد الحروب التناظریة فتعتبر عدو خفی غیر معلوم، کما أنه یخدم مصالح دول بعینها أی أنها حرب بالإنابة عن أخرى فی أراضِ لا تخضع لسیطرتها لتمریر مصالحها، فانتشار تلک الظاهرة بات یهدد استقرار وأمن الشعوب وبالتالی یعتبر من أهم المتغیرات التی أثرت فی السیاسة الخارجیة المصریة کونها تعانی من أفته ویهدد أراضیها، لذا تعتبر المتغیرات الخارجیة هی نابعة من النظام الدولی ذاته وتفاعلاته فضلًا عن الأفعال ونقیضها التی تصدر عن الدول.

البند الثانی: تأثیر المتغیرات الخارجیة على السیاسة الخارجیة المصریة:

یأتی هذا الموضع لیسلط الضوء على تأثیر تلک المتغیرات على السیاسة الخارجیة، لذا فی هذا الإطار یمکن أولًا الإشارة إلى تحرکات ودوائر السیاسة الخارجیة یتضح أنها کما سلف الذکر تتجه إلى الملف العربی، والملف الإفریقی، بالإضافة إلى الملف الفلسطینی، الأسیوی، الدولی، وهی إن تم التدقیق ما هی إلا ترجمة للمتغیرات التی لحقت بالبیئة الإقلیمیة والدولیة ومنه إلى سیاسات نفذتها الدولة ضمن برامجها وأهدافها للحفاظ على توازنها الإقلیمی والدولی وحمایة مصالحها مع الدول المجاورة وحتى غیر المجاورة.

ومنه یتضح أن توجهات الدولة المصرة تجاه الملفات الإقلیمیة والدولیة ما هو إلى ترجمه لتأثیر تلک المتغیرات على أولویاتها وبرامجها وأهدافها لذا تتشکل دوائرها وتحرکاتها فی الاتجاهات التی تشکل تهدید مباشر لأمنها ولمصالحها، بالإضافة إلى توجهها للملفات التی تمثل انطلاقة لتوهجها ونهضتها وتنمیة علاقاتها.

 فمثلًا فی نطاق الملف العربی وخاصة الأزمات العربیة قد لعبت دور الوسیط بین الأطراف المتنازعة فی سوریا وتحدیدًا المعارضة والجیش السوری والوحدات الدولیة لکنها استثنت جبهة النصرة وبعض التنظیمات الموالیة والتی اعتبرتها من التنظیمات الإرهابیة المتطرفة، کما أنها ساهمت کذلک فی عملیة تدعیم وتبنی المبادرة الخلیجیة لتحقیق المصالحة بین الیمن والمعارضة من خلال حثها على ضرورة أن یتم الامتثال للمؤسسات الشرعیة فی الیمن وذلک من أجل حمایة مصالحها فی مضیق باب المندب فضلًا عن تأمین سلامة الشعب الیمنی من النزاعات المسلحة والحفاظ على أمن الخلیج العربی من آثار تلک النزاعات وخاصة أنه جزء لا یتجزأ من الأمن القومی المصری، أما عن دورها فی لیبیا فقد جاهدت الدبلوماسیة المصریة من أجل أن یتم التداول السلمی للسلطة بعیدًا عن الاضطرابات والنزاعات التی تمر بها، کما أنها تسعى کذلک للقضاء على بؤرة تفشی الظاهرة الإرهابیة فیها من خلال الدمج وتسریع انتقال السلطة ومحاولة درء الخلافات.( )

أما عن تأثرها بالملف الإفریقی وخاصة أزمة سد النهضة والعدید من الدول، فقد سعت الخارجیة المصریة إلى أن تحقق انفراجة فی العلاقات مع دول القارة وذلک من خلال الترکیز على التنمیة فی الدول الإفریقیة إقامة مشروعات البنیة التحتیة کما فی دولة تنزانیا وسد روفینجر التی تنفذه وتشرف علیه شرکات مصریة، ناهیک عن استقدام العلماء فی مختلف المجالات للعدید من الدول الإفریقیة کالسودان، والمکانة التی یتمتع بها الأزهر بین دول القارة، والتعاون مع الکنسیة الإفریقیة باختلاف الدول التی تتواجد بها فی المسائل الدینیة الخاصة بالأقباط وخاصة فی برامج نبذ العنف والتعصب الدینی والتعایش بین الأدیان، ( ) فتوجهها للقارة الإفریقیة بالتنمیة وإعادة لعب الدور الریادی والقیادی ما هو إلا ترجمة لإنذار شدید اللهجة هدد بمکانتها ومصالحها فی تلک المنطقة وخاصة أنه یربطها بها مصالح وعلاقات تاریخیة والأهم نهر النیل، لذا سعت لتوطید العلاقات مع دول حوض النیل من أجل تدعیم موقفها فی أزمة سد النهضة التی طرأت على الدلة بعد ینایر 2011، وبالتالی إن المخاطر التی تم استنتاجها من ملف سد النهضة هو ما جعل مصر تعید البحث عن مکانتها التی فقدتها من عقود عدة، لذا تقدمت لعضویة مجلس السلم والامن الإفریقی وأخیرًا رئاسیة الاتحاد لعام 2019.

فی حین تمثلت الوجهة الخلیجیة فی شقین الأول تدعیم وتوطید علاقاتها التاریخیة بتلک الدول، إعلان الدولة أن أمن الخلیج جزء لا یتجزأ من أمن مصر وهو بمثابة مناوشة للجانب الإیرانی تجاه تلک المنطقة، أما الشق الثانی هو القطیعة الدبلوماسیة لدولة قطر بعد أن ثبت تعاطیها مع التنظیمات الإرهابیة التی تنفذ عملیات ضد القوات المسلحة المصریة، بالإضافة لتمویل أنشطتها والدعم اللوجستی لها، وتلک القطیعة لم تشمل دولة مصر فقد بل ضمت العدید من الدول العربیة وعلى رأسها دول الخلیج العربی؛ المملکة العربیة السعودیة، دولة الإمارات العربیة المتحدة، دولة الکویت، البحرین، وغیرها من الدول العربیة، وبالتالی سیاستها تجاه الخلیج العربی استهدفت ردع الدولة القطریة وتعزیز العلاقات الخلیجیة المصریة وحمایة أمن الخلیج العربی من التحرش الإیرانی حتى لو من خلال الترهیب والتلویح بالقوة.

کما أثر الملف الفلسطینی على السیاسة المصریة وخاصة التجاوزات التی تم ارتکابها فی حق الشعب الفلسطینی فقد دعت الدولة المصریة المجتمع الدولی إلى إدانة العدوان الإسرائیلی على قطاع غزة ووصفته بأنه غیر إنسانی، کما أنها أدانت کذلک عملیة بناء المستوطنات والتوسع فیها، وأقرت بحق الشعب الفلسطینی فی دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقیة، وهذا لا ینفی حفاظ الدولة على بنود اتفاقیة السلام بینها وبین إسرائیل ومراعاة ذلک ضمن تلک المعاییر، کما أن السیاسة الخارجیة المصریة ما زالت تنظر للدولة الإسرائیلیة باعتبارها المهدد الرئیسی للأمن القومی المصری وذلک لأنه تخطى التهدید بل تعدى بالقوة المسلحة على أجزاء من الدولة ولکن تم استرداها بالحرب المسلحة والمفاوضات السلمیة وبالتالی فإن سیاسة مصر الخارجیة تعمل وفق هذا الأساس.

وأخیرًا عن تأثیر المتغیرات الدولیة على تلک السیاسة فیتضح جلیًا من خلال الاستراتیجیة التی اعتمدتها الدولة وخاصة بعد یونیو 2013 والتی استهدفت توسیع نطاق علاقات الدولة المصریة بالخارج وذلک من خلال تحیید علاقاتها وتحقیق مصالحها من خلال موازنة علاقاتها بمختلف الدول، کما أنها وطدت من علاقاتها بالدولة الروسیة والصینیة من خلال الاستثمار فی الدولة المصریة من قبل تلک الشرکات، ناهیک عن صفقات التسلح، کما اتجهت للقارة الأسیویة لربطها بنطاق برامج وتطلعات وأهداف الدولة، ولا یمکن إغفال علاقاتها بالجانب الأوروبی بالإضافة لحفاظها بعلاقاتها بالولایات المتحدة الأمریکیة وسعیها لعودة المعونات العسکریة التی اقتطعت خلال هذا العقد کإجراء تحفظی على الإجراءات والتحولات التی مرت بالدولة.

ویخلص مما سبق أن السیاسة لخارجیة لأی دولة ما هی إلى ترجمة لبرنامج الحاکم السیاسی الذی یترجمه لسیاسة علیا تنقسم بدورها لسیاسة داخلیة وأخرى خارجیة وتأتی الخارجیة کأداة لتحقق أهداف وبرامج وتطلعات الدولة فی الداخل والخارج، کما أن الأمن القومی یعتبر أحد محدداتها بل أنه الرکیزة الأساسیة التی تشکل دوائر السیاسة الخارجیة للدولة، لذا فی هذا الفصل قد أفاض الباحث فی تفصیل مفهوم تلک السیاسة بالإضافة إلى أبعادها ومحدداتها التی تنقسم بدورها إلى داخلیة وخارجیة، ثم تم التطرق السیاسة الخارجیة المصریة بالتخصیص وذلک برصد مبادئها، وأبعادها، بالإضافة إلى دوائرها ومحدداتها، ثم التطرق لمفهوم الأمن القومی وأبعاده، وخصائصه بالإضافة إلى سماته ومنه إلى أدواته ووسائل تحقیقه وبالإسقاط على الأن القومی المصری من خلال رصد تحدیاته ومحدداته، لذا یمکن اعتبار أن الأمن القومی جزء لا یتجزأ من عمل لسیاسة الخارجیة بل والفاعل الرئیسی فی أدائها، کما أن السیاسة الخارجیة أداة من أدوات الدولة للتعبیر عن أیدولوجیتها واستراتیجیتها للخارج ونقل التفاعلات والتحرکات الخارجیة للداخل ومنه إلى ردود الأفعال أو حتى الأفعال تجاه الظروف الدولیة الطارئة.