الاستدامة المالية في الدول المصدرة للنفط (مع التطبيق على عينة من دول مجلس التعاون الخليجي)

نوع المستند : مقالات سیاسیة واقتصادیة

المؤلف

کلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة

المستخلص

تتعرض الدول المصدرة للنفط، وخاصة التي تتصف بترکز إيراداتها في الإيرادات النفطية مثل دول مجلس التعاون الخليجي، إلي صدمات کبيرة في موازناتها عند انخفاض أسعار البترول، ، لذلک استهدفت الدراسة تقييم الاستدامة المالية في الدول المصدرة للنفط بالتطبيق على عدد من دول مجلس التعاون الخليجي وهم عمان، الإمارات، البحرين، الکويت خلال الفترة (1999: 2017) مع الترکيز على توضيح تأثير انخفاض سعر البترول سنة 2015، فبدأت الدراسة بتعريف الاستدامة المالية، ومؤشراتها، وأهم الطرق القياسية المستخدمة في تقييمها، ثم تناولت الدراسة نظرياً طبيعة الاستدامة المالية للدول النفطية وإختلافها عن غيرها من الدول النامية، ولاختبار صحة تلک الفروض وبالإعتماد على تحليل علاقة التناظر بين سلسلتي الإيرادات والنفقات لکل دولة من الدول محل الدراسة بيانياً، وکذلک بإستخدام الأسلوب القياسي لتحليل التکامل المشترک لجوهانسن ومتجه تصحيح الخطأ لنموذج القيد الزمني للميزانية، توصلت الدراسة إلى عدم وجود إستدامة مالية في الکويت، والبحرين، ووجود إستدامة مالية متوسطة بين الإيرادات والنفقات في الإمارات، أما عمان فرغم أن نتيجة الدراسة القياسية لها أثبتت وجود استدامة مالية متوسطة ،ولکن لم تنجح الدراسة في اثبات معنوية النموذج ککل، مما جعل نتيجة وجود استدامة مالية بها غير مؤکد، کذلک توصلت نتائج اختبار السببية في الأجل الطويل للإمارات أن العلاقة بين طرفي القيد الزمني للميزانية تأتي من الإيرادات العامة للنفقات العامة، مما يعني تأثر النفقات العامة بالتطورات في الإيرادات العامة، وليس العکس، أما في التجربة العمانية، فلم تتمکن اختبارات السببية من التأکيد على وجود علاقة سببية واضحة بين هذين المتغيرين في ذات الأجل. ثم قدمت الدراسة عدد من التوصيات للدول النفطية النامية لتعزيز فرصها في تحقيق الاستدامة المالية مستقبلاً.

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية


1-      مقدمة

تعد الدیون العامة واستدامتها وأزماتها من أهم القضایا التی تشغل واضعی السیاسات الاقتصادیة على مدى عقود عدیدة، حیث انتقلت المدیونیة من مشکلة تؤرق الدول الفقیرة والنامیة فی الأساس إلى مشکلة تعانی منها الکثیر من الدول المتقدمة والغنیة فی العالم، کتفاقم عجز الموازنة الذی شهدته الولایات المتحدة الأمریکیة، وأزمة الدیون السیادیة فی الیونان وإیطالیا والبرتغال وإسبانیا وایرلندا التی هددت الاستقرار المالى واستقرار العملة فی اتحاد کبیر وقوى مثل الاتحاد الأوروبی، ولا یعنى ان وجود الدین العام المحلى أصبح أمراً واقعیاً ألا یکون هناک نظام لإدارته بالشکل الذى یعظم من إیجابیاته ویدنى من سلبیاته، وهو ما یجعل من الضرورى البحث فیما یمکن تسمیته بالحد الأمن أو الحجم الأمثل للدین العام المحلى، مما یسمح للدول بتسدید الدیون ویضمن تحقیق الملاءة (solvency) ویتیح لها إمکانیة الاستمرار فی تمویل السیاسات التنمویة، مع الأخذ فی الاعتبار أن هذا الحجم أو تلک النسبة لا یمکن ان تکون ثابتة على مدار الزمن لدولة ما، کما أنه یختلف بالضرورة من دولة إلى أخرى بحسب ظروفها المالیة والنقدیة أو الاقتصادیة والاجتماعیة، فضلاً عن مرحلة النمو التی یمر بها اقتصاد الدولة، لذا اتجهت معظم الأدبیات المالیة الى دراسة أثر الدین العام فی الاستدامة المالیة وتقییم مدى قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها المالیة، لما لذلک من تأثیر کبیر على تصمیم وتنفیذ السیاسات الاقتصادیة الکلیة للدولة واعتبارها المؤشر الرئیسى لقیاس قوة الاقتصاد وتحدید قدرته على استیعاب الصدمات. حیث یؤدی فقدان الدولة للاستدامة المالیة أو تراجع ثقة الأسواق المالیة بقدرتها على الوفاء بالتزاماتها إلى توقف الدائنین عن اقراضها، أو رفع معدلات الفائدة على قروضها إلى مستویات عالیة، ووضع ضوابط وشروط مشددة، لذا أصبح تحلیل سلامة الإجراءات المالیة -فیما یتعلق بکیفیة تمویل عجز الموازنة العامة وتقییم قدرة الدولة على تحقیق الاستدامة المالیة- هو الشغل الشاغل للکثیر من الباحثین.

وبالنسبة للدول المصدرة للنفط بشکل عام ودول مجلس التعاون الخلیجی بشکل خاص -وبعد ما شهدته من فوائض مالیة کبیرة الثلاثة عقود السابقة نتیجة لارتفاع أسعار النفط- إلا ان انخفاض أسعار النفط الخام خلال الأزمة المالیة العالمیة سنة 2008، ثم الانخفاض فی سعر برمیل النفط بحوالی 48% سنة 2015وما ترتب علیه من إنکماش الإیرادات العامة و تزایدا ملحوظاً فی العجوزات المالیة والدیون الحکومیة العامة بعد إنحسار الموارد النفطیة عن معدلات الانفاق العام التی تطبعت علیها اقتصادات الدول النفطیة، ولد اهتماما کبیرا بتقییم الاستدامة المالیة فی تلک الدول.

2- الإطار المنهجی للدراسة: فی هذا الإطار المنهجى تعرض الدراسة أسئلتها المنبثقة من مشکلتها البحثیة، وأهدافها، وفروضها، ومنهجیتها التی ستستخدمها فی اختبار تلک الفروض.

2-1 إشکالیة الدراسة: تتمثل الإشکالیة الأساسیة للدراسة فی تقییم الاستدامة المالیة لبعض الدول المصدرة للنفط، مع التطبیق على عدد من دول مجلس التعاون الخلیجی وهم عمان، الإمارات، البحرین، الکویت - وتم استبعاد السعودیة لتعدد الدراسات السابقة عنها ولاختلاف حجم وهیکل الاقتصاد بها عن بقیة الدول، کذلک تم استبعاد قطر لمنع تداخل العوامل السیاسیة بها فی الفترة الأخیرة مع العوامل الاقتصادیة- حیث أن للبنیان الاقتصادی للدول المصدرة للنفط وخاصة النامیة منها، مثل دول الخلیج النفطیة، أثر على مؤشرات الاستدامة المالیة الخاصة بها، فبعد أن نالت تلک الدول استقلالها السیاسی استطاعت أن تحقق فوائض اقتصادیة کبیرة کانت کافیة لتغطیة کل نفقاتها الحکومیة بل وتمکنت من تحقیق قدر کبیر من الاحتیاطیات الدولیة، فلم تعد بحاجه الى أی نوع من التمویل الخارجی، مما جعل مؤشرات الاستدامة المالیة لها مستقرة وفی صالح الدولة، إلا أن هذا الوضع لم یشهد استقرار دائم نظرا لارتباطه بالتقلبات فی الأسعار العالمیة للنفط، مما عرض موازین مدفوعاتها لتقلبات حادة، نظرا لتأثر الإیرادات العامة لها، مما أثر على مؤشراتها للاستدامة المالیة، لذا تحاول الدراسة الإجابة على التساؤل الرئیسی التالی:

التساؤل الرئیسی: فی ظل ما شهدته دول مجلس التعاون الخلیجی من تقلبات فی أسعار النفط الخام ارتفاعا وانخفاضا، هل استطاعت الإمارات وعمان والبحرین والکویت تحقیق الاستدامة المالیة خلال الفترة 1999-2017؟

وللإجابة علی التساؤل الرئیسی للدراسة، فهذا تطلب الإجابة علی عدد من التساؤلات الفرعیة هی : 

ما هو تعریف الاستدامة المالیة ومؤشراتها ؟ما هی أهم الاسالیب القیاسیة المستخدمة فی الدراسات السابقة لتقییم الاستدامة المالیة ؟

کیف کانت توجهات السیاسات المالیة فی دول مجلس التعاون الخلیجی مع صدمة انخفاض أسعار النفط فی 2015؟

وما هی طبیعة واتجاه العلاقة بین الإیرادات والنفقات فی الدول التی استطاعت أن تحقق الاستدامة المالیة منهم؟

2-2 أهداف الدراسة: تهدف الدراسة إلى:

تقییم قدرة بعض الدول النامیة المصدرة للنفط على تحقیق الاستدامة المالیة مع التطبیق على بعض دول مجلس التعاون الخلیجی مثل عمان والکویت والامارات والبحرین خلال الفترة 2000-2017م ، وکذلک تحدید اتجاه السببیة بین الإیرادات والنفقات بها لتحقیق الاستدامة المالیة.

لذلک تنقسم الدراسة لعدة أقسام، یهدف القسم الأول منها إلى تعریف الاستدامة المالیة ومؤشراتها ومراجعة الأدبیات الاقتصادیة للتعرف على أهم الأسالیب القیاسیة المستخدمة لتقییم الاستدامة المالیة، ثم القسم الثانی یوضح طبیعة الاستدامة المالیة فی الدول النفطیة، ویتم تحلیل التوجهات الرئیسیة لمکونات المالیة العامة لدول مجلس التعاون مجتمعة ثم لکل دولة من الدول محل الدراسة منفردة، تمهیدا لتقییم الاستدامة المالیة بتلک الدول باستخدام الأسالیب القیاسیة فی القسم الأخیر للدراسة وأخیرا الخاتمة والتوصیات.

2-3 فرضیات الدراسة وحدودها المکانیة والزمنیة: بالاعتماد علی مراجعة الأدبیات تفترض الدراسة فرضیتین أساسیتین:

الأولى: ترکز إیرادات الدولة فی الإیرادات النفطیة یقلل من فرصها فی تحقیق الاستدامة المالیة.

 الثانیة: فی الدول النفطیة یکون اتجاه العلاقة السببیة لتحدید الاستدامة المالیة للدولة من الإیرادات الی النفقات ولیس العکس.

وتتمثل الحدود المکانیة للدراسة فی اختبارها لتحقق الاستدامة المالیة فی بعض دول مجلس التعاون الخلیجی وهم الکویت، البحرین، الإمارات، عمان،  ویرجع اختیار دول مجلس التعاون الخلیجی دون غیرها من الدول المصدرة للنفط فی العالم، الی  ترکیز الدراسة علی تقییم الاستدامة المالیة فی الدول التی تشهد ترکز فی إیراداتها فی الإیرادات النفطیة وهو ما یتوافر بشکل کبیر فی مجموعة دول مجلس التعاون الخلیجی، حیث یمثل النفط ثلثی الصادرات وحوالى 80% من إیرادات المالیة العامة فی المتوسط لتلک الدول[i] ، کما إن مجموعة دول مجلس التعاون الخلیجی و خاصة الکویت وعمان والبحرین والامارات لم تحظى بالکثیر من الدراسات لتقییم الاستدامة المالیة بها، لذلک ستحاول الدراسة سد الفجوة البحثیة فی هذا المجال، ویرجع استبعاد السعودیة وقطر من عینة الدراسة للأسباب التالیة، فیما یخص الاقتصاد السعودی فقد حظى بالعدید من الدراسات فی هذا الموضوع مثل دراسة بانافع والرصاصی، وحید (2016) [ii]، بانافع وعبد المجید (2016) [iii]  ، Hader Mahmoud (2016)[iv] محمد صلاح عفیفی(2018)[v]  کذلک نظرا لکبر حجم الاقتصاد السعودی وتنوعه مقارنة ببقیة الدول المختارة مما سیجعل النتائج والتوصیات له مختلفة عن بقیة العینة، أما دولة قطر فنظرا لبعض المشاکل السیاسیة لها فی الفترة الاخیرة مع بعض الدول العربیة ودول الخلیج العربی، وما نتج عنه من توقیع عقوبات سیکون لها تأثیر مشترک یتداخل مع تقلبات أسعار النفط مما سیجعل النتائج غیر دقیقة، أما بقیة الدول المختارة للدراسة فهی تتشابه من حیث الحجم وتنوع الاقتصاد والظروف السیاسیة والاقتصادیة معا.

والحدود الزمنیة للدراسة هی تقدیر الاستدامة المالیة فی تلک الدول المشار إلیها خلال الفترة 1999: 2017م ویرجع اختیار تلک الفترة الی رغبة الدراسة فی الحصول على أطول فترة ممکنه شهدت تقلبات فی أسعار النفط الخام صعودا وهبوطا وفى نفس الوقت تکون فترة زمنیة تتوافر فیها البیانات المطلوبة للدراسة للأربع دول معا وهو ما تحقق فی تلک الفترة من 1999: 2017. واعتمدت الدراسة فی بیناتها على بیانات صندوق النقد العربی، وبیانات المرکز الاحصائی لدول مجلس التعاون الخلیجی.

2-4  منهجیة الدراسة: لتحقق الدراسة أهدافها البحثیة، وتختبر صحة فرضیاتها، دمجت الدراسة بین کلاَ من المنهج الوصفی فی تعریف مفهوم الاستدامة المالیة ومؤشراتها وطرق قیاسها والأدبیات السابقة التی تناولتها، وکذلک الأسلوب التحلیلی لتحلیل الأوضاع المالیة لعدد من دول مجلس التعاون الخلیجی، وکذلک استخدمت الأسلوب القیاسی فی تقییم الاستدامة المالیة للدول محل الدراسة، من خلال دراسة طبیعة واتجاه العلاقة بین الإیرادات والنفقات الحکومیة باستخدام اختبار التکامل المتناظر بطریقة الانحدار الذاتی لفترات الابطاء الموزعة ARDL، خلال الفترة 1999-  2017، ویرجع اختیار هذه الطریقة للاختبار إلی أنها هی الطریقة التی ثبت من الدراسات السابقة- کما ستعرض الدراسة لاحقا- إنها الأکثر دقة واستخداما فی الدراسات التطبیقیة التی تعتمد علی القید الزمنی للموازنة لتحدید الاستدامة المالیة للدولة وملاءة الدین العام [vi] ، کذلک سیتم اختبار السببیة طویلة الأجل وفق طریقة جرانجر، لتحدید طبیعة واتجاه العلاقة بین سلسلتی البیانات الخاصة بالإیرادات والنفقات فی کل دولة من الدول محل الدراسة خلال تلک الفترة لاختبار الفرضیة الثانیة للدراسة.

3- الإطار النظری للدراسة ومراجعة الأدبیات:

فی هذا القسم ستحاول الدراسة عرض مفهوم الاستدامة المالیة کما ورد فی الأدبیات الاقتصادیة المختلفة، وأهم المؤشرات التی تم استخدامها فی الدراسات السابقة لقیاس مدى تحقق الاستدامة المالیة، کذلک أهم الأسالیب القیاسیة المستخدمة فی تقییم الاستدامة المالیة، ثم تعرض بعض الدراسات التطبیقیة التی اختبرت تحقق الاستدامة المالیة فی الدول المعتمدة على النفط أو الموارد الطبیعیة الناضبة.

(3-1) تعریف الاستدامة المالیة:

لقد أصبح مصطلح الاستدامة واسع النطاق، ویمکن تطبیقه على کل وجه من وجوه الحیاة على الأرض، بدءاً من المستوى المحلى الى المستوى العالمی، أما مصطلح الاستدامة المالیة العامة أو الحکومیة هو أحد المصطلحات المستخدمة فی السیاسات المالیة ولا یوجد اتفاق على تعریف محدد لهذا المصطلح، فتعریف الاستدامة لغویاً بأنها القدرة على البقاء والاستمرار، ونظرا لأن معظم الدراسات التطبیقیة رکزت على ما یعرف بالاستدامة المالیة fiscal sustainability  لذلک ارتبط مفهوم استدامة الدین العام بالاستدامة المالیة للدین، حیث اعتبرت الدراسات المختلفة أن الدین العام یعتبر محققاً للاستدامة فی حالة القدرة على سداد الدین، لذلک فمفهوم استدامة الدین العام مفهوم أوسع وأشمل من مفهوم الاستدامة المالیة[vii].

وللاستدامة المالیة مفاهیم متعددة، بعضها استند الى الربط بین تعریف الاستدامة والقید الزمنى للمیزانیة، فی حین إن فریق أخر اتجه الى الاعتماد على قواعد المالیة العامة فی تحدید ماهیة الاستدامة المالیة[viii]، وترجع المحاولات الأولى لتحلیل الاستدامة المالیة الى J.M.Keynes (1923) عندما شهدت فرنسا أزمة الدین العام ونصح کینز الحکومة الفرنسیة بوضع سیاسات مالیة مستدامة التحمل والتی تحقق القید الزمنى للموازنة، أما بالنسبة ل D.Wilcox (1989)  قال أن السیاسة المالیة یمکن استدامتها إذا ما أنشأت تعاقباً فی الدیون والعجز العام بشکل یسمح بتحقیق دائم لقید الموازنة الزمنى، أما E.Jondeau(1992) فرأى أنه یمکن استدامة تحمل السیاسة المالیة إذا حققت هذه الأخیرة ملاءة الدولة (solvability) أی إذا ضمنت عدم ارتفاع نسبة الدین العام بنسب مفرطة قد تؤدى الى عدم قدرة الدولة على ضمان سدادها،[ix]ویعرف صندوق النقد الدولی مفهوم الاستدامة المالیة بأنها الوضع الذى یستطیع فیه المقرض من أن یستمر فی خدمة دیونه دون الحاجة الى إحداث تغییر جوهری فی النفقات والإیرادات العامة مستقبلاً.[x]

وکتعریف شامل، تعرف الاستدامة المالیة على إنها هی قدرة الدولة، حالیاً ومستقبلاً على الوفاء بالتزاماتها المالیة وخدمة دیونها، من دون الحاجة الى إعادة جدولة الدیون أو تراکم متأخرات، أو هی القدرة على تحمل الدیون من دون الحاجة إلى إجراء تعدیلات کبیرة فی السیاسات المالیة مستقبلاً لتحقیق التوازن بین الإیرادات والمصروفات العامة. أما عدم الاستدامة فهی الحالة التی یتراکم فیها الدین بمعدل أسرع من قدرة الدولة على خدمته.[xi]

(3-2)  مؤشرات الاستدامة المالیة:

یعد مؤشر القید الزمنی للموازنة intertemporal budget constraint الذی أشار إلیه (باور، 2013) [xii] أهم وأکثر المؤشرات استخداماً فی الدراسات التطبیقیة للاستدامة المالیة مثل دراسة( Bergman, M., 2001)، دراسة( Bohn, H., 1998)، دراسة( Bohn, H., 2005)، دراسة( Kwiatkowski, et al, 1992) ودراسة( Trehan, B., Walsh, C., 1991) [xiii]

ویقصد بالقید الزمنی للموازنة: أن مجموع استخدامات الأموال فی الدولة لشراء السلع والخدمات والمدفوعات التحویلیة، یجب أن تتساوى مع مجموع مصادر الأموال من الضرائب وطباعة النقود، ویمکن وضع هذا القید فی الشکل الریاضی التالی:

مجموع استخدام الأموال = مجموع مصادر الأموال                     (1)

 

𝐺𝑡+𝑉𝑡=𝑇𝑡+(𝑀𝑡−𝑀𝑡−1)/𝑃𝑡                    (2)                                       

حیث أن 𝐺𝑡 هی المشتریات الحکومیة الحقیقیة، و 𝑉𝑡 التحویلات الحقیقیة، و 𝑇𝑡 الضرائب الحقیقیة، و (𝑀𝑡−𝑀𝑡−1)/𝑃𝑡     هو الدخل الحقیقی من طباعة النقود، وهو عادة ما یمثل نسبة ضئیلة من مصادر الأموال ولذلک فیمکن إهمال أثره، لذلک فیمکن أن نعبر عن قید الموازنة المذکور فی المعادلة (2) بالقید التالی:

 𝐺𝑡+𝑉𝑡=𝑇𝑡                                                                                 (3)

وعند إدخال متغیر الدین العام(Bt) فی النموذج، نحصل على الصیغة التالیة رقم (4):

𝐺𝑡+𝑉𝑡+i𝑡−1*(𝐵𝑡−1/pt) = Tt +( (𝐵𝑡−𝐵𝑡−1)/pt) +(Mt – Mt-1)/Pt)                              (4)

وفی هذه الصیغة، یتساوى مجموع المشتریات الحقیقیة بالإضافة للتحویلات الحقیقیة بالإضافة لمدفوعات الفائدة الحقیقیة،

مع مجموع الضرائب الحقیقیة مضافة إلیها الإصدارات الحقیقیة للدیون مضافة إلى العائد الحقیقی من طباعة النقود، وبافتراض ثبات قیمة النقود وثبات مستوى الاسعار (Mt و Pt لا تتغیران بمرور الوقت) نحصل على الصیغة التالیة لقید الموازنة الحکومیة فی ظل الاستدانة

          (5)     𝐺𝑡+𝑉𝑡+i𝑡−1*(𝐵𝑡−1/pt) = Tt +( (𝐵𝑡−𝐵𝑡−1)/pt)                                               

ویمکن تحدید حالة العجز أو الفائض فی میزانیة الحکومة، من خلال مفهوم الادخار الحقیقی. ذلک لأنه کلما ارتفع الدین العام الحقیقی، کلما زادت متطلبات خدمته، ومن شأن هذا الارتفاع أن یقلل من الادخار الحکومی الحقیقی، والعکس صحیح. أى أن العلاقة عکسیة بین الدین العام الحقیقی والادخار الحکومی.[xiv]

وبإعادة ترتیب المعادلة رقم (5) ، نحصل على الشکل التالی:

 -(𝐵𝑡−𝐵𝑡−1)/p= 𝑇𝑡−(𝐺𝑡+𝑉𝑡+𝑟𝑡−1* (Bt-1/p))                                                 (6)

وتعنی المعادلة السابقة أن:

الادخار الحکومی الحقیقی = الضرائب الحقیقیة - الإنفاق الحکومی الحقیقی.

وبالتالی فإن الفائض الحقیقی فی المیزانیة الحکومیة یتطابق مع الادخار الحقیقی، فالفائض الحکومی هو ادخار موجب، أما العجز فهو بمثابة ادخار سالب، کما أنه عندما تکون الضرائب الحقیقیة أکبر من الإنفاق الحکومی الحقیقی، فالتوفیر الحکومی أکبر من الصفر، والدین العام یقل بمرور الزمن والعکس صحیح أیضا، وعندما یؤول الدین العام للصفر، یتساوى طرفی معادلة قید المیزانیة، لتشکل وضعیة الاستدامة المالیة فی الأجل الطویل.

 وتکون الصیغة الدالیة بالشکل التالى[xv]:

𝑔𝑜𝑣𝑒𝑟𝑛𝑚𝑒𝑛𝑡 𝑟𝑒𝑣𝑒𝑛𝑢𝑒=𝑓(𝑔𝑜𝑣𝑒𝑟𝑛𝑚𝑒𝑛𝑡 𝑒𝑥𝑝𝑒𝑛𝑑𝑖𝑡𝑢𝑟𝑒)

ورغم أهمیة القید الزمنی للموازنة کمؤشر اعتمدت علیه معظم الدراسات التطبیقیة فی تقییم الاستدامة المالیة، إلا إن الاستدامة المالیة لها العدید من المؤشرات العامة الأخرى التی یمکنها ان تحل محل مؤشر القید الزمنى للموازنة وأهم تلک المؤشرات[xvi]:

-       المؤشر الأول : نسبتی الإیرادات العامة والنفقات العامة إلى الناتج المحلی الاجمالی: ویساعد تتبع التطورات الزمنیة لهاتین النسبتین فی معرفة درجة التوازن بین التغیر فی کل من النفقات العامة والإیرادات العامة لکی تستخلص منها حالة الاستدامة المالیة  للدولة.

-        المؤشر الثانی:  نسبة الضرائب إلى الناتج المحلی الإجمالی، وهو مؤشر یوضح الجهد الضریبی المحلی و یعد مؤشرا على قدرة الإیرادات الضریبیة على تغطیة النفقات العامة الحالیة والمستقبلیة.

-       المؤشر الثالث:  نسبة الدین العام إلى الناتج المحلی الإجمالی، ویعکس هذا المؤشر قدرة الاقتصاد المحلی على تحمل الدیون الداخلیة والخارجیة، ومدى قدرة المالیة العامة على تحقیق شرط الاستدامة فی الدین العام.

-       المؤشر الرابع : نسبة مصروفات خدمة الدین لمتوسط نصیب الفرد من الدخل الوطنی، فکلما انخفضت هذه النسبة، کلما دل ذلک على قدرة دخل الفرد على القیام بالادخار الضروری لتحمل الأعباء الضریبیة فی المستقبل، ویمثل ذلک مؤشرا على الاستدامة المالیة فی الاقتصاد.

-       المؤشر الخامس: تناظر الإیرادات العامة والنفقات العامة: فمنذ أزمة الدیون العامة السیادیة فی الیونان وعدد من دول الاتحاد الأوروبی، أصبحت دراسة مؤشر تناظر التوجهات العامة لسلسلتی البیانات الخاصة بالإنفاق العام الحکومی والإیرادات العامة الحکومیة وتأثیرهم على الدین العام للدولة صعودا وهبوطا، وقدرة الدولة علی التحکم فی حجم العجز من خلال المحافظة على السلسلتین فی حالة تناظر، من أهم المؤشرات المبدئیة التی تنذر الدولة بقدرتها على تحقیق الاستدامة المالیة من عدمه.

-       ومن تلک المؤشرات، ستستخدم الدراسة مؤشر القید الزمنی للموازنة ومؤشر تناظر الإیرادات العامة والنفقات العامة لتقییم الاستدامة المالیة فی الدول محل الدراسة، وهم من أکثر المؤشرات التی استخدمتها الدراسات السابقة للاستدامة المالیة کما هو موضح لاحقا فی مراجعة الأدبیات.

-       (3-3) أهم الأسالیب القیاسیة المستخدمة فی تقییم الاستدامة المالیة:

-       اقترح أدب الاقتصاد القیاسی اختبارات مختلفة لاختبار تحقق الاستدامة المالیة للدین العام، واعتمدت معظمها على القید الزمنی للموازنة السابق الإشارة إلیه فی مؤشرات الاستدامة المالیة:

-       فی سنة 1991 اختبر کل من Trehan and Walsh   [xvii]وجود جذر الوحدة بین السلاسل الزمنیة الخاصة بإیرادات ونفقات الموازنة العامة للدولة، فإذا کانت السلاسل متکاملة من الدرجة صفر، فهذا یعنى بالضرورة تکامل الفائض الأساسی من الدرجة صفر وبالتالی تتحقق الاستدامة المالیة، ثم تطور العمل فی وقت لاحق وأصبحت الاستدامة تتحقق عن طریق نظام التکامل المتناظر (co integration)، ویتطلب ذلک تکاملاً متناظراً لسلسلتی الإیرادات والنفقات على حد السواء، وذلک فی المعادلة التالیة:

-    

-       حیث:

 

:

الإنفاق العام.

 

:

الإیرادات العامة.

B

:

معلمات المتغیر المستقل فی النموذج.

 

:

حد الخطأ العشوائی.

 

:

الحد الثابت للمعادلة.                                

حیث تعد قیمة 0<B≤ 1  شرطاً أساسیاً للاستدامة المالیة.

وفى منتصف التسعینات من القرن الماضی قام Martin(2000),Quintos(1995)  بتطویر أسالیب اختبار الاستدامة المالیة للدین العام حیث اعتمد الباحثان فی الکشف عن الاستدامة المالیة على اختبار التکامل المتناظر لسلسلتی الإیرادات والنفقات ، إلا أنهما میزا بین نوعین من القدرة على الاستدامة المالیة، النوع الأول: الاستدامة المالیة القویة وهی الحالة التی یکون فیها المعامل B=1، والنوع الثانی الاستدامة المالیة الضعیفة وهى الحالة التی فیها المعامل 0<B<1أما إذا کان المعامل B یساوى صفرا فهذا یعنى عدم إمکانیة الاستدامة المالیة  Quintos (1995)، وهذه هی الطریقة التی ستعتمد علیها الدراسة فی اختباراتها القیاسیة.

وقد أدى ظهور مفهوم القدرة على الاستدامة القویة والضعیفة إلى فتح المجال لتسلیط الضوء على اختبارات التکامل المتناظر التی من شأنها أن تعطی تقدیرا دقیقاً لمعامل تغطیة الإیرادات العامة للنفقات العمومیة، کما تعدّى ذلک إلى محاولة تقدیر معامل تغطیة رصید الموازنة الأساسی لتکالیف الدین العام، وهذا ما ظهر جلیاً فی أعمال Hénin (1997).

(3-4) مراجعة الأدبیات الاقتصادیة عن تقییم الاستدامة المالیة لدول منتجة ومصدرة للنفط:

نظراً للأهمیة الکبیرة لموضوع الاستدامة المالیة، تعددت الدراسات الاقتصادیة التی بحثت عن أسبابة ونتائجه ومؤشراته وطرق تحقیقه، بالإضافة الى دراسات تطبیقیة قیمت وضع دولة أو أکثر من حیث تحقیق الاستدامة المالیة، وذلک لإن مشکلة الاستدامة المالیة للدین العام کغیرها من المشاکل الاقتصادیة لا یتم البحث عن حلولها وإجابات لها فی ظل الإطار النظری فقط، وإنما یترافق التحلیل النظری مع الإطار والاختبار التطبیقی، وهنا لا یعد الإطار التطبیقی اختباراً للنظریة فحسب ولکنه أیضا یعد طریقاً للتطویع، واختبار النظریة بما یساهم فی ترسیخ أسس نظریة جدیدة أکثر ملائمة[xviii]، وقد اعتمدت معظم الدراسات التطبیقیة للاستدامة المالیة على الاختبارات ذات البعد الاحتمالی (stochastic processes) للقیمة الحالیة لقید الموازنة، وقد استخدمت فی ذلک عدة طرق قیاسیة للکشف عن استقرار عجز الموازنة والدین العام، أو وجود علاقة تکامل مشترک ما بین متغیرات قید الموازنة( الإیرادات العامة والنفقات العامة)، أو اختبار مدى استجابة الفوائض الأساسیة للدین العام.

ولخدمة الهدف البحثی للدراسة سنرکز على الدراسات التی اختبرت الاستدامة المالیة فی الدول النامیة المنتجة للنفط أو للمواد الأولیة ومن أهم تلک الدراسات:

-   دراسة (عبد الرحیم 2013) حاولت هذه الدراسة تحلیل الأسس التقنیة للتوازنات المالیة للدولة، من خلال تقییم إمکانیة استدامة تحمل عجز الموازنة فی الجزائر على المدى الطویل، وذلک بتبنی النمذجة اللاخطیة باستخدام نماذج الانحدار الذاتی.  وقد أثبتت الدراسة بأن سلسلة عجز الموازنة غیر مستقرة، وأن الإنفاق الحکومی یزداد بمعدلات نمو تفوق معدلات نمو الإیرادات، أی أن الحکومات تمیل إلى إنفاق یفوق إیراداتها على المدى الطویل، مما یدعم فرضیة عدم إمکانیة استدامة الدین العام على المدى الطویل [xix].

-   و دراسة   Ntamatungiro, 2004 [xx] اهتمت بتحلیل الاستدامة المالیة فی الاقتصادات التی تتسم بالاعتماد البالغ على الموارد الطبیعیة الناضبة، مع الترکیز على حالة الجابون، کی تتمکن من رسم إطار ملائم لتقییم استدامتها المالیة وفی ضوء الهشاشة المالیة التی یعانی منها الاقتصاد الجابونی وباستخدام القید الزمنی للموازنة، توصلت الدراسة الى عدم قدرة الجابون على تحقیق الاستدامة المالیة، لذلک ولتحقیق معاییر الاستدامة المالیة فی الدول المعتمدة بشکل کبیر على الموارد الناضبة،  توصلت الدراسة الى أن هناک ثلاثة  شروط یتعین على تلک الدول مراعاتها لتحقیق الاستدامة المالیة أولها أن تطور تلک الدول قاعدة مالیة لإدارة المیزان المالی الأساسی غیر النفطی (الإیرادات والنفقات غیر النفطیة)، بما یسمح لها بتخفیض نسبة الدین إلى الناتج المحلی الإجمالی غیر النفطی؛ وثانیها إدخال معیار لقیاس نصیب الفرد من الدخل النفطی وتثبیته عبر الزمن، وبما یسمح بالإنصاف بین الأجیال؛ وثالثها إنشاء صندوق للادخار النفطی (صندوق ثروة سیادیة)، واستثماره بطریقة ملائمة، لحمایة تلک الثروة من التبدد.

-       و دراسة (York & Zhan, 2009)   قامت بتقییم حالة الاستدامة المالیة فی تسع دول منتجة للنفط فی افریقیا جنوب الصحراء، باستخدام القید الزمنی للموازنة، لمعرفة العلاقة التبادلیة بین التقلبات التی تحدث فی أسعار النفط العالمیة وبین حالة الاستدامة المالیة فی تلک الدول، واعتمدت الدراسة بصفة أساسیة على تحلیل المیزان المالی غیر النفطی لکونه یقدم صورة واضحة عن تأثیر التقلبات فی الإیرادات النفطیة على الاستدامة المالیة فی الأجل الطویل، وقد توصلت الدراسة إلى أنه بالرغم من النمو الکبیر فی أسعار النفط ابتداء من العام 2005 ، فقد ازداد العجز فی المیزان المالی غیر النفطی فی تلک الدول، بسبب تردی کفاءة الإنفاق العام، وأن الاستدامة المالیة فی تلک الدول لم تتحقق فی ظروف الطفرة النفطیة.[xxi]

-       دراسة   (ABDUL WAHEED2016)[xxii] هدفت إلی تقییم الاستدامة المالیة للدین العام فی البحرین خلال الفترة (1995: 2014) وباستخدام اختبار ARDL للقید الزمنی للموازنة، لم تستطع النتائج تأکید وجود علاقة تکامل متناظر Cointegration  بین الدین العام و المیزان المالی ، وخلصت الدراسة الى أن التقلبات التی تشهدها أسعار البترول تؤثر بشکل سلبى على استدامة الدین العام فی دولة البحرین ، وأوصت بضرورة تنوع مصادر الإیرادات حتى لا یکون للتقلبات فی اسعار البترول أثر کبیر على الاستدامة المالیة.

-       دراسة[xxiii] Hadeer mahmood(2016) اختبرت الاستدامة المالیة فی المملکة العربیة السعودیة مستخدمة مؤشر القید الزمنی للموازنة للمتغیرات الایرادات العامة والنفقات العامة کنسبة من الناتج المحلی الاجمالی خلال الفترة(1980- 2014)، وتوصلت الدراسة الی وجود استدامة مالیة ضعیفة للاقتصاد السعودی خلال فترة الدراسة وأوصت بإجراء اصلاح مالی هیکلی للوصول الی استدامة مالیة قویة.

-       دراسة (وحید، عبد العزیز 2015)  هدفت إلى تقییم قدرة السلطات المالیة فی المملکة العربیة السعودیة على تحقیق الاستدامة المالیة، وذلک من خلال دراسة العلاقة بین النفقات والإیرادات الحکومیة وفق تطبیق القید الزمنی للموازنة العامة. وقد تم استخدام بیانات سنویة من عام ١٩٦٩ إلى عام ٢٠١٤، وأکدت النتائج أن الإیرادات الحکومیة تنمو بمعدل أسرع من النفقات الحکومیة مما یدل على قدرة السعودیة على سداد العجز واحتواء أعباء الدین، وبالتالی تحقق شرط الاستدامة المالیة، وقد أظهرت نتائج اختبار السببیة فی الدراسة وجود علاقة ثنائیة الاتجاه بین النفقات والإیرادات الحکومیة، مما یدل على قدرة السلطات المالیة السعودیة على اتخاذ قرارات متزامنة تتعلق بتعدیل النفقات والإیرادات الحکومیة آنیاً، حیث إنه یجب على السلطات المالیة اتخاذ قراراتها وفق التکالیف والإیرادات الحدیة للموارد والاستخدامات، بما یضمن تحقیق الاستدامة المالیة فی المستقبل.[xxiv]

-       دراسة (محمد عفیفی 2018) حاولت الدراسة تحلیل أثر الإیرادات العامة على تعزیز الاستدامة فی المالیة العامة السعودیة، وبالاعتماد على الأسلوب القیاسی لتحلیل التکامل المشترک لجوهانسن ومتجه تصحیح الخطأ لنموذج القید الزمنی للمیزانیة، توصلت الدراسة إلى وجود علاقة استدامة غیر قویة بین الإیرادات النفطیة والنفقات العامة، ووجود استدامة قویة بین الإیرادات غیر النفطیة والنفقات العامة. کما أثبتت نتائج اختبارات السببیة فی الأجل الطویل الوضع الممیز للاقتصاد السعودی فی أن العلاقة بین طرفی القید الزمنی للموازنة تأتی من الإیرادات العامة النفطیة للنفقات العامة، وبما یعنی تأثر النفقات العامة بالتطورات فی الإیرادات العامة، ولیس العکس، وبالتالی فإن اتجاه العلاقة بین الإیرادات العامة والنفقات العامة فی الدول النفطیة خاصة ذات الترکز فی الإیرادات النفطیة مثل الاقتصاد السعودی مختلفة عن بقیة الدول النامیة، حیث انه فی هذه الحالة تعد الإیرادات النفطیة وتوقعاتها وأی تذبذبات خاصة بها عاملاً أساسیاً فی تحدید حجم ومعدل نمو النفقات العامة، وهذا على عکس ما أشار إلیه نموذج القید الزمنی للموازنة بتأثر الإیرادات العامة بالتطور فی النفقات العامة.[xxv]

-       نخلص من العرض السابق لنتائج بعض الدراسات التطبیقیة التی اختبرت الاستدامة المالیة فی بعض الدول المصدرة للنفط والموارد الطبیعیة الناضبة الی نتیجتین : الأولى إن معظم الدول النفطیة التی لم تنجح فی تنویع مصادر إیراداتها واعتمدت علی إیرادات الموارد النفطیة أو الموارد الطبیعیة الناضبة، لم تستطع تحقیق الاستدامة المالیة، والثانیة: أن اتجاه العلاقة السببیة بین الإیرادات والنفقات فی الدول النفطیة یکون من الإیرادات الی النفقات ولیس العکس وهى النتائج التی علی أساسها وضعت الدراسة فرضیاتها السابقة الذکر التی سیتم اختبار صحتها فی الدول محل الدراسة.

4- تحلیل التوجهات الرئیسیة لمکونات المالیة العامة فی بعض دول مجلس التعاون الخلیجی:

فی هذا القسم تحاول الدراسة فی الجزء الأول تحلیل توجهات المالیة العامة لدول مجلس التعاون الخلیجی مجتمعة بالترکیز على الفترة (2013: 2017) لتحلیل أثر انخفاض سعر النفط فی 2015 کأحدث صدمة سعریة نفطیة ، وفی الجزء الثانی تحلل الدراسة علاقة التناظر بین سلسلتی الإیرادات والنفقات فی کل من عمان، الکویت، والبحرین، والامارات[xxvi] بیانیا، خلال الفترة من 1999: 2017 کمؤشر مبدئی للاستدامة المالیة فی کل دولة ، وکتمهید لإجراء الاختبارات القیاسیة فی القسم التالی .

4-1 التوجهات الرئیسیة للمالیة العامة فی دول مجلس التعاون الخلیجی:

رغم إن اقتصادیات دول المجلس التعاون الخلیجی حققت على مدى الفترة التی تلت الأزمة المالیة العالمیة وحتی سنة 2015 أداءً أفضل مقارنةً بالدول الأخرى، حیث بلغت معدلات النمو بها حوالی 24% على مدى السنوات الخمس    ( 2009: 2014)، نتیجة محاولاتها -على مدى العقدین الماضیین- تنویع مصادر إیراداتها، وتحقیق تنمیة فی القطاع غیر النفطی، إلا إنه لا یزال سعر النفط هو المتحکم الأساسی فی معدلات النمو بها، ولا یزال القطاع النفطی یسهم بأکثر من 50% من الناتج الحقیقی، وحوالی70% من الإیرادات العامة وعوائد التصدیر- کمتوسط فی تلک الدول مجتمعة، وبالتالی نجد الانفاق السنوی فی میزانیاتها معتمد بشکل کبیر على الدخل من الصادرات النفطیة أو الهیدروکربونیة[xxvii]، مما یهدد خطط التنمیة المستدامة لدیها لاعتمادها فی تمویل خطط التنوع الاقتصادی علی الإیرادات النفطیة، ولکن یجب الإشارة إلی إن درجة ترکز الإیرادات النفطیة بها تختلف من دولة لأخرى ، فبینما تمثل الإیرادات النفطیة فی دولتی قطر والإمارات العربیة المتحدة ما یقرب من 60% من إجمالی الإیرادات ، نجد إن تلک النسبة تقترب من 90% فی المملکة العربیة السعودیة وعمان و93% فی الکویت والبحرین، وهی نسب مرتفعة خاصة إذا ما تمت مقارنتها بنفس النسب فی الدول الأخرى الغنیة بالموارد الطبیعیة کالنرویج، حیث لا تتجاوز الإیرادات النفطیة حوالی 30% من إیرادات الدولة[xxviii].

ونتج عن هذا الترکز فی الإیرادات النفطیة أن أصبحت الإیرادات العامة والنفقات العامة لدول المجلس شدیدة التأثر بأی تقلبات فی أسعار النفط، فکما هو موضح فی شکل (1)  بدءاً من عام 2002 وحتی 2014 وعلى مدى اثنتی عشرة سنة مالیة -باستثناء سنة الأزمة المالیة 2008- اعتمدت دول مجلس التعاون سیاسات توسعیة فی الإنفاقالعام، وأدت الطفرة النفطیة إلى زیادة مطردة فی عائدات النفط التی تم توریدها إلى المیزانیة العامة للبلدان الستة، من 91.1 ملیار دولار عام 2002 إلى 627 ملیار دولار عام 2012، کما زادت معها النفقات العامة أکثر من أربعة أضعاف، من حوالی 95 ملیار دولار عام 2002 إلى حوالی 403 ملیارات عام 2013، وقد استثمرت دول المجلس تلک الفوائض المالیة فی تمویل خططها الطموحة فی التنمیة وکذلک فی تکوین صنادیق سیادیة، ثم أدى الانخفاض السریع فی أسعار النفط مطلع عام 2015 إلى ما دون الخمسین دولار للبرمیل - وهو انخفاض بنسبة 47.3% للبرمیل- الى انخفاض فی إیرادات ونفقات دول المجلس کما هو موضح فی الجداول (1)،(2).

شکل (1) تطور الإیرادات العامة والنفقات العامة لدول مجلس التعاون الخلیجی قبل انخفاض أسعار النفط فی 2015

المصدر: المرکز الاحصائی لدول مجلس التعاون الخلیجی، ملامح وأفاق الاداء الاقتصادی فی دول مجلس التعاون الخلیجی" العدد الرابع أکتوبر 2018.

والملاحظ من الجدولین (1)، (2) شدة تأثر الإیرادات والنفقات العامة فی دول المجلس بالتقلبات فی أسعار النفط، نتیجة الترکز فی الإیرادات النفطیة السابق الإشارة إلیه، فانخفاض أسعار برمیل النفط الخام بحوالی 47% سنة [xxix]2015 أدی الی أن أخذت معدلات نمو الإیرادات والنفقات قیم سالبة فی کل دول المجلس بلا استثناء للسنوات 2015، 2016 على التوالی، ولکن بنسب مختلفة کما هو موضح.

جدول (1) معدل النمو السنوی (%) فی الإیرادات الحکومیة لدول مجلس التعاون الخلیجی للفترة 2013: 2017

السنه

مجلس التعاون

الامارات

البحرین

السعودیة

عمان

قطر

الکویت

2013

1.3

11.7

-3

-7,3

3.2

36.6

-5.4

2014

-8

-12.5

5

-9.7

1.4

0.3

-8.8

2015

-38.6

-24.4

-33.9

-41

-35.7

-36.1

-50.8

2016

-18.8

-5.4

-7.1

-15.7

-16.1

-26,5

-44.4

2017

33.7

40.5

16

33.1

11.9

-0.4

89.9

المصدر: المرکز الاحصائی لدول مجلس التعاون الخلیج، ملامح وأفاق الاداء الاقتصادی فی دول مجلس التعاون الخلیجی" العدد الرابع أکتوبر 2018.

ومن جدول (2) نجد أیضا إن کل دول المجلس خفضت نفقاتها العامة کنتیجة لتخفیض الإیرادات بسبب انخفاض سعر النفط فی  2015، وشملت عملیة إعادة هیکلة النفقات على عدة صور منها تخفیض حجم المعونات الخارجیة، الاعانات الداخلیة، والدعم ،الانفاق الحکومی، کذلک تم إعادة النظر فی موارد الدولة غیر البترولیة فتم فرض ضریبة القیمة المضافة بنسبة 5%فی کل من السعودیة والامارات ، لدعم موازنة الحکومة[xxx] .

جدول(2) تغیر الانفاق السنوی(%) فی دول مجلس التعاون الخلیجی فی الفترة 2013: 2017

السنه

مجلس التعاون

الامارات

البحرین

السعودیة

عمان

قطر

الکویت

2013

9.1

11.2

2.8

8.5

3.2

29.3

-1.6

2014

6.4

-17.7

5.7

14.7

8.4

22.5

11.5

2015

-13.9

-11.3

0.4

-12.2

-9.7

-24.6

-18.8

2016

-7.2

2.3

-0.8

-17.1

-5.8

17.2

-3.2

2017

5.3

2.5

0.1

12

-4.1

-11.6

9.1

المصدر: المرکز الاحصائی لدول مجلس التعاون الخلیجی، ملامح وأفاق الاداء الاقتصادی فی دول مجلس التعاون الخلیجی" العدد الرابع أکتوبر 2018.

وعند مقارنة جدول(1) بجدول(2) نجد أن نسبة الانخفاض فی النفقات کانت أقل من الانخفاض فی الإیرادات مما نتج عنه تزاید العجز فی الموازنات وبالتالی تزاید فی نسب الدین العام کما هو موضح فی شکل(2)، وخاصة فی البحرین ثم الکویت وعمان وذلک لأن تلک الدول تطبعت علی أنماط إنفاق کان من الصعب تخفیضها بشکل سریع، مما تسبب فی زیادة العجز فی الموازنات، ورغم إن دول المجلس استخدمت الاحتیاطیات النقدیة و الصنادیق السیادیة التی سبق تکوینها فی سنوات الأسعار المرتفعة للنفط فی تمویل العجز، إلا إنها شهدت تزاید فی حجم الدین العام کما هو موضح فی شکل (2) وهذا التزاید فی نسبة الدین العام یمکن تفسیره بانخفاض الإیرادات البترولیة من جهة -نتیجة انخفاض سعر النفط- وانخفاض إیراداتها غیر النفطیة من جهة أخرى کما هو موضح فی جدول(3) لانخفاض الایرادات الضریبیة و لعدم نجاح تلک الدول فی تنویع هیاکل الانتاج غیر النفطی بها، علی العکس من ذلک نجحت الإمارات أولا ثم السعودیة و قطر فی زیادة إیراداتها الحکومیة غیر النفطیة.

ومن الملاحظ فی الشکل (2) إن أکبر دول المجلس من حیث نسبة الدین العام الی الناتج المحلی الاجمالی هی البحرین ،حیث کانت أکثر الدول التی أدت انخفاض أسعار النفط سنة 2015 الی زیادة نسبة الدین العام لها بشکل کبیر ومستمر، تلیها قطر من حیث ارتفاع نسبة حجم الدین وإن کانت أکثر استقرارا فی معدلات زیادة الدین فحدثت الزیادة فی 2016 واستقرت، أما فی عمان والکویت ورغم إن نسبة الدین العام بهم لم تکن کبیرة نسبیا قبل انخفاض سعر النفط إلا إن هذا الانخفاض کان له کبیر الأثر فی زیادة نسبة الدین العام وبشکل مستمر، ویمکن تفسیر ذلک بانخفاض الإیرادات غیر النفطیة بهما -کما هو موضح فی جدول(3)- ولعدم قدرتهما علی تمویل النقص الذى حدث فی الإیرادات النفطیة سنة 2015

شکل(2) تطور الدین العام الحکومی کنسبة من الناتج المحلی الاجمالی لدول مجلس التعاون الخلیجی (2014: 2018)

 

المصدر: Assil El Mahmah, Magda Kandil ، مرجع سابق، ص 109.

جدول(3) الإیرادات الحکومیة غیر النفطیة لدول مجلس التعاون للفترة 2013-2017 (ملیار دولار أمریکی)

السنوات

مجلس التعاون

الامارات

البحرین

السعودیة

عمان

قطر

الکویت

2013

132.6

45.6

0.9

31.4

5.2

40.6

8.9

2014

138.2

40.7

1.1

33.8

5.8

48.4

8.4

2015

104.7

45.4

1.2

44.3

5.0

3.5

5.2

2016

150.2

80.2

1.2

49.5

6.3

8.3

4.7

2017

161.1

72.2

1.5

68.2

6.0

7.6

5.7

المصدر: المرکز الاحصائی لدول مجلس التعاون الخلیجی 2018،مرجع سابق.

4-2         تحلیل توجهات المالیة العامة للدول محل الدراسة(الامارات، عمان، الکویت، البحرین)

4-2-1 الإمارات العربیة المتحدة:

تشیر التوجهات الظاهرة فی الشکل رقم (3) إلى أن هناک تناظر واضح بین کل من النفقات العامة والإیرادات العامة فی الإمارات خلال فترة الدراسة، وکذلک  من الواضح تفوق الإیرادات العامة علی النفقات العامة فی معظم سنوات الدراسة،  رغم إن النفقات بدأت تفوقها فی السنوات الأولى من الدراسة، ولکن بسبب الطفرة فی أسعار النفط بدء من العام 2004، تتفوق الإیرادات العامة على النفقات العامة حتى العام 2009. وبعد الصدمة المتأتیة من الأزمة المالیة العالمیة فی العام 2008، تتفوق النفقات العامة على الإیرادات العامة، مسببة عجز مؤقت فی الموازنة العامة، ثم عادت الإیرادات للتفوق على النفقات مرة أخرى منذ العام 2011، لیظهر العجز مرة أخرى سنة 2015 بسبب انخفاض سعر النفط، ولکن سرعان ما زال العجز فی 2016 مع التحسن فی أسعار النفط العالمیة، وبسبب التنوع الاقتصادی الذى تشهده الإمارات، وقد انتهت فترة الدراسة بتفوق الإیرادات العامة على النفقات العامة، مع تناظرهما فی الاتجاه ناحیة التراجع، نخلص من ذلک الی أن هناک علاقة تناظر واضحة بیانیا بین الایرادات والنفقات فی الامارات مع التفوق الغالب للإیرادات علی النفقات فی معظم سنوات الدراسة.

شکل رقم (3) تطور النفقات والإیرادات العامة فی الامارات خلال الفترة 1999-2017

 

المصدر: معد بواسطة الباحثة ، بالاعتماد على بیانات صندوق النقد العربی، البیانات بالملیار درهم إماراتی.

أما عن تأثر الإمارات بانخفاض أسعار النفط فی 2015 فنجد إنها کانت أقل دول المجلس تأثرا کما هو موضح فی جدول (1) حیث انخفضت إیراداتها ب 24.4% فقط مقارنة بانخفاض قدره 38.6% فی دول المجلس مجتمعة، ویرجع ذلک الى تنوع الاقتصاد بها مقارنة ببقیة الدول، فهی تشهد زیادة فی الاستثمارات غیر النفطیة فی الکثیر من القطاعات أهمها الخدمات المالیة، والطیران، والطاقة المتجددة، والسیاحة الثقافیة بالإضافة إلى إیرادات ضریبیة[xxxi]، فأصبحت من أکبر دول المجلس من حیث الإیرادات الحکومیة غیر النفطیة کما هو موضح فی جدول (3)، ولم تصبح تعانی من ترکز الایرادات العامة فی الایرادات النفطیة، حیث انخفضت بها نسبة الإیرادات النفطیة إلى إجمالی الایرادات العامة من 75% سنة 1999 إلى 61.6% فی 2010، ثم 47% فی 2015[xxxii]،  لتصل الی 27% فقط فی 2017،  مما جعلها أکثر الدول استقرارا فی حجم الدین العام عند التعرض للصدمة البترولیة للنفط فی 2015، کما هو موضح فی شکل (2) ، مما یعطی مؤشر مبدئی علی تحقق الاستدامة المالیة، وهو ما سیتم اختباره قیاسیا فی الجزء التالی.

4-2-2 الکویت:

من الواضح وجود تناظر غیر مستمر بین الإیرادات العامة والنفقات العامة فی الکویت وفق ما یوضحه الشکل رقم (4)، إلا ان الإیرادات العامة تفوقت على النفقات العامة فی أغلب سنوات الدراسة ،مع بعض الاختلافات المحدودة فی حجم هذا التفوق، وهذا یعنی فائض دائم فی الموازنة، ناتج عن العائدات النفطیة المرتفعة، استطاعت به الکویت أن تکون صندوق سیادی ضخم یصنف کرابع أکبر الصنادیق السیادیة العالمیة بعد صنادیق النرویج والصین والامارات بحجم یبلغ 592 ملیار دولار[xxxiii]، ولکن منذ الصدمة السعریة للنفط فی منتصف 2014، انخفضت الإیرادات بشکل کبیر یفوق الانخفاض فی النفقات، بسبب ترکز الإیرادات الکویتیة فی ایرادات النفط، وانخفاض الایرادات غیر النفطیة کما هو موضح فی جدول(3)، وکان لذلک تأثیر سریع علی تغییر الأوضاع بأن تفوقت النفقات علی الایرادات، مما یعنی عجز فی الموازنة العامة خاصة خلال السنوات 2014، 2015، 2016 ، وکان من المفترض أن یغطی الصندوق السیادی هذا العجز دون اللجوء إلى الاستدانة، مما کان سیعطی مؤشر على قدرة الکویت علی تحقیق الاستدامة المالیة، ولکن کما هو موضح فی شکل(2) تزایدت نسبة الدین العام الکویتی الى الناتج المحلی الاجمالی.

شکل رقم (4)

تطور النفقات والإیرادات العامة فی الکویت خلال الفترة 1999: 2017

 

المصدر: معد بواسطة الباحثة بالاعتماد على بیانات صندوق النقد العربی، البیانات بالملیار دینار کویتی.

وبناء على التطورات فی بیانات المالیة العامة الکویتیة کما هو موضح فی جدول (1)، فمن الملاحظ إن الایرادات العامة الکویتیة أکثر الایرادات فی دول مجلس التعاون حساسیة لتقلبات أسعار النفط، لذلک حققت الکویت أکبر نسبة فی انخفاض الإیرادات نتیجة انخفاض أسعار النفط سنة 2015 مقارنة ببقیة دول المجلس ، نظرا لترکز إیراداتها فی الإیرادات النفطیة کما اشرنا سابقا، فانخفضت إیراداتها ب 50.8% مقارنة بانخفاض إیرادات دول المجلس مجتمعة ب 38.6% فقط، وبالتالی فإن الاستقرار المالی فی الکویت مرهون بالتقلبات فی أسعار النفط، مما یعطی مؤشر مبدئی بعدم قدرة الکویت على تحقیق الاستدامة المالیة، وهو ما سنختبره فی الجزء التالی للدراسة.

4-2-3مملکة البحرین:

 الشکل رقم (5) یظهر عدم وجود تناظر بین النفقات العامة والإیرادات العامة فی البحرین، فخلال السنوات الأولى من الدراسة، تطابق کل من هذین المتغیرین، بما قلل من فرص حدوث عجز فی الموازنة العامة، ولکن بشکل عام تفوقت النفقات العامة على الایرادات العامة خلال سنوات الدراسة، حیث یعانی أصغر اقتصاد فی اقتصادیات دول مجلس التعاون الخلیجی -وهو الاقتصاد البحرینی -من عجز مزمن،  کما یتصف بارتباط الإیرادات الحکومیة بالتذبذب فی أسعار النفط العالمیة کما هو موضح فی جدول(1)، حیث أدی انخفاض أسعار النفط الى انخفاض معدلات نمو الإیرادات ب 34% تقریبا ، کما إن البحرین کانت أقل دول المجلس قدرة علی تخفیض نفقاتها کرد علی انخفاض الإیرادات النفطیة کما هو موضح فی جدول(2)، نتیجة الارتفاع المستمر للنفقات العسکریة، والمصروفات غیر الانتاجیة[xxxiv]، بالإضافة إلى انخفاض حجم الإیرادات الحکومیة غیر النفطیة  الموضح فی جدول(3) بسبب عدم تنوع هیکل الإنتاج وانخفاض العوائد الضریبیة، کل ذلک معا أدى إلى عجز متتالی فی الموازنة العامة، وأدى العجز المتتالی إلى تراکم الدین العام لیصل إلى 91% من الناتج المحلی الإجمالی مع نهایة النصف الأول من عام  2017 کما هو موضح فی شکل(2) بعد أن کانت نسبته لا تتعدى 41% سنة 2008 ، وهذا التحلیل یعطی مؤشر مبدئی علی عدم قدرة البحرین أیضا علی تحقیق استدامة مالیة.

شکل رقم (5) تطور النفقات والإیرادات العامة فی البحرین خلال الفترة 1999-2017

 

معد بواسطة الباحثة وبالاعتماد على بیانات صندوق النقد العربی( 1999-2017(، البیانات بالملیار دینار بحرینی.

4-2-4سلطنة عمان:

یوضح الشکل رقم (6) وجود تناظر شبه مستمر (والذی یصل لدرجة التطابق) بین توجهات الانفاق العام والإیرادات العامة فی عمان خلال الفترة 1999: 2014، مما یعطی مؤشر أولی  بتحقق الاستدامة المالیة، ولکن وبسبب تراجع أسعار النفط منذ منتصف عام 2014،  انخفضت الایرادات العامة بحوالی 35.7%  کما هو موضح فی جدول(1) بسبب ترکز الإیرادات فی الإیرادات النفطیة، وصغر حجم الإیرادات غیر النفطیة لسلطنة عمان کما هو موضح فی جدول(3)، مما جعل الحکومة تخفض النفقات العامة ولکن بمعدل 10% فقط  کما هو موضح فی جدول(2) وهو معدل أقل من معدل التراجع فی الإیرادات العامة، ویرجع هذا لعدم رغبة الحکومة المساس بأجور القطاع العام التی تحتل ما یقرب من 12% من الناتج المحلی الاجمالی و27% من إجمالی الانفاق [xxxv]، مما جعل نسبة الدین العام الحکومی تأخذ فی التزاید کما هو موضح فی شکل (2).

ومن تحلیل تلک التوجهات یصعب وضع مؤشر مبدئی عن قدرة سلطنة عمان على تحقیق استدامة مالیة من عدمه للفترة کاملة، والفیصل فی ذلک هو الاختبار القیاسی.

شکل رقم (6) تطور النفقات والإیرادات العامة فی عمان خلال الفترة 1999-2017

 

المصدر: معد بواسطة الباحثة وبالاعتماد على بیانات صندوق النقد العربی، البیانات بالملیار ریال عمانی.

بالاعتماد على التحلیل السابق لتوجهات المالیة العامة و لعلاقة التناظر البیانی بین سلسلتی الإیرادات والنفقات فی الدول محل الدراسة ، یمکن ملاحظة التالی:

على امتداد فترة الدراسة، هناک تشابه واضح بین التوجهات العامة فی المالیة العامة فی دول العینة الخلیجیة مع التغیر فی سوق النفط العالمی، مما یعنی سیطرة الإیرادات النفطیة على الاتجاهات العامة فی مالیة تلک الدول. ویمثل ذلک أحد مؤشرات الترکز الاقتصادی فی المالیة العامة فی هذه الدول وزیادة الاعتماد علی الإیرادات النفطیة، وتشیر نتائج التحلیل المتقدم أن السیاسة المالیة فی دول العینة تعتمد على الإیرادات النفطیة لرسم خطط الانفاق العام. فعندما تتوسع الإیرادات النفطیة، تنمو فی المقابل النفقات العامة للدولة، وبما قد یتجاوز حدود النمو فی الإیرادات العامة، وبناء على النقطة السابقة، وفی أغلب سنوات الدراسة، هناک تشابه شبه مستمر فی التوجهات القائمة بین النفقات العامة والإیرادات العامة، وبما یثبت ان النفقات العامة دالة فی الإیرادات العامة، وخصوصا المتأتیة من قطاع النفط.

-کذلک من التحلیل السابق لتوجهات المالیة العامة  للدول الأربع محل الدراسة، نلاحظ أن الإمارات فقط هی التی توافرت بها الخصائص التی تدعم تحقق الاستدامة المالیة السابق الاشارة إلیها فی الاطار النظری للدراسة من تنوع اقتصادی واستقرار فی حجم الدین العام، واستجابة النفقات للتغیرات فی الإیرادات ، مما مکنها من الخروج من الصدمة السعریة الأخیرة للنفط بأفل الخسائر، وهو ما سنحاول تأکیده أو نفیه من نتائج الاختبارات القیاسیة، أما سلطنة عمان فالتحلیل السابق أظهر قدرتها على تحقیق الاستدامة المالیة فی الجزء الأول من فترة الدراسة، وعدم تحققها فی الجزء الأخیر، والکویت رغم تفوق إیراداتها على النفقات إلا ان حساسیة الإیرادات الشدیدة لتقلبات أسعار النفط لا ینبئ باستدامة مالیة حقیقیة لدیها، أما البحرین فالتحلیل السابق یدعم عدم قدرتها على تحقیق الاستدامة المالیة، وهو ما سنحاول أیضا اختباره قیاسیا.

5-  التحلیل القیاسی لاختبار فرضیة وجود استدامة مالیة للدول محل الدراسة:

(5-1)  صیغة النموذج القیاسی وفروض النظریة الاقتصادیة: بناءً على الاطار النظری ومراجعة الادبیات، وبعد ما تم عرضه من طرق قیاسیة مختلفة استخدمتها الدراسات التطبیقیة التی تناولت موضوع الاستدامة المالیة، فی الدول المصدرة للنفط، وقع اختیار الدراسة على استخدام اختبار التکامل المتناظر لسلسلتی الإیرادات والنفقات الحکومیة للدول محل الدراسة باستخدام منهج القید الزمنی للموازنة، والسبب فی اختیار هذا الاسلوب کما سبق ذکره  الی أن تلک الطریقة هی من أدق ، أبسط وأکثر الطرق المستخدمة لإجراء اختبارات الاستدامة المالیة فی الأدبیات الاقتصادیة کما سبقت الاشارة لذلک عند مراجعة الأدبیات، لذلک فإن صیغة النموذج القیاسی الذی ستستخدمه الدراسة سیکون على النحو التالی[xxxvi]:

 

حیث:

 

:

الإنفاق العام.

 

:

الإیرادات العامة.

B

:

معلمات المتغیر المستقل فی النموذج.

 

:

حد الخطى العشوائی.

 

:

الحد الثابت للمعادلة.

(5-2) الأسالیب القیاسیة المستخدمة:

-            تعتمد الدراسة فی التحلیل القیاسی على منهجیة التکامل المشترک بطریقة الانحدار الذاتی لفترات الإبطاء الموزعة ARDL، والذی یناسب طول فترة السلاسل الزمنیة للبیانات المستخدمة فی النموذج، ویشترط عدم وجود استقرار لأحد السلاسل الزمنیة فی الفرق الثانی. ولکی تحدد السببیة والتکامل فی العلاقة، تبدأ بتحدید طول فترة الإبطاء المثلى فی نموذج الانحدار الذاتی. وبعد اختبار استقراریه السلاسل الزمنیة Unit Root، حتى تنتفی إمکانیة الحصول على انحدار زائف، تحاول الدراسة تحدید العلاقة طویلة الأجل. کما ستستخدم الدراسة آلیة تصحیح الخطأ Error Correction Mechanism (ECM) فی النموذج الساکن، لإزالة الانحرافات فی الأجل القصیر من المسار التوازنی للسلاسل فی الأجل الطویل.

-            اختبار طول فترة الابطاء المثلى للنماذج الأربعة: بالاعتماد على المعاییر الإحصائیة (، FPE HQ، AIC، SC)، تشیر البیانات الواردة فی الجدول رقم (1) بالملحق الاحصائی، أن فترات الابطاء المثلی فی کل من بیانات الکویت وعمان والبحرین هی 6 فترات ابطاء. وفی حالة الامارات، فإن فترات الابطاء المثلی هی 5 فترات ابطاء. فعند هذا العدد من فترات الابطاء، بلغت قیمة الاختبارات الإحصائیة المختلفة أدنى مستوى لها.

-         اختبار جذر الوحدة: الجداول أرقام (2)، (3)، (4)، (5) بالملحق الاحصائی، توضح نتیجة اختبار جذر الوحدة للسلاسل الزمنیة المکونة للنموذج القیاسی، بالاعتماد على اختبار دیکی فولر الموسع Augmented Dickey-Fuller Test، واختبار Phillips-Perron Test. وتظهر نتائج تحلیل الاستقرار، باستخدام هذه الإحصائیات (ADF وPP)، أن السلاسل الزمنیة المکونة للنماذج القیاسیة الأربعة إما مستقرة فی المستوى، أو بعد أخذ الفروق الأولى. وتمکننا هذه النتائج من إجراء اختبار التکامل المشترک وفق منهجیة الانحدار الذاتی لفترات الابطاء الموزعة، والمقترح من "Pesaran". والخطوة التالیة توضح نتائج هذا الاختبار.

-            اختبار التکامل المشترک بطریقة ARDL: لتحدید الاستدامة وفق منهج القید الزمنی للمیزانیة، فیتعین علینا معرفة هل توجد علاقة تکاملیة بین النفقات العامة والإیرادات العامة فی الاجل الطویل (بمعنى وجود علاقة توازنیه طویلة الأجل). وبعد ذلک نحدد قوة هذه العلاقة لکی نصل بها لتحدید مستوى الاستدامة فی المالیة العامة فی الدول الأربعة.

-            اختبار الحدود bound test: بالاعتماد على نتائج فترات الابطاء المثلى، ولتحدید مدى وجود تکامل مشترک بین السلاسل الزمنیة المکونة للنماذج الأربعة، ستستخدم الدراسة اختبار Wald Test، والذی یعتمد على فرضیتین :

لا توجد علاقة تکامل مشترک طویلة الاجل بین المتغیرات

H0

توجد علاقة تکامل مشترک طویلة الاجل بین المتغیراتH1            

 

ویتم مقارنة F المحسوبة بالقیمة الحرجة للحد الأعلى والحد الأدنى للقیم الحرجة التی طورها Pesaran عند جمیع مستویات المعنویة. ویتم رفض فرضیة العدم إذا کانت قیمة F المحسوبة أکبر من القیمة الحرجة للحد الأعلى عند مستویات المعنویة المختلفة. والجدول التالی یوضح نتائج هذا الاختبار للنماذج الأربعة:

جدول رقم (4) نتائج اختبار النماذج

القرار

F Wald test

ARDL Selected Model

النموذج

رفض فرضیة العدم

 5.459100

 

Model: ARDL(3,5)

الامارات

قبول فرضیة العدم

 2.830241

 

Model: ARDL(6,5)

الکویت

رفض فرضیة العدم

 5.069980

 

Model: ARDL(3,5)

عمان

قبول فرضیة العدم

 1.056167

 

Model: ARDL(3,5)

البحرین

وتؤکد نتائج الجدول السابق على أننا نرفض الفرض العدمی فی حالتی الإمارات وعمان لأن قیمة F المحسوبة أکبر من القیمة الحرجة للحد الأعلى عند مستوى معنویة 5% ، ونقبله فی حالة الکویت والبحرین لأن قیمة F المحسوبة أقل من القیمة الحرجة للحد الأعلى عند مستوی معنویه 5% . وبمعنى أخر، فان هناک علاقة تکامل مشترک معنویة فی الاجل الطویل بین النفقات العامة والإیرادات العامة فی کل من الامارات وعمان، بما یفید بوجود استدامة فی المالیة العامة خلال فترة الدراسة، وعلى العکس من ذلک، فإن نفس الجدول السابق یوضح غیاب التکامل المشترک فی الأجل الطویل بین النفقات العامة والإیرادات العامة فی کل من الکویت والبحرین، وبما یعنی غیاب مقومات الاستدامة عن مالیتهما العامة خلال فترة الدراسة.

وتلک النتیجة الخاصة بالإمارات تدعم نتائج التحلیل البیانی السابق لتوجهات المالیة العامة وتؤکدها، ولکنها بالنسبة لسلطنة عمان فهی تتفق مع نتائج التحلیل البیانی لتوجهات المالیة العامة فی الفترة الأولى للدراسة -الفترة الأطول- 1999: 2014، ولا تتفق مع الفترة الأخیرة من 2015: 2017 –الفترة الأقصر- وقد یکون طول الفترة الأولى هو السبب فی خروج النتیجة بهذا الشکل، وللتأکد من صحة تلک النتائج خاصة بالنسبة لسلطنة عمان سنقوم بإجراء اختبار السببیة لجارنجر.

لذلک ففی باقی أجزاء التحلیل القیاسی، ستکتفی الدراسة بعرض نتائج القیاس الخاص بنموذج الإمارات ونموذج عمان، لکون النتائج السابقة أثبتت أنهما توجد فیما بین متغیراتهما علاقة تکاملیة طویلة الاجل.

-                   نموذج تصحیح الخطأ: وللتأکد من صحة العلاقة طویلة الأجل فی حالتی الإمارات وعمان، یتعین اختبار معنویة حد الخطأ العشوائی باستخدام منهجیة متجه تصحیح الخطأ المقید VEC. وتشیر نتائج التحلیل إن هذا الحد معنوی وذا قیمة سالبة فی نموذجی الامارات وعمان. فالنموذجین بهما معدل لتصحیح الأخطاء قادر على تحویل النتائج من الأجل القصیر (القیمة الربع سنویة) لتتماشى مع نتائج الأجل الطویل خلال الفترة 1999-2017. (0.062701- فی النموذج الاماراتی، 0.111954- فی النموذج العمانی).

وبناء على النتائج المتقدمة، تصبح صیغة العلاقة الدالیة فی الأجل الطویل على النحو التالی:

أ‌-     توضح المعادلة التالیة موقف الاستدامة المالیة فی النموذج الاماراتی. اذ تثبت وجد علاقة تکاملیة طویلة الاجل، تبلغ قیمة هذه العلاقة 0.98، أی أقل من الواحد الصحیح. وتشیر هذه النتیجة لوجود استدامة فوق متوسطة وفق القید الزمنی للمیزانیة، اذ تقترب قیمتها من الواحد الصحیح.

 

ب‌-فی النموذج العمانی، ووفق ما تعرضه المعادلة التالیة، توجد علاقة تکاملیة طویلة الاجل. وتبلغ قیمة هذه العلاقة 0.77، أی أقل من الواحد الصحیح. وتشیر هذه النتیجة لوجود استدامة فوق متوسطة وفق القید الزمنی للمیزانیة، اذ تقترب قیمتها من الواحد الصحیح.

 

-                   اختبار السببیة بین متغیرات النموذج: تختبر الدراسة الآن العلاقة السببیة طویلة الأجل وفق منهجیة جرانجر عند فترات الابطاء المثلى لنموذجی الامارات وعمان. ویوضح الجدول التالی نتائج تلک السببیة:

-         وتوضح المعادلة التالیة شکل الاختبار المقترح من جرانجر[xxxvii]:

-    

-         Yt   النفقات العامة، Xt الإیرادات العامة

-         الفروض

-         H0         الإیرادات العامة لا تسبب النفقات العامة فی الدولة.

-         H1         الإیرادات العامة تسبب النفقات العامة فی الدولة.

-         جدول رقم (5) نتائج اختبار السببیة طویلة الأجل فی کلا من الإمارات وعمان

Null Hypothesis:

F-Statistic

Prob.

النتائج

الدولة

الإیرادات العامة لا تسبب النفقات العامة

2.45432

0.0434

رفض فرضیة العدم

الامارات

النفقات العامة لا تسبب الإیرادات العامة

0.32416

0.8965

 

قبول فرضیة العدم

الإیرادات العامة لا تسبب النفقات العامة

1.07675

0.3872

 

قبول فرضیة العدم

عمان

النفقات العامة لا تسبب الإیرادات العامة

1.29229

0.2755

 

قبول فرضیة العدم

وتشیر نتائج اختبار السببیة فی جدول (5) الى أن الإیرادات العامة هی التی تسبب النفقات العامة فی التجربة الإماراتیة، فی حین ان النفقات العامة لا تسبب الإیرادات العامة فی نفس التجربة. أما فی التجربة العمانیة، فکما هو موضح فی نتائج جدول (5) وبالرغم من وجود تکامل مشترک بین النفقات العامة والإیرادات العامة خلال الأجل الطویل فی الفترة 1999-2017، فلم تتمکن اختبارات السببیة من التأکید على وجود علاقة سببیة واضحة بین هذین المتغیرین فی ذات الأجل، وهو ما یدعم التحلیل البیانی بأن عمان لا تتحقق بها الاستدامة المالیة علی امتداد فترة الدراسة بالکامل.

-                   اختبارات جودة النماذج القیاسیة المستخدمة:

تختبر الدراسة فی النقاط التالیة جودة النموذج القیاسی الذی استخدمته لتقدیر الاستدامة المالیة فی مجموعة الدول محل الدراسة. وتستخدم فی ذلک عدد من الاختبارات الإحصائیة، کی تتأکد بها من صلاحیة نموذجها القیاسی فی تقدیر العلاقة محل البحث.

کما یتضح من الجدول رقم (6) والخاص بإحصائیات فحص البواقی صحة النموذج احصائیاً، حیث کشف الاختبار الخاص بمشکلة الارتباط التسلسلی بین الاخطاء (LM) ان النموذج لا یعانی من مشکلة الارتباط الذاتی، فقد تم قبول فرض العدم الذی یقضی بعدم وجود ارتباط بین الاخطاء (= 0ρ) حیث کانت قیمة (P-value = 0.08) وهی أکبر من مستوی المعنویة 5%، 1%. کما یتضح ایضاً خلو النموذج من مشکله عدم ثبات التباین وتحقق فرضیة التوزیع الطبیعی للبیانات من خلال اختبار (Jarque -Bera). کما أن اختبار (Ramsey RESET Test) یرفض فرضیة وجود مشکلة خطـأ تحدید النموذج.

جدول رقم (6)  اختبارات فحص بواقی النموذج فی النماذج المستخدمة فی الدراسة

Probability

Estimated Value

Statistics

الدولة

 

0.8058

 

 

0.457862

 

Breusch – Godfrey Serial Correlation (LM- Stat)

الامارات

 

0.4906

 

 

0.861467

 

Residual Heteroskedasticity (ARCH)

 

0.5337

 

 

0.855812

 

Breusch – Godfrey Serial Correlation (LM- Stat)

الکویت

 

0.6213

 

 

0.737902

 

Residual Heteroskedasticity (ARCH)

 

0.2623

 

 

1.324546

 

Breusch – Godfrey Serial Correlation (LM- Stat)

عمان

 

0.0364*

 

 

2.435623

 

Residual Heteroskedasticity (ARCH)

 

0.0071*

 

 

3.330877

 

Breusch – Godfrey Serial Correlation (LM- Stat)

البحرین

 

0.1065

 

 

1.844849

 

Residual Heteroskedasticity (ARCH)

العلامة * تشیر لقبول فرضیة العدم، وبما یعنی وجود مشکلة فی بعض اختبارات فحص البواقی.

أما اختبار استقراریه النموذج وفق اختبار Recursive Estimation بطریقة CUSUM Test فهی موضحة بالشکل التالی رقم (7). ویوضح هذا الشکل أن نتیجة الاختبار تقع بین القیم الحرجة العلیا والدنیا، وبالتالی فان النماذج الاربعة تنجح فی اختبار الاستقرار، بمعنى انه لا توجد ثمة تأثیر للصدمات التی تقلل من جودة نتائج القیاس.

شکل رقم (7) اختبار الاستقرار بطریقة Recursive Estimation للنموذج القیاسی وبطریقة CUSUM Test فی الامارات

 

شکل رقم (8) اختبار الاستقرار بطریقة Recursive Estimation للنموذج القیاسی وبطریقة CUSUM Test فی النموذج الکویتی

 

شکل رقم (9) اختبار الاستقرار بطریقة Recursive Estimation للنموذج القیاسی وبطریقة CUSUM Test فی النموذج العمانی

 

شکل رقم (10) اختبار الاستقرار بطریقة Recursive Estimation للنموذج القیاسی وبطریقة CUSUM Test فی النموذج البحرینی

 

5-3 نتائج التحلیل القیاسی:

تبین من التحلیل السابق أن هناک علاقة تکامل مشترک معنویة فی الأجل الطویل بین النفقات العامة والإیرادات العامة فی کل من الامارات وعمان، بما یفید بوجود استدامة فی المالیة العامة خلال فترة الدراسة، أی أن هناک علاقة تکاملیة مقبولة إحصائیا فی الأجل الطویل بین المتغیرات المفسرة للنموذج القیاسی وبین المتغیر التابع. لکل من الإمارات وعمان، وعلى العکس من ذلک، فإن نفس التحلیل القیاسی السابق یوضح غیاب التکامل المشترک فی الاجل الطویل بین النفقات العامة والإیرادات العامة فی کل من الکویت والبحرین، بما یعنی غیاب مقومات الاستدامة عن مالیتهما العامة خلال فترة الدراسة.

لذلک اکتفت الدراسة بعرض نتائج القیاس الخاص بنموذج الامارات ونموذج عمان فقط، لکون النتائج السابقة أثبتت أنهما توجد فیما بین متغیراتهما علاقة تکاملیة طویلة الاجل، ولإن نتیجة الاختبار القیاسی لعمان التی اثبتت وجود استدامة مالیة خلال فترة الدراسة لا تتفق مع نتائج التحلیل البیانی لتوجهات المالیة العامة لعمان کما أوضحنا سابقا، والتی خلصت الى وجود استدامة مالیة فی الفترة الأولی من الدراسة وعدم تحققها فی الفترة الاخیرة ، لذلک قامت الدراسة بإجراء اختبار أخر کان الهدف منه قیاس قوة الاستدامة المالیة للإمارات وعمان، وتحدید اتجاه العلاقة السببیة بین الإیرادات والنفقات بهما.

ولقیاس قوة هذه الاستدامة، ینظر لقیمة المعلمات المستنتجة من معادلة التکامل، فإذا بلغت قیمة هذه المعلمة الواحد الصحیح، فهذا دلیل على وجود استدامة قویة. أما إذا وقعت بین صفر وواحد، فهذا یشیر لحالة ضعیفة من الاستدامة. ولا توجد ثمة استدامة فی حالة انخفاض قیمة المعلمة عن الصفر. وأوضحت الدراسة القیاسیة موقف الاستدامة المالیة فی النموذج الاماراتی، اذ تثبت وجود علاقة تکاملیة طویلة الاجل، تبلغ قیمة هذه العلاقة 0.98، أی أقل من الواحد الصحیح. وتشیر هذه النتیجة لوجود استدامة فوق متوسطة وفق القید الزمنی للمیزانیة، اذ تقترب قیمتها من الواحد الصحیح، وهو ما یتفق مع التحلیل البیانی السابق لتطور سلسلتی الایرادات والنفقات فی الامارات فی الشکل (3) ،أما فی النموذج العمانی فقد توصل التحلیل البیانی الی صعوبة وضع مؤشر مبدئی عن قدرة سلطنة عمان على تحقیق استدامة مالیة من عدمه للفترة کاملة فجزء من تحلیل توجهات المالیة العامة اکد علی وجود تناظر بین سلسلتی الایرادات والنفقات وجزء أخر أوضح عدم وجود علاقة تناظر، لذلک تم اجراء الاختبارات القیاسیة، والتی توصلت إلى وجود علاقة تکاملیة طویلة الاجل. وتبلغ قیمة هذه العلاقة 0.77، أی أقل من الواحد الصحیح. وتشیر هذه النتیجة لوجود استدامة فوق متوسطة أیضا فی عمان وفق القید الزمنی للمیزانیة، اذ تقترب قیمتها من الواحد الصحیح.

فیما یخص اختبار السببیة بین متغیرات النموذج، فأکدت نتائج اختبار السببیة على أن الإیرادات العامة هی التی تسبب النفقات العامة فی التجربة الإماراتیة، فی حین ان النفقات العامة لا تسبب الإیرادات العامة فی نفس التجربة. أما فی التجربة العمانیة، وبالرغم من وجود تکامل مشترک بین النفقات العامة والإیرادات العامة خلال الاجل الطویل فی الفترة 1999: 2017، فلم تتمکن اختبارات السببیة من التأکید على وجود علاقة سببیة واضحة بین هذین المتغیرین فی ذات الاجل.

(6-3)   نتائج اختبار فروض الدراسة:

فی ضوء التحلیل السابق، تبین وجود علاقة تکاملیة مقبولة إحصائیا فی الأجل الطویل بین النفقات العامة والإیرادات العامة فی کلا من الامارات وعمان، وعدم وجود علاقة بین نفس المتغیرین فی الکویت والبحرین. والجدول التالی یوضح ملخص اختبار الدراسة لفرضیاتها:

الفرضیة

نتائج تحلیل توجهات المالیة العامة لسلسلتی الإیرادات والنفقات

نتائج الاختبار القیاسی

1)      فی الدول النفطیة، وخاصة الدول التی تشهد ترکز فی الایرادات النفطیة، تقل فرصها فی تحقیق الاستدامة المالیة.

 

أظهرت نتائج التحلیل وجود تناظر غیر مستمر بین النفقات العامة والإیرادات العامة فی البحرین والکویت، وهو ما یثبت صحة الفرضیة لان کلا الدولتین بهما ترکز فی الایرادات النفطیة، ولکن أثبتت الدراسة أن هناک تناظر واضح بین توجه کل من النفقات العامة والإیرادات العامة فی الإمارات، خلال فترة الدراسة، وذلک کما أوضحنا بسبب نجاح الامارات فی تنویع مصادر الایرادات بخلاف النفط، کذلک أوضح تحلیل توجهات المالیة العامة تناظر شبه مستمر (والذی یصل لدرجة التطابق) بین توجهات الانفاق العام والإیرادات العامة فی عمان خلال الفترة الأولی فقط من الدراسة 1999: 2015 وعدم وجود هذا التناظر خلال الفترة الأخیرة 2015: 2017، وبالتالی لم یتم تحدید وضع الاستدامة المالیة فی عمان وتم انتظار نتائج الاختبارات القیاسیة.

أثبتت نتائج النماذج القیاسیة للأربع دول، عدم وجود استدامة مالیة لکل من البحرین والکویت، وهو ما یتفق مع نتائج تحلیل توجهات المالیة العامة ویثبت صحة فرضیة الدراسة، کذلک توصلت نتائج الاختبارات القیاسیة إلی وجود علاقة تکاملیة بین الإیرادات والنفقات فی الإمارات وهو أیضا ما یتفق مع نتائج تحلیل توجهات المالیة العامة، وکذلک أوضحت نتائج الاختبارات القیاسیة تحقق الاستدامة فی عمان وهو ما یتفق مع تحلیل توجهات المالیة العامة للفترة 1999: 2015 فقط ، أی وجود استدامة فی کل من الامارات وعمان فقط، ولکن استدامة متوسطة ولیست قویة، أی أن الدراسة القیاسیة أثبتت صحة الفرضیة.

2)      فی الدول النفطیة، تحدد الإیرادات النفطیة ولیس النفقات وضعیة الاستدامة المالیة.

اکدت نتائج تحلیل توجهات المالیة العامة صحة الفرضیة الثانیة للدراسة، فأکدت أن هناک تشابه واضح بین التوجهات العامة فی المالیة العامة فی دول العینة الخلیجیة مع التغیر فی سوق النفط العالمی، وبما یعنی سیطرة الإیرادات النفطیة على الاتجاهات العامة فی مالیة تلک الدول. وأشارت نتائج التحلیل  أن السیاسة المالیة فی دول العینة تعتمد على الإیرادات النفطیة لرسم خطط الانفاق العام. فعندما تتوسع الإیرادات النفطیة، تنمو فی المقابل النفقات العامة للدولة،

أکدت نتائج اختبار اتجاه السببیة بین سلسلتی الإیرادات والنفقات لکل من الامارات وعمان، أن الإیرادات العامة هی التی تسبب النفقات العامة فی التجربة الإماراتیة أی أن الفرضیة صحیحة ولکن فی التجربة العمانیة فلم تتمکن اختبارات السببیة من التأکید على وجود علاقة سببیة واضحة بین هذین المتغیرین فی ذات الاجل.

6-     الخاتمة والتوصیات:

استهدفت الدراسة تقییم الاستدامة المالیة فی الدول النفطیة بالتطبیق على عدد من دول مجلس التعاون الخلیجی وهم کل من عمان، الإمارات، البحرین، الکویت خلال الفترة (1999: 2017)، وقد بدأت الدراسة بتعریف الاستدامة المالیة، ومؤشراتها، وأهم الطرق القیاسیة المستخدمة فی الدراسات السابقة لتقییم الاستدامة المالیة من خلال مراجعة الأدبیات التی اختبرت تحقق الاستدامة المالیة فی الدول النفطیة، وخلصت الدراسة من مراجعة الأدبیات إلی وضع الفرضیات التی تم اختبارها وهم ، ترکز الإیرادات العامة فی الإیرادات النفطیة یقلل من فرص الدولة فی تحقیق الاستدامة المالیة، کذلک إن الاستدامة المالیة بها تکون من الإیرادات إلى النفقات ولیس العکس، ولاختبار صحة تلک الفرضیات، وبالاعتماد على تحلیل بیانات المالیة العامة، عرضت الدراسة توجهات المالیة العامة لدول مجلس التعاون الخلیجی مجتمعة ثم لکل دولة منفردة مع الترکیز على دراسة أثر الصدمة الأخیرة لانخفاض سعر النفط فی 2015، وکانت نتیجة هذا التحلیل أن الإمارات فقط هی التی استطاعت التغلب علی صدمة تخفیض سعر النفط ولم تؤثر الصدمة على استقرارها المالی، بینما کانت للصدمة أثار سیئة على الثلاثة دول الأخرى بدرجات مختلفة، ، وذلک بالاعتماد علی  اختبار تناظر سلسلتی الایرادات العامة والنفقات العامة بیانیا لکل دولة منفصلة تمهیدا لاختبارها قیاسیا باستخدام اختبار التکامل المشترک لجوهانسن ومتجه تصحیح الخطأ لنموذج القید الزمنی للمیزانیة، و توصلت الدراسة إلى عدم وجود استدامة مالیة فی کلاً من الکویت، والبحرین، وهو ما یدعم التحلیل الأولی لتوجهات المالیة العامة بهم الذى قامت به الدراسة، بینما توصلت إلى وجود استدامة مالیة متوسطة بین الإیرادات والنفقات فی کلاً من الامارات وعمان ، وبالنسبة للإمارات فکانت تلک النتیجة متسقة مع تحلیل توجهات المالیة العامة بها الذى قامت به الدراسة، أما عمان فکانت تلک النتیجة غیر متسقة مع نتائج التحلیل الأولی وهو ما قد یفسر عدم معنویة النموذج الخاص بها، کذلک توصلت نتائج اختبار السببیة فی الأجل الطویل فی الامارات إلى إن العلاقة بین طرفی القید الزمنی للمیزانیة تأتی من الإیرادات العامة للنفقات العامة، مما یعنی تأثر النفقات العامة بالتطورات فی الإیرادات العامة، ولیس العکس، أما فی التجربة العمانیة، فلم تتمکن اختبارات السببیة من التأکید على وجود علاقة سببیة واضحة بین هذین المتغیرین فی ذات الأجل. وعلى ضوء تلک النتائج، تحاول الدراسة تقدیم عدد من التوصیات للدول النفطیة النامیة التی تشهد ترکز فی الایرادات النفطیة، لتعزیز فرصها فی تحقیق الاستدامة المالیة مستقبلاً.

حیث أن المسار المتعرج لأسعار النفط یشکل تحدیاً خطیرا یواجه معظم البلدان النفطیة منذ عقود، نظراً لارتباط جهود التنمیة الاقتصادیة بها بتدفقات المورد النفطی، والمرتبط اساساً بعوامل خارجیة متعددة تحکم اتجاه اسواق النفط الخام. لذلک فقد تم الرکون الى سیاسات اقتصادیة متعددة للتصدی لصدمات أسعار النفط فی هذه البلدان، الا انها لم تخرج عن إطار ردود الافعال بدلاً من ابتکار سیاسات اقتصادیة مستدامة معدة للوقایة من الصدمات ومصممة اساساً لاستباق الازمات. وفی هذا السیاق، یلزم الهبوط المزمن لأسعار النفط الى دون المستویات التی تطبعت علیها موازنات الدول النفطیة، الى اعادة هیکلة وتصمیم المالیة العامة لعزل تقلبات اسعار النفط عن المشهد المالی والاقتصادی لصالح الانسجام والتناغم مع الضرورات الاقتصادیة الوطنیة وخطط التنمیة والاستقرار الاقتصادی، فالواقع النفطی الجدید یلزم کافة البلدان النفطیة، وخاصة دول الخلیج العربی على اتباع جملة من الخطوات الهادفة الى تحقیق الاستدامة المالیة وفک الارتباط القائم بین عناصر الموازنة العامة وتقلبات اسعار النفط الخام، وهذا ما بدأ یحدث بالفعل فی البحرین والکویت حیث أن الکویت وضعت برنامج وطنی للاستدامة المالیة والاقتصادیة ، والمحدد المدة بخمس سنوات، من 2017: 2021 و یهدف الی ضبط المیزانیة العامة للدولة والسیطرة على المصروفات والنفقات الحکومیة، وتنویع مصادر الإیرادات العامة بعیداً عن القطاع النفطی ویحافظ على سقف العجز عند 3 ملیارات دینار سنة 2021 ، وکذلک یعمل على إعادة هیکلة القطاعات الانتاجیة بأن یصبح القطاع الخاص غیر النفطی یشکل 58% من الناتج المحلی بحلول 2021، ویزید من تنافسیة القطاع الخاص، وفی نفس الوقت یحافظ علی المستوى المعیشی للمواطن، وهو مالا یمکن تقییم نتائجه فی الوقت الحالی وانما قد یکون هو الهدف من دراسة تالیة لتلک الدراسة.

کذلک البحرین دخلت فی برنامج توازن مالی سنة 2018 تسهم فیه السعودیة والکویت والامارات بعشرة ملیارات دولار لتعزیز الاستقرار المالی فی مملکة البحرین، ویهدف إلی تحقیق التوازن بین المصروفات والإیرادات الحکومیة بحلول عام2022، ویعید هیکلة المصروفات، ویعمل علی زیادة مساهمة القطاع غیر النفطی فی الاقتصاد ویقلل من ترکز الإیرادات فی الإیرادات النفطیة، وهو أیضا ما یصعب تقییمه فی الوقت الحالی، ولکن یمکن وضع عدد من التوصیات لتحقق تلک البرامج المستهدف منها فی تحقیق الاستدامة المالیة کالتالی: أن تطور کل من الکویت والبحرین قاعدة مالیة لإدارة المیزان المالی الأساسی غیر النفطی (الإیرادات والنفقات غیر النفطیة)، بما یسمح لها بتخفیض نسبة الدین إلى الناتج المحلی الإجمالی غیر النفطی، ثم استهداف العجز الاولی غیر النفطی فی تقییم الاداء المالی، کونه یعزل قرارات الانفاق عن التقلبات المستمرة لعائدات النفط الخام، وبالتالی ضمان التوافق بین الاستدامة المالیة طویلة الاجل مع تحقیق العدالة بین الاجیال فی الاستفادة من الثروة النفطیة، و ذلک بإدخال معیار لقیاس نصیب الفرد من الدخل النفطی وتثبیته عبر الزمن، وبما یسمح بالإنصاف بین الأجیال، و إنشاء صندوق للادخار النفطی (صندوق ثروة سیادیة)، واستثماره بطریقة ملائمة، لحمایة تلک الثروة من التبدد، وسیتحقق ذلک بأن یستوعب إطار السیاسات المالیة لکل منهم الخصائص الاقتصادیة لها، من حیث الهیکل الاقتصادی وحجم الاحتیاطیات النفطیة ونظم اسعار الصرف، استخدام القواعد المالیة فی تحقیق الاستقرار الاقتصادی والمالی بهم، وذلک عبر الاستعانة بالنماذج الاقتصادیة المطورة خصیصاً لهذا الغرض من نحو فرضیة الدخل الدائم ومنهج الرصید الهیکلی وقاعدة التوازن العام العشوائی، والتی تُعتمد طبقاً للخصائص الاقتصادیة لکل بلد، فاستمرار التقلبات الحادة فی أسعار النفط الخام عنصر حاسم فی تصمیم أطر مالیة جدیدة تعتمد على المصدات المالیة الوقائیة فی امتصاص وتلطیف التذبذبات الحادة وموجات التقلب السعری لأجل الحفاظ على مستویات مستقرة من الانفاق الحکومی وتفادی الانزلاق صوب أزمات اقتصادیة ومالیة جدیدة.

 کذلک من المهم تعزیز کفاءة سیاسات الانفاق العام وتفعیل برامج الاصلاح الضریبی وتعبئة الإیرادات المحلیة وذلک کشرط ضروری فی تحقیق الاستدامة المالیة طویلة الاجل فی الکویت والبحرین وتحقیق العدالة بین الاجیال فی الاستفادة من الموارد الطبیعیة الناضبة، تفعیل دور الاسواق المالیة کرافد رئیسی لتمویل احتیاجات الحکومة الطارئة وتسویق اصدارات السندات العامة بأقل کلفة ممکنة ولآجال قصیرة ومتوسطة، کذلک یُلزم تحقیق الاستدامة المالیة فی کل منهم التنسیق المحکم بین سیاسات البنک المرکزی (الادوات النقدیة) وسیاسات الحکومة ووزارة المالیة (الادوات المالیة)، نظرا لطبیعة الترابط والتلازم بین العجوزات المالیة العامة ومعدلات الاحتیاطی الاجنبی لدى البنک المرکزی فی ظل اعتماد نظام الصرف المدار الذی تتبعه معظم دول الخلیج العربی.