السياسة الخارجية والأمن القومي المصري.. حدود العلاقة في الفکر والممارسة

نوع المستند : مقالات سیاسیة واقتصادیة

المؤلف

باحث دکتوراة

المستخلص

ملخص باللغة العربية:
إذا ما کانت السياسة الخارجية هي أحد أعمدة الدولة في الخارج والمعبر عن رؤيتها وأهدافها بل وبرامجها وطموحاتها؛ فإن تلک السياسة تستهدف کذلک حماية مقدرات الدولة وإن صح التعبير أمنها القومي، وبالتالي فإن أحد محددات السياسة الخارجية لأي دولة وعلى وجه التحديد السياسة الخارجية المصرية هو حماية الأمن القومي للدولة وذلک من خلال الصلاحيات المبرمة لها وفقًا للمؤسسات التشريعية والقانونية وعلى رأسها دستور الدولة.
ومن هذا المقام سيسلط الباحث الضوء في هذا الموضع على الأمن القومي في السياسة الخارجية المصرية وذلک من خلال التطرق أولًا لمفهوم الأمن القومي وعناصره ناهيک عن محددات الأمن القومي المصري، ثم التطرق إلى محددات السياسة الخارجية المصرية والتي أحد عناصرها الأمن القومي ثم التطرق لثوابت تلک السياسة ومنه لرصد العلاقة الجوهرية بين الأمن القومي المصري وسياسته الخارجية، لذا تم تقسيم هذا البحث إلى محورين، يأتي أولها لتسليط الضوء على الأمن القومي المصري ومحدداته بالإضافة إلى نطاقاته ودوائره ثم لمهددات الأمن القومي المصري، في حين يأتي المحور الثاني للتطرق إلى السياسة الخارجية المصرية من خلال رصد ثوابتها وأهدافها وموقع الأمن القومي من أولوياتها.

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية


 

- المحور الأول: محددات الأمن القومی المصری:

 البند الأول: مفهوم الأمن القومی، أبعاده، خصائصه.

 البند الثانی: نطاقات ووسائل تحقیق الأمن القومی.

 البند الثالث: محددات، مهددات الأمن القومی المصری.

- المحور الثانی: السیاسة الخارجیة المصریة والأمن القومی.

 البند الأول: السیاسة الخارجیة والأمن القومی.

 البند الثانی: أهداف السیاسة الخارجیة المصریة.

 البند الثالث: محددات السیاسة الخارجیة المصریة" الأمن القومی المصری أحد دوائرها".

المحور الأول: محددات الأمن القومی المصری:

تستهدف أی دولة حمایة أمنها وذلک رغبة فی تحقیق الاستقرار والتنمیة وبالتالی فإنها تعمل جاهدة من خلال مؤسساتها على أن تحمی کافة مقدراتها من أجل تحقیق ذلک الهدف، وهذا ما یمکن أن یطلق علیه الأمن القومی لأی دولة کونه یشکل الأساس للدولة کافة وفی حال الاعتداء علیه فإنه یهدد عملیة التنمیة والاستقرار، ولأن هذا المصطلح یعد غامضًا على نحو ما، فإن هدف الباحث فی هذا الموضع أن یکشف الغموض عنه وذلک من خلال التطرق له من کافة جوانبه ورصد حیثیاته ومدى ارتباطه بالسیاسة الخارجیة لأی دولة، ومن ثم بالإسقاط على الأمن القومی المصری وذلک من أجل رصد محدداته ومهدداته کذلک.

وعلیه یأتی هذا المحور لیسلط الضوء أکثر ما یسلط على ظاهرة الأمن القومی، وذلک من

 

 

 

خلال العناصر التالیة:

 البند الأول: مفهوم الأمن القومی، أبعاده، خصائصه.

 البند الثانی: نطاقات، ووسائل تحقیق الأمن القومی.

 البند الثالث: محددات، مهددات الأمن القومی المصری.

وذلک کما یلی بیانه وتفصیله فی الورقات القلیلة القادمة.

 البند الأول: مفهوم الأمن القومی، أبعاده، خصائصه:

أولاً: مفهوم الأمن القومی:

یتحتم أولًا التطرق لما تعنیه کلمة "الأمن"؛ حیث تشیر إلى السلام والأمن والاستقرار ناهیک عن عوامل واشتراطات سلامة ورفاهیة المجتمع والتی یتعین أن تتسم بالاستمراریة والدیمومة، ولضمان تحقیق هذا الهدف یتعین أن یتم تلافی کافة المخاطر والمهددات التی قد تعرقل عملیة تحقیقه، وفی منحى آخر یعد مفهوم الأمن هو مطلب جماعی لکافة الأفراد والمجتمعات وعلى أساسه تتشکل أهداف وخطط المجتمعات والأنظمة الحاکمة لها، فتحت هذا البند تسیر الاستراتیجیات الخاصة بالدول وخاصة المرتبط منها بسیاستها الخارجیة وخاصة أن الأمم والشعوب عادة ما تمیل لنحو الاستقرار والأمن بعیدًا عن القلاقل والاضطرابات، وبات من ضمن الحاجات والمتطلبات الخاصة بالشعوب بل ومتقدمًا عن أغلب الاحتیاجات وخاصة أنه لا یمکن تأمین حیاة کریمة للفرد من دون تواجد البیئة الآمنة والمستقرة لتحقیق ذلک. ( )

ثانیًا عن مفهوم الأمن القومی؛

وتجدر الإشارة إلى أن مفهوم الأمن القومی جاء استخدامه على نحو أکثر اتساعًا عقب انتهاء الحرب العالمیة الثانیة على الرغم من أن البوادر الأولى لنشأته کانت عام 1648م، وتحدیدًا فی القرن السابع عشر عقب معاهدة "ویستفالیا" التی أرخت لنشان الدولة القومیة ومنه للأمن القومی الخاص بها، کما أن الحقبة التی شهدت الحرب الباردة بین القطبین العسکریین الشرقی والغربی جاءت لتشهد على المحاولات الجادة لصیاغة المقاربات النظریة بشأن هذا المصطلح،( ) وعلى هذا الإطار تعددت المحاولات النظریة لإضفاء تعریف وافی لهذا المصطلح فمنها من اقتصر تعریفه على الجانب العسکری فقط وآخرین تطرقوا له من مختلف الجوانب ولعل من أبرزها؛

تعریف "والتر لیبمان" الذی یرى أن الأمة الآمنة التی لا تتعرض لمخاطر تهدد بالتضحیة بالمقدرات والقیم الأساسیة للمجتمع وهو الأمر الذی یتحقق من خلال الدخول فی الحروب والانتصار بها من أجل ضمان عدم تهدید المجتمع وأمنه، کما اعتبره هانز مرجانثو" بأنه یساهم فی حمایة الوحدة الوطنیة للإقلیم ومؤسساته، وفی هذین التعریفین تم التطرق لهذا المصطلح من الشق العسکری الذی یعنی حمایة مقدرات وقیم المجتمع وذلک من خلال القوة المسلحة فقط، ولکن على الجانب الآخر هنالک من تطرق للمصطلح من مختلف الجوانب ولعل أبرز التعریفات التی تطرقت لها؛ تعریف "أرنولد وولفز" حیث عرفه موضوعیًا باعتباره یرتبط بغیاب التهدیدات ضد القیم الجوهریة والمکتسبة، أما ذاتیًا الخوف من أن تتعرض تلک القیم والمقدرات للخطر أو التهدید، بینما نرى أن "باری بوزان" یعتبره قدرة الدول ممثلاً فی مجتمعاتها على الحفاظ على مقدراتها وکیانها المستقل وتماسکها الوظیفی الذی یخولها القیام بمهامها.( )

وإذا نظرنا إلى تعریف "روبرت مکنمارا" نجد أنه حاول بقدر الإمکان عدم اقتصار التعریف على الجانب العسکری فحسب، ولذا فقد عرفه بأنه لیس المعدات العسکریة وإن کان یتضمنه ولا حتى الأنشطة العسکریة وإن یشملها، وإنما یعنی التنمیة وبدون التنمیة لن یتحقق الأمن حیث أنه إذا لم تتواجد التنمیة حتى وإن کانت فی أدنى مستویاتها فلن یتحقق الأمن والاستقرار للمجتمعات، کما عرفه "أمین هویدی" بأنه کافة الإجراءات التی تتخذها الدولة من أجل أن تحافظ على کیانها وتؤمن استمرار مصالحها القومیة حاضرًا والتخطیط لاستمراریتها مستقبلاً، کما عرفه "علی الدین هلال" باعتباره تامین کیان الدولة ضد المخاطر التی تحیط بها داخلیًا وخارجیًا هذا بالإضافة لسبل تأمین مصالحها وما یتطلبه ذلک من تهیئة الظروف اجتماعیًا واقتصادیًا وذلک من أجل تحقیق الرضا العام وتأمین الاستقرار للمجتمع، وعلیه یمکن تعریف الأمن القومی باعتباره مجموعة البرامج والسیاسات بل والإجراءات التی تنتهجها الدولة من أجل تأمین مصالحها فی الداخل والخارج وذلک بغیة تحقیق الطموحات والأهداف وذلک من أجل مجتمع مستقر وآمن بعیدًا عن الاضطرابات والصراعات کما أنها تتضمن کذلک التدابیر المتخذة من أجل الدفاع عن الدولة ضد أی مخاطر قد تتعرض لها بل والتصدی لها کذلک.( )

ومما سبق یمکن الإشارة إلى مفهوم الأمن القومی باعتباره کافة الوسائل والمنهجیات التی تتبعها الدولة من أجل تأمین وحمایة مصالح الدولة على صعید الداخل أو حتى خارج حدود الدولة بما یتطلبه ذلک من تطویع مختلف الهیاکل والمؤسسات بها مع الإمکانیات والمقدرات المتاحة من أجل ذلک الهدف.

 

ثانیًا: أبعاد الأمن القومی:

عند تناول مفهوم الامن القومی اتضح أنه یشمل تأمین وحمایة کافة مصالح الدولة سواء کانت عسکریة أو غیر عسکریة، لذا یمکن تقسیم أبعاد الأمن القومی إلى خمسة أبعاد؛ البعد العسکری، الاقتصادی، الاجتماعی، الثقافی، وأخیرًا البعد السیاسی، وسیلی تناولها على النحو التالی:

1. البعد العسکری: من أجل أن تحمی الدولة حدودها ومصالحها الداخلیة والخارجیة یتعین أن یتوفر بعد عسکری غایة فی القوة بما یتضمنه من بناء القدرة العسکریة للدولة وذلک لتحقیق التوازن الاستراتیجی العسکری من خلال التوازن بین المقدرات العسکریة وأفراد القوات المسلحة وحتى على صعید الاتفاقیات العسکریة التی تستهدف التحالفات العسکریة أو حتى أنظمة الدفاع المشترکة، ناهیک عن القدرة والکفاءة التی یتعین أن تتوافر بین القوات المسلحة بالإضافة لدرجة الاستعداد التی تتطلب أن تکون فی أقصى قدرة لها وذلک لمجابهة أی مخاطر قد تطرأ فجأة وتهدد أمن أی دولة، کما سبق أن أشار الباحث أن القوة العسکریة هی أداة فعالة من أدوات السیاسة الخارجیة للدولة لأنها تضمن لها الفاعلیة الدولیة وتیسر من عملیة تحقیق البرامج والطموحات الخاصة بأی دولة.( )

2. البعد السیاسی: یتضمن هذا البعد النظام السیاسی للدولة بما یشمله ذلک من تحدید هویة الأنظمة السیاسیة والسیاسات التی تعمل من خلالها الدولة ناهیک عن التحالفات السیاسیة وحتى التنظیم الدولی وما إلى ذلک، کما أنه ینقسم بدوره إلى بعدین أولهما داخلی یتطرق من خلاله إلى رصد التماسک الداخلی اجتماعیًا وثقافیًا وحتى على الصعید السیاسی بین مختلف النخب، ثانیهما البعد الخارجی والذی یتضمن النظر إلى توازنات القوى وخاصة فی ظل تضارب المصالح بین الدول وسعی کل دولة لأن تحقق مصالحها على حساب أمن واستقرار الشعوب الأخرى وذلک من خلال مطامعها وما إلى ذلک.

3. البعد الاقتصادی: یشمل هذا البعد کل ما یرتبط بالجانب الاقتصادی والهدف من عملیة التنمیة لتحقیق الرفاهیة وتأمین الحیاة الکریمة لأفراد الدولة وذلک من خلال الوسائل الاقتصادیة والتکنولوجیة المتباینة والتی تستهدف التبادل التجاری والسلعی وذلک من أجل تحریک المؤشرات الاقتصادیة هذا بالإضافة إلى اتفاقیات التبادل المشترکة بین الدول بما تتضمنه من انتقال لحرکات رؤوس الأموال والسلع بالإضافة لانتقال التکنولوجیا المرتبطة بعملیات التصنیع.

4. البعد الاجتماعی والثقافی: یشمل هذا البعد التطرق إلى الجوانب الاجتماعیة والتی تستهدف عملیة تنمیة الشعور بالولاء والانتماء للوطن، هذا بالإضافة إلى عملیة احتواء الاختلافات والتباینات العرقیة والاثنیة، ناهیک عن عملیات الإحصاء وذلک من أجل أن یتم رصد کافة الطبقات والفروق المجتمعیة وذلک من أجل برامج التضامن الاجتماعی التی تستهدف حمایة الأفراد التی تقبع فی دائرة الفقر وذلک من أجل تحقیق التوازن المجتمعی وذلک استهدافًا لتحقیق الرفاهیة والاستقرار للأفراد والشعوب وتقلیل المعاناة الاجتماعیة قدر الإمکان، أما عن البعد الثقافی؛ یأتی هذا البعد لیصب اهتمامه على الإنسان وحتمیة ثقل مهاراته وتنمیة وعیه المجتمعی هذا بالإضافة إلى العمل على نشر ثقافة وحضارة الدولة داخلیًا وخارجیًا وذلک کأحد أدوات القوة الناعمة، ومنه للحفاظ على العادات والتقالید والموروثات الثقافیة ناهیک عن حریة المعتقد والتفکیر التی تضمنها الدولة للأفراد دون المساس بالآخرین، وبالتالی الهدف من هذا البعد هو الوعی الثقافی لأفراد المتجمع ونشر ثقافة الدولة وحضارتها فی الخارج من أجل أن یعود بالنفع على الدولة وخاصة فی مجال السیاحة وغیرها.( )

5. البعد البیئی: یستهدف حمایة البیئة من مخاطر التلوث وما قد یسببه من تهدیدات جمة للحیاة سواء للإنسان أو حتى کمهدد لانقراض السلالات الحیوانیة النادرة، هذا بالإضافة إلى تلافی الانبعاثات الضارة والنفایات السامة الناتجة عن عملیات التصنیع والتنقیب عن المواد البترولیة، وأخیرًا المسئولیة الکاملة لخلق بیئة صحیة متکاملة غیر ملوثة تلافیًا للأمراض المهددة لحیاة الإنسان والتی قد تنتهی بأوبئة تهدد بانقراض نسله.

ثالثًا: خصائص الأمن القومی:

یمکن رصد العدید من الخصائص التی یتضمنها مفهوم الامن القومی ولکن بعد الحصر والتدقیق تبین أن هنالک خصائص محددة یمکن اطلاقه على الأمن القومی، ولعل من أبرزها، الترکیب، التکامل، الدینامیکیة، الشمول، غیر مطلق، التنوع، الثبات، وسیلی تناولها إیجازًا على النحو الآتی؛

أولاً: خاصیة التکامل: فیُعنى بها أن الأمن القومی لا یتجزأ بل أنه منظومة کلیة متکاملة لا تقبل التجزئة، فلا یمکن أن یطلق على المحددات والعناصر الداخلیة أنها المشکلة للأمن القومی فقط بل أن یشمل کذلک النسق الدولی والإقلیمی بما یتضمنه من تفاعلات وتباینات، فلا یمکن النظر لما یطلق علیه أمن قومی محلی دونما النظر للأمن القومی الإقلیمی وبالضرورة الأمن القومی العالمی، وبالتالی التکامل یعنی جزء لا یمکن التعبیر عنه إلا فی حیز ونطاق ودائرة الکل، ثانیًا خاصیة الدینامیکیة؛ تعنی أنه فی حالة دائمة من التطور والتغیر وفقًا للتقلبات والتطورات بل والمتغیرات فی الأوضاع الداخلیة والخارجیة، فهو یتمیز بالاستمراریة فی عملیة التطور، أما الحالة التی یمکن القلق بشأنها وتنم عن معدل خطر هی التی تشیر إلى عدم التطور أی الثبوت وعدم التغیر، لذا الدینامیکیة تعنی التغیر المستمر وفقًا للتغیر المستمر فی موازین التفاعل الدولیة والإقلیمیة والمحلیة،

 ثالثًا خاصیة کونه غیر مطلق؛ تعنی هذه الخاصیة أن الأمن القومی هو نسبی وغیر مطلق أی أنه لیس جامدًا بل أنه یتمتع بقدر من المرونة التی تتیح عملیة التخطیط المستمر والمتابعة بل والتعدیل والتغییر المستمر للاستراتیجیات المرتبطة به وذلک من أجل عملیات التطویر وتحسین الهیکل الخاص بکل بعد من أبعاده.( )

 رابعًا خاصیة الشمول؛ تعنی أنه غیر قاصر على مجال أو اختصاص بعینه مسبقًا فقد کان یتم الإشارة فقط للجانب العسکری باعتباره الأمن القومی لکن حالیًا یشمل الأمن القومی کافة الجوانب السیاسیة والاقتصادیة والعسکریة والثقافیة سواء على صعید الداخل أو حتى خارج نطاق وحدود الدولة، خامسًا خاصیة الترکیب؛ تشیر تلک الخاصیة إلى أن الأمن القومی مفهوم مرکب یشتمل على بعدین أحدهما موجه للداخل بما یشمله ویتضمنه من أوضاع وأهداف والآخر خارجی یتضمن التفاعلات الدولیة والإقلیمیة فی البیئة الدولیة والإقلیمیة، والتی یجتمع بها المصالح والأهداف والطموحات المتباینة، کما أن تلک الخاصیة تعنی کذلک ناتج اتحاد المقاربات والدراسات العلمیة أی النظریة بالإضافة للتطبیق العملی والفعلی، سادسًا عن خاصیة التنوع؛ تشیر تلک الخاصیة إلى أن الثبات على صعید القیم والأسس النظریة للمفهوم لا یمکن بأی حال من الأحوال أن یغض الطرف عن التنوع الذی یشمله المفهوم على صعید الصیغ الخاص به والسیاسات التطبیقیة المرتبطة به فی الدول، حیث أن الصیاغات المرتبطة بمفهومه والسیاسات الأخرى التطبیقیة الخاصة به محکومة بخصائص الدولة وتقدیراتها وخصائصها ومنه بحجم التهدیدات التی تمر بها وبالوصول إلى تفاعلاتها مع البیئة الإقلیمیة والدولیة، سابعًا عن خاصیة الثبات؛ تعنی أن مفهوم الأمن القومی یتسم بالثبات على صعید القیم والأسس النظریة التی تشکله فبالرغم من التطور والتغیر فی الظروف المحیطة به وبالتالی السیاسات والاستراتیجیات إلا أن هنالک ثوابت وقیم جوهریة للأمن القومی لا یمکن المساس بها.( )

 البند الثانی: نطاقات ووسائل تحقیق الأمن القومی:

یأتی هذا البند لیسلط الباحث من خلاله الضوء على نطاقات الأمن القومی التی تتراوح ما بین داخلی، ومباشر بالإضافة إلى الإقلیمی والمحلی، ثم ینتقل الباحث للموضع الآخر الذی سیسلط من خلاله الضوء على وسائل تحقیق الأمن القومی، وعلیه یمکن التطرق لها على النحو التالی:

أولاً: نطاقات الأمن القومی:

یمکن تشریح نطاقات الأمن القومی إلى نطاق الأمن الداخلی، نطاق الأمن المباشر، نطاق أمن إقلیمی، حزام أمن للنطاق الإقلیمی، نطاق أمن عالمی، ویمکن تناولها على النحو الآتی؛

1. نطاق الأمن الداخلی: یُعد أحد أهم نطاقات الأمن القومی إن لم یکن أهمها وذلک کونه یتضمن التشریح الداخلی للدولة سواء على صعید العامل الجغرافی بما یتضمنه من الأرض أو حتى على صعید العامل البشری باعتباره قوة لا یستهان بفاعلیتها، کما تسعى مختلف الهیاکل والمؤسسات داخل محیط الدولة لتأمین استقرارها ورفاهیتها وذلک لأنها جوهر الأمن القومی کما أنه تقع فی داخله مختلف عملیات التنمیة السیاسیة والاقتصادیة التی تشکل کیان وهیکل الدولة بل وعماد تَشَکُل قواها الحیویة.

2. نطاق الأمن المباشر: یحتل هذا النطاق المرتبة التالیة لنطاق الأمن الداخلی کونه یرتبط أکثر ما یرتبط بالدولة الملاصقة للدولة أی التی یجمعها حدود مشترکة أی متاخمة للدولة المستهدفة، وبالتالی فهو نطاق أمنی حساس للغایة کونه یتعلق بمن یحیط بمناطق سیادة الدولة وبالتالی یقع عبء کبیر للغایة على الدولة أن تؤمن وتحمی هذا النطاق لأنه فی حال حدوث أی ظرفیة تنم عن اضطرابات فی تلک المناطق بأنها تهدد الأمن القومی للدولة على نحو مباشر.

3. نطاق أمن إقلیمی: وهذا النطاق یلی فی الأهمیة نطاق الأمن المباشر کونه یشمل الدول غیر الملاصقة أو المتاخمة للدولة أی الدول التی تقع فی نطاق الإقلیم الذی یضم الدول ویجمع بینها علاقات جْل متباینة وتنسیق استراتیجی غایة الأهمیة، لذا فهی تمس بدرجة أو بأخرى مصالح الدولة الوطنیة، وبالتالی هی الدول کافة التی تقع فی نطاق الإقلیم الذی تنتمی له الدولة.

4. حزام أمنی للنطاق الإقلیمی: یلی هذا النطاق فی الأهمیة النطاق الإقلیمی کونه یرتبط بالدول التی یجمعها حدود مشترکة مع دول النطاق الإقلیمی وبالتالی هذا الحزام الأمنی لا یضم دول الإقلیم کافة بل أنه یضم فقط الدول التی یجمعها حدود مشترکة مع دول النطاق الإقلیمی وذلک کونها تؤثر على نطاق الأمن القومی بنحو أو بآخر.

5. نطاق أمن عالمی: یضم هذا النطاق مختلف دول العالم والتی یربطها بالدولة علاقات اقتصادیة، دبلوماسیة، عسکریة، ثقافیة، وحتى سیاسیة، وذلک من أجل استمرار تحقیق مسارات الأمن القومی للدولة، وهذا النطاق یتطلب کذلک حمایة تلک العلاقات بل وإضافة علیها الحفاظ على العلاقات مع مختلف دول العالم أی الوقوف على مسافة واحدة من الجمیع وذلک من أجل ضمان سلمیة علاقاتها وضمان تجنب الوقوع فی علاقات صراعیة.

ثانیًا: وسائل تحقیق الأمن القومی:

یأتی هذا الموضع تحدیدًا لیتم التطرق من خلاله إلى الوسائل التی تحقق أهداف الأمن القومی والتی قد تختلف نسبیًا بشکل أو بآخر من دولة إلى دولة وفقًا لمقدرات وموارد بل وفاعلیة مؤسسات وهیاکل الدول، ولکن بأی توجد وسائل یمکن أن یطلق علیها ثوابت فی أی وحدة دولیة یتحقق من خلالها أبعاد وأهداف الأمن القومی، ویمکن تناولها على النحو التالی:

أولًا الأجهزة الأمنیة والمخابراتیة؛ تعتبر تلک الأجهزة الأساس والجوهر لأی دولة وخاصة فی مجال جمع المعلومات التی تخص أمن الدولة القومی، وبالتالی تلک الأجهزة تعد الأساس والجوهر فی حمایة أمن الدولة وتحقیقها أهدافها بل ورصد أی تهدیدات ومخاطر قد تهدد أمن الدولة وتتخذ تلک الأجهزة أسالیب عدة من أجل جمع المعلومات وعملیات التقصی والتحری الدقیقة فمنها ما یأتی علنًا وآخر ما یأتی سرًا من أجل الکشف عن المخططات التی تُحاک فی الخفاء ضد الدولة فی الداخل أو الخارج ولعل من أهمها أجهزة الشرطة والاستخبارات وأجهزة الأمن الوطنی بالإضافة لمجالس الأمن القومی، ثانیًا القوات المسلحة؛ تُعد من أهم إن لم تکن أهم وسائل تحقیق الأمن القومی للدولة وذلک باعتبارها خط الدفاع الأول عن الدولة وعن حدودها ضد أی انتهاکات مباشرة لها، کما أن امتلاکها لآلیات الردع المباشرة التی تحقق الأمن القومی وخاصة التلویح أو التهدید باستعمال القوة، وبالتالی فإن القوة المسلحة لأی دولة هی العماد الأساسی والجوهری لبقاء أی دولة فی مواجهة الظروف الطارئة أو حتى غیر الطارئة فهی التی تضمن بقاء الدولة فی المؤشر الآمن والمستقر.

 ثالثًا مؤسسات وهیاکل الدولة المختلفة؛ وتتمثل تلک المؤسسات فی الجهات التنفیذیة والتشریعیة والقضائیة وحتى الرقابیة فکل جهة تحتص ببعد أو محدد من محددات الأمن القومی وتعمل على تحقیق أهدافه من خلال الخطط والبرامج والاستراتیجیات التی تستهدفها لتحقیق ذلک بما فیها السیاسات والمشاریع التنمویة الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة وما إلى ذلک، فمثلاً الجهات التنفیذیة هی المخول لها الإشراف على تنفیذ وتطبیق السیاسات التی تعبر عن توجهات الدولة وتطلعاتها وتحمی مصالحها وبرامجها فی الداخل وحتى على صعید الخارج ولعل من أهمها وزارة الخارجیة التی تختص بالشئون الخارجیة، أما عن الجهات التشریعیة فتختص بسن التشریعیات القانونیة التی تشکل الجوهر القانونی للأمن القومی، أما الجهات القضائیة فتختص بالجزء الخاص بتحقیق العدالة الجنائیة وتطبیق القانون ومحاسبة منتهکی القانون فی مختلف القطاعات، وبالتالی تُعد أجهزة الدولة ومؤسساتها من ضمن وسائل تحقیق الأمن القومی لأنه باختصار یمکن القول بأن الأمن القومی عبارة عن الدولة وکیانها مترجمًا فی هیئة برامج وخطط واستراتیجیات طبقًا للأولویة تتقدم إحداها على الأخرى، رابعًا المؤسسات والهیاکل غیر الرسمیة؛ وتتمثل فی الأجهزة غیر الرسمیة ولکنها ضمن المنظومة السیاسیة والاجتماعیة والثقافیة والاجتماعیة ویأتی دورها أو إسهامها بنحو غیر مباشر فمثلاً تعبر الأجهزة الإعلامیة عن أراء العامة وتقدم تقاریرها على هذا الأساس کأحد أسالیب قیاس الرضا العام، ثم المراکز البحثیة والإحصائیة تقوم بتقدیم الدراسات البحثیة فی مختلف المجالات وذلک من أجل استیفاء الجوانب العلمیة وبالتالی دراسات وافیة حول مختلف الظواهر التی تخص أنشطة وأهداف واستراتیجیات الدولة وبالتالی محددات أمنها القومی، کما أن الدراسات الإحصائیة والمیدانیة تساهم بنحو أکثر أهمیة فی تحقیق أهداف الأمن القومی وذلک من خلال الاستبیان بمدى نجاح الدولة فی سیاساتها وبرامجها ومخططاتها، وبالتالی ومما سبق بتضافر تلک القوى والأجهزة التی باجتماعها تشکل عناصر القوة الشاملة للدولة التی تشکل الرکیزة الجوهریة لتحقیق أهداف الأمن القومی.

 البند الثالث: محددات ومهددات الأمن القومی المصری:

بعد التطرق من خلال البند الأول والثانی إلى مفهوم الأمن القومی وتشریح مکوناته بما فیها من أبعاده بالإضافة إلى خصائصه ثم التطرق کذلک الأمر إلى نطاقات الأمن القومی وأخیرًا من خلال وسائل تحقیقه، وبالتالی یأتی هذا البند للإسقاط على الأمن القومی المصری کموضع للتحلیل فی هذا البند من خلال رصد محدداته بالإضافة مهدداته، وعلیه یمکن أولًا تعریف الأمن القومی المصری باعتباره؛ أنه قدرة الدولة المصریة على حمایة مصالحها داخلیًا وخارجیًا بالإضافة لمجابهة التحدیات التی تواجهها داخلیًا وخارجیًا وذلک من خلال قدرتها على تطویع مقدراتها وإمکانیاتها وذلک عن طریق قدرتها على موائمة قوة الدولة الشاملة وتطویعها من أجل تحقیق تلک الأهداف، ولعل من عناصر القوة الشاملة قوتها العسکریة والاقتصادیة بالإضافة للاجتماعیة والثقافیة، وبالتالی فإن عناصر الأمن القومی وتحدیدًا المصری تتحقق من خلال سیادة الدولة على أراضیها، وتنمیة مقدراتها لتحقیق أهدافها، واستمرار بقاء الدولة فی مواجهة الظروف الاستثنائیة.

أولاً: محددات الأمن القومی المصری:

فی البدایة تجدر الإشارة إلى أن محددات الأمن القومی تُقسم بصفة عامة إلى محددات داخلیة وأخرى خارجیة، وبالإسقاط على الداخلیة یتضح أنها تشمل البیئة الداخلیة وما یتشمل بداخلها کالنظام الاجتماعی فی الدولة بالإضافة إلى النظام والهیکل السیاسی للدولة، ناهیک عن المقدرات الاقتصادیة والثقافیة والتاریخیة بالإضافة لتکوین الدولة الجغرافی، أما عن المحددات الخارجیة فتتمثل فی البیئة الدولیة والإقلیمیة وما یصدر عنها، کما أنها تعنی من جانب آخر انعکاس واتساق الدولة مع حیطها الداخلی ومدى تفاعلها مع مکوناته فینعکس بالضرورة على ارتباطها بالبیئة الخارجیة.( )

أما عن المحددات الداخلیة للأمن القومی المصری فیمکن رصدها من خلال التطرق أولاً على المحدد أو العنصر الجیوبولیتکی أی المرتبط بالعنصر الجغرافی للدولة من المساحة والموقع والإطلالة على المحیطات والبحار، وبالنظر على موقع مصر یتضح أنها تتوسط العالم حیث أنها تقع فی قارة إفریقیا فتلک حلقة الوصل بین الدول الإفریقیة وقارات العالم الأخرى، یحدها من الشرق البحر الأحمر ومن الغرب الحدود البریة بطول الدولة مع الدولة اللیبیة، أما عن الشمال فتطل على البحر الأبیض المتوسط، ومن الجنوب تقع على حدود مشترکة مع دولة السودان، ناهیک عن کونها دولة ممر للتجارة العالمیة حیث تقع بداخل حدودها الممر أو القناة المائیة قناة السویس التی تعد من أهم الممرات المائیة العالمیة وخاصة فی إطار التجارة العالمیة وما إلى ذلک، وبالتالی فإن مصر لیست دولة منعزلة أو حبیسة فتمتلک منافذ بحریة وممرات مائیة تمیز موقعها وتمیزها بعمق استراتیجی غایة الأهمیة،( ) ثانیًا فیما یتعلق بالقوة البشریة التی تمتلکها مصر فإنها تحتفظ بمعدلات سکانیة غایة فی الضخامة إذا ما قورنت بحجم الدولة أو حتى قورنت بالدول المجاورة والمناظرة لها، فتلک القوة البشریة یمکن تمثل قوة ضاربة للدولة وخاصة إذا ما تم استغلالها من أجل تحقیق التنمیة فی شتى مجالاتها، ثالثًا عن طبیعة النظام الاجتماعی المصری فیتضح أن الترکیب الخاص بالشعب المصری فرید من نوعه کونه یضم العدید من الاختلافات والتباینات ولکن یتسع لیشمل الجمیع، فترکیبة أفراده فریده بحیث لا تتواجد المشکلات العرقیة ولا حتى الإثنیة حتى على صعید الاختلافات الدینیة فلا توجد إضرابات او حتى قلاقل، فما یجمع هذا الشعب أو هذه القوة أکثر وأقوى وأهم مما قد یفرقها.

ثالثًا عن المحدد السیاسی فیمکن الإشارة إلى السیاسات الداخلیة والخارجیة التی تنتهجها الدولة لتحسین حالات مواطنیها وتحقیق التنمیة، ناهیک عن سیاساتها الخارجیة تجاه دول العالم والتی تتسم بالنشاط والفاعلیة فی أغلب الملفات التی تُعرض أمامها، رابعًا عن المحدد العسکری؛ فتمتلک مصر قوة عسکریة کبیرة کما أنها تصنف عالمیًا من ضمن أقوى جیوش العالم فی العدید من الکتائب أو القطاعات فقوام تلک القوة ما تتضمنه من عتاد عسکری جید وتعبئة للقوات وبرامج تدریبیة فی أحدث مستویاتها وتسلیح مواکب لمتطلبات العصر وتدریبات عسکریة مشترکة، خامسًا عن المحددات الثقافیة والتاریخیة؛ فیمکن الإشارة إلى الحضارة المصریة القدیمة التی تعبر عن عبقریة الإنسان المصری القدیم فی البناء والتعمیر والتنمیة وتلک الحضارة موضع للتعلم من قبل المحیطین من أجل رصد الدقة والعبقریة فی البناء والتعمیر.

 سادسًا الإرادة المصریة؛ التی یمکن رصدها فی الرغبة فی التنمیة والمسئولیة تجاه الوطن والظروف المتباینة التی مرت بها الدولة وکادت أن تعصف بها لولا التمساک والإرادة المصریة والعزیمة التی حالت دونما والسقوط فی مستنقعات مظلمة کادت أن تهدد بقاء واستمرار الدولة وبالتالی فإن الإرادة المصریة أحد أبرز محددات الأمن القومی المصریة الداخلیة، سابعًا المحدد الاقتصادی؛ ویشمل هذا الموضع مدى امتلاک مصر لمقومات التنمیة الاقتصادیة والتجاریة والتی تتراوح ما بین امتلاک المواد الخام واستغلال الطاقات والإمکانیات المتاحة من أجل الاستفادة منها بقدر الإمکان لرفع معدلات الإنتاج، ولعل من أبرز الشواهد على الاقتصاد المصری المؤسسات المالیة الدولیة کصندوق النقد الدولی الذی أشار إلى أن مصر تسری على خطى التنمیة والتقدم الاقتصادی وخاصة فی ظل الإصلاحات الهیکلیة التی اعتمدتها فی مختلف القطاعات وخططها لتنمیة محدودی الدخل وذلک من خلال إیصال الدعم لمستحقیه فقط، أما على صعید المواد الخام فیمکن الإشارة إلى أن مصر تمتلک قدر لا بأس به من احتیاطات البترول وأخرى کبیرة وضخمة من الغاز الطبیعی، کما أنها تعمل على تعدیل الصکوک القانونیة التی تستهدف عملیة الاستثمار وتوفیر البیئة والمناخ الملائم للمستثمر.

أما عن المحددات الخارجیة فتتمحور فی البیئة الدولیة التی تنتمی لها الدولة المصریة بما تتضمنه من أفعال أو تفاعلات بین مختلف القوى وما یترتب على تلک التفاعلات، هذا بالإضافة إلى مدى تفاعل مصر مع ظروف تلک البیئة ومواکبة تطورها وکیفیة الحفاظ على توازن المصالح فی ظل هذا النظام الدولی الذی یتسم بالقابلیة للتغیر والتطور باستمرار، لذا فمدى تأقلم وتکیف الدولة المصریة مع تلک الظروف یُعد بمثابة محدد من محددات الأمن القومی المصری.

ثانیًا: مهددات الأمن القومی المصری:

قبل التطرق إلى رصد تلک المهددات یمکن استعراض مهددات الامن القومی عامة، فیمکن تقسیم تلک المهددات إلى مهددات جوهریة، وثانویة وذلک من حیث التأثیر، مهددات مباشرة وغیر مباشرة من حیث المصدر، مهددات خارجیة وداخلیة التی ترتبط بأبعاد الأمن القومی، وإذا ما تم التطبیق على الدولة المصریة تناولها، یتم رصدها وفقًا لدرجة التهدید المباشر وغیر المباشر هذا بالإضافة إلى تأثیرها الجوهری أو الثانوی، وسیلی توضیحها على النحو الآتی بیانه؛

1. المهددات المباشر الجوهریة؛

فی هذا البند سیتطرق الباحث إلى أبرز المهددات المباشرة للأمن القومی المصری التی تهدد کیان واستقرار الدولة بل ومسیرة التنمیة التی انتهجتها القیادة السیاسة منذ تولیها وخاصة بعد نیف من السنوات التی شهدت توترات وقلاقل کادت أن تقذف بالدولة إلى مستقبل غامض، لذا توجد عدة ملفات شائکة تمثل تهدید مباشر وجوهری، ولعل من أبرزها ملف الإرهاب، ملف الحدود الشرقیة والغربیة والجنوبیة، ملف المیاه وتحدیدًا أزمة سد النهضة، الملف الإسرائیلی، وسیلی تناولها على النحو الآتی بیانه؛

- ملف الإرهاب؛ أحد أهم مهددات الأمن القومی المصری إن لم تکن الأهم وذلک کونها تهدد کیان الدولة وتواجدها وخاصة فی استهدافه جزء غالی وعزیز على الدولة المصریة ومتمثل فی شبه جزیرة سیناء، حیث تسبب هذا الملف فی فقدان العدید من أبناء الوطن دفاعًا عن الأرض والعِرض والأهل، وبالتالی هی مهدد مباشر وجوهری کونه یهدد حیاة وأمن واستقرار الآخرین وخاصة أن تلک الظاهرة منتشرة فی الجوار الإقلیمی للدولة وفی منطقة الحزام الأمنی الإقلیمی وتسببت فی انهیار دول بعینها، ومن جانبه طرحت الدولة المصریة رؤیة متکاملة للحد من انتشار تلک الجماعات والعملیات الإرهابیة التی ترتکبها وذلک من خلال استراتیجیة تنقسم إلى ثلاثة بنود یأتی أولها لیرصد تحقیق الردع من خلال محاسبة مرتکبیها وذلک بتدعیم قانونی وأمنی وقضائی وذلک إلى جانب المهمة الرئیسیة للجیش فیتطلب هذا البند تضافر وتعاون القوى المختلفة للدولة من أجل مکافحة تلک الظاهرة، أما عن البند الثانی فتمثل فی تحقیق التنمیة فی هذا الجزء الغالی وخاصة أنه وعلى مدار سنوات لم تصب الدولة المصریة اهتمامًا بهذا الإقلیم وهو ما أودى بتلک الجماعات أن تتسلل وتجد لها الملجأ لها وتنفذ عملیات انتحاریة تهدد بها حیاة الأفراد، لذا رصدت الدولة فی هذا البند تحقیق التنمیة فی تلک البقعة من أجل خلق حیاة جدیدة بفرص متجددة لاستئصال الإرهاب من جذوره من خلال محاربة الجهل والتطرف والعشوائیة والحث على التعلیم والبناء والتعمیر والتنمیة، أما عن البند الثالث والمتمثل فی التعاون الدولی من أجل توسع دائرة المکافحة وحتى على الأقل أن تجد الدعم والتأیید من قبل دول العالم وأن تلک الحرب هی بمثابة حرب الهدف منها الدفاع عن فرص الشعب المصری وحقه فی الحیاة الآمنة والمستقرة، ( ) لذا یُعد هذا الملف من أهم الملفات التی تمثل تهدید مباشر للدولة کام أنها تضرب فی الجوهر وتؤثر مباشرة على عملیة التنمیة الاقتصادیة ویکفی أن یتم تصدر جملة عدم استقرار الوضع الأمنی فی الدولة وهو کفیل بأن یقضی على کافة مخططات وبرامج والدولة.

- ملف المیاه: یجدر الإشارة أولاً إلى أن حصة مصر من میاه النیل تبلغ 55.5 ملیار متر مکعب وذلک منذ عام 1959م، والتی لم تتغیر مذ ذلک الحین على الرغم من أن حجم السکان تزاید عن تلک الحقبة أربعة أضعاف إلا أنها ثابتة ولم تتغیر، ویعتبر ملف المیاه من أهم مهددات الأمن القومی المصری وخاصة أن یرتبط بشریان حیاة المصریین وحق أصیل لا یمکن التنازل عنه أو حتى الانتقاص منه، وفی هذا الإطار طرأت أزمة إنشاء سد النهضة الإثیوبی وذلک منذ عام 2011 وهو العام الذی بدأت فیه إثیوبیا تشیید السد، وتکمن خطورة هذا الملف فی تأثیره المباشر على حصة مصر من میاه النیل وخاصة فی سنوات ملء السد والتی ستعنی انتقاص من حصة مصر بشکل مباشر مما یهدد بخطر الفقر المائی الذی تعانی منه مصر فی الأساس بسبب عدم تناسب حصتها مع حجم الزیادة السکانیة، وبالتالی إذا تم الإصرار على ملء السد فی السنوات التی أقرتها إثیوبیا فإنها ستهدد مقومات الحیاة فی الدولة المصریة وخاصة أن مصر تعتمد بشکل رئیسی فی الزراعة وحتى الصناعة وفی میاه الشرب وغیرها، ( ) وبالتالی إذا لم یتم الاتفاق على سنوات الملء بما لا تضر الأمن المائی المصری فإن هذا الملف سیُعد بمثابة تهدید مباشر وجوهری یمثل الداخل لآثاره والخارج کمصدر له، وبالتالی فیتعین على لدولة أن تکرس طاقاتها ومقدراتها من أجل درء هذا التهدید، وذلک من خلال قنواتها الدبلوماسیة التی تتمثل فی التفاوض بمختلف مراحله وإرجاء أی حلول غیر سلمیة إلى حین الإعلان عن تعثر تلک المفاوضات واستنفاذ کافة الطرق السلمیة.

- ملف الحدود وتحدیدًا الحدود الغربیة والجنوبیة؛ من المهددات الجوهریة للأمن القومی کونها تتعلق بنطاق الأمن الإقلیمی والأمن الداخلی کذلک الأمر لأنه یرتبط بمناطق سیادة الدولة وتعنی الحدود الفاصلة بینها وبین دول الجوار، ولعل ما یسبب المخاطر للدولة المصریة الحدود الغربیة أی الحدود التی تجمعها بالدولة اللیبیة وخاصة فی ظل حالة السیولة التی تمر بها تلک الدولة وما قد ینعکس على الدولة المصریة بالسلب فی ظل انفراط عقد الاستقرار والأمن فی جوارها الإقلیمی وتحدیدًا أن الحدود التی تجمع الدولتین هی الأطول لأنها تمتد بطول الدولتین، کما أنها تشکل خطرًا وخاصة عملیات التهریب للأسلحة والمواد المخدرة التی تنتقل إلى التنظیمات المسلحة فی سیناء لتنفیذ العملیات الإرهابیة فی أرجاء الدولة المصریة، ناهیک عن عملیات الانتقال غیر النظامیة للعمالة المصریة أو اللیبیة من وإلى الدولتین وذلک من خلال تلک الحدود، ولکن الخطر المهدد یأتی من خلال الجماعات الإرهابیة التی تتواجد فی الدولة اللیبیة لأنها تهدد استقرار وأمن المنطقة، والأمر مماثل فیما یخص الحدود الشرقیة والجنوبیة وبالأخص عملیات التهریب للمواد والسلع وحتى الأسلحة، کما أن منطقة حلایب وشلاتین هی منطقة حساسة للغایة فی ظل المطامع السودانیة بضمها للجانب السودانی وبالتالی إن السیطرة على تلک الحدود بمثابة تحدِ من أجل درء أی مخاطر أو مهددات.( )

- الملف الإسرائیلی؛ على الرغم من أن العدو الإسرائیلی هو بمثابة عدو تاریخی وتقلیدی من حقب القرن الماضی ومازال إلى هذا الیوم إلا أنه بطبیعة البیئة الدولیة والإقلیمیة وبتغیراتها وظروفها المتباینة التی أعادت ترتیب أولویات الأمن القومی المصری وفقًا لتأثیره المباشر وغیر المباشر، وأضحت الظواهر الإرهابیة هی بمثابة المهدد الأول لبقاء الدول إلا أنه فی هذا الإطار لا یمکن إغفال أن الکیاد الصهیونی هو بمثابة المهدد الأول للأمن القومی المصری وخاصة لمطامعه بالسیطرة على بقاع تلک الدولة وتحدیدًا سیناء ویکرس کافة طاقاته لتحقیق هذا الهدف بمصادر غیر القوة العسکریة فی تلک الحقبة وبالتالی هذا الملف هو شائک للغایة کونه مهدد دائم ومستمر على مدار الزمن ولا یمکن بحال من الأحوال أن ینتفی، فإذا ما کان الباحث بصدد تناول المهددات المباشرة الخارجیة منها والداخلیة فإن هذا الملف على رأس أولویات ورکائز الأمن القومی المصری، على الرغم من أن البعض قد صنفه بالمهددات الثانویة غیر المباشرة نظرًا للظرفیة الحالیة.

2. المهددات غیر المباشرة، الثانویة:

فی هذا البند سیتطرق الباحث للمهددات غیر المباشرة التی تمثل تهدید ثانوی ولیس جوهری للأمن القومی المصری، ولعل من أبرزها على صعید الداخل التیارات الإسلامیة التی طالما وتسعى لأن تحقق مصالحها وأهدافها بغض النظر عما تسببه من قلاقل واضطرابات فی الداخل وما یجعل هذا الملف مهددًا للأمن القومی کونه یهدد نسیج المجتمع ویهدد بانقسامات داخلیة وخاصة أن تلک التیارات تجد من یؤدیها ویدعم أیدولوجیاتها ومخططاتها، التهدیدات المرتبطة بهیاکل ومؤسسات الدولة وکیفیة أدائها لوظائفها ومهامها، وخاصة فی ظل تصاعد معدلات الفساد التی تهدد الداخل وخاصة عملیات التنمیة الاقتصادیة والسیاسیة والاجتماعیة حیث أنها تهدد أهداف وطموحات الدولة، خلل المنظومة الاجتماعیة تعتبر من المهددات غیر المباشرة للأمن القومی المصری وخاصة فی ظل انعدام التوازن بین طبقات المجتمع وتآکل الطبقة المتوسطة التی تعتبر حلقة الوصل بین الطبقة الأرستقراطیة والطبقة الکادحة أو الفقیرة، وهو ما یؤدی إلى تواجد هوة فی المجتمع قد تسبب خلل ما یعرقل من مسیرة الدولة فی تحقیق برامجها وأهدافها، بالإضافة إلى الإخفاق فی تحقیق التنمیة البشریة التی تستهدف تنمیة الإنسان التی تعد الرکیزة الأساسیة للأمن القومی المصری، وبالتالی تلک المهددات غیر المباشرة تعد من صمیم مهددات البیئة الداخلیة أی نطاق الأمن الداخلی.( )

أما عن المهددات غیر المباشرة الخارجیة فتتمثل فی نطاق الأمن الإقلیمی والحزام الأمنی للنطاق الإقلیمی وتحدیدًا یعنی الباحث الأزمات الإقلیمیة التی أدت إلى زعزعة استقرار المنطقة وخاصة فی ظل الأزمات والقلاقل التی انغرست فیها الدول العربیة وبالتالی فإن تلک الأزمات تؤثر بنحو غیر مباشر على الأمن القومی المصری لأنها تهدد استقرار هذا النطاق الأمنی کافة، الملف المرتبط بالخلیج العربی وخاصة الأزمة مع دولة قطر حیث تعد تلک الدولة من مهددات لأمن القومی العربی عامة والمصری خاصة وذلک من خلال تصرفاتها الخبیثة تجاه الدولة العربیة وتدعیم جماعات متطرفة بعینها فی مصر لتنفیذ عملیات تستهدف القوات المسلحة والشرطة المصریة، کما أن أمن دول الخلیج العربی هو بمثابة أمن قومی مصری أن أی مهدد لتلک الدول هو بمثابة مهدد للأمن القومی المصری، وعلى رأس الدول المهددة للأمن الخلیجی إیران وبالتالی فإن إیران هی مهدد غیر مباشر أی ثانوی للأمن القومی المصری، کذلک الأمر ینطبق على الدولة الترکیة، کذلک المر عملیات القرصنة الإلکترونیة والجاسوسیة تعد من المهددات الثانویة للأمن القومی المصری.

المحور الثانی: السیاسة الخارجیة المصریة والأمن القومی:

یتناول الباحث من خلال هذا المحور العلاقة التی تربط الأمن القومی بالسیاسة الخارجیة، وذلک من خلال العناصر أو البنود التالیة:

 البند الأول: السیاسة الخارجیة والأمن القومی:

یأتی هذا البند لیناقش مسألة ارتباط مفهوم الامن القومی بالسیاسة الخارجیة، فهنالک اتجاه شائع یعتبر أن الأمن القومی هو أحد أهداف السیاسة الخارجیة للدولة کون أن السیاسة الخارجیة تستهدف حمایة أمن الدولة وذلک من خلال انتهاج مجموعة من السیاسات والبرامج والخطط لتحقیق هذا الهدف، وهنالک من نظر للأمن القومی نظرة شاملة وذلک من خلال التطرق لمحور البیئة الداخلیة ومحور البیئة الخارجیة للدولة باعتبارها کیان مرکب، وبالتالی فإن کل هدف من أهداف الدولة وکل برنامج بالإضافة للاستراتیجیات والحاجات وحتى المخاطر یتعین مناقشتها من جانبین أحدهما داخلی والآخر خارجی، وبالتالی لکی تحمی الدولة مقدراتها وأمنها القومی سواء على الصعید الداخلی أو الخارجی فإنها یتعین أن تنتهج عدة سیاسات وتصیغ عدة استراتیجیات وبرامج وهو ما یطلق علیه السیاسة العلیا للدولة والتی تنقسم بدورها إلى نوعین داخلیة وخارجیة، ثم تتولى الجهات المختصة بکل سیاسة عملیات توزیع المهام من خلال مؤسساتها وهیاکلها وذلک من أجل الوظائف التی تستهدف تحقیق الأمن القومی، ثم رصد الإنجازات التی تحققت ومقارنتها بالأهداف الموضوعة المرتبة بالأمن القومی، وأخیرًا من خلال تحقیق عملیة التکامل فی الأدوار من أجل تحقیق الفاعلیة لتلک الأهداف والبرامج.( )

کما أن السیاسة الخارجیة لأی دولة هی أحد عناصر السیاسة العلیا للدولة والتی تستهدف الشق الخارجی من سیاسات ونشاطات وتوجهات الدولة تجاه المجتمع الدولی وحتى التنظیمات الدولیة، کما أنها تسعى لحمایة مقدرات وأهداف الأمن القومی فی الخارج، وبالتالی بما أن السیاسة الداخلیة والسیاسة الخارجیة هما وجها السیاسة العلیا للدولة والمنفذ الفعلی لتوجهاتها وبالتالی یمکن الاستنتاج أن السیاسة الخارجیة للدولة هی الأداة الفعلیة لتنفیذ وتحقیق أهداف وتطلعات الدولة الداخلیة والخارجیة والتی تشکل بمضمونها الأمن القومی للدولة فیعتبر الأمن القومی هو هدف رئیسی وجوهری لعمل السیاسة الخارجیة وعلى أساسه تتحدد دوائرها وتحرکاتها الدولیة، لذا بالنظر للسیاسة الخارجیة المصریة ومفهوم الأمن القومی الخاص بها یتضح أن الأمن القومی المصری بأبعاده ومحدداته تعتبر أهداف ومحددات للسیاسة الخارجیة المصریة، وأن السیاسة الخارجیة بالنسبة للأمن القومی تعد بمثابة الأداة الفعالة لضمان تحقیق أهدافه وحمایتها من أی مخاطر، بل ودرء لمهدداتها.

 البند الثانی: مبادئ وأهداف ودوائر السیاسة الخارجیة المصریة:

أولاً: مبادئ السیاسة الخارجیة المصریة:

یمکن الإشارة إلى المبادئ العامة للسیاسة الخارجیة المصریة على النحو التالی؛ أولًا، تضمین وتدعیم مبادئ الأمن والاستقرار بل والسلام فی محیط البیئة الدولیة والإقلیمیة، ثانیًا، الاحترام والتعاون المتبادل بین الوحدات الدولیة هذا بالإضافة إلى الامتثال إلى القوانین والصکوک الدولیة بما فیها مبادئ القانون الدولی العامة، فضلًا عن دورها فی تدعیم الجهود الدولیة وخاصة الصادرة عن المنظمات الدولیة والهادفة إلى تحقیق التضامنیة بین شعوب وأمم العالم، ثالثًا، الاسقاط على أهمیة المحدد الاقتصادی کدائرة ورکیزة أساسیة للعلاقات الدولیة، رابعًا، سیاسة خارجیة تتم بالاتزان یتم فیها التوازن بین الأهداف والمصالح فی إطار الاستراتیجیات الوطنیة مع الحفاظ على استقلالیة القرار المصری بعیدًا عن الضغوطات، خامسًا، اعتبار الدائرة العربیة هی بمثابة الرکیزة الأساسیة لنهج السیاسة الخارجیة وتحرکاتها فی الخارج بالإضافة للدوائر المرتبطة بطبیعة مصر الإسلامیة وبتواجدها فی القارة الإسلامیة وتحدیدًا تحرکها فی إطار دور حوض النیل، سادسًا، الاتساق والارتباط الکامل بین تحرکات السیاسة الخارجیة فی الخارج وبین أوضاعها الداخلیة وما یتطلبه ذلک من نقل الصورة الداخلیة بالکامل للخارج وحشد التأیید السیاسی والاقتصادی من خلال جذب الاستثمارات الخارجیة بالإضافة إلى السیاحة.( ).

ثانیًا: أهداف السیاسة الخارجیة المصریة:

یمکن تناول أهداف السیاسة الخارجیة المصریة على النحو التالی: أولاً، الاضطلاع بمهمة حمایة الأمن القومی المصری والمصالح العامة للدولة، ثانیًا، الاهتمام بتحقیق التنمیة المستدامة وذلک فی إطار التخدیم على تحقیق وحمایة الهدف الأول، ثالثًا، العمل على تعزیز وتحقیق مقومات الأمن القومی المصری وذلک من أجل تحقیق الأمن والسلام والاستقرار فی محیط منطقة الشرق الأوسط وذلک مع تبنی الملف المرتبط بتحویل الشرق الأوسط من منطقة اضطرابات ونزاعات مسلحة إلى منطقة خالیة من الاضطرابات ویتم فیها نزع السلاح لتتحول إلى حزام أمن إقلیمی هادئ ومستقر، رابعًا، مواجهة الإرهاب على الصعید الدولی وذلک من خلال اتباع نهج استراتیجی شامل یستهدف تجریم تلک الظاهرة دولیًا ووضعها على رأس أولویات أجندة المجتمع الإقلیمی والدولی، خامسًا، تعزیز العلاقات الاقتصادیة الدولیة بأوجهها المختلفة بل والعمل على تحقیق التعاون وتبادل الخبرات من أجل تحقیق التنمیة وذلک على نحو یحقق المصالح المشترکة بین الدول، سادسًا، تعزیز العلاقات مع القوى الدولیة الکبرى وذلک ضمانًا للحفاظ على المصالح المصریة.( )

 

ثالثًا؛ دوائر السیاسة الخارجیة المصریة:

یُعنى بهذا البند خریطة تحرکات السیاسة الخارجیة تجاه نطاقات الأمن القومی أو البیئة الدولیة والإقلیمیة، وتُرتب وفقًا لأولویات الدولة وتوجهاتها، وسیلی تناولها على النحو التالی:

- الدائرة العربیة: تعتبر الدائرة العربیة بمثابة أمن قومی مصر ومحدد من محدداته لذا تعمل السیاسیة الخارجیة على حمایة هذا الهدف من خلال تعزیز العلاقات العربیة وذلک من أجل تحقیق التضامنیة العربیة تحقیقًا للتنمیة ولمواجهة التحدیات التی تفرض علیها بما فیها الظاهرة الإرهابیة، وذلک من أجل تحسین الأوضاع فی المنطقة العربیة وخاصة عقب موجه الثورات والانتفاضات التی انطلقت بین دولها، کما أنها تولی اهتمامًا خاصًا بالقضیة الفلسطینیة کونها تعتبر قضیة وجود وحق شعب فی الاستقلال وتقریر مصیره بعیدًا عن الاحتلال وما سینتج عنه.( )

- الدائرة الإفریقیة: یأتی تحرک مصر إفریقیًا وذلک لأنه یربطها بتلک القارة روابط ثقافیة وتاریخیة، سیاسیة، وحتى اقتصادیة، کما أنها تشترک مع دول إفریقیا بالتجاور حول حوض النیل، وبالتالی تسعى مصر للتواجد إفریقیا من أجل تعزیز العلاقات مع دول القارة وتؤدی دورها باعتبارها المعبر الإفریقی تجاه إفریقیا، هذا بالإضافة إلى سعیها لأن تحقق التنمیة الشاملة بین دولها وتحقیق التضامن بین شعوبها من خلال الإسهام فی تطویر وتنمیة تلک الأمم ثقافیًا واجتماعیًا وحتى حضاریًا، کما أنه ومن أبرز الملفات الشائکة التی تولی لها اهتمامًا فی هذا الشأن قضیة ملف المیاه وأزمة سد النهضة الإثیوبی التی تهدد بفقدان حق الشعب المصری فی الحیاة وخاصة أن الماء هو شریان هذا الشعب وهذا النیل المصدر الأکبر إن لم یکن الوحید له.( )

- الدائرة الإسلامیة: والتی تتضمن نشر قیم وتعالیم الإسلام التی تحث على التسامح والرحمة والإنسانیة ونبذ العنف والتطرف الدینی، فضلاً عن مجابهة کافة القضایا الإسلامیة، ناهیک عن تعزیز التسامح بین الأدیان وذلک من خلال العمل على تشجیع الحوار بین الأدیان والتسامح الدینی والتعایش بینها.

- الدائرة الأسیویة: تتوجه مصر ضمن تحرکاتها فی تلک الدائرة وذلک من أجل تعزیز وتطویر العلاقات بین مصر ودول القارة الأسیویة وخاصة أن تلک الدول هی شریک رئیسی وجوهری لمصر کما أنها أحد عناصر النظام والبیئة الدولیة بل أنها تمتلک المستقبل على الصعید البعید، لذا تولی لها أهمیة کبیرة من أجل تنمیة العلاقات وتبادل الخبرات لتعزیز رؤیة مصر ونشاطها الخارجی وتحقیقًا لمصالحها.

- الدائرة الأوروبیة؛ یأتی هذا التحرک فی إطار العلاقات التی تجمع مصر بهذا النطاق والتی یمکن إجمالها فی المسارات الثنائیة وذلک من خلال الاتفاقیات الثنائیة التی تعقدها مصر وتکون طرفًا فیها، هذا بالإضافة إلى سیاسة الجوار الأوروبی والتعاون بین دول أوروبا ومصر من أجل مکافحة الهجرة غیر الشرعیة، وشراکة الأورو متوسطیة 2008، ناهیک عن الاتحاد من أجل المتوسط 2012، وتلک مسارات لتعزیز العلاقات المصریة بأوروبا وذلک من أجل توسیع نشاط الدولة المصریة تحقیقًا لأهدافها ومصالحها.( )

- الدائرة الدولیة: تلک التحرکات التی تستهدف تحقیق التوازن الدولی وتنمیة الشراکة مع الدول الغربیة کالولایات المتحدة الأمریکیة بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبی والصین بالإضافة إلى الیابان وبالتالی تحرکات تستهدف حمایة مصالح الدولة من خلال توسیع نطاق تعاونها، وثقافتها.

 البند الثالث: محددات السیاسة الخارجیة المصریة:

فی هذا البند سیتطرق الباحث إلى رصد العوامل المؤثرة على السیاسة الخارجیة المصریة والتی یطلق علیها محددات السیاسة الخارجیة، والتی تنقسم بدورها إلى محددات اقتصادیة واجتماعیة وعسکریة وبدورها سیاسیة، ثم الخارجیة لتتطرق إلى البیئة الدولیة والتفاعلات الناتجة عن وحداتها وقدرة الدولة على مجابهة تلک الأفعال وردودها، وذلک باعتبار أن السیاسة الخارجیة أحد مکونات السیاسة العلیا وأداة من أدوات تحقیق أهداف الدولة فی الخارج وبالإسقاط على الدولة المصریة یمکن الإشارة إلى نیف من المحددات داخلیًا وخارجیًا على حد سواء منها ما یلی:

- النظام السیاسی المصری: مرت الدولة المصریة بتحدیات جمة بدءًا من عام 2011 والثورة المصریة التی أعقبها عدة وقفات منها تولی الرئیس الأسبق مرسی الحکم ثم أعقبها ثورة یولیو 2013 التی انتهت بانتخابات رئاسیة ترأس من خلالها الرئیس السیسی مقالید الحکم برؤیة واستراتیجیة شاملة الأرکان تستهدف تحقیق التنمیة الداخلیة وتوسیع العلاقات الخارجیة بین الدول وزیادة المعدلات الاقتصادیة والتجاریة بین مصر وغیرها من الدول، وبالتالی فإن السیاسة العلیا التی أتى بها هذا النظام هی بمثابة محدد من محددات السیاسة الخارجیة والتی أضفت لها مساحة من التحرک على الصعید الداخلی حققت من خلالها فاعلیة على صعید أداءها وحتى بالنظر لحجم الإنجازات التی حققتها مقارنة بالأهداف المراد تحقیقها، وبالتالی فإن النظام السیاسی المصری هو محدد رئیسی للسیاسة الخارجیة المصریة وهو الذی ینعکس بدوره على أداءها لمهامها وحریة تحرکها الدولی وذلک من أجل تحقیق الأهداف القومیة للدولة.

- محدد الأمن القومی المصری: یعد الأمن القومی من أبرز محددات الخارجیة المصریة وذلک لما یمثله من أهمیة کبیرة للدولة سواء على الصعید الداخلی أو الخارجی وبما یتضمنه من ملفات غایة الأهمیة، کما أن السیاسة الخارجیة للدولة تعمل على حمایة الأمن القومی المصری بالإضافة لسعیها من أجل تحقیق أهدافه وذلک من خلال تکریس کافة أدواتها وبرامجها وخططها لذلک الهدف، وبما أن الأمن القومی هو أحد محددات السیاسة الخارجیة المصریة فإن الملفات التی یختص بها تعد کذلک محدد من محددات الأمن القومی ولعل من أبرزها على صعید الذکر وذلک لتطرق الباحث لها سلفًا؛ ملف المیاه وأزمة سد النهضة، ملف الإرهاب، وبالتالی فإن الأمن القومی المصری هو أهم تلک المحددات لأنه یرتبط بنحو أو بآخر بصورة وکیان الدولة بل وتواجدها على الصعید الآخر، فعلى صعید الملف المائی من أبزر الملفات التی تمثل تحدیًا للخارجیة المصریة وتحدیدًا فیما یتعلق بأزمة سد النهضة وخاصة المرتبط منها بسنوات الملء والتی طالما وتتفاوض من أجلها الخارجیة المصریة من أجل التوصل إلى حل لا یضر بالطرف المصری ویحقق الاستفادة الفعلیة من السد ولکن تجابه الخارجیة تعثرات جمة فی هذا الملف نتیجة التعنت من الجانب الإثیوبی وذلک وفقًا لتقدیرات وتقاریر غیر دقیقة بشأن هذا السد فیعد هذا الملف من المحددات الرئیسیة للخارجیة المصریة، کما أن الملف الإسرائیلی من محددات السیاسة الخارجیة وخاصة فی ظل أنه یجمع الطرفان اتفاقیة سلام مشترکة وذلک بعد حقب من العداء والحروب المسلحة، وبالتالی إن الحفاظ على توازن تلک الاتفاقیة وعدم الإخلال بها هو من ثوابت الخارجیة المصریة لأنه فی حال تک الاعتداء على تلک الاتفاقیة فإنه ستنشب حالة حرب وهو مالا یُحمد عقباه.( )

- المحدد الاقتصادی والعسکری: أولاً عن المحدد الاقتصادی فیمکن الإشارة إلى أن الدولة المصریة تسعى لتحسین وضع الاقتصاد المصری وذلک من خلال انتهاجها إصلاحات هیکلیة وذلک من أجل زیادة معدلات الاستثمار وتدفقاتها ناهیک عن تحسین معدل التجارة الخارجیة وبالتالی إن الاستراتیجیة التی تهدف لتحسین الاقتصاد تتطلب تحرکات دولیة موسعة من أجل تحسین العلاقات مع الوحدات الدولیة وذلک من أجل تحقیق الثقة فی البیئة المصریة وبالتالی فإن الطموحات والتطلعات الاقتصادیة بمثابة محدد وعامل مؤثر على سیاسة الدولة الخارجیة وخاصة إذا کانت تستهدف تحسین الأوضاع الداخلیة بما یتطلب الإیمان بالرؤیة المصریة، ثانیًا عن المحدد العسکری فیمکن الإشارة إلى القدرة العسکریة المصریة التی تتسم بالتطور والتقدم الملحوظ تحد محدد من محددات السیاسة الخارجیة المصریة نحو مزید من التعاون الدولی بین مصر والوحدات الدولیة من أجل تدعیم ومساندة القوات المسلحة فی مهامها وخاصة المرتبط منها بمحاربة ومکافحة الإرهاب، وبالتالی فإن التطور فی تلک القوة یعطی میزة للخارجیة المصریة کونها الدبلوماسی والمفاوض الأول مدعومًا بقوة مسلحة تؤمن قراراتها وتحرکاتها بنحو غیر مباشر.( )

- المحددات الخارجیة: تکمن المحددات الخارجیة فی البیئة الدولیة والإقلیمیة وما یصدر عنها من تفاعلات وأفعال بالإضافة إلى الظروف التی تمر بها تلک المنطقة وخاصة الشرق الأوسط أو القارة الإفریقیة من سیولة فی بعض الدول بالإضافة إلى ارتفاع معدلات الظاهرة الإرهابیة، ناهیک عن التوترات والقلاقل بین العدید من الدول وانعکاساته على الوضع المصری بنحو او بآخر، هذا بالإضافة إلى التدخلات الفجة من قبل بعض الدول فی شئون دول أخرى والاعتراض على سیاسات حکومات والتعدی عسکریًا على أراضی دول أخرى، ولعل من أبرز الدول التی یجمعها توترات بالدولة المصریة دولة قطر وترکیا، حیث تسعى تلک الدولتین إلى إثارة الاضطرابات فی الداخل المصری من خلال تمویل الجماعات المتطرفة وتدعیم العملیات المسلحة ضد القوات المسلحة بالإضافة إلى الاعتراض على نظام الحکم المصری ومحاولة الاعتداء الطاغی على مقدرات تلک الدولة وحتى إن لم یکن باستخدام القوة الصلبة، وبالتالی فإن التحدیات التی تطرأ على البیئة الدولیة والإقلیمیة هی بمثابة محدد للسیاسة الخارجیة المصریة وعلى أساسه یتم صیاغة أهداف وبرامج الدولة، ناهیک عن التوترات فی العدید من الدول العربیة وتحدیدًا الدولة اللیبیة والتی تمثل نطاق امن إقلیمی للدولة المصریة بالإضافة إلى السودان، وأخیرًا الظروف الراهنة التی تهدد کل من العراق وسوریا تلک تعد بمثابة محددات للسیاسة الخارجیة المصریة، کما أن أمن منطقة الخلیج العربی یعد من ضمن تلک المحددات، وأخیرًا تأتی القضیة الفلسطینیة باعتبارها جزء لا یتجزأ من السیاسة الخارجیة المصریة ومن توجهات الدولة فی مختلف المحافل الدولیة خاصة مع تبنیها حق الشعب الفلسطینی بتقریر مصیره وحقه فی دولة مستقلة.( )

ویخلص الباحث مما سبق إلى أن الأمن القومی هو أحد محددات بل ودوائر السیاسة الخارجیة لأی دولة وتحدیدًا مصر وخاصة باعتبار أن السیاسة الخارجیة هی أحد أعمدة السیاسة العلیا للدولة وتستهدف تحقیق بنود وأهداف أمنها القومی على الصعید الداخلی والخارجی من خلال الترویج للرؤیة الخاصة بالدولة والدفاع عن مصالحها فی المحافل الدولیة وأمام الوحدات الدولیة بل أنها تسعى ذلک لخلق فرص تعاون تجمع بین تلک الوحدات من أجل أن تحقق مصالح الدولة وأهدافها، کما أن السیاسة الخارجیة کذلک تقوم برعایة مصالح أبناء الدولة فی الخارج من خلال التواصل على نحو دائم بالجالیات الخارجیة وذلک من أجل تقلیل المشکلات التی قد تنتج عنهم لأی سبب من الأسباب، لذا تطرق الباحث فی هذا البحث إلى رصد مفهوم الأمن القومی وأبعاده بالإضافة إلى خصائصه وأهدافه ومنه أدواته ووسائل تحقیقه ثم بالانتقال إلى المحور الذی یستهدف رصد العلاقة التی تجمع الأمن القومی بالسیاسة الخارجیة ثم بالإسقاط على البیئة المصریة من خلال رصد محددات الأمن القومی المصری ومهدداته بالإضافة إلى التطرق للسیاسة الخارجیة ورصد محدداته التی لا تخرج بشکل او بآخر عن محددات الأمن القومی کون أنها تخدم فی نهایة المطاف على أهداف ومصالح الدولة الوطنیة، وبالتالی یمکن القول أن الأمن القومی المصری هو أحد محددات السیاسة الخارجیة المصریة بل ومحدد رئیسی کذلک فی تحدید دوائر تلک السیاسة.