نحو آلية مثلى لتسعير مياه الري في مصر لتحقيق زراعة مستدامة

نوع المستند : مقالات سیاسیة واقتصادیة

المؤلف

کلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة

المستخلص

تشير التجربة التنموية في مصر خلال العقود الماضية إلى أن إدارة الموارد المائية واستراتيجيات التنمية الخاصة بها ترکزت في سياسات جانب العرض، أما جانب الطلب على المياه فلم يتم الإهتمام به إلا حديثاً بعد تفاقم المشکلة المائية وإنحسار الموارد المائية المتوفرة، مما استدعى ضرورة إتباع کل السبل لترشيد الطلب على المياه وتخفيض الفاقد، لذلک حاولت الدراسة إيجاد حلول لمشکلة المياه في مصر ولکن بالترکيز على جانب الطلب باقتراح سيناريوهات لتسعير أهم مصدر للطلب على المياه العذبة في مصر وهي مياه الري، کألية من أليات السوق الحر لتشارک تکاليف الخدمات ولترشيد الطلب وتخفيض معدل الفاقد، وتطلب ذلک بدايتاً عرض الأساس النظري لتسعير المياه فى الفکر الإقتصادي، ثم عرض تجارب الدول السابقة في تسعير مياه الري للإستفادة منها فى وضع السيناريوهات المقترحة، کذلک تم عرض الوضع المائي الراهن فى مصر من حيث العرض والطلب ومدى الإکتفاء الذاتي من عدد من المحاصيل الإستراتيجية، وإتضح أن منظومة الري الحالية في مصر لا تحقق الکفاية ولا الکفاءة، وإن الترکيب المحصولي بوضعه الحالي يتسبب في إهدار الموارد المائية المتاحة، لذلک حاولت الدراسة صياغة مجموعة من السيناريوهات لتسعير مياه الري في مصر لإسترداد تکاليف الخدمات، وقيمت أثر بعضها على العائد الفداني للفلاح ، حجم التسعيرة المقدرة للفدان وحجم المهدر من المياه باستخدام نماذج البرمجة الخطية لإختيار أفضلها في التطبيق لتحقيق زراعة مستدامة، وأوصت الدراسة بإستخدام أسلوب التسعير القائم على تصنيف المحاصيل على حسب صافي عائد الوحدة المائية، إلي محاصيل ذات عائد مائي منخفض، محاصيل ذات عائد مائي متوسط، محاصيل ذات عائد مائي مرتفع.

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية


مقدمة:

اعتمد المجتمع الدولی فی قمة الأرض بالبرازیل عام ١٩٩٢ مصطلح جدید للتنمیة وهو مصطلح" التنمیة المستدامة" بمعنى تلبیة احتیاجات الجیل الحالی دون إهدار حقوق الأجیال القادمة فی الحیاه فی مستوى لا یقل عن المستوى الذی نعیش فیه، لیأتی بعد ذلک بعشرات السنین قادة العالم فی اللقاء الذی جمعهم بمقر الأمم المتحدة 25 سبتمبر 2015لیضعوا خطة عالمیة طموحة هدفها تحقیق التنمیة المستدامة على مدى السنوات الـ 15 المقبلة تتضمن 17 هدف یمکن تصنیفهم بین أهداف اقتصادیة، بیئیة، مجتمعیة، وقد کان للمیاه ومواردها واستخداماتها أهمیة کبیرة فی تلک الخطة العالمیة سواء فی الأهداف البیئیة أو الاقتصادیة، فقد تضمن الهدف 6 النص التالی" ضمان توافر المیاه وخدمات الصرف الصحی للجمیع وإدارتها إدارة مستدامة" والذی کانت أهم وسائل تنفیذه " زیادة کفاءة استخدام المیاه فی جمیع القطاعات زیادة کبیرة وضمان سحب المیاه العذبة وإمداداتها على نحو مستدام من أجل معالجة شح المیاه، والحد بدرجة کبیرة من عدد الأشخاص الذین یعانون من ندرة المیاه، بحلول عام 2030". ، فحیث أصبح الماء وأمام ندرة توفره یخضع لتجاذبات اقتصادیة، بات مبدأ اقتصادیات المیاه یشکل أحد الجوانب الهامة فی إدارة الطلب على الماء، ولأن توفیر میاه الری وتوصیله إلى المزارع من الخدمات العامة التی تقدمها الدولة، وقد ثبت فی کثیر من التجارب الدولیة أن مجانیة الخدمات العامة تسبب فی فقدان مؤشرات الکفاءة والکفایة والعدالة معا، مما یحول دون تحقیق أهداف التنمیة المستدامة، لذلک اتجهت الدول إلى إتباع سیاسة التسعیر للخدمات العامة کنوع من تشارک التکالیف مع الدولة، ویکون الهدف من تسعیر الخدمات العامة ترشید الاستخدام، زیادة معدلات النمو الاقتصادی من خلال تخصیص أفضل للموارد الاقتصادیة، تحسین نمط توزیع الدخل القومی من خلال منح الطبقات المستحقة أسعار أقل، وتحسین الخدمة العامة من خلال الحصول على إیرادات تساعد فی عملیات الإحلال والتجدید لتحقق زراعة مستدامة.

ونظراً لأهمیة الموارد المائیة العذبة فی مصر، کمحدد رئیسی فی خطط التوسع الزراعی اللازمة لسد الفجوة الغذائیة المصریة، ولإن استخدام المیاه فی الزراعة هو أهم استخدامات المیاه وأکثرها شیوعاً، فیقدر الاستخدام الحالی للمیاه فی الزراعة بما یزید عن 80% من إجمالی الاستهلاک المائی القومی، وأشارت بعض التقدیرات الأولیة إلى أن نقص المیاه المتجددة فی مصر بــ 2 % (فقط) سیؤدی إلى فقدان ما لا یقل عن ملیون مزارع مصری لعملهم، الأمر الذی استدعى معه قیام وزارة الموارد المائیة والری بوضع الخطة القومیة للموارد المائیة (2017/2037) والتی شارک فی تنفیذها (9) وزارات مختلفة، بالإضافة إلى عدد کبیر من الهیئات والجهات المعنیة، وذلک باستثمارات تصل إلى 50 ملیار دولار بهدف تطبیق مجموعة من الإجراءات بالتنسیق مع الوزارات والجهات المعنیة بالدولة وذلک فی اطار تبنی مبدأ الإدارة المتکاملة للموارد المائیة، وتضمین الإجراءات الخاصة بکل وزارة والتی تحقق أهدافها القطاعیة وبما یتماشى مع أهداف استراتیجیة التنمیة المستدامة للدولة 2030 وکذلک السیاسات والاستراتیجیات المائیة السابق إعدادها، فعملت الدولة المصریة على حث المزارعین على ترشید الطلب على میاه الری، ومن أهم الوسائل لتطبیق ذلک قرار البنک المرکزی فی مارس 2019 السماح للبنوک بتمویل سبل التحول من الری التقلیدی إلى الری الحدیث بفائدة 5% متناقصة، ورغم أهمیة هذا القرار إلا إن المزارع لن یفکر فی الاقتراض من البنوک حتى لو الفائدة 5% لتغییر منظومة الری لدیه طالما لا یوجد تکلفة للمیاه المستخدمة، کذلک تم اتخاذ قرار سنة 2018 بخفض المساحة المنزرعة بالأرز بنسبة أکثر من 30 % ، رغم إن هذا القرار یعتبر مخالف لمبادئ اقتصادیات السوق الحر الذی تتبناه الدولة، فکان یمکن الوصول إلى نفس الهدف من خلال تفعیل ألیات السوق الحر بتطبیق مبدأ التسعیر لمیاه الری، لیحدث تشارک لتکالیف الخدمات بین الدولة والمزارعین، لتحقیق الکفاءة والعدالة معاً، وحتى یتم ترشید الاستهلاک وتخفیض المهدر من المیاه قدر المستطاع، لتحقیق زراعة مستدامة تتواکب مع خططه التنمیة المستدامة لمصر 2030.

أهمیة الدراسة: فی ظل ما تشهده مصر من مخاطر تخفیض حصتها من میاه النیل نظراً لخطط التنمیة الطموحة لدول حوض النیل من إنشاء سدود وغیرها، فی نفس الوقت الذی یتزاید فیه الطلب على المنتجات الزراعیة وزیادة احتیاجات میاه الشرب، ونمو الطلب الصناعی على المیاه بشکل مطرد ومستمر، ومع الحاجة الى استصلاح أراضی جدیدة، أی تزاید الطلب مع انخفاض العرض، مما أدخل مصر فی حیز الفقر المائی، لذلک فتتمثل أهمیة الدراسة فی محاولة ایجاد طرق فعالة لترشید جانب الطلب علی المیاه العذبة المخصصة للقطاع الزراعی فی مصر من خلال وضع آلیة مناسبة لتسعیر میاه الری.

هدف الدراسة: تهدف الدراسة الی وضع ألیة لتسعیر میاه الری فی مصر لاسترداد تکالیف الخدمات، ولترشید الطلب على میاه الری کأکبر مستخدم للمیاه العذبة فی مصر، وذلک من خلال اقتراح عدد من السیناریوهات لتسعیر میاه الری مع اختبار أثر التسعیر على حجم المساحة المنزرعة من المحاصیل، وعلى العائد الفدانی للفلاح لتحقیق زراعة مستدامة.

فروض الدراسة: من مراجعة الأدبیات المختلفة تضع الدراسة الفرضیات التالیة:

 مجانیة میاه الری فی مصر تسبب فقدان مؤشرات الکفاءة والکفایة معاً.

 تسعیر میاه الری القائم علی استرداد تکالیف خدمات الری سیزید من کفاءة استخدامها .

إشکالیة الدراسة: تتمثل الاشکالیة الأساسیة للدراسة فی الإجابة على تساؤل رئیسی هو: ما هی أهم السیناریوهات المقترحة لتسعیر میاه الری فی مصر لاسترداد تکالیف الخدمات، وما أثر التسعیر على حجم المساحة المنزرعة من المحاصیل، وعلى العائد الفدانی للفلاح، وسعر المیاه للفدان وحجم میاه الری المستخدمة للفدان، لتحقیق زراعة المستدامة؟

والإجابة على هذا التساؤل الرئیسی یتطلب الإجابة على عدد من التساؤلات الفرعیة مثل ما هو الأساس النظری فی الفکر الاقتصادی لتسعیر المیاه وأهم مبررات وألیات تسعیر میاه الری؟ وما هو الوضع المائی الحالی فی مصر؟ وهل الوضع الحالی یحقق الکفاءة والکفایة؟ وما هی أهم تجارب الدول السابقة لتسعیر میاه الری؟

منهجیة الدراسة: وللإجابة على تلک التساؤلات ستدمج الدراسة بین کل من المنهج الوصفی فی التعرف على مبررات ومعاییر وألیات تسعیر میاه الری، وعرض تجارب الدول السابقة فی تسعیر میاه الری ، والمنهج التحلیلی فی رصد و تحلیل الوضع المائی الراهن فی مصر، والمنهج الاستنباطی فی وضع عدد من السیناریوهات المقترحة لتسعیر میاه الری فی مصر والأسلوب الکمی باستخدام أسلوب البرمجة الخطیة، لمعرفة أثر بعض السیناریوهات المقترحة على المساحة المنزرعة لعدد من المحاصیل الزراعیة، وعائد المزارع، وسعر المیاه للفدان، وحجم میاه الری المستخدمة.

لذلک ستقسم الدراسة الى خمسة نقاط أساسیة ما بین مقدمة وخاتمة وهی (1) الإطار النظری لتسعیر المیاه (2) التجارب الدولیة السابقة لتسعیر میاه الری، (3) رصد الوضع المائی الراهن ومنظومة الری فی مصر (4) سیناریوهات مقترحة لتسعیر میاه الری فی مصر لتحقیق زراعة مستدامة (5) اختبار أثر بعض السیناریوهات المقترحة للتسعیر على عدد من المؤشرات الاقتصادیة باستخدام نماذج البرمجة الخطیة.

 

 

 

 

 

 الإطار النظری لتسعیر المیاه

یعرف السعر على أنه:"القیمة المحددة للمنافع التی یحصل علیها الفرد من السلع أو الخدمات" ،ویعرف أیضاً بأنه:" القیمة المعطاة لمنتج معین والتی یتم التعبیر عنها فی شکل نقدی "، یتفق التعریفان السابقان على مفهوم القیمة التی یستدل بها المشتری أو البائع لتحدید السعر الذی یسهل عملیة المبادلة وتحقیق هدف الطرفین فی الربحیة للبائع و إشباع حاجات المستهلک. ویعد تسعیر الموارد الاقتصادیة من أهم القضایا التی شغلت الاقتصادیین والسیاسیین وکذلک الإداریین، خاصة فی ظل تحول معظم الدول إلى إتباع ألیات السوق الحر، وللخدمات العامة کموارد اقتصادیة وضع مختلف فی ألیات التسعیر تناولته الأدبیات الاقتصادیة المختلفة.

 

 تسعیر الخدمات العامة

معظم الدراسات أجمعت أن الهدف من تسعیر الخدمات العامة هو ترشید الاستخدام ، زیادة معدلات النمو الاقتصادی من خلال تخصیص أفضل للموارد الاقتصادیة، کذلک تحسین نمط توزیع الدخل القومی من خلال منح الطبقات المستحقة أسعار أقل، تحسین الخدمة العامة من خلال الحصول على ایرادات تساعد فی عملیات الإحلال والتجدید کنوع من تشارک التکالیف مع الدولة.

وقد تعددت أسالیب التسعیر فی النظریة الاقتصادیة بین التسعیر بهدف تعظیم الأرباح، وأسلوب سعر التعادل، التسعیر الحدی، أسلوب التسعیر المتعدد :

ونظراً لما للخدمات العامة من وضع مختلف مقارنة ببقیة الموارد الاقتصادیة، فهی تستخدم من کل الطبقات الفقیرة والغنیة، ومعظمها تقدمه الدولة کمحتکر، ومعظمها سلع أولیة أو وسیطة، ولها تکالیف اجتماعیة وکذلک منافع اجتماعیة یجب أخذها فی الاعتبار، لکل تلک الأسباب یجب أن یتم اختیار أسلوب لتسعیرها یحقق معیاری الکفاءة والعدالة معاً، خاصةً إذا کانت هذه الخدمة العامة هی مورد اقتصادی (مثل المیاه العذبة) تتنافس علیه العدید من القطاعات الاقتصادیة، فإن الکفاءة الاقتصادیة لتخصیص هذا العنصر تتحقق عند تعادل المنافع الحدیة التی یحققها فی جمیع القطاعات، والعدالة تتحقق عند التوصل إلى طریقة فی التوزیع لا تتحیز لقطاع دون أخر أو لفئة دخلیه دون أخرى أو لمنظقة دون أخرى. لذلک فرغم صلاحیة کل الأسالیب السابقة لتسعیر الخدمات العامة إلا أن أفضلها هو الأسلوب الأخیر:

فأسلوب التسعیر بهدف تعظیم الأرباح (یحدد السعر عندما یکون الإیراد الحدی= التکلفة الحدیة) لیس الأنسب لتسعیر الخدمات العامة القابلة للتسویق لعدة أسباب ، منها أن هدف الربحیة یحتل أهمیة نسبیة متدنیة من وجهة نظر السیاسات العامة، وبالتالی فإن الاعتماد على هذا الأسلوب لا یتم إلا فی حالات نادرة، کذلک فإن هذا الأسلوب یتطلب توافر ظروف المنافسة الکاملة ومعظم المشروعات التی تقدم الخدمات العامة لا یتوافر فیها هذا الشرط حیث تکون فیها الدولة محتکر، کذلک إتباع هذا الأسلوب فی التسعیر یؤدی إلى ارتفاع الأسعار وبالتالی زیادة العبء على محدودی الدخل، لأن معظم منتجات الخدمات العامة منتجات وسیطة أو أولیة تدخل فی صناعات أخرى فإذا ارتفع سعرها لیحقق أقصى ربح، یرتفع المستوى العام للأسعار فی الدولة بأکملها.

أما أسلوب سعر التعادل (السعر = التکلفة المتوسطة للوحدة) فاستخدام هذا الأسلوب لتسعیر الخدمات العامة لا یسمح للوحدات المنتجة بتکوین فائض للقیام بعملیات الإحلال والتجدید والتوسع إلا من خلال موارد الموازنة العامة للدولة التی تعانی من العجز فی کثیر من الدول خاصة النامیة، وبالتالی تکون فرص التوسع فی الخدمات العامة مستقبلاً محدودة.

وأسلوب التسعیر الحدی (السعر = التکلفة الحدیة للإنتاج) وهذا الأسلوب فی التسعیر یغفل التکلفة الاجتماعیة التی تنتج عن العدید من الخدمات العامة وکذلک یتم إغفال المنافع الخارجیة المصاحبة لها، لذلک فأسلوب التسعیر الحدی أیضاً یکون غیر مناسبة للخدمات العامة.

أما أسلوب التسعیر المتعدد (خاصة أسلوب التسعیر المزدوج) القائم على أن السعر یتضمن جزئیین جزء ثابت وجزء متغیر مع حجم الاستهلاک والذی یمکن من تقسیم السعر على حسب الشرائح الدخیلة ، أو الشرائح الاستهلاکیة، کذلک یعد أسلوب ملائم لمواجهة التقلبات الشدیدة فی الطلب على بعض الخدمات العامة مثل الطلب على الکهرباء الذی یتغیر على مدار الیوم، أیضاً یمکن هذا الأسلوب من منح دعم سعری لفئة معینة دون الفئات الأخرى دون تکالیف إضافیة على موازنة الدولة وبالتالی یمکن تحقیق الهدف الإیرادی دون إهمال للبعد الاجتماعی.

لذلک یعد أسلوب التسعیر المتعدد أفضل وأنسب أسلوب لتسعیر الخدمات العامة القابلة للتسویق.

 القیمة الاقتصادیة للمیاه کما ورد فی الأدبیات الاقتصادیة:

وبعد أن تناولنا أسالیب تسعیر الخدمات العامة ککل، سنرکز فی هذه الجزئیة من الدراسة على أراء المدارس الفکریة الاقتصادیة حول تسعیر المیاه کأحد أهم الخدمات العامة، فهناک عدد من المدارس الاقتصادیة التی تطرقت إلى المیاه من خلال قیمتها وثمنها من أجل معرفة کیفیة تسعیرها، ومن أبرز هذه المدارس الاقتصادیة:

المدرسة الکلاسیکیة: قدم أصحاب المدرسة الکلاسیکیة وعلى رأسهم "آدم سمیث" تفسیرا لذلک التناقض بالتفرقة بین نوعین من القیمة هما: قیمة الاستعمال وقیمة المبادلة. ولتوضیح فکرته جاء مثاله الشهیر فی التفرقة بین الماء و الماس، فالماء یتمتع بقیمة استعمال عالیة جدا ولکن قیمته عند المبادلة صغیرة جدا، أما الماس فقیمة استعماله ضئیلة للغایة ولکن قیمته عند المبادلة عالیة جدا. وفی محاولته لتفسیر ذلک ذهب إلى اتخاذ العمل مقیاسا للقیمة، وقال إن قیمة کل سلعة تتحدد بما یبذل فیها من عمل، کما أشار "آدم سمیث" إلى أن هذه القیمة قد تختلف مع ثمن السوق، فهذا الثمن یتحدد طبقا لاعتبارات العرض و الطلب، ولکن هناک اتجاها لثمن السوق إلى المساواة مع الثمن الطبیعی الذی یتحدد بالمعدل الطبیعی لکل من الأجر و الربح و الریع، وانتهى الوضع عند "آدم سمیث" إلى الأخذ بنظریة تکلفة الإنتاج وقصر نظریة قیمة العمل على المجتمع البدائی.

أما "ریکاردو" فوافق على التفرقة بین قیمة الاستعمال وقیمة المبادلة کما وردت عند "آدم سمیث"، وبین أن الغرض من نظریة القیمة هو البحث فی محددات قیمة المبادلة. وأنه حتى یکون للسلعة قیمة مبادلة لابد وأن یکون لها قیمة استعمال، فقیمة الاستعمال شرط لقیام قیمة المبادلة فی السلعة لکن قیمة الاستعمال لا تصلح لأن تکون معیارا لقیمة المبادلة لأنها تتحدد وفقا لعناصر الندرة أو العمل المبذول فی السلعة.

أما "کارل مارکس" فأخذ فی جزئه الأول فی کتابه الشهیر "رأس المال" بنظریة العمل فی القیمة حیث یأتی بثلاث تغیرات لتحلیل السلعة، الأولى قیمة الاستعمال والثانیة قیمة المبادلة والثالثة قیمة العمل. فالسلعة ذات القیمة من حیث أنها هی التجسید أو البلورة لهذا العنصر ذوی الطابع الاجتماعی والمشترک بینهما وهو العمل، ویقصد "مارکس" بالعمل ،کل جهد إنسانی سواء اتخذ صورة ظاهرة أو بصورة عمل مختزن أو متراکم فی شکل آلة أو مادة أولیة، أما المنتجات الطبیعیة عنده فلیست لها قیمة إذا لم یبذل فی اقتنائها عمل.

المدرسة النیوکلاسکیة: من العرض السابق اتضح أن التفرقة بین القیمة والثمن کانت واضحة لدى الکلاسیک، ورغم هذا الوضوح لدى النیوکلاسیک أیضا إلا أنهم أخذوا بنظریة أن الثمن هو الشکل الصحیح للتعبیر عن قیمة الأشیاء. وفی هذا الصدد یجب أن نشیر إلى قضیة هامة وهی أن تحلیل هؤلاء المفکرین انصب باتجاه السلعة العادیة السوقیة، غیر أن المیاه تتمیز ببعض الممیزات الخاصة التی تجعلها سلعة ذات طبیعة خاصة لا تنطبق علیها آلیات السوق فی تحدید أسعار الطلب علیها والعرض لها وأهم هذه الممیزات نجد ما یلی:

المیاه سلعة حیویة ولیس لها بدیل؛ التکالیف الإنشائیة المتعلقة بتطویر مصادر المیاه عالیة للغایة، فوائد تطویر مصادر المیاه لا تقتصر على شخص دون آخر أو فئة دون أخرى؛ تتمیز صناعة استخراج المیاه بالتکالیف المتوسطة المتناقصة مما یجعلها من الصناعات التی تتصف بما یسمى بالاحتکار الطبیعی، صعوبة تحدید حقوق ملکیة أو استخراج المیاه من مصادرها الطبیعیة بالنسبة للأفراد.

وتمثل هذه الخصائص الممیزة للمیاه الأسباب الرئیسیة الکامنة وراء ظاهرة فشل السوق فیما یتعلق باعتبار المیاه کسلعة سوقیة، وبما أن الماء مورد نادر وسلعة حیویة لیس هناک مادة بدیلة عنه، وکذلک یشکل مدخلا أساسیا ومهمه فی إنتاج السلع التی تلبی الحاجیات الاقتصادیة فإن الأمر یقتضی التعامل مع الماء على أنه مورد له قیمة اقتصادیة فی جمیع أوجه استعمالاته.

أما البنک الدولی فقد عرف مصطلح تسعیر المیاه على إنها "هی العملیة التی یتم بموجبها تحدید سعر للمیاه یحقق توازن العرض والطلب، ویساوی التکالیف الحقیقیة لاستخراجها، بالنظر إلى قیمتها فی الاستعمالات المختلفة، وعلى ذلک تشمل تسعیرة المیاه تکلفة نقل المیاه ومعالجتها والتشغیل والصیانة والتکالیف الرأسمالیة وتکلفة استنفاد المواد والضرر البیئی".

 مبررات وألیات تسعیر میاه الری:

القطاع الزراعی من أکثر القطاعات المستخدمة للمیاه العذبة فی الدول، وفی کثیر من الدول یتم التعامل مع هذا المورد النادر بطریقة غیر اقتصادیة، مما أدى إلى إهدار القدر الکبیر منه.

لذلک فهناک العدید من المبررات لتسعیر میاه الری مثل :التسعیر لمواجهة زیادة الطلب على الغذاء بسبب الزیادة السکانیة، الحاجة الماسة إلى ترشید میاه الری وتخفیض نسبة الفاقد منها، توجیه المزارع نحو طرق ری أحدث تحافظ على المیاه، الحاجة إلى تکالیف باهظة لتمویل مشروعات نقل وتوزیع میاه الری، لا تقوى موازنات الدول النامیة على تحملها مما خفض من کفاءة المرفق، الإفراط فی استخدام میاه الری الناتجة عن عدم التسعیر لا یقتصر أثرها على زیادة الفاقد فقط وانما تؤدی إلى زیادة تکالیف الصرف وتدهور خصائص التربة الطبیعیة. النمو المتسارع للطلب على المیاه للاستخدامات غیر الزراعیة، زیادة معدلات الفجوة الغذائیة فی العدید من الدول النامیة، کذلک تغیر السیاسات المنظمة والموجهة للأداء الزراعی فی إطار السیاسات الاصلاحیة.

طرق التقییم الاقتصادیة لمیاه الری: فی ظل حدیثنا عن تسعیر میاه الری یتبادر إلى الأذهان سؤال هام یحتاج إلى إجابة.

کیف یمکن تقدیر القیمة الاقتصادیة للمیاه -حتى یتم تسعیرها-فی حالة عدم وجود سوق حقیقی لمیاه الری؟

فرغم إنه بالفعل لا یوجد سوق حقیقی تحدد به سعر میاه الری، إلا إننا فی مجال اقتصادیات المیاه هناک جانبان جانب العرض والمقصود به تکالیف توصیل المیاه من المصدر إلى المستهلک کالإنفاق الاستثماری على الخزانات والسدود وصیانة وتطهیر الترع وغیرها، وجانب الطلب وهو یتمثل فی المنفعة الاقتصادیة المناظرة لاستخدامات المیاه فی الأغراض المختلفة.

وإدارة الطلب على المیاه تعنی تحقیق أقصى استفادة ممکنة من المیاه المتاحة للاستعمال، وبالتالی فهی تتضمن أی إجراءات أو طریقة من شأنها أن تقلل من کمیة المیاه التی نحتاج إلیها أو تحافظ على المیاه بجودة أعلى مما هی علیه، فهی أی إجراء ذی نفع.

 وسترکز الدراسة على طرق التقییم الاقتصادی لمیاه الری القائمة على جانب الطلب، وأهم هذه الطرق:

طریقة البواقی Residual approaches: لإن المیاه سلعة وسیطة تستخدم فی إنتاج سلعة نهائیة (مثل استخدام میاه الری فی إنتاج السلع الزراعیة) وفی هذه الحالة تستخدم القیمة الاقتصادیة المجهولة للمیاه بحاصل طرح قیم عوامل الانتاج الأخرى المعلومة من قیمة الانتاج لهذه السلعة.

طرق نماذج البرمجة الریاضیة: وهی النماذج الأکثر استخداما فی مجال الإنتاج الزراعی والصناعی. ویتکون هیکل نموذج البرمجة الخطیة من دالة هدف ومجموعة من القیود تأخذ الشکل التالی:

MAX PX

Subject to AX ≤ B

X ≤ 0

حیث

            P متجه (nX1) یمثل صافی العائد على وحدة الانتاج

X متجه (nX1) الأنشطة الانتاجیة

A مصفوفة (mxn) المعاملات الفنیة التی تحدد احتیاج وحدة الانتاج للنشاط x من عوامل الانتاج مثل العمالة، رأس المال، الموارد الطبیعیة (مثل الأرض والمیاه).

ویکمن الهدف من النموذج فی إیجاد کمیات الانتاج المثلى x* التی تعظم صافی العائد فی ظل قیود النموذج الخاصة بالموارد وعوامل الانتاج. (جمال محمد، 1994) ومن أهم الدراسات التی استخدمت نماذج البرمجة الخطیة فی الدراسات المتعلقة بالموارد المائیة کلاً من إکستن Eckestein، وکذلک هامیلتون Hamiltonو Hall وکذلک Dracup، بالإضافة إلى الطریقتین السابقتین تتضمن طرق التقدیر الاقتصادی لمیاه الری القائمة على جانب الطلب طریقتین أخریین هی طریقة التسعیر الذهنیة، طریقة استمارة الاستبیان.

وبعد أن عرفنا کیف یمکن لنا أن نقیم میاه الری رغم عدم وجود سوق حقیقی لها، نحتاج أیضاً إلى التعرف على ألیات تسعیر میاه الری.

ألیات تسعیر میاه الری: یمکن تقسیم ألیات تسعیر میاه الری إلى ألیات مباشرة وأخرى غیر مباشرة:

ألیات التسعیر المباشرة: (أکثر شیوعاً واستخداما) ومن أهم أشکالها:

 التسعیر على حسب حجم المیاه المستخدم (مما یحقق الکفاءة والعدالة معاً) وهذا التسعیر یتضمن عدة مناهج إما التسعیرة الموحدة، معدلات سعریة متزایدة للأحجام المستخدمة، معدلات سعریة متناقصة من خلال ترکیب عدادات على بدایة الأرض.

 التسعیر وفقاً للمساحة المرویة: وهذا إما أن یکون تسعیر موحد لکل وحدة من المساحة الأرضیة، والتسعیر الموحد لکل وحدة من المساحة المحصولیة ویکون من خلال فرض ضریبة إجمالیة على المساحة الزراعیة.

 أو التسعیر على حسب عدد الریات من خلال فرض ضریبة نوعیة یختلف معدلها من محصول لأخر.

 التسعیر حسب الحصص الزمنیة.

ألیات التسعیر غیر المباشرة: وهی ألیات لا تعتمد على کمیة المیاه المستخدمة فی الری وإنما هی طریقة لتغطیة تکالیف التشغیل والصیانة لاسترداد تکالیف إنشاء مشروعات الری، ومن أهم تلک الألیات:

 التسعیر وفقاً لجملة العائد.

 التسعیر وفقاً لصافی العائد.

 التسعیر وفقاً لحجم المدخلات المشتراه.

 التسعیر وفقاً لنوع المحصول‘وهی طریقة تحقق الکفاءة الاقتصادیة حیث تحث المزارع على الانتقال إلى المحاصیل الأکثر کفاءة فی استخدام المیاه.

ونجد إن الاختیار بین أی من تلک الألیات المختلفة یتوقف على عدد من الاعتبارات مثل مدى توافر المیاه فی المنطقة، دعم الحکومة للزراعة، عدد المزارعین الذین یشملهم النظام، القدرة على توزیع المیاه وتحصیل الرسوم، أشکال الملکیة وقوانین المیاه، مدى انتظام التدفق.

 الدراسات الاقتصادیة السابقة عن تسعیر میاه الری:

نظرا للأهمیة الکبیرة لترشید استخدام المیاه العذبة فی مختلف الدول، ولان ری الأراضی الزراعیة من أکثر القطاعات المستهلکة للمیاه العذبة، لذلک شغلت قضیة تسعیر میاه الری الفکر الاقتصادی فتناولها عدد من الدراسات الاقتصادیة نذکر بعض منها کالتالی:

 دراسة للبنک الدولی ((Qiuqiong Huang et al سنة 2010 (irrigation water demand and implication for water pricing policy in rural china) هدفت هذه الدراسة الى تحلیل أثر تسعیر المیاه الجوفیة فی المناطق الریفیة الصینیة على ترشید استخدام المیاه وکذلک تأثیر ذلک على إنتاج المحاصیل ودخل المنتج ، وباستخدام بیانات الطلب على المیاه على مستوى الأسرة من خلال دراسة میدانیة قام بها ( CWIM)China Water Institutions and Managementوباستخدام نماذج البرمجة الخطیة أظهرت النتائج وجود فجوة کبیرة بین تکلفة المیاه وقیمة المیاه للمنتجین و یؤدی تسعیر المیاه إلى ترشید استخدام المیاه، فی حین أن رفع أسعار المیاه یؤثر سلبًا على إنتاج المحاصیل ودخل المنتجین الریفیین فی الصین.

 دراسة المنظمة العربیة للتنمیة الزراعیة (سنة 2010) (تطویر أسالیب استرداد تکلفة إتاحة میاه الری على ضوء التطورات المحلیة والدولیة) هدفت هذه الدراسة الى وضع مقترحات محددة للسیاسات المائیة الممکن تطبیقها لاسترداد تکلفة اتاحة میاه الری لدول المنطقة العربیة، وقامت بعرض نماذج من التجارب العالمیة والعربیة فی تطبیق سیاسات استرداد تکلفة اتاحة میاه الری.

 دراسة یاسمین صقر(2011) (السیاسات المقترحة لتسعیر میاه الزراعة المصریة وأثارها المحتملة) هدفت الدراسة الی اقتراح وسائل لتسعیر میاه الزراعة فی مصر، واستخدمت اسلوب البرمجة الخطیة وکذلک مصفوفة تحلیل السیاسات فی تقییم أثر تسعیر میاه الزراعة المصریة علی تنافسیة القطاع الزراعی المصری وتوصلت الی ان وضع تعریفة لاستخدام میاه الزراعة فی المحاصیل المختلفة لن یؤثر علی تنافسیة المحاصیل الزراعیة المصریة.

 دراسة أمال محمد المغازی وأخرون( 2013 )(التحلیل الاقتصادی للسیاسة الانتاجیة لمحصولی الأرز وقصب السکر فی ظل تسعیر میاه الری) وکان الهدف من الدراسة تحلیل السیاسة الانتاجیة لمحصولی الأرز وقصب السکر فی مصر فی ظل تسعیر میاه الری، وذلک باستخدام مصفوفة تحلیل السیاسات الانتاجیة بافتراض ستة مستویات سعریة للمتر المکعب المستخدم فی الزراعة، وخلصت الدراسة إلى وضع سیاسة سعریه لمیاه الری تستهدف تقلیل مساحة الأرز والمحافظة على مساحة القصب بحیث ألا یزید سعر المتر المکعب اللازم لری هذه المحاصیل عن خمسة قروش حتى لا تفقد المیزة النسبیة لهذه المحاصیل مع رفع السعر المحلی بنفس قیمة تکلفة الری المضافة للتکالیف الإنتاجیة للأر وقصب السکر.

 دراسة البنک الدولی Caroline van) 2016 (the cost of irrigation water in the gordan( vally)

هدفت هذه الدراسة الى تحدید تکلفة میاه الری فی وادی الأردن و مقارنة تکلفة تقدیم خدمات میاه الری مع الإیرادات التی تجمعها سلطة وادی الأردن JVA وتقدیر أثر زیادة أسعار میاه الری على أساس مستویات مختلفة من استرداد التکالیف - فی الزراعة، وذلک من خلال تحلیل سیناریوهات مختلفة من التعریفة للمتر المکعب لمیاه الری فی وادی الأردن وکذلک أنماط زراعة المحاصیل علی حسب استهلاکها للمیاه ، وتوصلت الدراسة الى أن زراعة محاصیل أقل کثافة فی استخدام المیاه یؤدی إلى تحسین صمود المَزارع إزاء ندرة المیاه على المدى البعید، مع تهیئة الفرصة لتقدیم خدمات أکثر استدامة من خلال زیادة التعریفة للمتر المکعب من میاه الری الأمر الذی یؤثر على المزارعین الذین ینتجون الخضار تأثیراً أقل بکثیر ممن ینتجون المحاصیل الرئیسیة الأخرى (الحمضیات والموز).

 تجارب دولیة سابقة لتسعیر میاه الری:

تسعیر میاه الری لیس بالفکرة المستحدثة وانما هی تجربة قدیمة نفذتها العدید من الدول النامیة والمتقدمة على حد السواء، وهذا ما سنعرضه فی الجزء التالی

(2-1) تجارب بعض الدول المتقدمة:

التجربة الاسبانیة: یتم تحصیل جزء من تکالیف التشغیل والصیانة باعتبار أن المیاه سلعة عامة ولیست سلعة اقتصادیة، ویدفع المزارعون نوعین من الرسوم(الأثمان)، الأولى تدفع للحکومة کثمن لتوزیع الماء من الخزانات إلى (جمعیات استخدام المیاه) والثانی تدفع لتلک الجمعیات لتوصیل المیاه إلى المزارعین، وتختلف تسعیرة المیاه من منطقة لأخرى، فبعضها یفرض السعر على أساس المساحة بینما یتحدد السعر استناداً إلى الکمیة المستهلکة فی حالات أخرى، بخاصة فی المشاریع الجدیدة التی یتم تزویدها بعدادات للمیاه.

فی أسترالیا: یستخدم أسلوب "حقوق المیاه" حیث تقرر أن لکل منتفع الحق فی الحصول على کمیة محددة، ولکن بعد ذلک یحق للمزارع بیع حقه فی المیاه مما یجعل هذا النظام معقداً، حیث یواجه أربعة أنواع من الحقوق: الحق الموسمی للمیاه، الحق الدائم للمیاه، الضمان الشامل للحق، الضمان الجزئی للحق.

فی الولایات المتحدة الأمریکیة: تم إنشاء بنوک المیاه وأسواق المیاه، وتم تسعیر المیاه على أساس توافر المیاه وندرتها (أی بناءً على الأسس الاقتصادیة البحتة)، بدلاً من التسعیر حسب المساحة الذی کان معمول به فی السابق.

فی قبرص: یتم التسعیر على أساس معادلة سعر المیاه بحیث یحصل على الأقل 38% من المتوسط المرجح لتکلفة الوحدة من الإنتاج الزراعی، ویتم تزوید میاه الری للجهة المنظمة للمزارعین مباشرة، ثم یتم تقدیر قیمة التسعیرة من قبل دائرة المیاه والتصدیق علیها من قبل مجلس الوزراء.

فی ترکیا: یدفع المزارع مبلغاً سنویاً محدد حسب المساحة المزروعة، وهو ما یعادل تکالیف التشغیل والصیانة فی السنة الماضیة بدون أیة تعدیلات لتغطیة التضخم، ویختلف الرسم حسب نوع المحصول وحسب المنطقة، أما منظمات مستخدمی المیاه فقد اتبعوا أسلوباً أخر للتسعیر وتحصیل القیمة المطلوبة، وذلک بحساب تکالیف التشغیل والصیانة والاستثمار المتوقعة ویقوموا بتحصیل قیمتها فوراً، وبهذا تم تجاوز مشکلة التضخم وزیادة نسبة التحصیل لتبلغ حوالی 76% من الموازنة المتوقعة.

(2-2) تجارب بعض الدول العربیة فی تسعیر میاه الری:

فی الأردن: نظراً للتکلفة الحدیة المتزایدة لتزوید المیاه فی الأردن والطلب المتنامی على المیاه وانخفاض معدلات استرداد التکلفة، وتمشیاً مع سیاسة التشارک مع القطاع الخاص، تم منذ سنة 1994 إقرار نظام جدید لتسعیرة المیاه، تهدف إلى تخفیض الدعم الذى یقدم للمزارعین، لزیادة فعالیة تسعیرة المیاه کأداة لتحسین إدارة العرض والطلب للمیاه، وعلیه فقد تم زیادة التسعیر بنسبة 150% مع تبنى نظام الشرائح فی منطقة وادى الأردن بحیث تزداد تسعیرة المیاه مع زیادة الکمیة المستهلکة، کما عملت سلطة المیاه على مراقبة استخدام المیاه الجوفیة ووضع عقوبات على المخالفات والاستخدام الجائر للمیاه الجوفیة بضخ کمیات تفوق ما هو مصدق.

فی الیمن: کانت السیاسات الیمنیة السابقة تعتمد تقدیم خدمات المیاه بالمجان فی معظم الاحیان، بما فیها خدمات الری من میاه السیول وخدمات حفر الأبار الجوفیة وتوفیر مضخات دون مراعاة لقیمة میاه الری وأهمیة احتسابها من أجل تنظیم استخدامها وزیادة کفاءة هذا الاستخدام، بل وصل الأمر إلى إلغاء ما کان متبعاً سابقاً من احتساب لتکالیف الری من میاه السیول، والتی تشمل بالضرورة إقامة الحواجز والسدود الصغیرة لحصر میاه هذه السیول ومن ثم استخدامها فی الری، أما فی مجال استخدام المیاه الجوفیة فقد کان الوضع السائد هو أن تتولى الدولة تحمل کل التکالیف من حفر للأبار وتوفیر وترکیب للمضخات بالإضافة إلى دعم أسعار المحروقات لهذا القطاع سواء لتشغیل المضخات أو سیارات نقل المیاه من موقع لأخر.

فی الجزائر: بدأ تطبیق سیاسة جدیدة لتسعیر المیاه اعتباراً من ینایر سنة 2005، وقد أوضحت هذه السیاسة أنه یجب أن تغطى تسعیرة الماء المستعمل فی الفلاحة تکالیف وأعباء صیانة واستغلال المنشأت والهیاکل الأساسیة للسقی والصرف والتطهیر الفلاحی وتساهم فی تمویل الاستثمارات من أجل تجدیدها وتوسیعها، ویحدد سعر المتر المکعب من الماء المستعمل فی الفلاحة، بمراعاة الشروط الخاصة بکل مساحة مروریة والمزروعات الموجودة فیها.

فی السودان: تکلفة إتاحة المیاه أصبحت تقدر على أساس ری المساحة المرویة (الفدان) للموسم دون اعتبار للکمیة الفعلیة المتاحة، وتحسب عل أساس جملة التکلفة على المساحة المرویة، ولکن لکل محصول فئة مختلفة تعتمد على عدد الریات حسب توصیات الجهات البحثیة، علماً بأنه قد تم إسقاط کل التکالیف الإنشائیة والتأهیلیة لشبکات الری.

فی المغرب: یحتفظ المستفیدون بحقهم فی الملکیة النفعیة للمیاه والتی تلزمهم بإتباع معاییر محددة تأخذ بعین الاعتبار تنظیم أسالیب الری وضبط استعمال المیاه بما یتطلبه ترشید استخدام المیاه، ویترتب على الإخلال بهذه القوانین نزع الملکیة بناءً على قواعد قانونیة، ویتطلب هذا الوضع أن یتحمل المستفید جزءاً یسیراً من التکالیف الانشائیة، بما یعادل فقط 30% من تکالیف هذه الانشاءات، على أن بعض صغار المستفیدین الذین تقل حیازتهم عن 20 هکتار یتم إعفاؤهم من هذه التکالیف، أما فیما یخص تکالیف اتاحة المیاه، فإن المستفیدین یقومون بسداد جزء ولیس کل التکالیف وتتدرج هذه التکالیف حسب المساحة، کما أنها تتفاوت حسب أسالیب الری.

فی تونس: السیاسة المتبعة تعمل على تضمین کافة تکلفة إتاحة المیاه الخاصة بالتشغیل والصیانة، کما تقوم الدولة بتوفیر موارد مالیة لتشجیع المزارعین على التحول لأسالیب الری الأکثر ترشیداً للمیاه.

فی مصر: فمنذ عقود طویلة مضت کان وما زال یطبق نظام ضریبة الأراضی الزراعیة والذى کان یدخل من ضمنه (دون الإفصاح) تکلفة إتاحة میاه الری، وقد کان یتم الصرف على مشروعات الإحلال والتجدید والصیانة وإدارة شبکات الری من هذه الضریبة، ولکن نسبة لضألة هذه الضریبة فلم تعد کافیة لمواجهة المتطلبات المتزایدة من التکالیف المذکورة، فضلاً عن إحداث النقلة النوعیة المطلوبة، أیضأً هناک تجارب بیع المیاه الجوفیة فی الوادی الجدید والواحات، کذلک أصبحت فکرة بیع میاه الری فی أراضی الاستصلاح الجدیدة من الأمور المتعارف علیها وقد قامت السلطات المصریة بإجراء العدید من الدراسات اللازمة لاعتماد وتنفیذ سیاسة جدیدة لاسترداد تکلفة میاه الری فی الأراضی القدیمة.

 رصد الوضع المائی الراهن ومنظومة الری فی مصر

یعتقد الرجل العادی أن معروض المیاه فی مصر غیر محدود، نظراً لأنه یرى نهر النیل أمامه عامراً بالمیاه، ولکن الوضع الحقیقی یشعر به المزارعین وخاصة فی المناطق الواقعة فی نهایات الترع، حیث تعانی تلک المناطق من نقص حاد فی میاه الری وهذا ما تؤکده الاحصاءات الرسمیة لوزارة الری التی تقدر النصیب الحالی للمواطن المصری ب570 متر مکعب سنة 2019 مقارنة ب 600 متر مکعب فی الخمس سنوات الماضیة، وهو رقم یقع تحت خط الفقر المائی العالمی المقدر عند 1000 متر مکعب للمواطن سنویاً.

لذلک فقبل الحدیث عن سیناریوهات لتسعیر میاه الری فی مصر، من المهم التعرف على الوضع الراهن للمیاه العذبة فی مصر من حیث أهم مصادرها (العرض)، واهم أوجه استخداماتها (الطلب)، کذلک من المهم التعرف على النصیب النسبی لمیاه الری من إجمالی استخدامات المیاه العذبة فی مصر، ومدى کفاءة وکفایة النظام الحالی للری القائم على عدم تسعیر میاه الری.

 

 

  (3-1) موارد المیاه العذبة فی مصر (جانب العرض):

ینحصر المعروض السنوی للمیاه فی مصر فی حوالی 65 ملیار متر مکعب سنویاً، تأتى من مصادر عدة، فکما هو موضح فی شکل (1) أن أهم وأکبر موارد المعروض من المیاه العذبة فی مصر من نهر النیل فحوالی 85% من معروض المیاه العذبة فی مصر میاه نهر النیل، والأهم من ذلک معرفة أن معظم هذه المیاه یسقط على المرتفعات الأثیوبیة بنسبة 85%، وفی ظل ما تشهده موارد مصر المائیة من نهر النیل فی الأونة الأخیرة من تحدیات وتوقعات بانخفاض المتاح منها الفترة القادمة بسبب مشروع سد النهضة الأثیوبی، یتضح لنا وجود مشکلة کبیرة ستشهدها البلاد فی الفترة القادمة، مما یستوجب من جانب العمل على زیادة المعروض من المصادر الأخرى للمیاه( وهو أمل لیس بالسهل) لأن معظمها إما محددة بمخزون استراتیجی لا یمکن زیادته مثل المیاه الجوفیة، أو محدد بظروف مناخیة خارج السیطرة مثل میاه الأمطار، أو ذات تکلفة عالیة مثل تحلیة میاه البحار أو ذات أثر صحى غیر مؤکد مثل المیاه المدورة والمخلوطة، لذلک یکون الحل الأسرع والأدق والأکفأ هو ترشید جانب الطلب على أکبر مورد للمیاه العذبة فی مصر(میاه نهر النیل) من خلال ترشید استخدام أهم قطاع یستهلک المیاه وهى میاه الری.

 

شکل (1) أهم مصادر المیاه العذبة فی مصر2019

المصدر: إعداد الباحثة، بالاعتماد على بیانات وزارة الموارد المائیة والری 2019.

 (3-2) استخدامات المیاه العذبة فی مصر(جانب الطلب):

یوضح الشکل (2) أهم استخدامات المیاه العذبة فی مصر

 

شکل(2) أهم استخدامات المیاه العذبة فی مصر بحسب القطاع 2019

المصدر: إعداد الباحثة، بالاعتماد على بیانات وزارة الموارد المائیة والری 2019.

یتضح من الشکل السابق أن الجانب الأکبر من الطلب على المیاه العذبة فی مصر یذهب إلى القطاع الزراعی بنسبة تتراوح بین 81%: 82% من إجمالی استخدامات المیاه العذبة فی مصر، یأتی بعده الطلب للأغراض الصناعیة بنسبة 11%، یلیه میاه الشرب نسبة 7.7% أی أن هذه الاستخدامات الثلاثة تشکل حوالی 99% من مجموع استخدامات المیاه، ومن المعروف والمؤکد أن هذه الکمیات من المیاه المطلوبة یذهب الکثیر منها کفاقد نتیجة للاستخدام غیر الکفء لمورد نادر مهم هو المیاه العذبة یقدر حجم الفاقد من تلک الاستخدامات مجتمعة بحوالی 50%.

وهنا یأتی التساؤل هل رغم تلک المعدلات المرتفعة من المیاه الموجهة الى الزراعة ، هل تحقق الدولة المصریة الأمن الغذائی للمحاصیل الرئیسیة؟

وهو ما یوضحه الشکل (3) حیث یلاحظ وجود العدید من المحاصیل التی لا یحقق حجم المنتج منها الاکتفاء الذاتی، وهی محاصیل استراتیجیة للأمن الغذائی وأهمهم القمح والزیوت والفول، وعلى الجانب الأخر هناک محاصیل یحقق المنتج منها الاکتفاء الذاتی فی الدولة منهم الأرز، القصب، الطماطم وهی محاصیل شرهة فی استهلاک المیاه.

 

 

شکل(3) نسبة الاکتفاء الذاتی من بعض المحاصیل الرئیسیة فی مصر 2018

المصدر: إعداد الباحثة، بالاعتماد على بیانات معهد بحوث الاقتصاد الزراعی

 (3-3) مدى کفایة وکفاءة النظام الحالی للری فی مصر:

الکفایة: کما اشرنا سابقا أن مصر من الدول التی بها فقر مائی بشکل عام کمتوسط لنصیب الفرد من المیاه، ولکن هل تکفی الموارد المائیة المتاحة للزراعة (کأکبر مستهلک للمیاه العذبة بنسبة 81%) حجم التوسع الرأسی فی الأراضی القدیمة و التوسع الأفقی فی الأراضی الجدیدة المطلوب فی خطط التنمیة الحالیة والمستقبلیة للبلاد، لمواجهة الزیادة السکانیة، الإجابة انها غیر کافیة والدلیل على ذلک مشکلة انخفاض الأمن الغذائی لعدد من المحاصیل الاستراتیجیة فی مصر السابق الإشارة إلیها فی شکل (3)، بل وتتعرض مئات الأفدنة الزراعیة للعطش والجفاف خاصة فی مناطق نهایات الترع والتی تتفاوت فیها أوقات الریات من حین إلى أخر وهو ما یتسبب فی هلاک الزراعات خاصة فی الأیام الأولى من عمر النبات، ومن حیث التوسع الأفقی وبسبب اتساع المناطق الصحراویة فی مصر، وتزاید الحاجة إلى استصلاحها تکبر الفجوة بین المتاح من میاه الری والمطلوب لتحقیق الأمن الغذائی والتوسع الأفقی فی المساحات الزراعیة فمنذ عقود توضع خطط طموحة لاستصلاح لا تتحقق بنسب کبیرة بسبب قلة المیاه.

الکفاءة: لتحدید کفاءة استخدام المیاه فی الزراعة المصریة فی ظل نظام الری الحالی نستخدم عدد من المؤشرات التی قام بحسابها المتخصصین فی هذا المجال، وأهمها حجم الفاقد من المیاه العذبة خلال عملیة نقل المیاه من الترع إلى الحقل ، فقد تم تقدیر حجم الفاقد من المیاه من أفمام الترع للحقل، حیث وصل المتوسط السنوی للفاقد حوالی 5.45 ملیار م 3 خلال الفترة (2000: 2015)، وکانت أهم اسبابه نسبة البخر المرتفعة للمیاه نتیجة أن الترع مکشوفة ولیست مغطاه، کذلک لما تعانی منه شبکات الری والتوزیع من مشکلات عدم تطهیر وحشائش وتسریب، وغیرها من المشکلات التی تتفاقم بسبب عدم قدرة موازنة الدولة على تحمل نفقات الصیانة والتشغیل منفردة دون مشارکة المزارعین، أیضا نظام الری بالغمر المتبع فی معظم أراضی الوادی القدیم یتسبب فی فقد الموارد المائیة المتاحة للری بما یتراوح بین 30% : 35%، وهو الطریقة التی یفضلها المزارعین مقارنة بالطرق الحدیثة للری المتبعة فی معظم الدول ، لان الطرق الحدیثة مثل الری بالتنقیط أو الرش............ وغیرها تحتاج إلى تکالیف رأسمالیة لإنشاء الشبکات، مما یجعل اختیار استخدامها فی ظل النظام الحالی للری القائم على عدم التسعیر نوع من عدم الرشادة الاقتصادیة للمزارع.

أیضاً من مؤشرات عدم الکفاءة والتی أظهرها أیضا شکل (3) الذی یعبر عن حجم الاکتفاء الذاتی من المحاصیل، تبین عدم کفاءة استخدام مورد غیر کافی تعانی الدولة من عجز فیه فی زیادة حجم المنتج من محاصیل شرهة الاستهلاک للمیاه مثل الأرز، السکر. وهذا یتضح أکثر إذا قسمنا المحاصیل الزراعیة فی مصر إلى شرائح وفقاً لصافی عائد الوحدة المائیة کما هو موضح فی جدول (1) نجد أن النسبة الأکبر من المساحة المزروعة فی مصر مخصصة للمحاصیل ذات صافی العائد المائی المنخفض مثل الأرز، الفول السودانی، القصب....... والنسبة الضئیلة من الأرض الزراعیة مخصصة للمحاصیل ذات العائد المائی المرتفع مثل البصل والثوم والطماطم....، مما یعکس عدم الکفاءة الاقتصادیة والحاجة الی إعادة هیکلة الترکیب المحصولی فی مصر، حتى لو کان ذلک یؤثر على الأمن الغذائی ویضطر الدولة إلى الاستیراد فإن الکفاءة الاقتصادیة تقتضی ذلک.

وأیضاً لتحدید کفاءة النظام الحالی للری من خلال سؤال المستهلک (المزارع )عن مدى رضائه، کانت نتائج إحدى الدراسات المیدانیة التی تمت فی محافظة الشرقیة على عینة من 100 مزارع لمعرفة أهم مشاکل الری التی تواجههم، کانت الإجابات مرتبة تنازلیاً حسب المتوسط على النحو التالی، فی المرتبة الأولى تلوث میاه الری، عدم انتظام مناوبات الری، وعدم کفایة فترة المناوبة، وعدم وصول میاه الری إلی نهایة الترعة، وانخفاض منسوب المیاه فی ترعة الری، وارتفاع تکالیف تطهیر المسقى، وضیق الطریق المار بالمسقى، أی أنه رغم عدم وجود تسعیر لمیاه الری إلا أن المزارع غیر راضی عن کفاءة المنظومة.

جدول (1) النصیب النسبی لأنواع المحاصیل (حسب عائد الوحدة المائیة) من إجمالی المساحة المزروعة فی مصر.

الشرائح وفقاً لصافی عائد الوحدة المائیة المحاصیل حجم المساحة المنزرعة بالألف فدان نسبة المساحة المزروعة من کل شریحة من إجمالی المساحة الزراعیة فی مصر

صافی العائد أقل من 1000 جنیه لکل 1000 متر مکعب من الماء الأرز، الذرة الشامیة، الذرة الرفیعة، الفول السودانی، السمسم، فول الصویا، عباد الشمس، الذرة الصفراء، الخیار، الباذنجان، القصب، البطاطس النیلی. 6517019 55%

صافی العائد (1000- أقل 2000) جنیه لکل 1000 متر مکعب من الماء. البرسیم المستدیم، البرسیم التحریش، القمح، الفول البلدی، الحلبة، الترمس، الکتان، بنجر السکر، الکوسة، الکرنب، البسلة الخضراء، القطن، البطاطس الصیفی، الفاصولیا الجافة. 5070757 42%

صافی العائد (2000 جنیه فأکثر) لکل 1000 متر مکعب من الماء. البصل ،والثوم، الطماطم النیلی 382224 3%

            المصدر: وزارة الری والموارد المائیة، نشرة الموارد المائیة والری، أعداد متفرقة 2010- 2018

            وزارة الزراعة، الإدارة المرکزیة للاقتصاد الزراعی،" نشرة الإحصاءات الزراعیة" أعداد متفرقة.

 (3-4 ) أهمیة التسعیر لتطویر منظومة الری فی مصر لترشید جانب الطلب على المیاه:

یرجع ترکیزنا على جانب الطلب لحل مشکلة المیاه فی مصر إلى إنه هو الوسیلة الأسرع والأسهل التحکم بها، أما زیادة جانب العرض فی المیاه فسیحتاج إلى أجل طویل ویخضع لبعض الاعتبارات الخارجة عن السیطرة، خاصة فیما یخص موارد نهر النیل.

لذلک ولترشید جانب الطلب دون تخفیض المساحة المنزرعة، یتطلب إعادة هیکلة المنظومة الحالیة للری محاولة تنفیذ التالی أ- تحویل شبکات الری والتوزیع إلى شبکات مغطاة أو تبطین الترع التی لا یمکن تغطیتها. ب- ثم التحول التدریجی إلى نظم الری الحدیثة التی من المتوقع أن تعمل على توفیر أکثر من 40% من میاه الری الحالیة لتستخدم فی زراعة أراضی إضافیة، وذلک فی الأراضی التی یصلح معها نطم الری المطور مثل الری بالرش والتنقیط لأن هناک بعض الدراسات أثبتت أن بعض أراضی الدلتا لا یصلح معها تلک الطرق لأنها ستؤدی إلى زیادة ملوحة الأراضی، حیث کما هو موضح فی جدول(2) أن احتیاجات الفدان لمیاه الری باستخدام طرق الری المطور تحتاج إلى کمیات أقل کثیراً من احتیاجاته باستخدام طرق الری التقلیدی فی معظم المحاصیل، ج- کذلک إحداث تحول فی الترکیب المحصولی المصری من محاصیل غزیرة الاستخدام للمیاه إلى محاصیل موفرة للمیاه وذلک دون العودة إلى نظام الدورة الزراعیة الذی تم إلغاءه تنفیذ لبرنامج الاصلاح الاقتصادی سنة 1991 وکذلک لأنه یتنافى مع نظام السوق الحر الذی تتبعه الدولة المصریة حالیاً فی برنامجها للإصلاح الاقتصادی الذی بدأ سنة 2016. د- استنباط سلالات تستهلک کمیات أقل من المیاه.

جدول(2) احتیاجات الفدان لمیاه الری فی بعض المحاصیل

المحصول الری المطور الری التقلیدی

القمح 1700 م 3 تنقیط 2500 ح3

القطن 1800 م3 تنقیط 2400

الأرز - 6000

الذرة الشامیة 2000 م3 تنقیط 3000

المصدر: وزارة الزراعة واستصلاح الأراضی، بیانات غیر منشورة.

وکل هذه الوسائل لترشید الطلب على میاه الری سیصعب تنفیذها دون تسعیر میاه الری، فإعادة هیکلة شبکات النقل والتوزیع الخاصة بالری تحتاج إلى تکلفة کبیرة لن تقوى موازنة الدولة على تحملها دون وجود ایرادات من المستهلکین کثمن للمیاه المستخدمة کنوع من تشارک او تقاسم التکالیف مع الدولة، کذلک لن یتوفر الحافز للمزارع لتحویل أرضه للری بالتنقیط أو الرش وتحمل تکالیف ذلک إذا کانت المیاه مجانیة، أیضاً البعد عن زراعة المحاصیل غزیرة الاستهلاک للمیاه سیکون نتیجة لارتفاع تکلفتها من المیاه المسعرة دون إجبار من الدولة والمساس بمبادئ السوق الحر.

کل ذلک یأخذنا إلى وضع سیناریوهات لتسعیر میاه الری فی مصر لتحقیق هدف ترشید جانب الطلب.

 سیناریوهات مقترحة لتسعیر میاه الری فی مصر( لتشارک تکالیف الخدمات)

والسؤال الأن کیف یمکن ترشید استعمال المیاه فی الزراعة، بما یحقق زیادة الرقعة المنزرعة والمأهولة من البلاد، وکذلک تحقیق أقصى قدر من الأمن الغذائی؟

 فکما أشرنا من تجارب دولیة سابقة فی دول متقدمة ودول عربیة، وکذلک بمراجعة الأدبیات المختلفة اتضح إن ترشید جانب الطلب من خلال تسعیر میاه الری هو أفضل إجابة للسؤال السابق.

وقد فطن المشرع المصری لأهمیة ذلک، لذلک نص قانون الری الموحد فی مصر لسنة 2018 فی بنده السادس عشر على الاتی "استحداث فصل للمشارکة بهدف تفعیل مشارکة مستخدمی المیاه مع الدولة فی إدارة وتشغیل وصیانة نظم الری والصرف"

ولکن قبل أن نبدأ بالسیناریوهات المقترحة لتسعیر میاه الری فی مصر، یجب التأکید على أن أی أسلوب لتسعیر میاه الری یجب أن تتوافر به أکبر قدر من الشروط التالیة حتى یتصف بالکفاءة والعدالة معاً

 البساطة فی التطبیق دون تعقید طرق الحساب مما ینشئ المشکلات بین المزارع والدولة.

 ألا یتحمل المزارع إلا التکالیف العادلة مقابل ما یستخدمه فعلاً من میاه، ومع ما یحتاجه المحصول من مقتنیات مائیة.

 أن تتناسب تکلفة استخدام المیاه مع العائد الذی یحصل علیه المزارع.

  أن تسهم فی تحقیق الأمن الغذائی من المحاصیل الرئیسیة بحیث یکون هناک تمییز سعری فی تکلفة المیاه کحافز غیر مباشر لزیادة الکمیة المنتجة من محاصیل الأمن الغذائی فی الدولة، بشرط أن یکون من المحاصیل غیر الشرهة للمیاه

وکل تلک الشروط تتطلب أن یحقق أسلوب التسعیر هدفی الکفاءة والعدالة معاً بقدر المستطاع.

السیناریوهات المقترحة لتسعیر میاه الری فی مصر:

اعتماداً على تجارب الدول السابقة وما تم ذکره من ألیات مباشرة وغیر مباشرة لتسعیر میاه الری فی الجزء النظری للدراسة، یمکن اقتراح عدد من السیناریوهات لتسعیر میاه الری فی مصر وهی:

(4-1) السیناریو الأول: سعر میاه الری یحدد کنسبة ثابتة من صافی عائد المحصول المنزرع.

العائد= الإیراد – التکلفة المتغیرة

وقد تکون هذه النسبة 1%،2%،3%، 4%............10% من عائد المحصول المنزرع .

وإذا بحثنا عن تحقیق هذا السیناریو للشروط السابق الإشارة إلیها نجد التالی:

الشرط الأول: من حیث سهولة التطبیق، فهذا السیناریو صعب فی التطبیق لأنه یعتمد على العدید من الاعتبارات الاقتصادیة والاجتماعیة فی حسابات عناصر التکلفة والإیراد المتغیرة.

الشرط الثانی: وهو تحمل تکلفة مساویة بالفعل لما تم استهلاکه من میاه، فنجد أن طریقة التسعیر المتبعة فی هذا السیناریو لا تطبق هذا الشرط فقد یکون المحصول مرتفع الثمن وبالتالی العائد، ولکن قلیل الاستهلاک للمیاه.

الشرط الثالث: وهو الخاص بالعدالة الدخلیة لحساب التکلفة، فتتوافر فی هذا السیناریو اعتبارات العدالة فکلما زاد عائد المحصول، زاد المبلغ الذی یدفعه المزارع کثمن للمیاه.

الشرط الرابع: لا یسهم هذا السیناریو فی تحقیق الأمن الغذائی لإن ارتفاع سعر المیاه للمحاصیل ذات العائد المرتفع قد تؤدی إلى إحجام المزارعین عنها رغم انها قد تکون محاصیل استراتیجیة للأمن الغذائی.

(4-2) السیناریو الثانی: تسعیر میاه الری على حسب نوع المحصول (کضریبة نوعیة) فیختلف معدلها من محصول إلى أخر على حسب استهلاکه للمیاه، فتقسم المحاصیل إلى ثلاثة مجموعات:

محاصیل منخفضة الاستهلاک للمیاه أقل من 2500 متر مکعب للفدان مثل (القمح والفول، الشعیر، الترمس، الحمص، برسیم التحریش، الکتان، البصل، بنجر السکر، الثوم).

محاصیل متوسطة الاستهلاک للمیاه: محاصیل تتراوح معدلات استهلاکها من المیاه بین 2500- 5000 متر مکعب للفدان مثل (البرسیم المستدیم، القطن، الذرة الشامیة، الذرة الرفیعة، وفول الصویا، والسمسم، الفول السودانی، عباد الشمس، الخضروات الصیفیة والنیلیة)

 ومحاصیل مرتفعة الاستهلاک للمیاه: التی تحتاج إلى مقتنیات مائیة أکثر من 5000 متر مکعب للفدان مثل (الأرز، قصب السکر). (نشرة الإحصاءات الزراعیة)

فی هذا السیناریو یمکن أن نضع سیناریوهین فرعیین

السیناریو الفرعی الأول: یتم فرض ضریبة نوعیة تصاعدیة من صافی العائد المحسوب للمحاصیل، یکون صفر% للمحاصیل منخفضة الاستهلاک للمیاه، نسبة 2% للمحاصیل متوسطة الاستهلاک للمیاه، 5% للمحاصیل مرتفعة الاستهلاک.

سیناریو فرعی ثانی: یتم فرض تسعیرة موحدة على المتر المکعب من المیاه تقدر ب 5 قروش فی حالة المحاصیل منخفضة الاستهلاک للمیاه، و10 قروش للمحاصیل متوسطة الاستهلاک للمیاه، 20 قرش للمحاصیل مرتفعة الاستهلاک للمیاه. وفی هذه الحالة تکون هناک حاجة إلى ترکیب العدادات على مداخل الأراضی الزراعیة.

وعند البحث عن مدى توافر الشروط سابقة الذکر نجد الاتی

الشرط الأول: لا یتصف بسهولة التطبیق فالسیناریو الفرعی الأول یحتاج إلى دراسات میدانیة ومتابعة مستمرة للأراضی المزروعة لتحدید نوع المحصول، والسیناریو الفرعی الثانی یحتاج إلى ترکیب عدادات على مداخل الأراضی الزراعیة والذی قد یؤدی إلى إتباع المزارعین أسالیب ملتویة لإدخال المیاه إلى الأراضی للتهرب من العدادات.

الشرط الثانی: یتوافر فی کلا السیناریوهین الفرعیین.

الشرط الثالث: یتوافر فی کلا السیناریوهین الفرعیین فهذا السیناریو تتوافر فیه اعتبارات الکفاءة والعدالة معاً، الکفاءة لأنه سیعمل على الحد من زراعة المحاصیل الشرهة للمیاه بطریقة غیر مباشرة ودون الإخلال بمبادئ اقتصادیات السوق الحر وبنفس الطریقة یعطی حافز لزراعة المحاصیل الموفرة للمیاه، العدالة لأنه کلما زاد استهلاک المزارع للمیاه زاد السعر المدفوع.

الشرط الرابع: فی حالة کان المحصول مطلوب لتحقیق الأمن الغذائی وغیر شره للمیاه مثل القمح مثلاً یستطیع ذلک السیناریو إعطاء حافز للمزارعین لزراعته من خلال التمییز السعری للمیاه على حسب المحصول.

(4-3) السیناریو الثالث: فرض تسعیرة موحدة على المتر المکعب من میاه الری (تسعیر حجمی) بغض النظر عن نوع المحصول وموسم أو مکان الزراعة توضع تسعیرة موحدة على المتر المکعب المستهلک من المیاه قد تکون 10 قروش للمتر المکعب أو 20 قرش، أو 30، أو 40 قرش للمتر المکعب.

ولتقییم السیناریو من حیث توافر الشروط السابقة نجد الاتی

الشرط الأول : سهل التطبیق من حیث الإجراءات والتعامل بین الدولة والمزارع، ولکنه یحتاج أیضا إلى ترکیب عدادات.

الشرط الثانی: یتحقق بشکل کبیر فلا یدفع المزارع إلا قیمة ما استهلکه بالفعل. ولکن لا یعطی حافز للمحاصیل غیر الشرهة، فثمن المتر المکعب واحد فی کلا الحالتین المحاصیل الشرهة، وغیر الشرهة مما قد لا یحسن من الترکیب المحصولی لیکون فی صالح توفیر الموارد المائیة وهو الهدف الأساسی للتسعیر.

الشرط الثالث: لا یتحقق لأنه لا ینظر إلی عائد المحصول ولا نوعه وبالتالی لا یحقق العدالة فی توزیع الدخل.

 الشرط الرابع: أیضاٌ لا یتحقق لأن هذا السیناریو لا یهتم بالتمییز السعری على حسب نوع المحصول ما إذا کان یحقق الأمن الغذائی فی الدولة أم لا.

(4-4) السیناریو الرابع: یقسم المحاصیل الزراعیة على حسب صافی عائد الوحدة المائیة کما ورد فی جدول (3) السابق، وعلى أساس ذلک تصنف المحاصیل إلی: محاصیل ذات عائد مائی منخفض، محاصیل ذات عائد مائی متوسط، محاصیل ذات عائد مائی مرتفع، وهنا ممکن أن یتم وضع سیناریوهان فرعیان:

السیناریو الفرعی الأول: یتم فرض ضریبة نوعیة ثابتة 1% من العائد للنوع الأول، 3% من العائد للنوع الثانی، أو 5% من العائد للنوع الثالث.

السیناریو الفرعی الثانی: یتم فرض تسعیرة موحدة قدرها 5 قروش للمتر المکعب فی النوع الأول، 15 قرش للمتر المکعب للنوع الثانی، و20 قرش للمتر المکعب فی النوع الثالث. ویتم الاسترشاد بدراسات سابقة تحدد لکل محصول ما تحتاجه الوحدة المعیاریة (طن، کیلو) من موارد مائیة.

مدى توافر الشروط:

الشرط الأول: طریقة غیر سهلة فی کلا السیناریوهین الفرعیین سواء فی حساباتها أو فی التعامل بین الدولة و المزارعین.

الشرط الثانی: لا یتوافر فی السیناریو الفرعی الأول ، ویتوفر فی السیناریو الفرعی الثانی.

الشرط الثالث: هذا السیناریو تتوافر فیه اعتبارات العدالة بشکل کبیر فکلما ارتفع صافی عائد الوحدة المائیة للمحصول ارتفع سعر المیاه له، أی من یکسب أکثر یدفع أکثر (مثل فکرة الضرائب التصاعدیة على الدخل)

الشرط الرابع: تتوافر به فکرة التمییز السعری على حسب نوع المحصول، مما قد یمکن من إعطاء أوزان أعلى لمحاصیل الأمن الغذائی وإعطائهم تمیزات سعریة

السیناریو الخامس: یتم فرض تسعیرة موحدة للمساحة المحصولیة (الفدان) بغض النظر عن نوع المحصول المنزرع أو کمیة المیاه المستهلکة، قد تکون 10 ،20، 30، 40 جنیه للفدان.

مدى توافر الشروط:

 الشرط الأول: هذا السیناریو أسهل السیناریوهات فی التطبیق، وأقلها تکلفة لأنه لا یحتاج إلى ترکیب عدادات أو حسابات دقیقة للعوائد أو للمقتنیات المائیة.

الشرط الثانی: غیر متوفر مما یفقده القدرة على تحقیق الکفاءة فی استخدام المیاه، فالمزارع طالما دفع سعر استخدام المیاه على الفدان سیزرعه بما یرید ایاً کان استهلاکه الفعلی أو حجم الفاقد من المیاه.

الشرط الثالث: غیر متوفر فلا یدفع المزارع على قدر العائد، وإنما کل من یملک فدان أرض یدفع نفس المبلغ، فیفتقد إلى عنصر العدالة فمن یستهلک قلیلاً یدفع مثل من یستهلک کثیراً.

الشرط الرابع: لا تتوافر به فکرة التمییز السعرى على حسب نوع المحصول، وإنما بالمساحة، وبالتالی لن یسهم فی تحقیق الأمن الغذائی.

جدول(3) مصفوفة تحقیق السیناریوهات المقترحة لتسعیر المیاه لشروط التسعیر الجید

السیناریوهات البساطة العدالة الاستهلاکیة العدالة الداخلیة تحقیق الأمن الغذائی

الأول X X √ X

الثانی الفرعی الأول X √ √ √

 الفرعی الثانی X √ √ √

الثالث √ √ X X

الرابع الفرعی الأول X X √ √

 الفرعی الثانی X √ √ √

الخامس √ X X X

المصدر: اعداد الباحثة

وبالتالی تتنوع هذه السیناریوهات ما بین السهولة والصعوبة فی التطبیق، وکذلک فی قدرتها على تحقیق مفهوم العدالة، وکلهم هدفهم الأساسی ترشید استخدام المیاه.

ولإن المیاه من الخدمات العامة، والتی کما أشرنا فی الإطار النظری للدراسة، إلى أن أفضل طرق تسعیر الخدمات العامة هی طریقة التسعیر المزدوج لأنها تسمح بتحقیق العدالة بشکل أکبر لأنها تعطی القدرة على التمییز السعری، (یاسمین صقر، 2012) لذلک سترکز الدراسة وتعطی أهمیة أکبر للسیناریوهات التی تسمح بالتمییز السعری، لإنها تحقق العدالة، ولإن هدف العدالة یجب أن یکون هدف مصاحب لکل مورد اقتصادی یتم إعادة توزیعه بألیات تحقق التنمیة المستدامة ولکن فی نفس الوقت تحقق مفهوم النمو الاحتوائی.

لذلک فنجد أن السیناریو الثانی بکلا السیناریوهاین الفرعیین له، والسیناریو الرابع وخاصةً السیناریو الفرعی الثانی به ،أفضل السیناریوهات من حیث عدد الشروط المحققة وخاصة العدالة کما هو موضح فی جدول (2).

لذلک سترکز علیهم الدراسة لاختبارهم من حیث التأثیر على عدد من المؤشرات الاقتصادیة باستخدام نماذج البرمجة الخطیة.

(5) اختبار تأثیر السیناریوهات المختارة للتسعیر على بعض المؤشرات الاقتصادیة باستخدام نماذج البرمجة الخطیة.

کما أشرنا فی الإطار النظری للدراسة، فإن نماذج البرمجة الخطیة من أکثر النماذج الریاضیة المستخدمة فی تخطیط وإدارة وتقییم الموارد المائیة، ویکون الهدف من النموذج إیجاد الحلول التی تعظم العائد المرغوب فیه وتدنی التکلفة غیر المرغوب فیها فی ظل مجموعة من القیود .

 

 

(5-1) توصیف نموذج البرمجة الخطیة المستخدم فی التحلیل:

تفترض الدراسة أن الهدف الأساسی للمزارع المصری هو تعظیم الربح، أی تعظیم الفرق بین الإیرادات والتکالیف المتغیرة (متضمنة تکالیف المیاه)، ویتم حل نموذج البرمجة عدة مرات کل مرة یتم تغییر تکلفة المیاه عل حسب سیناریو التسعیر المراد اختباره، ثم یتم مقارنته بنموذج نمطی تم وضعه دون تسعیر لمیاه الری. ومن خلال المقارنة یتم معرفة نتائج تأثیر سیناریو التسعیر المقترح على عدد من المؤشرات الاقتصادیة لاختیار أفضلهم.

ویمکن التعبیر عن دالة الهدف بالشکل التالی:

Max Z=∑i∑j (pjYij -Cj)Xi-∑j Vj

القیود

Subject to: ∑_(j=1)^n▒aij Xj ≤ bi i=1,2,…m

                                                       J=1,2,…..n

 

Xj≥0

حیث:

Pj سعر الوحدة المنتجة من المحصول (j ).

Yij إنتاجیة الفدان (i) من المحصول j.

Cj تکالیف الإنتاج/ فدان للمحصول (j) ولا تشمل هذه التکالیف على الماء.

Xj المساحة المنزرعة بالمحصول j.

aij المعاملات الفنیة (i) للمحصول (j) .

Bi المتاح من عناصر الإنتاج (الأرض والمیاه)

 ∑j Vjتکالیف المیاه. SAIMA JABEEN , 2006))

الأنشطة المحصولیة التی تضمنتها نماذج البرمجة الریاضیة للدراسة حوالی 40 نشاطا محصولیاً، تقدر إجمالی مساحتها المنزرعة ب 12859 ألف فدان وهى تمثل حوالی (82.9%) من إجمالی المساحة المحصولیة فی مصر والبالغة 15500 ألف فدان کمتوسط لبیانات الفترة من (2012- 2016) کما هو موضح فی جدول (4) والنسبة الباقیة تعذر الحصول على بیاناتها

جدول(4) متوسط المساحة المزروعة لعدد من المحاصیل فی مصر بالفدان

المحصول المساحة المحصولیة المحصول المساحة المحصولیة المحصول المساحة المحصولیة

المحاصیل الصیفیة المحاصیل الشتویة المحاصیل النیلیة

الذرة الرفیعة 355397 الترمس 3560 الذرة الشامیة 254819

الفول السودانی 125469 القمح 2921579 الذرة الرفیعة 6875

السمسم 71743 الحمص 13685 الذرة الصفراء 40617

فول الصویا 18799 الطماطم 208775 البطاطس 48757

عباد الشمس 31521 الکرنب 29579 الطماطم 69638

الطماطم 241260 البسلة الخضراء 54132 الفاصولیا الجافة 6667

البطاطس 92798 الکوسة 22328 الکرنب 8829

القصب 327864 الفول البلدی 210570

القطن 589331 برسیم التحریش 491986

الخیار 52312 البرسیم المستدیم 1694780

الکوسة 62804 العدس 1976

الباذنجان 60013 الحلبة 14553

الأرز 1574976 الکتان 17593

الذرة الصفراء 156095 البصل 84876

الذرة الشامیة 1653995 الثوم 19724

  بنجر السکر 200978

  الشعیر 112295

وزارة الزراعة واستصلاح الأراضی، الادارة المرکزیة للاقتصاد الزراعی، نشرة الاحصاءات الزراعیة، أعداد متفرقة.

قیود النموذج:

تنقسم القیود فی هذا النموذج إلى قیود الموارد (الأرض ومیاه الری المتاحة)، وقیود تنظیمیة (الترکیب المحصولی الراهن) وتم استخدام بیانات خمسة سنوات (2012-2016).

قیود الموارد:

 الرقعة الزراعیة لا تزید عن 6101876 فدان للمحاصیل الشتویة، وحوالی 5869643 فدان للمحاصیل الصیفیة والنیلیة. وکذلک قید الحد الأدنى والحد الأعلى لمساحات المحاصیل المختلفة (الحد الأدنى وهو أدنى مساحة زرعت من المحصول خلال الخمس سنوات السابق ذکرهم) و(الحد الأقصى هو أعلى مساحة زرعت للمحصول خلال الفترة المشار إلیها) .

 قیود الموارد المائیة: إجمالی الموارد المائیة المتاحة للمحاصیل السالفة الذکر خلال الفترة المحددة للدراسة حوالی 39726 ملیون متر مکعب، وتوزیع میاه الری بین المحاصیل المختلفة بالمتر المکعب للفدان کمتوسط خلال فترة الدراسة تم الحصول علیه من وزارة الزراعة واستصلاح الأراضی، نشرة الإحصاءات الزراعیة.

القیود التنظیمیة:

 الترکیب المحصولی للدولة یعد قید تنظیمی لأنه صعب التغیر فی المدى القصیر نتیجة تمیز کل محافظة على حسب ظروفها البیئیة والجویة والاجتماعیة والموردیة بنمط إنتاجی معین یصعب تغییره فی الأجل القصیر.

(5-2) نتائج حلول نماذج البرمجة:

کما ذکرنا فإننا لتقییم نتائج تطبیق سیناریوهات التسعیر المقترحة على عدد من المؤشرات الاقتصادیة سنقارنها بما یسمى النموذج النمطی، والمقصود به حل نموذج البرمجة بدون تسعیر میاه الری (تعظیم إجمالی صافی العائد الزراعی فوق تکالیف الإنتاج المتغیرة (بدون سعر میاه الری)

من کل السیناریوهات المقترحة لتسعیر میاه الری وقع اختیار الدراسة على السیناریو الثانی بنمطیه الأول والثانی، والسیناریو الرابع فی نمطه الفرعی الثانی وکانت نتائج حل نموذج البرمجة الخطیة لهم کالتالی.

 نتیجة حل نموذج البرمجة الخطیة الخاص بسیناریو التسعیر الثانی:

السیناریو الفرعی الأول: وفقا لتصنیف المحاصیل إلى منخفضة، متوسطة، مرتفعة الاستهلاک تم وضع مقترح فرض ضریبة نوعیة تصاعدیة من صافی العائد المحسوب للمحاصیل، یکون صفر% من عائد الفدان للمحاصیل منخفضة الاستهلاک للمیاه، نسبة 2% من عائد الفدان للمحاصیل متوسطة الاستهلاک للمیاه، 5% للمحاصیل مرتفعة الاستهلاک.

وسیتم تقییم أثر السیناریو على عدد من المؤشرات الاقتصادیة هی: نسبة التغیر فی مساحات المحاصیل، التسعیرة المقدرة للفدان بالجنیه، والانخفاض النسبی فی صافی العائد الفدانی نتیجة خصم تسعیرة المیاه مقارنة بالنموذج النمطی.

ویتضح من جدول(1 بملحق الجداول) أنه فی حالة تطبیق سیناریو التسعیر الفرعی الأول لسیناریو التسعیر الثانی سینتج عن هذا زیادة فی المساحة المحصولیة لکلاً من محصول (القمح، القطن، الکوسة) وهى محاصیل منخفضة أو متوسطة الاستهلاک للمیاه وهذه نتیجة جیدة خاصة لکلاً من محصولی القمح والقطن کمحاصیل استراتیجیة، وعلى الجانب الأخر ستنخفض المساحة المحصولیة لکلاً من (الأرز، الذرة الصفراء، الذرة الشامیة، العدس) لإنها محاصیل مرتفعة ومتوسطة الاستهلاک للمیاه خاصة الأرز ولکن من الملاحظ إن تأثیر التسعیر وفقا لهذا السیناریو على تخفیض مساحة الأرز محدود وعلى قصب السکر تساوی صفر على الرغم من أنهم أکثر المحاصیل اهدراً للموارد المائیة، أما باقی المحاصیل فلن تتغیر المساحة المحصولیة منها.

ومن جدول (2بملحق الجداول) یتضح أن تأثیر التسعیر وفقا لهذا السیناریو على معدلات العائد للفدان هی نفسها المعدلات المقترحة فی السیناریو والتی تتراوح بین صفر%،2%،5% على عائد الفدان للمحاصیل منخفضة ومتوسطة ومرتفعة الاستهلاک للمیاه بالترتیب، والتی نتج عنها أن کل المحاصیل الموفرة فی استهلاک المیاه کانت تسعیرة المیاه لها للفدان تساوی صفر وکلما زاد استهلاک المیاه زاد سعر المیاه للفدان لیصل إلى أعلى سعر له لکلاً من الأرز(178 جنیه للفدان) وقصب السکر(268 جنیه للفدان) أعلى المحاصیل استهلاکاً للمیاه، مع ملاحظة إن هذه الأسعار وضعت على أساس حل نموذج البرمجة الخطیة وفقا لبیانات فترة الدراسة، ومع تغیر معدلات التضخم تتغیر تلک الأسعار، وهذه الملاحظة تنطبق أیضاً على الأسعار فی السیناریوهات التالیة.

 

السیناریو الفرعی الثانی:

أیضا بناءً على تصنیف المحاصیل حسب استهلاکها للمیاه تم وضع السیناریو الفرعی الثانی بحیث یتم فرض تسعیرة موحدة على المتر المکعب من المیاه تقدر ب 5 قروش فی حالة المحاصیل منخفضة الاستهلاک، و10 قروش للمحاصیل متوسطة الاستهلاک للمیاه، 20 قرش للمحاصیل مرتفعة الاستهلاک للمیاه.

ویتضح من جدول(3بملحق الجداول) أنه فی حالة تطبیق سیناریو التسعیر الفرعی الثانی لسیناریو التسعیر الثانی سینتج عن هذا زیادة فی المساحة المحصولیة لکلاً من محاصیل (الفول السودانی، القمح، القطن، الکوسة) وهی محاصیل منخفضة أو متوسطة الاستهلاک للمیاه وهذه نتیجة جیدة خاصة لکلاً من محصولی القمح والقطن کمحاصیل استراتیجیة، وعلى الجانب الأخر ستنخفض المساحة المحصولیة لکلاً من (الأرز، الذرة الصفراء، الذرة الشامیة، العدس) لإنها محاصیل مرتفعة ومتوسطة الاستهلاک للمیاه خاصة الأرز ولکن من الملاحظ إن تأثیر التسعیر وفقا لهذا السیناریو على تخفیض مساحة الأرز أکبر مقارنة بالسیناریو السابق ولکن لا تزال محدودة ، أما باقی المحاصیل فلن تتغیر المساحة المحصولیة منها ومنها قصب السکر.

وکما هو موضح فی جدول (4 بملحق الجداول) یتضح إن تلک الطریقة تؤدی إلى زیادة إیرادات الدولة بشکل کبیر لأنها ینتج عنها تسعیر لمیاه الری لمعظم المحاصیل على عکس السیناریو السابق الذی أعفى معظم المحاصیل من التسعیر، ولکن زیادة الایرادات یجب ألا یکون هو الغرض الأساسی لأنه على الجانب الأخر سینتج عنه انخفاض فی عائد الفلاح لمعظم المحاصیل کما هو موضح فی الجدول السابق مما قد یجعل المزارعین قد ینفروا من القطاع الزراعی ویخفض الإنتاج الزراعی الکلی بشکل کبیر، وهذا لیس الغرض من سیناریوهات تسعیر المیاه.

من جدول (5 بملحق الجداول) یتضح الاتی: زراعة المساحة المحصولیة بالکامل (الشتویة، الصیفیة، النیلیة) کنتیجة لکلا السیناریوهین یعکس الکفاءة الاقتصادیة لاستخدام عنصر الأرض. کذلک یتضح أن السیناریو الفرعی الثانی أکثر قسوة فی التأثیر على انخفاض عائد الفلاح (11%) مقارنة بالسیناریو الفرعی الأول (2.2%) فقط، ورغم إن ذلک یعنی إنه ذو تأثیر أفضل وأکبر على إیرادات الدولة، إلا إنه قد یؤدی إلى هجرة الفلاحین لأراضیهم، أما فیما یخص مؤشرات استهلاک المیاه فنجد إن کلا السیناریوهین لهم تأثیر محدود على معدلات انخفاض کمیة میاه الری المستخدمة (0.01%) للسیناریو الفرعی الأول، و (0.42) للسیناریو الفرعی الثانی وهذا نفس الأثر تقریباً على متوسط احتیاجات الفدان من میاه الری.

 نتیجة حل نموذج البرمجة الخطیة الخاص بسیناریو التسعیر الفرعی الثانی من السیناریو الرابع:

بناءً على تصنیف المحاصیل إلی محاصیل ذات عائد مائی منخفض، محاصیل ذات عائد مائی متوسط، محاصیل ذات عائد مائی مرتفع، یتم فرض تسعیرة موحدة قدرها 5 قروش للمتر المکعب فی النوع الأول، 15 قرش للمتر المکعب للنوع الثانی، و20 قرش للمتر المکعب فی النوع الثالث یمکن رصد نتائج حل نموذج البرمجة الخطیة لهذا السیناریو على النحو التالی:

من جدول (6 بملحق الجداول) یتضح إن هذا السیناریو سیؤدی إلى زیادة المساحة المحصولیة لکلاً من (الفول السودانی والقمح) فقط، وعلى الجانب الأخر سیخفض من المساحة المحصولیة لکلاً من (القطن، الأرز، الذرة الصفراء، الذرة الشامیة، الکوسة)

ومن جدول (7 بملحق الجداول) یتضح إن هذا السیناریو هو حالة وسط بین السیناریوهین السابقین فرغم إنه یخفض من عائد الفدان لکل المحاصیل لصالح موازنة الدولة (مما یعنی زیادة موارد الدولة مقارنة بالسیناریو الفرعی الأول للسیناریو الثانی) إلا إن هذا الانخفاض ما زال فی حدود مناسبة حیث لم تتعدى نسبة الانخفاض فی صافی العائد لأی من المحاصیل نسبة 15% من صافی العائد فی النموذج النمطی، وهو أقل من السیناریو الفرعی الثانی لسیناریو التسعیر الثانی.

ویعتبر هذا السیناریو أکثر عدالة فی توزیع الدخل حیث یوزع العبء فی صورة شرائح تصاعدیة فمن یکسب أکثر یدفع ثمناً أعلى على الوحدة المائیة المستخدمة.

وعند مقارنة جدول (8 بملحق الجداول) الخاص بالمؤشرات الاقتصادیة الناتجة عن تطبیق السیناریو الفرعی الثانی للسیناریو المقترح الرابع ،مع جدول (4 بملحق الجداول) الخاص بالمؤشرات الاقتصادیة الناتجة عن تطبیق السیناریو الثانی بفرعیه الأول والثانی ، نجد أن السیناریو الفرعی الثانی للسیناریو الرابع هو حالة وسط بین کلا السیناریوهین الفرعیین للسیناریو الثانی فیما یخص حجم الانخفاض فی عائد الفلاح (الزیادة فی إیرادات الدولة) وبالتالی فهو أفضل منهم ، وکذلک فیما یخص أثره على مؤشرات استهلاک المیاه فهو أفضل بشکل أکبر لأنه یخفض من متوسط احتیاجات الفدان من میاه الری بالمتر المکعب بحوالی 3.6% مقارنة ب(صفر، 0.42%) لفرعی السیناریو الثانی ، وکذلک أثره على تخفیض إجمالی کمیة میاه الری المستخدمة بالملیون م 3بحوالی (3.3%) مقارنة ب(0.01%، 0.42%) للسیناریو الثانی، کما إنه کما سبق وأشرنا أفضل من حیث تطبیق مفهوم العدالة فمن یحقق عائد أکبر من استخدام الوحدة المائیة، یدفع ثمن أکبر للمیاه، کما إنه نظراً لقدرته على التمییز السعری على حسب نوع المحصول فهو یمکن الحکومة فی حالة الرغبة فی إعطاء حافز للمزارعین بزیادة کمیة بعض المحاصیل التی تحقق الأمن الغذائی ( بشرط أن تکون غیر شرهة للمیاه) وفی نفس الوقت لا تخل بمبادئ الحریة الاقتصادیة أن تخفض أو تعفی تلک المحاصیل من التسعیر.

لذلک توصی الدراسة باستخدام طریقة التسعیر المقترحة فی السیناریو الفرعی الثانی للسیناریو المقترح الرابع، فی حالة الرغبة فی تحقیق هدف الکفاءة والعدالة معاً عند اتخاذ قرار بتسعیر میاه الری لاسترداد تکالیف الخدمة، ولترشید استهلاک المیاه فی أکبر قطاع مستهلک للمیاه العذبة فی مصر وهو القطاع الزراعی، مع ضرورة الإشارة إلى أن الأسعار المقترحة فی هذا السیناریو للمتر المکعب من المیاه قابلة للتعدیل على حسب معدلات التضخم، وکذلک على حسب تغیر استراتیجیات الدولة فی توفیر بعض المحاصیل الاستراتیجیة وأیضاً حجم المطلوب والمعروض من المیاه العذبة.

الخاتمة والتوصیات

نظراً لوقوع مصر الحالی فی صفوف الدول التی تعانی من الفقر المائی ، اضف على ذلک أن أهم مصادر عرض المیاه العذبة فی مصر من نهر النیل من الهضبة الأثیوبیة معرض للتخفیض، وکذلک فی ظل معرفة أن أهم مصدر للطلب على هذه المیاه هو میاه الری للقطاع الزراعی وتنافسیته مع استخدامات أخرى هامة مثل إنشاء المجتمعات العمرانیة الجدیدة أو الاستخدامات الصناعیة، وعدم کفایة وکفاءة النظام الحالی للری، وما تشهده الدولة من معدلات فقد لمیاه عذبة نادرة وهامة بشکل کبیر، لذلک یکمن حل جزء کبیر من المشکلة فی ترشید الطلب على میاه الری دون الحد من المساحة المنزرعة بسبب ما تعانیه الدولة من مشاکل خاصة بالأمن الغذائی کما أوضحنا، بأن یکون ترشید الطلب بإتباع سیاسات ترشد الفاقد من میاه الری، من خلال تسعیر میاه الری وهو شیء لیس بالجدید فکما عرضت الدراسة هناک العدید من الدول سواء النامیة أو المتقدمة التی سبقت فی تطبیق ذلک وحققت نجاح فی ترشید الاستهلاک وفی نفس الوقت حققت مشارکة تکالیف إنشاء وصیانة مشروعات الری مع الدولة.

فتعتبر قاعدة استرداد التکالیف مقبولة من الناحیة العملیةCost Recovery حیث أنها فی واقع الامر لا تعبر عن القیمة الاقتصادیة للمیاه، وتشیر الدراسات والتقاریر المنشورة عالمیا اِلى أن استرداد التکالیف لیس مبداً مالیا فحسب، بل أن أهمیته فی ترشید اِستهلاک المیاه أخذت تظهر أکثر وضوحا مع زیادة ندرة المیاه وارتفاع الطلب علیها، ولهذا قاِن استرداد التکالیف فی ضوء المستویات المتدنیة لسعر المیاه (بأی صورة مباشرة أو غیر مباشرة) یهدف الى تحقیق هدفین ،اِحداهما یتمثل فی تحصیل اِیرادات اِضافیة لتخفیف العبء على الموازنات العامة ...أما الهدف الثانی فیتمثل فی خلق حوافز للمستهلکین فی للاِقتصاد فی اِستعمال المیاه وتوفیرها .

لذلک عملت الدراسة على رصد الوضع المائی الراهن لمصر من تحدید مصادر المیاه، وأهم استخداماتها، الأمن الغذائی لمصر، مع الترکیز على المیاه المستخدمة فی الری وحجم المهدر منها، والتعرف على مدى کفایة وکفاءة منظومة الری الحالیة، أیضاً التعرف على تجارب الدول السابقة فی تسعیر میاه الری، واقترحت الدراسة عدد من السیناریوهات لتسعیر المیاه تنوعت بین کونها ألیات مباشرة وغیر مباشرة للتسعیر کذلک تنوعت بین درجة سهولتها فی التطبیق من حیث الاجراءات والأدوات، أیضا اختلفت فی قدرتها على تحقیق عدالة التسعیر من حیث حجم الاستهلاک أو دخل من یدفع السعر، أیضاً تنوعت السیناریوهات من حیث قدرتها على التمییز السعری للمحاصیل لتحقیق الأمن الغذائی.

وباستخدام نماذج البرمجة الخطیة لاختبار تأثیر عدد من السیناریوهات المقترحة على عدد من المؤشرات الاقتصادیة، أوصت الدراسة باستخدام أسلوب التسعیر القائم على تصنیف المحاصیل إلی محاصیل ذات عائد مائی منخفض، محاصیل ذات عائد مائی متوسط، محاصیل ذات عائد مائی مرتفع، بحیث یتم فرض تسعیرة موحدة قدرها 5 قروش للمتر المکعب فی النوع الأول، 15 قرش للمتر المکعب للنوع الثانی، و20 قرش للمتر المکعب فی النوع الثالث، وهذا لا یعنی عدم قابلیة السیناریوهات الأخرى للتطبیق، فلو أرادت الدولة أسلوب سهل للتسعیر یکون السیناریو الأخیر هو الأفضل.

وفی النهایة نؤکد على أن تطبیق سیاسات تسعیر میاه الری تعد غیر کافیة وحدها لتحقیق أهداف ترشید المستخدم من هذا المورد، إذ یجب أن یرافق هذه السیاسات سیاسات أخرى تکمیلیة تستهدف تحسین کفاءة إدارة قطاع المیاه بما فی ذلک إتباع أسالیب تحصیل مناسبة وکفؤه، أیضا أن تکون مصحوبة بوضع حوافز للمزارعین الذین ینجحون فی ترشید المیاه المستخدمة للری، کما یمکن اقتراح أن یتم تجمیع قیمة المیاه المحصلة فی صندوق خاص، بعیداً عن موازنة الدولة، بحیث یتم إعادة استثمارها فی قطاع الری، وبذلک یشعر المزارعون أنهم قد استفادوا من الأموال التی دفعوها ثمناً للمیاه، مما یحفزهم علی الدفع وعدم التهرب.

 

 

قائمة المراجع

المراجع باللغة العربیة:

المرسی حجازی، (1991)" اقتصادیات الخدمات العامة" الدار الجامعیة فی بیروت.

أمال محمد المغازی، یاسمین أحمد مصطفى( 2013)" التحلیل الاقتصادی للسیاسة الإنتاجیة لمحصولی الأرز وقصب السکر فی ظل تسعیر میاه الری" مجلة البحوث التجاریة، کلیة التجارة، جامعة الزقازیق.

إیناس محمد عباس محمد صالح، (2013)" کفاءة استخدام میاه الری فی نظام الری السطحی بجمهوریة مصر العربیة" المجلة المصریة للاقتصاد الزراعی، المجلد 23، العدد الأول، مارس 2013.

المنتدى العربی للبیئة والتنمیة، (2011)" تحدید الفرص لزیادة کفاءة استعمال المیاه فی الصناعات والأبنیة والزراعة فی العالم العربی" دلیل الکفاءة المیاه. AFED.

بلال علوان الحموى،(2016)" لمحة عن تجارب الدول فی تسعیر المیاه" جامعة البعث، کلیة الهندسة المدنیة، قسم هندسة وإدارة الموارد المائیة.

جمال محمد فوزی عبد الصادق،(1994) " دراسة اقتصادیة تحلیلیة للموارد المالیة فی البنیان المصری" رسالة دکتوراه، قسم الاقتصاد الزراعی، کلیة الزراعة، جامعة القاهرة.

سلطان أبو علی، هالة أبو علی(2011) " القضایا الاقتصادیة المعاصرة داخلیاً وخارجیاً بالإشارة إلى الاقتصاد المصری الفصل السادس: قضیة المیاه" کلیة الاقتصاد والعلوم السیاسیة، جامعة القاهرة.

سالم اللوزى" دراسة تطویر أسالیب استرداد تکلفة إتاحة میاه الری على ضوء التطورات المحلیة والدولیة" المنظمة العربیة للتنمیة الزراعیة، 2016.

عزت عبد المقصود علی زیدان،( 1997) " التقییم الاقتصادی لمیاه الری لترشید استخدامها وتأثیره بیئیاً" رسالة دکتوراه، قسم العلوم الزراعیة البیئیة، معهد الدراسات والبحوث البیئیة، جامعة عین شمس.

عقوق شراف، زموری کمال، لفلیف عبد الحق، (2017) " تسعیر المیاه ودوره فی تحقیق کفاءة استخدامها بالجزائر- دراسة تحلیلیة" مجلة اقتصادیات المال والأعمال.

عادل کدوة، (2017) " اقتصادیات الموارد المائیة فی القطاع الزراعی بالوطن العربی دراسة حالة الجزائر"، رسالة دکتوراه غیر منشورة، جامعة محمد خیضر بسکرة، کلیة العلوم الاقتصادیة والتجاریة.

فوزى فوزی إبراهیم أبو العینین،( 2014) "کفاءة استخدام المیاه فی الزراعة المصریة" مجلة الاقتصاد الزراعی، کلیة الزراعیة، جامعة الأزهر بأسیوط.

محمد حمدی سالم، (2010)" دراسة تطویر أسالیب استرداد إتاحة میاه الری على ضوء التطورات المحلیة والدولیة"، المنظمة العربیة للتنمیة الزراعیة.

نرمین طلعت غالی، وآخرون (2014) " الأبعاد الاقتصادیة والاجتماعیة المترتبة على إعادة تسعیر المیاه فی ظل الأوضاع الراهنة "، وزارة المالیة، الادارة المرکزیة للبحوث المالیة والتنمیة الإداریة.

یاسمین أحمد مصطفى صقر،( 2012)" السیاسات المقترحة لتسعیر میاه الزراعة المصریة وأثارها المحتملة" رسالة دکتوراه غیر منشورة، کلیة الاقتصاد، جامعة القاهرة.

وزارة الموارد المائیة والری، بیانات غیر منشورة.

وزارة الزراعة واستصلاح الأراضی، نشرة الاحصاءات الزراعیة اعداد مختلفة.

 

 

 

 

 

المراجع باللغة الانجلیزیة:

Amina A. kotop and A. F. Hamed, (2015), "The alternative opportunity cost and productivity efficiency of irrigation water under agriculture mechanism" J. Agric. Econom. And Social Sci., Mansoura Univ., Vol.6 (2): 197 -211, 2015.

Carolina van den berg, (2016) "The cost of irrigation water in the Jordan valley" technical report, World Bank.

David N.Hyman, (1990)" public finance: A contemporary application of theory to police" the Dryden press.

Esam Bader, (2004)," MATHEMATICAL PROGRAMMING MODELS FOR OPTIMISING IRRIGATION WATER MANAGEMENT"

 

Emanuele Ferrari, Scott McDonald, Rehab Osman, (2014)" Water Scarcity and Irrigation Efficiency in Egypt" Oxford Brookes University Wheatley Campus.

 

Lixia He, Wallace E. Tyner, Rachid Doukkali (2005)," STRATEGIC POLICY OPTIONS TO IMPROVE IRRIGATION WATER ALLOCATION EFFICIENCY: ANALYSIS ON EGYPT AND MOROCCO" Selected Paper prepared for presentation at the American Agricultural Economics Association Annual Meeting. Providence, July 24-27, 2005.

 

Mahmoud abu-zeid, (2001)" water pricing in irrigation agriculture", water resources development, vol.17, No.4.

Ministry of Agriculture and Land Reclamation (MALR) in Egypt http://www.agri.gov.eg/

 

Magdy Abou Rayan, (2017)" Egypt's Water Demand, Supply and Management Policies" mansora university.

 

Ministry of Water Resources and Irrigation (MWRI), Egypt, http://www.mwri.gov.eg/

Qiuqiong Huang, Scott Rozelle, Richard Howitt, (2010)," Irrigation Water Demand and Implications for Water Pricing Policy in Rural China" Department of Agricultural and Resource Economics University of California, Davis.

 

 Randa El Bedawy,(2014)" Water Resources Management: Alarming Crisis for Egypt" Journal of Management and Sustainability; Vol. 4.

 

Robert C. Johansson, (2000)" pricing irrigation water: a literature survey ", World Bank No. 2449, sep.2000.

Rehab Osman1, Emanuele Ferrari2, Scott McDonald3, (" Water Scarcity and Irrigation Efficiency in Egypt" Department of Accounting Finance and Economics, Faculty of Business, Oxford Brookes University, Wheatley Campus, Oxford, OX33.

 

Robert C. Johanssona,*, Yacov Tsurb, Terry L. Roec, Rachid Doukkalid,Ariel Dinar,(2002) " Pricing irrigation water: a review of theory and practice", Water Policy 4 (2002) 173–199.

 

Robert C. Johansson,( 2018) "PRICING IRRIGATION WATER: A LITERATURE SURVEY" The World Bank Washington, D.C.

 

SAIMA JABEEN,MUHAMMAD ASHFAQ1 AND IRFAN AHMAD BAIG,(2006)," Linear Program Modeling for Determining the Value of Irrigation Water" JOURNAL OF AGRICULTURE &SOCIAL SCIENCES 1813–2235.

 

Waseem A. Gad,(2017)" WATER SCARCITY IN EGYPT: CAUSES AND CONSEQUENCES" Central Lab., Kafr-El-Sheikh Water and Wastewater Company, EGYPT

 

Yacov Tsur,(2005) "Economic Aspects of Irrigation Water Pricing" Canadian Water Resources Journal Vol. 30(1): 31–46 .

 

https://www.worldbank.org, SDGS