العراق کنموذج لسياسة تغيير النظم فى فترة جورج دبليو بوش

نوع المستند : مقالات سیاسیة واقتصادیة

المؤلف

باحث دکتوراه بکلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة

المستخلص

کان لاحداث ١١سبتمبر بالغ الاثر على مکانة الولايات المتحده فى النظام الدولى والتى اعتبرها البعض مؤشر لاضطراب لهيمنة الولايات المتحده مما دفع الولايات المتحدة لتغيير سياساتها الخارجيه وتحديدا تجاه الشرق الاوسط فيرى بوش ان ان الحکم التسلطى يأوى الارهاب وانه يجب التدخل لتغيير النظم لنظم حکم ديمقراطية ورات العراق بدايه لنشر الديمقراطية فى منطقة الشرق الاوسط وعملت ادارة بوش على العمل على التدخل العسکرى للاطاحه بنظام صدام حسين ولم تکتفى بالاطاقة بالقياده السياسية فى العرق بل عملت على التوغل فى النظام العراقى لاحداث تغيير شامل فى مؤسسات الدوله العراقية والعمل على اعادة بناء العراق، وتسعى الدراسة الى تحليل سياسة الولايات المتحده تجاه تغيير النظام العراقى والوقوف على اسباب التدخل لتغيير النظام العراقى، وصورة التدخل لتغيير النظام فى العراق والذى لم يکتفى بالاطاحة بصدام حسين ولکن تستمر لاعادة بناء الدوله العراقية انطلاقا من هدف معلن بان تصبح العراق نموذج للديمقراطية فى منطقة الشرق الاوسط واثر المعوقات التى واجهت الادارة الامريکية تغيير النظام العراقى

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية


مقدمة:

وقعت أحداث 11 سبتمبر والتی کان لها بالغ الأثر على مکانة الولایات المتحدة خاصة إنه تم توجیه ضربة إرهابیة داخل الولایات المتحدة، والتی اعتبرها البعض مؤشر لاضطراب هیمنة الولایات المتحدة الأمریکیة مما دفع الولایات المتحدة إلى تغییر سیاساتها الخارجیة خاصة تجاه الشرق الأوسط وبدء الحدیث بشکل صریح عن ضرورة التدخل لتغییر النظم فی المنطقة(1)، ورأى بوش أن انظمه الحکم التسلطیة تأوى أو تمول الإرهاب وتهدد الأمن القومی الأمریکی لذا اتجه بوش إلى التدخل العسکری لإسقاط هذه الأنظمة والإطاحة بصناع السیاسة فى هذه الدول واستهدف بوش عدد من الأنظمة من بینها العراق، ومن هنا تسعى هذه الدراسة للإجابة على تساؤل رئیس یتمثل فی ماهیة رؤیة بوش للهیمنة الأمریکیة، وما هی سیاسة الولایات المتحدة الأمریکیة فی عهد إدارة بوش الابن لتغییر النظام فی العراق؟.

 وللإجابة على هذا التسؤل سیتم تناول ثلاث عناصر أساسیة، على النحو التالی:

- رؤیة بوش للهیمنة الأمریکیة

- سیاسة الولایات المتحدة تجاه تغییر النظم فى العراق بعد 11 سبتمبر 2001م.

- السیاسة الخارجیة للولایات المتحدة فی عهد الرئیس بوش الابن لتغییر النظام فی العراق.

أولاً: رؤیة بوش للهیمنة الأمریکیة:

ینتمی الرئیس جورج W بوش إلى الحزب الجمهوری الذی یؤثر علیه فکر المحافظین الجدد الذی یرى أن الدیمقراطیة تتطلب القوه فلا یمکن أن تتواجد فى مناخ عاجز عن مواجهة الطغیان فالقوة ضروریة لإحداث تغییر حقیقی فى الأنظمة السیاسیة للقضاء على الأنظمة الفاسدة، وتمثل نظم الحکم الدیمقراطیة الفضیلة وأی فکر رافض لها یعدّ فکر معادى للدیمقراطیة مثل الفکر الشیوعی، وعلى ضوء ذلک تقسم الأنظمة إلى قسمین جیدة وسیئة أو خیره وشریرة، وهذا ما تولّد عنه مصطلح "محور الشر" المناهض للتوجه الدیمقراطی فی مقابل محور الخیر الذی یمثله الفکر الغربی الدیمقراطی، لذلک فإن تغییر الأنظمة غیر الدیمقراطیة لتکریس القیم الأمیرکیة(2)، هو الطریق الأمثل لتحقیق الأمن والسلام فی الولایات المتحدة الأمیرکیة، دون الاهتمام بمبادئ القانون الدولی والتنظیمات الدولیة لحفظ الأمن والسلم الدولیین(3)، فیؤمنو بالهیمنة من المنظور الواقعى والتى لا تضع حدود أو قیود لها فهى هیمنه مطلقة وتتصرف بشکل انفرادى ولا تولى اهتمام بقواعد النظام الدولى.

 یربط المحافظون الجدد بین الأوضاع الداخلیة فى المجتمعات الأخرى والأمن القومی الأمریکی، فالقضایا المحلیة للدول العربیة والإسلامیة لیست شأن داخلی لا یجوز التدخل فیه تحت دعاوى السیادة الوطنیة، بل للولایات المتحدة الحق فى التدخل فى الشئون الداخلیة لتلک الدول لمنع ظهور تیارات تضر بالداخل الأمریکی، أی أنه لو لم تتدخل الولایات المتحدة لإحداث تغییر کلى أو جزئی فى أنظمة الدول الإسلامیة ستؤثر إفرازات هذه الأنظمة المضطربة على الداخل الأمریکی(4).

واحتلت سیاسة تغییر النظم جزء رئیسی فى استراتیجیة الأمن القومی التی أعلنتها إدارة الرئیس بوش فى سبتمبر 2002 وتم التأکید علیها فى إستراتیجیة 2006م، والتی قامت على عدد من الرکائز منها(5)، 1- تبنى ما بات یعرف بالحرب الوقائیة "المسبقة" وتوسیع نطاق الإجراءات الاستباقیة اعتقادًا بأن النظام الدولی مهدد بخطر الإرهاب والدول المارقة، وبدون تدخل الولایات المتحدة وشن حرب وقائیة فإن هذه الأخطار سوف تنمو وتتفاقم(6)، 2-إقرار الدیمقراطیة باعتبارها الحل النهائی للظلم والقمع الواقع على شعوب منطقة الشرق الأوسط باعتبار أن الحریة والدیمقراطیة والتجارة الحرة تهیئ الطریق إلى عالم أفضل وأکثر أمنًا(7).

 

ثانیًا: سیاسة الولایات المتحدة تجاه تغییر النظم فى العراق بعد 11 سبتمبر 2001:

أصبحت سیاسة إدارة بوش تجاه العراق أکثر حزمًا بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، وأکدت على ضرورة تغییر النظام وأعلن نائب وزیر الدفاع الأمریکی بول وولفویتز أن الحرب على الإرهاب ستکون حملة ولیس عمل واحد حتى یتم القضاء على الإرهاب والإطاحة بالنظم الداعمة له(8).

ومن مبررات التدخل لتغییر النظام فى العراق ما یلی:

1- امتلاک العراق لأسلحة الدمار الشامل: رکزت إدارة بوش على أسلحة الدمار الشامل باعتبارها سببًا للحرب على العراق وهى تطبیق فعلى لفکرة الحروب الاستباقیة، حیث ربطت بین الحرب على العراق وامتلاک نظام صدام حسین لأسلحة الدمار الشامل وبالتحدید الأسلحة الکیمیائیة والبیولوجیة، واحتمالیة ضرر انتشار تلک الأسلحة وبالأخص إذا امتلکتها نظم معادیة للولایات المتحدة کالعراق، وهو ما یهدد الأمن القومی الأمریکی، لذلک ارتکزت سیاسة إدارة بوش على أن استخدام القوه العسکریة والقضاء على نظام صدام حسین کونه وسیله لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل خصوصًا بعدما عجزت العقوبات الاقتصادیة وعملیات التفتیش الدولیة من التخلص من تلک الأسلحة(9)، وأکد مسئولون على امتلاک العراق للتکنولوجیا النوویة وأنها عملت على إعادة بناء برامج أسلحة الدمار الشامل منذ أن غادر مفتشو الأمم المتحدة العراق، وأن العراق یستخدم الأدوات المتنقلة لإخفاء أبحاث الأسلحة البیولوجیة وقد وضعت بعضها تحت الأرض، بل زعم بعض المسئولین الأمریکیین أن العراق أوشکت على تطویر أسلحتها النووی(10).

2- رعایة نظام الحکم فى العراق للإرهاب: ربطت الإدارة الأمریکیة حربها على العراق ورغبتها فى الإطاحة بنظام صدام حسین بأنه نظام یدعم الإرهاب واستعملت الولایات المتحدة حجة علاقة صدام حسین وحکومته بملف الإرهاب کمبرر لتغیر نظام صدام حسین بالقوة، ھذا الربط بین صدام والإرهاب بنی على خلفیة التغییر الذی حدث فیه الخطاب السیاسی والثقافی للقیادة العراقیة السابقة بعد حرب الخلیج الثانیة، کما کان من أسباب العداء الأمریکی لشخصیة صدام حسین ادعاء الإدارة الأمریکیة ارتباط القیادة العراقیة السابقة بمحاولة اغتیال بوش الأب فی الکویت وأیضا بتفجیر مرکز التجارة العالمی، واعتبرت الإدارة الأمریکیة تلک الأحداث مبررًا کافی لعداء صدام حسین کشخص ونظام، حتى جاءت أحداث 11سبتمبر واعتبرت محفز لصانع القرار الأمریکی، فربطت الإدارة الأمریکیة أحداث 11 سبتمبر 2001م بنظام صدام حسین وأعلنت الولایات المتحدة تورط صدام بها، واستندت فی اتهاماتها على مزاعم أن ستة من منفذی الأحداث ومن بینهم محمدعطا التقوا عدة مرات مع أفراد من المخابرات العراقیة فی أحد الدول الأوروبیة، وأن هناک معسکر لتنظیم القاعدة فى منطقة سلمان بک جنوب العاصمة بغداد(11)، واستندت وکالة المخابرات الأمریکیة على أقوال عراقیین نزحوا إلى الغرب وکانوا منتمیین إلى حزب المؤتمر الوطنی المعارض بزعامة أحمد الجبلی، وقال بوش أن صدام حسین یدعم مادیًا ویدرب ویأوی إرهابیین وسوف یتم استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد الولایات المتحدة(12).

3- تحریر العراق وإقامة نظام دیمقراطی بدیل: تغییر نظام صدام لنظام حکم دیمقراطی لما له من انعکاس على تحقیق السلام والاستقرار فى المنطقة فدائمًا ما کانت تدعى إدارة بوش أنها محررة للعراق ولیس محتل له، وقدم بوش هذه الفکرة قبل بدایة الحرب على أفغانستان وأکدا على مهمة الحرب الأخلاقیة(13)، فطموح إدارة بوش لنشر الدیمقراطیة ارتبط بشکل کبیر بعملیة تغییر السیاسة الداخلیة للعراق، فسعت الإدارة الأمریکیة إلى تغییر نظام الحکم فى العراق وإقامة نظام دیمقراطی یکون نموذج لدول المنطقة ویصبح بدایة للتغییر فی العالم العربی، ولإعادة ترتیب الأوضاع فی منطقة الشرق الأوسط وتغیر موازین القوى الإقلیمیة.

4- دعم شعبیة بوش: محاولة توظیف الحرب ضد العراق لدعم شعبیة الرئیس الأمریکى فى فترة حکم ثانیة واعطاء الأولویة فی سیاسة الإدارة الأمریکیة لمکافحة الإرهاب والحفاظ على الأمن القومی، وذلک على الرغم مما تعانیه الأوضاع الداخلیة الأمریکیة من رکود اقتصادی، وکساد مالی، وتقیید فی بعض الحریات المدنیة.

5- نجاح إسرائیل فی الضغط على إدارة الرئیس بوش وإقناعها بغزو العراق: فمنذ بدایة عام 2002م، بدأت إسرائیل تضغط بأسالیب مباشرة، وأخرى غیر مباشرة من أجل حث الإدارة الأمریکیة على غزو العراق، وأدت هذه الضغوط إلى إقناع الولایات المتحدة بعدم التساهل مع دول منطقة الشرق الأوسط، الذی تتنامى فیه مشاعر المعاداة للولایات المتحدة الأمریکیة، فضلاً عن التهدیدات التی تحیط بإسرائیل ومنابع النفط، ومن هنا کان قرار الإدارة الأمریکیة بالبدء فی إعادة تشکیل الشرق الأوسط بغزو العراق، وإزاحة حکم صدام حسین(14)‏.

6- أسباب اقتصادیة: أعرب لورانس لیندسا(15) قبل الحرب على العراق أن النفط هو الهدف الرئیس لمساعی الولایات المتحدة لشن هجوم عسکری واسع النطاق ضد العرق وأن الآثار السیاسیة السلبیة لهذه الحرب ستکون بسیطة للغایة مقارنة بالمزایا الاقتصادیة والمکاسب الاستراتیجیة(16)، خصوصًا أن النفط أحد السلع الاستراتیجیة المرتبطه بالأمن القومی الأمریکی، ویعزز الاستثمار الأمریکی أمام الشرکات الکبرى من خلال إعادة إعمار العراق وهو ما عرف بسیاسة الباب المفتوح.

7- أسباب أمنیة: وتتمثل فی:

‌أ- الموقع الاستراتیجی للعراق فى الشرق الأوسط حیث أنه نقطة التقاء بین مناطق الخلیج وشمال غرب آسیا، وآسیا الوسطى والشرق الأوسط ودول الجوار الجغرافی للعراق وتحدیدًا سوریا وإیران مما انعکس على أهمیة التواجد العسکری الأمریکی فی العراق کأداة تهدید وردع لتلک الدول.

‌ب- تثبیت القواعد العسکریة الأمریکیة فی الخلیج بشکل یعزز التواجد الأمریکی فى منطقة الشرق الأوسط وفی منطقة المربع الاستراتیجی التی تضم الخلیج وشمال غرب آسیا، وآسیا الوسطى والشرق الأوسط.

‌ج- تعزیز قدرة التعامل مع دول معادیة للولایات المتحدة کإیران وسوریه، فالولایات المتحدة فهما من الدول التی تعتبرهم من محور الشر.

خطة الولایات المتحدة فی حربها على العراق:

اعتمدت الاستراتیجیة العسکریة الأمریکیة فی حرب إسقاط النظام العراقی على ما عُرف باستراتیجیة الصدمة والترویع أی استعمال درجة عالیة من الرعب والتهدید لإقناع الخصم وإرغامه على قبول الظروف المیدانیة المفروضة علیه، وباستخدام مایعرف بالثورة الجدیدة فی الشؤون العسکریة، واستخدمت قدرات تکنولوجیة متطورة ومنظومات تسلیح متکاملة للتأثیر على إرادة الخصم وإدراکه، واعتمدت القوات الأمریکیة على: السرعة والقدرة القتالیة العالیة والتزامن ما بین الهجوم الجوی والبری فی اجتیاح العراق.

استهدفت قوات التحالف بضرب أهداف مختارة ذات أهمیة عسکریة لتقویض قدرة صدام حسین على الرد، تبعها حملة واسعة استخدامت فیها القواعد البحریة والجویة، والمساعدة فی الاستخبارات والخدمات اللوجستیه، ونشر وحدات قتالیة(17).

بدأت الحرب فى 19 مارس 2003، بهجوم جوی على موقع کان یشتبه أن صدام حسین یلتقی فیه مع کبار المسئولین العراقیین، ودخلت القوات الأمریکیة العراق فی 20 مارس، وواجه التدخل العسکری مقاومة فى البدایة، وسیطرت القوات الأمریکیة على العاصمة بغداد فى 9 أبریل، وسقطت المدن الشمالیة من کرکوک والموصل بعد ذلک وفى 14 أبریل، دخلت القوات الأمریکیة تکریت مسقط رأس صدام حسین، وفی 15 أبریل أعلن الرئیس بوش أنه تم الإطاحة بنظام صدام حسین(18).

ومما سبق یتبن أن السیاسة الخارجیة الأمریکیة التی تبنتها تجاه العراق کانت تستهدف تغیر نظام صدام حسین لنظام دیمقراطی مولى للولایات المتحدة الأمریکیة یکون بدایة لعملیة تغییر کبرى فى الشرق الأوسط، واستخدمت لتحقیق ذلک القوى الصلبة، واستطاعت من خلالها تغییر القیادة فى نظام صدام حسین.

ثالثًا: السیاسة الخارجیة للولایات المتحدة فی عهد الرئیس بوش الابن لتغییر النظام فی العراق:

انعکست رؤیة بوش للهیمنة الأمریکیة على أسلوب التدخل لتغییر النظام فی العراق، فلم یکتفی بتغییر القیادة السیاسیة العراقیة، ولکن عمل على انتهاج أسلوب أکثر امبریالیة باستمراره فی التواجد بالعراق لإعادة بناء المؤسسات السیاسیة المختلفة فی الدولة العراقیة.

قامت الولایات المتحدة الأمریکیة فی محاولة لإنشاء نظام داخلی وهیکلى للهیمنة على أساس الإجماع بتنمیة المجتمعات السیاسیة والمدنیة فی العراق وکذلک الاقتصاد العراقی من خلال الخصخصة والاعتماد على المثقفین أصحاب الفکر المولى للولایات المتحدة لملء المناصب الرئیسیة فی الحکومة، وبناء قاعدة المجتمع المدنی التی ستدعم الحکومة الجدیدة، وقمعت الأصوات السیاسیة المعارضة للتواجد الأمریکی، وکذلک مولت وسیطرت على وسائل الإعلام المحلیة(19)، لما له من أثر على تشکیل الوعى العام وقبول الأفکار الأمریکیة بشکل سلس لترسیخ الهیمنة.

فسعت لتغییر النظام فی العراق لنظام دیمقراطی بهدف تعزیز هیمنة الولایات المتحدة من خلال تنمیة التغییر فی الجوانب السیاسیة والمجتمع المدنی فی العراق، الخطوة التی تعکس استراتیجیة تعزیز الدیمقراطیة فی الوثائق التی حثت الولایات المتحدة الأمریکیة على إعادة بناء العراق من خلال جمیع الوسائل والأدوات والقنوات المتاحة وإعادة بناء البنیة التحتیة الدیمقراطیة لکونها من العناصر الأساسیة لتحقیق الهیمنة من خلال الإجماع ولیس القوة أو الإکراه فقط لکونه یهدف لتعزیز أیدیولوجیة بهدف السیطرة على جمیع جوانب الحیاة الاجتماعیة فی البلاد من خلال التحکم فى المشهد السیاسی والمجتمع المدنی(20).

قامت الولایات المتحدة الأمریکیة بتغیر المنظومة السیاسیة والعسکریة والمدنیة والاقتصادیة والقافیة (الإعلام العراقی والنظام التعلیمی) وقمع النقابات العمالیة من أجل ضمان سرعة قبول الفکر اللیبرالی من قبل الشعب العراقی لتعزیز سیطرتها وتحقیق الهیمنة، فی محاولة لإدارة وتسییر المؤسسات السیاسیة فی العراق، استخدمت إدارة بوش عددًا من النخب والمثقفین العراقیین الموالین وبعض العناصر الأمریکیة لتشکیل سلطة التحالف المؤقتة للسیطرة على المشهد السیاسی فی العراق لضمان السیطرة على جمیع الأمور من أجل تحقیق الاستقرار والسیطرة على موارد کالنفط لتعزیز عوائدها من الهیمنة على العراق(21).

وشغل المفکرون الذین کانوا فی المنفی والمؤمنین بالنظام الأمریکی مناصب رئیسیة فی الوزارات العراقیة حیث عملوا مع مسئولین أمریکیین للسیطرة على المجتمع السیاسی لما لها من انعکاس على تعزیز الإیدیولوجیة الدیمقراطیة اللیبرالیة الغربیة، فشکلوا سلطة التحالف المؤقتة والذی اختیر من قبل إدارة بوش لولائهم للولایات المتحدة، هؤلاء المثقفون هم عملاء التأثیر؛ لأنهم یعملون کقادة فی الساحتین السیاسیة والمدنیة لإقناع الجماهیر فی العراق بالامتثال للأیدیولوجیة الجدیدة وبوسعهم إدماج العراق فی النظام الرأسمالی العالمی، وبالتالی المساعدة فی تعزیز هیمنة الولایات المتحدة الأمریکیة(22).

 وعلیه یمکن القول أن التدخل الأمریکی لإعادة بناء الدولة العراقیة اتخذ عدة أشکال تمثلت فی الإبقاء على قوتها العسکریة، وتعیین مسئولین من الولایات المتحدة لإدارة الشئون الداخلیة العراقیة، واختیار القیادات السیاسة والإداریة الموالیة للولایات المتحدة وفی سبیل ذلک قامت الإدارة الأمریکیة بتعیین جى جارنر بالعراق بصوره مؤقتة، والذی أکد على أن العراق ستحکم بجیش ورئیس واحد، عند تهیئة المناخ الملائم للدیمقراطیة سیحکم العراقیین أنفسهم(23)، وکانت من أهم مهامه إعادة الخدمات، ونشر الأمن، وتشغیل الجهاز الإداری بالدولة(24).

مرحلة توغل التدخل الأمریکی فی الداخل العراقی:

یمکن اعتبار أن التدخل الفعلی للولایات المتحدة لتعمیق تغییر النظام فی العراق بإعادة بناء الدولة بدأ بتعیین بول بریمررئیسا للإدارة المدنیة للإشراف على إعادة اعمار العراق فی 6 مایو 2003م، یرجع ذلک للقرارات التی قام باتخاذها لتغییر الوضع فی العراق، والتی استهدفت "من وجهة نظره" عودة الاستقرار بالعراق بعد الاضطرابات الناتجة عن الحرب والإطاحة بصدام حسین مستندًا لقرار مجلس الأمن رقم 1483، ویمکن عرض ما تم من إجراءات لتحقیق هذه الأهداف فی:

 دعم بنیة الدیمقراطیة: من خلال إنفاق مبلغ عشرة ملایین دولار فی ستة أشهر على برنامج شمل تدریب ومساعدة الأحزاب السیاسیة العراقیة، والمجموعات النسائیة، والشبابیة، وغیرها من منظمات المجتمع المدنی وتثقیف المجتمع المدنی وتعزیز القدرات المهنیة لوسائل الإعلام ودعم المؤتمرات الحزبیة والتدریب على إدارة انتخابیة جدیدة للعراق وغیرها(25)، وهو مبلغ ضعیف جدًا بالنسبة لهدف کـتطور الوضع السیاسی فی العراق بعد تغیر القیادة السیاسیة والإطاحة بصدام.

 تحقیق الاستقرار وتخفیض النزاعات: اعتمد فی الجزء الأکبر لتمویل هذا الهدف على الموارد العراقیة منها إنشاء فرقة عمل لتعویض ضحایا النظام السابق مع وقف مقداره 25 ملیون دولار من دخل النفط العراقی(26).

الخطوات الأکثر تأثیرًا فی تغییر النظام السیاسی فی العراق:

1- حل الجیش العراقی: لقد اختلفت وجهات النظر حول قرار حل الجیش العراقی هل هو قرار اتخذ من جانب الولایات المتحدة الأمریکیة أم لا، ولکن الباحثة ترى أیًا کانت وجهات النظر، فإن حل الجیش العراقی کان خطوة أساسیة من قبل السیاسة الأمریکیة من أجل تغییر النظام السیاسی فی العراق، وبناء جیش جدید یتفق مع سیاسة الولایات المتحدة الأمریکیة، ومع الدیمقراطیة المزعومة من جانبها، فأمریکا کانت ترید طمس أی هویة للنظام القدیم، ولا شک أن حل الجیش کان فی مقدمة الخطوات التی اتخذتها الولایات المتحدة الأمریکیة من أجل تغییر النظام السیاسی فی العراق، وترى الباحثة أن حل الجیش العراقی کان له تبعاته السلبیة لیس على العراق فحسب، ولکن على المنطقة أیضًا؛ حیث انحسرت مکانة العراق الإقلیمیة بعد حل الجیش العراقی مع ما ترتب على هذا الحل من اختلال کبیر فی میزان القوى الإقلیمیة بین العرب من جهة، والقوى الإقلیمیة الأخرى، خصوصًا إسرائیل من جهة أخرى، فثمة فرق کبیر بین عراق ما قبل الاحتلال وعراق ما بعد الاحتلال؛ إذ کان العراق قبل الاحتلال یسعى إلى أن یکون هو المرکز الإقلیمی للسیاسة العربیة، وإلى أن یستعید هذه المکانة التی خسرها فی عام 1941م بعد حربه مع بریطانیا، وانسجامًا مع هذا المسعى حوال أن یبرهن على أنه الأکثر التزامًا فیما یتعلق بالفکرة العربیة، لکن عراق ما بعد الاحتلال لم یحتسب نفسه جزءًا من العالم العربی، وبات یتوجه إلى طهران على الصعید الإقلیمی، وإلى أمریکا على الصعید الدولی، مع ما یحمل هذا التوجه من انعکاسات على صعید دوره فی الأقلمة العربیة(27).

2- حل حزب البعث: فقد ارجع بریمر معاناة الشعب العراقی قبل تدخل الولایات المتحدة لتغییر نظام صدام حسین لانتهاکات حقوق الإنسان وعدم التوزیع العادل للثروة إلى سیاسات حزب البعث، فالإبقاء علیه بمثابة استمراریة لسیاساته التی تتسم من وجه النظر الأمریکیة بکونها سیاسة قائمة على الترهیب، وتهدد امن قوات التحالف(28)، وتم اتخاذ عدد من الخطوات منها:

 تم إیقاف حزب البعث العراقی عن طریق القضاء على هیکل الحزب وإزالة قیادته من مواقع السلطة فی العراق لضمان عدم تهدید الحکومة الجدیدة من قبل عناصر البعث وعدم عودتهم للسلطة وأن أی مسئول یحصل على رضاء الشعب العراق.

 عزل الأعضاء العاملین بالجهاز الإداری للدولة ومنعهم من العمل فی القطاع العام وحقق مع المشتبه فی ارتکابه لسلوک إجرامی أو شکل تهدیدًا للأمن لقوات التحالف واحتجازهم أو وضعهم قید الإقامة الجبریة.

 مقابلات مع الأفراد الذین یشغلون مناصب علیا لاحتمالیة ارتباطهم بحزب البعث(29).

 إشراک المواطنین العراقیین أنفسهم للتوصل لکبار قیادات حزب البعث وذلک عن طریق رصد مکافآت مالیة للإبلاغ عنهم(30).

 تحفظ على جمیع الأصول وأموال الحزب وحظر حیازتهم وإدارتها من قبل الإدارة المدنیة الأمریکیة نیابة عن ولصالح الشعب العراقی وحدد أوجه صرفها واستخدمها لمساعدة الشعب العراقی ودعم إعادة بناء العراق بنظامها الجدید(31)، إلا أن اجتثاث حزب البعث کان له نتائج عکسیة إلى حدٍ ما لأن الطائفة السنّیة فی العراق تأثرت سلبًا بحملة اجتثاث البعث، فضلاً عن الشعور بالإیذاء والإذلال تجاه قوات الاحتلال مما عمق من رفض العراقین لفکرة التواجد الأمریکی فی العراق(32).

3- حل المؤسسات الثقافیة والعسکریة: حل الکیانات المؤثرة فی النظام السیاسی العراقی سواء کیانات لها بُعد ثقافی أی تساهم فی تشکیل الوعی والرأی العام کوزارة الإعلام، أو الکیانات ذات بعد أمنی تعمل على حفظ النظام العام والتصدی للتهدیدات الأمنیة سواء کانت داخلیة أو خارجیة تحسبًا لانتماء القائمین علیها(33)، وذلک لإحلالها بمؤسسات جدیدة تتماشى والنظام الموالى الجدید(34)، ونتج على ذلک زیادة المشاعر المعادیة للولایات المتحدة وتزاید النشاطات المسلحة(35)، وتسبب قى خلل المنظومة الأمنیة مثل محدودیة قوات الأمن المطلوبة لعودة الاستقرار وهو ما تطلب إبقاء القوات الأمریکیة أو الدولیة لحین توافر الإمکانیات لاستبدالها بقوات الأمن العراقیة تحت قیادة الدولة الدیمقراطیة(36)، وکان المبرر من ذلک هو أن الأطراف الدولیة من مهمتها نشر آلاف من الشرطة الدولیة المسلحة لمراقبة وتدریب وتوجیه وممارسة عمل القوات المحلیة حتى إنشاء قوة شرطیة محلیة(37).

فمهام الإدارة الأمریکیة فی العراق هو إنشاء الجیش، وتدریب الشرطة، وتقویة قطاع العدالة، ودعم نزع السلاح، ومکافحة الجریمة، فربطت الولایات المتحدة بقاء قوتها فی العراق بعملیة التحول الدیمقراطی بها وأن انسحابها سیمثل تهدید أمنی على العراق فبمغادرتها ستصبح العراق فی حالة من الفوضى وحرب أهلیة، فالمعضلة الأساسیة تکمن فی مدى مشارکة السلطة العراقیة مع المجتمع الدولی للاحتفاظ بالقوة الکافیة للإشراف على تغییر النظام فى العراق لنظام دیمقراطی(38)، وبعد أن أدرکت قوات التحالف خطأ عملیة حل حزب البعث والجیش الوطنی العراقی، بدأت بإعادة عدد کبیر من القوات المسلحة العراقیة لکونه عنصر أساسی لانتقال متوازن للسلطة(39).

1- تشکیل مجلس الحکم العراقی: شکل فی 13 یولیو مجلس الحکم الانتقالی العراقی ضم 25 عضو، 13 عضوًا شیعیًا من بینهم الدکتور "أحمد ألجلبی" و"عبد العزیز الحکیم"، وعرب سنة من بینهم "عدنان باتشی" وزیر الخارجیة العراقی السابق و 5 من الأکراد من بینهم "مسعود بارزانی" زعیم الحزب الدیمقراطی الکردستانی و"جلال طالبانی" زعیم الاتحاد الوطنی الکردستانی وغیرهم(40)، أثار التشکیل انتقادات حول شرعیته وطبیعة تشکیله ومحدودیة اختصاصیته وأداؤه، فهو مجلس تابع للإدارة الأمریکیة "معین"، غلب على تکوینه طابع طائفی بعیدًا کل البعد عن القومیة العراقیة وکأن دوره تعزیز النزعة العرقیة ولیس إقامة دوله مدنیه، أما الصلاحیات التی أوکلت له کانت تفتقر للطابع السیادی فکان للحاکم المدنی الأمریکی حق نقض قراراته وهو ما شکل إشکالیه للمجلس، مما انعکس على أداؤه فمع بدایة تشکیل المجلس ظهر عدم التوافق فعلى سبیل المثال لم یتم التوافق حول اختیار رئیس مؤقت للمجلس، وغیرها من الموضوعات.

2- وضع دستور مؤقت أعقبه دستور دائم: وافق مجلس الحکم العراقی على دستور مؤقت للعراق عرف باسم قانون إدارة دولة العراق للفترة الانتقالیة، والذی صاغته سلطة التحالف المؤقتة بالتنسیق مع المجلس، نص هذا الدستور المؤقت على أن تکون "جمهوریة، فیدرالیة، دیمقراطیة، تعددیة" وأن "الإسلام هو الدین الرسمی للدولة ومصدراً للتشریع" و"اللغة العربیة واللغة الکردیة هما اللغتان الرسمیتان" وأن یتم إدارة الموارد الطبیعیة "توزیع الإیرادات الناتجة عن بیعها من خلال المیزانیة الوطنیة بطریقة متکافئة تتناسب مع توزیع السکان فی جمیع أنحاء البلاد"، و"الحکومة العراقیة المؤقتة ذات سیادة کاملة" فی 30 یونیو 2004م، وأن بریمر یتخلى عن سلطته قبل یومین لضمان رحیله الآمن عن البلاد(41)، ورکز الباب التاسع فیه على ضرورة مشارکة القوات المسلحة العراقیة مع القوات متعددة الجنسیات فی العراق، وجاء قرار مجلس الأمن رقم 1546 لعام 2004م، وحدد صلاحیات الحکومة المؤقتة فی العراق وعلاقتها مع القوات متعددة الجنسیات، ولم تمنح أی صلاحیات تؤثر على العراق تتجاوز الفترة الانتقالیة وحدد جدول زمنی یشمل عقد مؤتمر وطنی یمثل فیه جمیع فئات المجتمع فی یولیو 2004م لاختیار مجلس استشاری لعمل دستور دائم للعراق، والإعداد للانتخابات العامة، وتکون هناک حکومة منتخبة فی 31 ینایر 2015م، لتشـکیل جمعیـة وطنیـة انتقالیـة، تتـولى جملـة مسـؤولیات منـها تشـکیل حکومـة انتقالیـة للعـراق وصـیاغة دسـتور دائـم للعـراق تمهیـدا لقیـام حکومـة منتخبـة انتخابـا دستوریا بحلول ٣١ دیسمبر 2005م(42).

3- ممارسة دیمقراطیة شکلیة بإجراء استفتاءات وعدد من العملیات الانتخابیة: أحدثت الانتخابات جدل حول أهمیتها وجدواها وعلى الرغم من طلب البعض تأجیلها بعد تحسن الأوضاع الأمنیة فی العراق، إلا أن الخوف من ترسیخ انطباع بفشل سلطة التحالف وتوفیر فرصه أمام المتطرفین لإجراء عملیات إرهابیة بالعراق، أو تشجیع بعض الطوائف على التطرف، فتم إجراء عدد من الانتخابات کانتخاب مجلس الأمة العراقی بنظام انتخاب القوائم النسبیة، وانتخاب حکومة مؤقتة لمده 9 شهور وغیرها، ولعبت الإدارة الأمریکیة الدور الأکبر فی إبرامها سواء بعمل الإطار التشریعی الذی أُجری على أساسة الانتخابات العراقیة وأعده بریمر، والإداری الذی شکل مفوضیة الانتخابات(43).

بالإضافة إلى إن هناک محاور أخرى تم التدخل لتغیرها مثل:

 الإعلام: فقد تم إلغاء وزارة الإعلام وسمح بإصدار عدد کبیر من الصحف والإذاعات والمحطات التلفزیونیة، دون حریه مطلقه فقد قیدتها السلطة الأمریکیة بحظر نشر أی مواد إعلامیة تدعو أو تشیر إلى النظام السابق(44).

 الاقتصاد: تم اتخاذ عدد من الخطوات التی من شأنها تغیر النظام الاقتصادی فی العراق الذی اعتبرته الإدارة الأمریکیة أنه محور هام سینعکس على الحریة السیاسیة، ومنها على سبیل المثال تغیر العملة العراقیة فتم تبدیل الدینار القدیم بأخر جدید، عن طریق البنک المرکزی العراقی عمل تحت إشراف سلطة الائتلاف المؤقتة(45).

 التعلیم: قام کبیر مستشاری سلطة الائتلاف المؤقتة بوزارة التعلیم استجابة لطلب الإدارة الأمریکیة بإدراج ثلاث أولویات لتغییر نظام التعلیم فی العراق کإصلاح البنیة التحتیة للمدارس، وبناء القدرات، وإصلاح المناهج الدراسیة، وحدد بریمر ومستشاروه هدفً إعادة تأهیل 1000 مدرسة ورفع مرتبات المعلمین من ما یعادل 3 إلى 150 دولارًا شهریًا وبدأت طباعة وتوزیع کتب دراسیة جدیدة خالیة من أی ماده علمیة عن النظام السابق(46)، وغیرها.

 

 

 

تحدیات إعادة بناء العراق وتحولها لنظام حکم دیمقراطی:

هناک العدید من التحدیات التی أعاقت تغییر نظام الحکم فی العراق لنظام دیمقراطی بسهوله ویمکن تصنیف هذه التحدیات إلى تحدیات داخلیة وإقلیمیة ودولیة.

1- التحدیات الداخلیة ذات الطابع المحلى: افتقار العراق للأسس الدیمقراطیة فالعراق لدیه نظام حکم عمیق، وانقسامات طائفیة وعرقیة متجذرة وغیر مستقرة ونظام حکم غیر دیمقراطیة، وتحیط به دول بعیده عن انظم الحکم الدیمقراطیة، فیمیل المواطنین إلى التعصب للقبلیة وضعف الهویة الوطنیة فلم تعمل الهیاکل السیاسیة التی أنشأتها بریطانیا بعد الحرب العالمیة الأولى على حل هذه الإشکالیة وظل العراق بلا تقلید للدیمقراطیة التعددیة فکان النظام السیاسی نظام استبدادی ویتجه لتسویة النزاعات بالقوة(47)، وعلى الرغم من وجود إحساس بالهویة الوطنیة العراقیة لدى العراقیین إلا أن هذا لا یلغی أشکال الهویة الفئویة المتعصبة سواء کانت اثنیه أو جغرافیة أو قبلیة أو دینیة، فمعظم السکان الأکراد والشیعة لیس لدیهم تقلید حقیقی للتمثیل فی المجتمع السیاسة العراقیة، بالإضافة إلى أن الطبقة الوسطى العراقیة التی ظهرت فی منتصف القرن العشرین والتی وفرت الأساس لمجتمع مدنی حجمت بسبب الإضرابات والعقوبات التی تم فرضها لأکثر من عقدین على نظام صدام حسین(48)، فواجهت العراق التحدیات المتوقعة لمجتمع یخرج من فترة حکم شمولی یحتاج إلى إصلاح مؤسسی فی الجهاز البیروقراطی والأجهزة الأمنیة وتحقیق العدالة لضحایا انتهاکات حقوق الإنسان، وإصلاح اقتصادی شامل یستطیع التواجد فى الأسواق العالمیة.

2- التحدیات الإقلیمیة: بسبب الظروف الدبلوماسیة الشائکة التی سببها التدخل لتغییر النظام السیاسی العراقی مع الدول المجاورة الرافضة للحرب ولدیهم مصلحة للتدخل فی تشکیل السیاسة العراقیة وربما فی زعزعة الاستقرار وغیرها.

3- التحدیات الدولیة: لم تکن الولایات المتحدة قادرة على القیام باستعدادات ما قبل الحرب التی کان من شأنها أن تخفف من المرحلة انتقالیة لما بعد الحرب، مثل تنسیق الإغاثة الإنسانیة مع الأمم المتحدة والمنظمات غیر الحکومیة، وتنظیم قوات الشرطة المدنیة الدولیة، وإنشاء سلطة سیاسیة دولیة لدحض الشکوک العربیة من تدخلات الولایات المتحدة، فأی تدخل خارجی لمحاولة تحقیق تغییر النظام فی العراق کانت ستواجه بهذا الکم من التحدیات(49).

أی إن بناء الدولة القومیة یتطلب بالإضافة إلى محفز أجنبی کـ(الولایات المتحدة) شروطًا مثل احتیاجات السکان المحلیین والتکامل الوطنی والهویة والوحده الوطنیة، فی إعادة بناء الدولة القومیة عمل صعب خصوصا مع غیاب العوامل المحلیة ویعتقد هنری کیسنجر أن التدخل الخارجی لتغییر النظام ولبناء نظام دیمقراطی یجب أن تکون الدیمقراطیة متجذرة فی العوامل المحلیة، ولن تزدهر إلا عندما تعکس الخلفیات الثقافیة والتاریخیة والمؤسسیة"(50).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خاتمة:

سعت الباحثة من خلال هذا المقال إلى بیان رؤیة بوش للهیمنة الأمریکیة، وسیاسة الولایات المتحدة تجاه تغییر النظم فى العراق بعد 11 سبتمبر 2001م، فضلاً عن إلقاء الضوء على سیاسة إدارة بوش لترسیخ تغییر النظم من خلال إعادة بناء الدولة العراقیة.

وقد توصلت الباحثة إلى عدد من النتائج یمکن إجمالها على النحو التالی:

1) مثل الغزو الأمریکی للعراق نمط لتعامل الولایات المتحدة مع دول المنطقة من خلال أسلوب الهیمنة الواقعیة المعتمد على الانفرادیه، فاستخدمت الولایات المتحدة القوه من جانب واحد ولم تلتزم بقواعد النظام الدولی، لما له من انعکاس ایجابی على تحقیق مصالحها والحفاظ على هیمنتها على النظام العالمی، واستطاعت تغییر القیادة العراقیه فأطاحت بالرئیس صدام حسین.

2) سعت الولایات المتحده للسیطره على کل مفاصل الحیاة فی العراق، فلم تکتفى بتغییر القیاده وعملت على البقاء فى العراق لإعادة بناء الدوله العراقیة فأشرفت على هیکلة العملیة السیاسیة، فتم اتخاذ عدد من الإجراءات کحل حزب البعث والجیش العراقی، وامتد التدخل للتأثیر على نظم معتقداتهم من خلال محاور التعلیم والثقافة والإعلام، کل ذلک لخلق نواة للنظم الدیمقراطیة فى منطقة الشرق الأاوسط، واستطاعت الولایات المتحدة أن تسیطر على العراق من خلال استراتیجیات عدة تحقق عوائد الهیمنه للولایات المتحدة.

3) تسبب توغل الإدارة الأمریکیة لإعادة بناء العراق وتبنیها هذا نمط من الهیمنة الواقعیة فی عدد من المشکلات نتیجة الفشل فی إجراء تقییم دقیق لـ (طبیعة القومیة العراقیة، والمستوى الحقیقی للاختلافات الثقافیة، وحجم المشاکل العرقیة) مما انعکس على ضعف الرضا العام بین العراقیین، بالإضافة إلى الافتقار النوعی والکمی للعناصر المدنیة اللازمة لبناء الدولة واستقرارها.

4) مثلت مرحلة إعادة بناء الدولة العراقیة صعوبه نتیجة لکون النموذج الدیمقراطی المرجو افتقد توافر شرطین رئیسین للتدخل لتغییر النظام وإعادة بناء الدولة الأول: الخبره دیمقراطیة سابقة فنظام الحکم فی العراق اعتمد على الحاکم الواحد لفترة زمنیه طویلة، الثانى: کم الاختلافات الاثنیه الضخم التی تطغى على الهویة الوطنیة فالتعصب للمجتمعات الصغیرة ( القبیلة) أعلى بکثیر من التعصب للهویة الوطنیة، وهما مؤشران لإشعال فتیل الحروب الأهلیة بالعراق، وکأن الغرض من التدخل فی العراق لیس فقط بناء الأمة وتغییر النظام لنظام موالى للولایات المتحدة یساهم فی فرض هیمنتها خصوصا فی منطقة الشرق الأوسط، ولکن لتحقیق هدف بدیل فی حالة فشل سیناریو بناء الدولة الدیمقراطیة بتلافی خطر الإرهاب الذی یهدد الداخل الأمریکی وذلک بالعمل على تحجیمه وتمرکزه فی بؤر أخرى وخلق قضایا صراعیة تتناسب وطبیعة الجماعات المتطرفة فی بیئة متوترة کالشرق الأوسط ولیس فی بیئة مستقرة کالولایات المتحدة.

 

 

المراجع:

1) William Newmann, "Hegemonic Disruption The Asymmetric Challenge to US Leadership", Strategic Studies Quarterly, Vol 5 no. 3,Fall 2011, pp67:68

2) محمد کمال، "الفکر المحافظ والسیاسة الخارجیة الأمریکیة"، منتدى الدراسات الأمریکیة، کلیة الاقتصاد العلوم السیاسیة: مرکز الدراسات الأمریکیة، جامعة القاهرة، العدد 5، نوفمبر2004، ص23

3) المرجع السابق

4) محمد کمال، "الدیمقراطیة على الأجندة الأمریکیة"، مجلة الدیمقراطیة، العدد 13، ینایر 2004، ص ص 27: 32.

5) Joseph nye, Transformational Leadership and US Grand Strategy,‘ Foreign Affairs, Vol. 85,No. 4, 2006, p.139

6) Ibid

7) Ibid

8) Paul Wolfowitz," DoD News Briefing - Deputy Secretary Wolfowitz", 13Sep 2001, http://www.dartmouth.edu/~govdocs/docs/iraq/dod.htm, Access Date25-8-2017

9) Kenneth Katzman, "Iraq: U.S. Efforts to Change the Regime, Congressional Research Service", The Library of Congress ,8 Jan 2003, p9:10

10) Ibid

11) عمر الحسان، الدیمقراطیة الجدیدة، أمواج للنشر والتوزیع، عمان، الأردن، 215م، ط1، ص44.

12) Bush: 'Leave Iraq within 48 hours', http://edition.cnn.com/2003/WORLD/meast/03/17/sprj.irq.bush.transcript/

13) President Discusses Beginning of Operation Iraqi Freedom, 22 mar 2003 ,avelible at (https://georgewbush-whitehouse.archives.gov/news/releases/2003/03/20030322.html),

14) موسوعة مقاتل من الصحراء: العلاقات الإسرائیلیة الأمریکیة،

http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Siasia21/Isar-Ameri/sec16.doc_cvt.htm (تاریخ الدخول الخمیس الموافق 25 یونیو 2020م).

15) المستشار الاقتصادی للرئیس جورج بوش

16) Bob Davis, "Bush Economic Aide Says the Cost Of Iraq War May Top $100 Billion", the Wall Street Journal ,16 sepm2002, at {http://www.wsj.com/articles/SB1032128134218066355}

17) George w .bush, "President Bush Addresses the Nation", 19 mar 2003 https://georgewbush-whitehouse.archives.gov/news/releases/2003/03/20030319-17.html,

18) Raymond Copson, Iraq War: Background and Issues Overview, Report for Congress, 22 April ,2003, pp3:4

19) William I. Robinson, "What to Expect from US “Democracy Promotion” in Iraq, New Political Science", University of California , Vol 26, No 3, Sep 2004,pp442:447

20) Ibid

21) Ibid, p446

22) Ibid, p445.

23) محسن عوض، الاصلاح السیاسی فی العراق، تحریر: د. مصطفى کامل، الاصلاح السیاسى فى الوطن العربى، مرکز دراسات وبحوث الدول النامیة، القاهرة 2006، ص 361.

24) المرجع السابق

25) Larry Diamond, Squandered Victory: The American Occupation and the Bungled Effort to Bring Democracy in Iraq, (New York: Henry Holt and Company, 2005) ,pp 71:72

26) Ibid, pp 273:274

27) للمزید من التفاصیل حول هذا المعنى انظر: مجموعة مؤلفین، العرب والولایات المتحدة الأمیرکیة: المصالح والمخاوف والاهتمامات فی بیئة متغیرة، المرکز العربی للأبحاث ودراسة السیاسات، الدوحة، قطر، 2014م، ص220.

28) Paul Bremer, "coalition provisional authority order oumber 1", p1 https://nsarchive2.gwu.edu/NSAEBB/NSAEBB418/docs/9a%20-%20Coalition%20Provisional%20Authority%20Order%20No%201%20-%205-16-03.pdf

29) Ibid

30) ibid,p2

31) Paul Bremer, "coalition provisional authority order number 2",p1 https://nsarchive2.gwu.edu/NSAEBB/NSAEBB418/docs/9b%20-%20Coalition%20Provisional%20Authority%20Order%20No%202%20-%208-23-03.pdf

32) Larry Jay Diamond, Op, Cit ,p 234

33) Paul Bremer, "coalition provisional authority order number 2" ,Op, Cit, pp 4:5

34) Ibid

35) Gareth Stansfield , The transition to democracy in Iraq: historical legacies, resurgent identities and reactionary tendencies, In: Alex Danchev & john Macmillan (eds), The Iraq war and democratic politics, (New York: Routledge, 2005), p115

36) Noah Feldman , What We Owe Iraq: War And The Ethics of Nation Building. Princeton, (U.S.A: Princeton University Press,2004), p81

37) Larry Diamond, Op, cit, p 306

38) Ibid

39) Noah Feldman , What We Owe Iraq: War And The Ethics of Nation Building. Princeton, (U.S.A: Princeton University Press,2004), p127

40) Iftikhar Malik, Afghanistan and Iraq: faied state or democracy on hold?, In: Alex Danchev & john Macmillan (eds), The Iraq war and democratic politics, ( UK : Routledge, 2005) ,p12

41) Paul Bremer, My Year in Iraq: The Struggle to Build a Future of Hope, (U.S.A: Simon & Schuster, 2006), pp 392–395

42) قرار مجلــــس الأمـــــن فـــی جلستـــه ٤٩٨٧ المعقـودة فی ٨ یونیه 2004، مجلس الامن، الامم المتحده، ص1

https://undocs.org/ar/S/RES/1546(2004)

43) نصیر محمد ومجموعة باحثین، الاحتلال الامریکى للعراق صوره ومصائره، مرکز دراسات الوحده العربیه، بیروت، 2006، ص95

44) محسن عوض، مرجع السابق، ص375

45) بول بریمیر، الأمــر رقـم 43 الصـادر عـن سلـطـة الإئتــلاف المـؤقـتة، أوراق نقـد الـدیـنـار العـراقی الجـدیـد، 14 اکتوبر 2003، ص1

46) L. Paul Bremerm, with Malcolm McConnell,Op, Cit, pp 69, 115

47) James Dobbins, John McGinn, Keith Crane, Seth Jones, Rollie Lal, Andrew Rathmell, Rachel Swanger, and Anga Timilsina, America’s Role in Nation-Building: From Germany to Iraq, (U.S.A: RAND, 2003) ,pp 168: 169

48) Ibid,p169

49) Ibid 169:170

50) Henry Kissinger, Intervention with a vision, In: Gary Rosen (ed), The right war? The conservative debate on Iraq, (UK: Cambridge university,2005) ,pp 49: 53.